• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : في مواجهة الفتن .
                          • رقم العدد : العدد الخامس والثلاثون .

في مواجهة الفتن

 

في مواجهة الفتن

إعداد الشيخ سمير رحال

‏دلت الآيات الكريمة على  أن الناس لا يتركون دون فتنة أي ابتلاء واختبار، لأجل قولهم: آمنا، بل إذا قالوا آمنا فتنوا: أي امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء، حتى يتبين بذلك الابتلاء الصادق في قوله آمنا من غير الصادق.

ومن ذلك قوله تعالى : الم (1) أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) العنكبوت

والاستفهام في قوله سبحانه أَحَسِبَ النَّاسُ... للإنكار . والمعنى: أظن الناس أن يتركوا بدون امتحان، واختبار، و ابتلاء، و بدون نزول المصائب بهم، لأنهم نطقوا بكلمة الإيمان؟ إن هذا ظن باطل، ووهم فاسد، لأن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان فقط، ولا بدّ أن يرافق القول والنطق صدق القلب، كما لا بدّ أن يؤكّده صدق العمل.

‏وهذا المعنى ايضا جاء مبنيا في آيات أخر من كتاب اللّه منها:

قوله تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏ [آل عمران: 179]

وقوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) [آل عمران: 154]

وهذا التمحيص والتمييز  يكون بالابتلاء والاختبار بانواع الفتن والامتحانات.

وإن كان سُبحانهُ أعلمَ بِهم مِن أنفُسِهِم، ولكِن لِتظهرَ الأفعالُ التِي بِها يُستَحقُّ الثَّوابُ والعِقابُ

كما ان هذا الاختبار والافتتان سنّة قائمة  عمت السابقين وهي تجري في الباقين كجريها في الماضين وينجو منها الذين سبقت لهم من الله الحسنى الذين  صبروا  صبر الأحرار، و ازدادوا تمسكا بدينهم وإخلاصا كالذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)آل عمران 146.

ولقد فتن المؤمنون في العهد المكي بأحرج الفتن، وعذّبوا بأشد العذاب .

حاولت قريْش فتنتَه بالمال والمُلْك ففشلت، وحاولت فتنتَه بالإيذاء والإخراج والقتْل فلَم تصِل إلى شيء.

وكما فتنوا في العهد المدني  باليهود والمنافقين ، ثم فتنوا برحلة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) في قصة الخلافة والامارة .

واستمر الامر بعد ارتحاله (ص) فكانت فتنة خلافته وغصب حق امير المؤمنين (ع) وما واجهه من فتن  كالثورة على عثمان  ثم  الحروب التي خاضها  ضد فئات طامعة وطامحة وجاهلة  كحرب الجمل وفتنة بني امية وفتنة رفع المصاحف وفتنة الخوارج .وهذه الفتن مستمرة الى قيام القائم المهدي من آل بيت محمد صلوات الله عليهم اجمعين.

ولقد انبأ  النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) امير المؤمنين ببعض ما يفتن به الناس فقال:

 يا علي! سيفتنون بعدي بأموالهم و يمنّون بدينهم على ربهم، و يتمنون رحمته و يأمنون سطوته و يستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة و الأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ و السحت بالهدية و الربا بالبيع، قلت: يا رسول اللّه فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك، أ بمنزلة ردّة ام بمنزلة فتنة؟ قال: بمنزلة فتنة»

وفي التوقيع الشريف عن صاحب الأمر عجل اللّه تعالى فرجه «..وأنا أعوذ باللّه من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، وإنه عز وجل يقول: «الم. أَ حَسِبَ النَّاسُ ...» كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا، فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة وعلموا فتناسوا ...»!

والفتن تتباين أشكالها وصورها وجوهرها واحد، كما أن فتن السابقين كانت مختلفة.

وهذا الابتلاء  العام الشامل يبتلى به المؤمنون على قدر ما عندهم من الإيمان، «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل‏ فالأمثل»

وهناك المصائب، و الآلام و الهموم و الحروب و النزاعات، والقحط و الغلاء،

يضاف الى ذلك فتن الشبهات والشهوات. كلّ ذلك وسائل للامتحان .

وكل هذه الفتن والبلايا على الانسان ان يواجهها بقوة الايمان بالله وصفاته واسمائه الحسنى واليوم الآخر وبقوة الصبر واليقين بان الدنيا ليست بدار قرار وانما دار امتحان ولا قيمة لها ولا تستحق خسران النفس.

ولكن هناك صنوف من البلايا والفتن الاجتماعية التي يواجهها المجتمع والامة مما يفرض على المؤمن مواجهة مسؤولياته واتخاذ المواقف المنسجمة مع  المصلحة الشرعية والعامة وما يكون له ابلغ  الاثر في الحياة الدنيا والآخرة.

وفي مثل هذه الفتن يواجه الانسان فرداً وجماعة  تحديين :

 1_تحدي معرفة  واقع الامر والصواب والموقف الصحيح عند الحدث والفتنة .وهنا يحتاج الامر الى بصيرة ووعي. وتتضح اهمية البصيرة  واثرها الهام من الرواية عن أَبَي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: "الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، لَا يَزِيدُه سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْداً"

2 _ تحدي التزام الموقف الصائب بعد وضوح الامر واتضاحه.

 فهناك عوائق قد تمنع من السلوك الصحيح الموافق والمطابق للرؤية الصحيحة قد يعبّر عنها بفتنة الشّهوات. فكم من هوى متّبع او رقّ طمع او اعذار واهية  منعت من اتباع الصواب بعد وضوحه.

