• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : الخطيب ومعرفة القدر .
                          • رقم العدد : العدد الخامس والعشرون .

الخطيب ومعرفة القدر

 الخطيب ومعرفة القدر

إياك أن تُعجب من نفسك وإياك أن تتكلم بما تسبق إلى القلوب إنكاره. الإمام علي بن الحسين عليهما السلام.

إن على الخطيب الذي ينوي بحث موضوع معين والتوغل فيه أن يكون عالماً به، ليفصّل موضوع البحث للمستمع عن وعي ومعرفة ويقنعه بمنطق استدلالي محكم، ولكن إلى جانب هذه المعرفة ينبغي للخطيب أن يعرف حده ويعلم مستواه وقيمة معلوماته كي لا يأخذه الغرور ولا يتخطى حدود صلاحيته العلمية وكفاءته ومقدرته.

وهذا الموضوع احتل حيزاً مهماً من وصايا الرسول الأكرم(ص) والأئمة عليهم السلام وتوالت نصائحهم للأمة في مراعاة الحد في الشؤون العلمية وسائر أمور الحياة، وذكّروا بتعابير مختلفة بالأعراض الخطيرة لتجاهل هذا الحد أو جهله.

عن النبي (ص) : "هلك أمرؤ لم يعرف قدره وتعدى طوره".

وعن الإمام علي عليه السلام قال: "العالم من عرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره".

إن معرفة القدر أو الحد هي من الخطورة، بمكان كبير حتى أن الإمام علي عليه السلام جعل تجاوز الحد والقدر دلالة على انعدام العقل، قال(ع):
" لا عقل لمن يتجاوز حده وقدره"

ومن أجل أن يبين قادة الإسلام وأئمته معنى معرفة الحد العلمي ويوضحوا قدر هذه المعرفة أولوا أهمية لجميع أبعادها، ومنعوا في بعض الحالات على غير العلماء إطلاق بعض الكلمات أو المصطلحات التي من صلاحية العلماء والمفكرين التحدث بها وإطلاقها.

عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال: "للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك"

هذا الحديث يحدد معياراً ينبغي بالجميع مراعاته، فيعرف كل منا قدره وحدّه دائماً وأبداً، ويتجنب النطق بكلمات ليست من شأنه ومستواه، ولا يتخطى حدود صلاحيته.

عن الإمام علي عليه السلام قال: "من وقف عند قدره أكرمه الناس، ومن تعدى حدّه أهانه الناس".

وما يلزم ذكره هنا: أن على الخطيب الإسلامي أن يعرف حده ويقف عنده ليس من الناحية العلمية فحسب، بل عليه أن يأخذ بعين الاعتبار غيرها من المناحي ولا يتجاوز حدوده فيها، نشير فيما يلي إلى بعض منها:

 

النزاهة والتقوى

الخطيب الذي يعرف حده من ناحية التقوى والصلاح ويعي انزلاقاته اللغوية، عليه أن ينضم إلى الناس عندما يتربع على كرسي الخطابة، لا يحق لنا نحن المسلمين الاغتياب والكذب والفتنة، وطالما استمرت هذه الرذائل الأخلاقية تنخر فينا، فإننا نعاني من الاختلاف والشقاق وسوء الظن، ولكن إذا تجاهل الخطيب ذلك وخاطب الناس فقط بقوله: لا تغتابوا ولا تكذبوا ,... فإن خطبته لن تترك الأثر المطلوب في المستمعين، فضلاً عن أن الخطيب بنفسه يكون مصداقاً لقول الإمام علي عليه السلام: "يقبح على الرجل أن ينكر على الناس منكرات وينهاهم عن الرذائل والسيئات وإذا خلا بنفسه ارتكبها ولا يستنكف من فعلها".

 

الوزن الاجتماعي

يجدر بالخطيب أن يعرف حده من ناحية قدره ومكانته الاجتماعية، ويضع لكل مقام مقال ولا يتخطى حده فستوجب الإهانة مما لا يرضاه الإسلام.

الغرور ومعرفة القدر

من العوامل التي قد تطبع الخطيب بآثار سيئة وتجعله ينسى حده على منبر الخطابة ويتجاوز قدره ويحلق في عالم الغرور، التعالي العلمي الذي قد تلتحق به في حالات معينة أنواع أخرى من الغرور والتعالي فيتضاعف جهله بحدّه، الأمر الذي يحول دون إدراك الخطيب الحقائق ويحجب عنه النظرة الواقعية.

ووصف الإمام علي عليه السلام ضآلة الوعي لدى المغرورين ونسيان أنفسهم بالسكر، وجاء في الرواية المأخوذة عنه عليه السلام:
"ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال وسكر القدرة وسكر العلم وسكر المدح وسكر الشباب فإن لكل ذلك رياح خبيثة تسلب العقل وتستخف بالوقار"([1]).

إن الخطيب المتضلع في العلوم نسبياً يواجه خطر الغرور العلمي، يضاف إليه غرور الثناء والمديح إن أستحسن الناس منطقه وكالوا له المديح، ويلتحق بهما غرور الشباب لو كان شاباً في مقتبل العمر، وبمقدور عناصر الغرور الثلاثة المذكورة أن تصيبه بالسكر والغفلة وتجعله يجهل حده وينسى قدره وقيمته ويتجاوز نطاقه ويجر نفسه إلى السقوط.

معرفة القدر لدى الشاب

من الأمور التي تستوجب الذكر في بحث معرفة الحد المسؤولية الأخلاقية للشاب في تكرم الشيوخ واحترامهم، وهو ما عبرت عنه التوصيات الإسلامية بأشكال شتى وأكدت على جيل الشباب الالتزام به.

عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: "جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيخ وشاب فتكلم الشاب قبل الشيخ، فقال النبي(ص): الكبير الكبير"([2])

فإذا كان الخطيب الإسلامي وهو المربي الأخلاقي شاباً ، فعليه أن يراعي هذا الواجب قبل غيره من أفراد المجتمع، ويتحدث بما يحفظ احترام الشيخ والكبير إن واجهه وهو على المنبر أو في المجالس العادية وتطلب الأمر التحدث إليه أو انتقاده.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: " بجلّوا المشايخ فإن تبجيل المشايخ من إجلال الله عز وجل ومن لم يبجلهم فليس منا"([3]).

صفوة القول: فإن تخطي الخطيب لحده على كرسي الخطابة يؤثر سلبياً عليه، ويسمه بأعراض وآثار سيئة أشار إلى بعضها الإمام علي عليه السلام في إحدى كلماته: "إياك وكل عمل ينفر عنك حراً ويُذل لك قدراً ويجلب عليك شراً وتحمل به يوم القيامة وزراً"([4]).



[1] كتاب غرر الحكم ص 862

[2] كتاب مشكاة الأنوار ص 168

[3] كتاب مشكاة الأنوار ص 168

[4] كتاب غرر الحكم ص 156


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=516
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 12 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20