سورة هود ومسار النبوة والانبياء
إعداد الشيخ سمير رحال
وهي الحادية عشرة في المصحف، وآياتها 123 آية
ولا يعرف لها اسم غير ذلك، وكذلك وردت هذه التسمية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
في حديث معروف عن النّبي صلى اللّه عليه و آله وسلّم أنّه قال: «شيبتني سورة هود»[1]
وفي حديث آخر أنّه حين لاحظ أصحاب النّبي آثار الشيب قبل أوانه على محيّاه صلى اللّه عليه و آله وسلّم قالوا: يا رسول اللّه، تعجّل الشيب عليك. فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم «شيبتني سورة هود و الواقعة»[2].
و في روايات أخرى أضيف أيضا سورة المرسلات و سورة النبأ عَمَّ يَتَساءَلُونَ و سورة التكوير وغيرها إلى هاتين السورتين.
وهود عليه السلام هو أول رسول الى قوم عاد، وعاد أول أمة من نسل سام بن نوح، وقد تحدّث القرآن كثيرا عن هود فيمن تحدّث عنهم من رسل اللّه الكرام وقد ذكر باسمه خمس مرات في هذه السورة التي سميت باسمه.
سورة هود مكيّة
وقد استثني منها ثلاث آيات
الأولى: قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» هود 12
لكن السياق يشهد- صراحة- بأنّها مكيّة. وقد روي في سبب نزولها ما يجعلها أيضا مكيّة قطعيّا[3].
الثانية: قوله تعالى: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» هود 17
استشهد من قال بمدنيتها بقوله: «كتاب موسى». وبقوله: «من الأحزاب».
لكن لا شاهد فيهما، بعد أن جرى ذكر موسى في كثير من آيات مكيّة.
والاحزاب إشارة الى قبائل عربيّة متحزّبة ضدّ الرسول، وقد كانت تحزّبت منذ أن شعر المشركون بخطر نفوذ الإسلام في الجزيرة وسرعة انتشار الدعوة[4].
ولا شاهد على إرادة وقعة الأحزاب.
الثالثة: قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» هود 114
ففي أكثر الروايات: ثم تلا عليه الآية، وليس فيها أنّها نزلت حينذاك... والصحيح : أن سورة هود مكيّة بأجمعها، نظرا لوحدة سياقها.[5] وهذا راي جملة من المفسرين.
وطبقا لما صرّح به بعض المفسّرين فإنّ هذه السورة نزلت في السنوات الأخيرة التي قضاها النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بمكّة، أي بعد وفاة عمّه «أبي طالب عليه السّلام» وزوجته «خديجة عليها السّلام» ... وبطبيعة الحال فإنّ هذه السورة جاءت في فترة من أشد الفترات صعوبة في حياة النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم حيث كان يعاني فيها من ضغوط الأعداء وأراجيفهم الإعلامية الحاقدة المسمومة أكثر ممّا عاناه في السنوات السابقة.
ولذلك يلاحظ في بداية السورة تعابير فيها جانب من التسلية للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وللمؤمنين.
الخلاصة الإجمالية لسورة هود عليه السلام
سورة هود من السور المكّيّة كما تقدم ، فشأنها كشأن السّور المكّيّة الأخرى:
تقرير أصول الدين، وإقامة الأدلة عليها وردّ الشّبه التي كان يثيرها المعارضون حول الدعوة وصاحبها، والحديث عن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب.
وتتضمّن سورة هود إثبات الوحي، وتنزيل القرآن من عند اللّه سبحانه، وتثبيت الرسول (ص)، وتقوية يقينه مع من آمن به من المؤمنين.
فاشتملت على أصول عقائد الإسلام واهمها توحيد الله:
وهو أول ما دعا إليه محمد رسول الله وخاتم النبيين - صلى اللّه عليه وآله وسلم - وأول ما دعا إليه جميع من قبله من رسل الله عز وجل ، أعني عبادة الله وحده ، وعدم عبادة شيء غيره أو معه ( ألا تعبدوا إلا الله) – وهذا ما دعا إليه نوح - عليه السلام - في الآية ( 26 ) منها ، وفي معناه أول ما دعا إليه هود في الآية ( 50 ) وصالح في الآية ( 61 ) وشعيب في الآية : قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره 84
ثم عن صفاته وتدبيره لأمور عباده وسننه في الخلق والتقدير ، والتصرف والتدبير
كما تحدثت عن الوحي ممثلاً ب " القرآن العظيم " وإثبات رسالته - صلى اللّه عليه وآله وسلم - به
وبيان إحكام آياته ثم تفصيلها من لدن حكيم خبير
وتحديهم بالإتيان بعشر سور مثله
وقصص الرسل مع أقوامهم ورسالة النبي محمد - صلى اللّه عليه وآله وسلم وهي متضمنة لأصول دين الله ( الإسلام ) على ألسنة جميع الرسل ، وهي : التوحيد والبعث والجزاء والعمل الصالح
وجملة القول في قصص الرسل مع أقوامهم أنها دلائل واضحة على رسالة خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم - وإعجاز كتابه وكونه من عند الله تعالى أكمل به دينه، ووجوه الدلالة فيها كثيرة من عقلية وعلمية واجتماعية وتاريخية وغيبية
من الأخلاق والفضائل النفسية والعملية البدنية وفي السورة حديث في جملة
كاستغفار الرب ، والتوبة إليه من كل ذنب والصبر والعمل الصالح المطلق والإخبات إلى الرب عز وجل والاستقامة كما أمر الله تعالى وإقامة الصلاة في أوقاتها والتوكل على الله عز وجل والاصلاح.
تركيب السورة ومقاطعها الاساسية
يمكن تقطيع السورة الى ثلاث مقاطع اساسية ذات موضوع محوري
المقطع الاول : إثبات تنزيل القرآن _ الآيات [1- 24]
قال اللّه تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود 1)
فأقسم بهذه الحروف انه كتاب أحكمت آياته ثم فصّلت وأنه أنزله كذلك ليعبدوه، ويستغفروه ويتوبوا إليه.
ثم عاد السياق الى الحديث عن القرآن، فذكر تعالى للنبي (ص) أنه لعله يترك بعض ما يوحي إليه منه ويضيق به صدره .
ثم ذكر أنّهم يزعمون أنه افتراه عليه، وأمره أن يتحدّاهم .
ثم أمرهم إن لم يستجيبوا لهذا التحدّي، أن يعلموا أنه إنما أنزل بعلمه
ثم نهى النبي (ص) على سبيل التعريض أن يكون في مرية منه: إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ..(17)
وأنهم ما كانوا يستطيعون سماع القرآن، وما كانوا يبصرون هديه ؛ ثم أتبع هذا بوعد المؤمنين بأنهم أصحاب الجنة هم فيها خالدون
وضرب مثلا للفريقين فقال سبحانه: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (24).
المقطع الثاني : تثبيت النبي (ص) بالقصص على تكذيبهم الآيات [25- 99]
عرض مواقف الرسل- صلوات اللّه وسلامه عليهم- وهم يتلقون الإعراض والتكذيب، والسخرية والاستهزاء، والتهديد والإيذاء، بالصبر والثقة واليقين بما معهم من الحق وعاقبة اقوامهم وعقوبتهم نتيجة كفرهم . وما أولاهم اللّه من رعايته ونصره.
الخاتمة الآيات [100- 123]
تبدأ من قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ (100)
ثم ذكر أنه قد أنزل على موسى التوراة من قبله، فاختلفوا فيها كما اختلف قومه فيما أنزل اليه
ثم أمره أن يستمر على استقامته، وأمره أن يستمر على إقامة الصلاة في أوقاتها، وأن يصبر على تكذيب قومه له: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115).
ثمّ عاد سبحانه الى أولئك الذين قصّت أخبار هلاكهم، فذكر سبحانه أنه لم يكن فيهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجاهم، وأنه لم يكن ليهلك تلك القرى بظلم وأهلها مصلحون.
ثم ذكر للنبي (ص) ما قصّ من أنباء الرسل ليثبّت به فؤاده، وأنه جاءه في هذه السورة القصص الحقّ وموعظة وذكرى للمؤمنين، وأمره أن يخبر الذين لا يؤمنون بما جاء فيه من الوعيد بالعذاب.
القصص في سورة هود
القصص في هذه السورة هو قوامها، إذ عدد آياتها (123) مائة و ثلاث وعشرون آية، يشتمل قصص الأنبياء منها على (89) تسع و ثمانين آية.
لكن القصص لم يجئ فيها مستقلا، بل جاء مصداقا للحقائق الكبرى التي جاءت السورة لتقريرها، وهي التوحيد والبعث والجزاء.
وقد كان المشركون فى مكة يعبدون أوثانا ويعاندون ويجحدون ويؤذون، فناسب أن يذكر سبحانه قصص النبيين الذين جاءوا فى بلاد العرب وجوبهوا بالعناد والجحود والاستهزاء والسخرية ليتأسى بهم النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم وليعرفوا عاقبتهم إذا استمروا فى عنادهم.
ويتّبع القصص، في هذه السورة، خط سير التاريخ، فيبدأ بنوح، ثم هود، ثم صالح، و يلم بإبراهيم عليهم السلام في الطريق إلى لوط ثم شعيب ثم إشارة الى موسى عليهم السلام ؛ و يشير الى الخط التاريخي، لأنه يذكّر التالين بمصير السالفين.
لمحات من سيرة هؤلاء الرسل.
ملاحظة : إن ما ذكر من القصص ليس تكرارا لما ذكر فى غير سورة هود، و لكن كلما كان هناك إشارة كان هنا بيان، فقصة الفلك مثلا ذكرت هنا مفصلة مبينة، وذكرت فى غيرها مشارا إليها، وكذلك قصة لوط كان فيها إجمال و تفصيل، الإجمال كان فى الفساد، و فصّل الهلاك حيث إن تفصيل الفساد كان فى سورة أخرى كما أشير إلى الهلاك.
قصة نوح (عليه السلام)
ألمحت سورة يونس إلى قصة نوح (عليه السلام)فذكرت الحلقة الاخيرة منها، وهي غرق الكافرين ونجاة المؤمنين. ولكن سورة هود تعرضت لقصة نوح بمزيد من التفصيل خلال أربع وعشرين آية: من الآية 25 الى الآية 49.
تناولت دعوة نوح الى اللّه، وجداله مع قومه وصنعه السفينة، وتعرّضه لسخرية قومه، ثم فوران التنور، واكتساح الطوفان، وعود الحياة سيرتها.
أجاب قوم نوح على دعوته بثلاثة إشكالات
الأوّل: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا زعما منهم أن الرسالة الإلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر
وقد قالت قريش مثل هذا القول للنبى صلى اللّه عليه وآله وسلم وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ... (7) [الفرقان]
والإشكال الثّاني: وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ
و«الأراذل» جمع ل «أرذل» تعني الموجود الحقير، سواء كان إنسانا أم شيئا آخر غيره
بما أنّ الأنبياء ينهضون للدفاع عن المستضعفين قبل كل شيء، فأوّل جماعة يستجيبون لهم ويلبّون دعوتهم هم الجماعة المحرومة و الفقيرة، ولكن هؤلاء في نظر المستكبرين الذين يعدّون معيار الشخصيّة القوة والثروة فحسب يحسبونهم أراذل و حقراء.
الإشكال الثّالث:
وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ
وهذه حجج واهية يكررها اقوام الانبياء في وجههم ورد الله عليهم على لسان الانبياء عليهم السلام في العديد من السور .
قصة هود(عليه السلام)
فأما عاد، فكانوا قبيلة تسكن الأحقاف«والحقف كثيب الرمل المائل» في جنوب الجزيرة العربية.
وقد ذكرت قصة هود في سورة الأعراف من الآية 65 إلى الآية 72، وفي سورة الشعراء من الآية 123 إلى الآية 140، ثم ذكرت هنا في سورة هود من الآية 50 الى الآية 60.
وتذكر الآيات معارضتهم لهود وإنكارهم عليه، واعتقادهم أن آلهتهم أنزلوا به الجنون والاضطراب، فيتبرّأ هود من آلهتهم ويتحدّاهم
وتذكر الآيات خاتمة أمر هود مع قومه، على حسب سنة اللّه في نصرة أوليائه و خزي أعدائه.
قصة صالح مع ثمود(عليه السلام)
وتستمرّ «سورة هود» فتعرض قصة النبي صالح مع ثمود ، ودعوته لهم إلى دين اللّه
وأما ثمود، فكانت قبيلة تسكن مدائن الحجر- بين تبوك والمدينة- و بلغت كل منهما في زمانها أقصى القوة و المنعة والرزق والمتاع. ولكن هؤلاء وهؤلاء كانوا ممّن حقت عليهم كلمة اللّه، بما عتوا عن أمر اللّه واختاروا الوثنية على التوحيد، وكذّبوا الرسل شرّ تكذيب.
وقال لهم كما ورد في التنزيل: وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ [الآية 64].
ولكنهم عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، فنجّى اللّه صالحا ومن معه من المؤمنين، وأرسل صيحة عاتية أهلكت الكافرين، فصاروا جثثا هامدة، وأصبحت ديارهم خاوية خالية: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68).
والقصة الرابعة قصة إبراهيم(عليه السلام) :
وكان أول من أضاف من الأنبياء، وكان كريما وعنه ورث العرب الكرم، وبشّره الملائكة وزوجته: بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71)، وأخبروه بأنهم أرسلوا لهلاك قوم لوط .
والقصة الخامسة: هى قصة لوط (عليه السلام)مع قومه
وكانوا يأتون الذكران، فأمر الله لوطا وأهله إلا امرأته أن يخرجوا من قريتهم، ثم أمطر عليها حجارة من سجّيل منضود: مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83). والسجيل هو الطين لقوله تعالى: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) (الذاريات).
والقصة السادسة: هى قصة شعيب(عليه السلام) مع قوم مدين
ولما جاء أمره بهلاكهم نجّى شعيبا ومن آمن به، وأخذت الكافرين الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
والقصة السابعة: هى قصة موسى (عليه السلام)مع آل فرعون.
ذكر أنه أرسل موسى الى فرعون وقومه وقد مضت قصّتهم في سورة يونس، ولكنه لم يفصّلها هنا كما فصّلها هناك، وإنما ذكر تعالى أنهم خالفوه واتّبعوا أمر فرعون، فأوردهم النار، وبئس الورد المورود.
ونهايات القصص كلّها، هلاك المكذّبين وعقوبة المعتدين، ووعيد لجميع المتكبّرين عن الإيمان بالحق، والانقياد للعقيدة الصحيحة، قال تعالى: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102).
ثم يختم القصص في سورة هود بقوله تعالى:
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120).
وتمتلئ هذه القصص بتفاصيل لا يوجد مثلها فى كتب الأقدمين، بل إن أنبياء كشعيب وصالح وهود لا وجود لهم البتة، لا فى كتب اليهود، ولا فى كتب النصارى، حتى أن المستشرقين ليعجبون: ما ذا كانت مصادر محمد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التى استعان بها وعرف منها قصصهم؟
وفائدة القصّ القرآنى كما قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (121)
هذه القصص بحسب الآية تعطي نتائج قيّمة ملخّصة في اربعة مواضيع:
تقول هذه الآيات اوّلا : وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ.
تثبيت قلب النّبي» صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتقوية ارادته من اجل ان لا ينفذ اليأس الى قلب النّبي المطهّر وتضعف ارادته الفولاذية فإنّ اللّه يقص عليه قصص الأنبياء وما واجهوه، ومقاومتهم قبال أممهم المعاندين، وانتصارهم الواحد تلو الآخر ليقوي قلب النّبي والمؤمنين الذي يلتّفون حوله يوما بعد يوم.
النتيجة الكبرى الثّانية فتقول الآيات: وجاءك في هذه الحق أى فى سورة هود جاءك القصص الحق، أن فيها أخبار الأنبياء والجنّة والنار، وخصّها اللّه تعالى بالذكر وإن كان الحق فى كل القرآن، وهذا تشريف لهذه السورة.
امّا ثالث الآثار ورابعها هما مَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ
[1] ( 1) نور الثقلين، ج 2، ص 334.
[2] ( 2) مجمع البيان، ذيل الآية( 118) من تفسير سورة هود.
[3] مجمع البيان: ج 5 ص 146.
[4] تفسير التبيان: ج 5 ص 461.
[5] معرفت، محمدهادى، التمهيد في علوم القرآن، 6جلد _ بتصرف.
|