ولا فلاح ولا تجاوز للفتن الا بتجاوز هذين التحديين بنجاح

فالاول يستدعي تحصيل البصيرة ليكون الانسان على بيّنة من ربّه

والثاني يستدعي تحصيل جملة من الصفات والاخلاق ليتجاوز هوى النفس والطمع .

فالفتنَة إمّا من ترك الحقّ ( لعدم اتضاحه) ، وإمّا مِن ترك الصبر وغيره من مكارم الخصال ( لغلبة الشهوة )

 

1 التحدي الاول : تحصيل البصيرة

وهذا يقتضي البحث في امور :

معنى البصيرة:

البصيرة لغة: يقال: بصر وأبصر الشيء، وبَصُرَ به، وقد بَصُرَ بعمله، إذا صار عالِمًا به، وهو بصير به، وهو مستبصرٌ في دِينه وعمله.

‏ فالبصيرة اسم للإدراك التام الحاصل في القلب. قال تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة: 14] أي له من نفسه معرفة تامة.

والبصيرة تطلق على الحجّة والبرهان. وتطلق على الشّاهد. وتطلق على العلم و الخبرة، وعلى العبرة. وعلى كلّ ما به اتّضاح الطريق. وتطلق على الرّقيب.

ومِن المعنى اللُّغوي يتضحُ أن مدلولَ البصيرة يدور حول العِلم بالشيء، والمعرفة الواضحة، والحجة، والرؤية الصادقة . فالبصيرة ما يكون به اتضاح الحق، وإدراك الأمور على حقائقها.

 

أهمّيّة البصيرة

فإن كمال الإنسان يرجع إلى أصلين اثنين

الأول: هو معرفة الحق . والثاني: هو العمل بهذا الحق

يقول تعالى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ص:45

فالأيدي: بمعنى القوة في تنفيذ الحق، والعمل به والأبصار: هي البصائر في الدين

من يمتلك بصيرة، لديه القدرة على التمييز بين ما هو مستقيم وما هو منحرِف، ما هو عدلٌ وما هو ظُلم، ما هو حقٌّ وما هو باطل قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الملك، الآية 22.

والبصير له  بصر نافذ إلى ما وراء الأشياء ينظر إلى العواقب، فيحسن النظر في ذلك.

والبصير يميز بين الأمور المشتبهة ويسلم من الفتن بأنواعها (اذا التزم السلوك الصحيح الموافق له)

والبصير صاحب فراسة وهي: نورٌ يقذِفه اللهُ في القلب، يفرِّق ما بين الحقِّ والباطل قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ الحجر: 75 المُتفرِّسين

سُمِّي المتفرِّس متوسِّمًا؛ لأنه يستدلُّ بما يشهد على ما غاب، وعلى حسَب قوةِ البصيرة وضَعْفها تكونُ الفِراسة) .

والبصير  ينفذ الى عمق الامور اذا التهى الآخرون بالظواهر

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وإِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ الأَعْمَى، لَا يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً. والْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ، ويَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا، فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ، والأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ، والْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ، والأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ"[1].

 

الطريق إلى البصيرة

ما هي الأمور التي تنجلي معها البصيرة فنكون من أصحاب البصائر؟

أولاً: الإيمان لانه ارتباط بالله ومن يرتبط بالله يهبه من نوره

ومن ثمرات الإيمان: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ الحج: 38  ومن ذلك وقايتهم من الفتن

ومن ثمرات الإيمان حصول البشارة بكرامة الله والأمن التام ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وذلك يتضمن الأمن من الفتن، فالمؤمن الصادق له الأمن التام في الدنيا من الفتن وفي الآخرة من العذاب.

ثانياً: تقوى الله  تبارك وتعالى

فالتقوَى سبيلٌ للمخارج من الأزماتِ والمحَن ومن القلاقل والفتن

َيقول تعالى  يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا الأنفال: 29

فهذا الفرقان هو البصيرة التي يفرق الإنسان بها بين الحق والباطل.

فبقدر ما يكون الإنسان متقياً لله يكون له من الفرقان والبصيرة .

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنَّ مَن يتقِ اللهَ يجعل له مَخْرجاً من الفتن ونوراً من الظُّلَم

وفي التوقيع الشريف للامام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه) قال: (إنه مَن اتقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج ما عليه إلى مستحقيه كان آمناً من الفتنة المُبطلة ومِحَنها المُظلمة المُظِلَّة).   ( الاحتجاج / الطبرسي / ج2/ ص32 )

والتقوى أن تعمل بطاعة الله وان تترك معاصي الله ً

الاعتصامُ بالكتاب والمعصومين (ع)

فإن الاعتصام بهما سبب للنجاة من الفتن، والسلامة من الشقاق والنزاع، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ النساء: 59

اما الكتاب:

قال تعالى :( واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا )

فشبه التمسك بما جعله اللّه عاصما من الوقوع في المهالك بالتمسك بالحبل المتدلي من مكان رفيع وثيق مأمون الانقطاع الذي يمنع المتمسك به من السقوط و الهلكة.

وفي الرواية : اذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن.

فالقرآن الكريم بصائر؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104]

هذا القرآن يشتمل على مبصرات للقلوب، وحجج بيّنات، وبراهين نيّرات، ودلائل واضحات من الله على صدق القرآن، وأنه من عند الله، بها يبصر الحق، ويدرك الصّواب، ويعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب

فالقرآن فيه من كلّ هذه البصائر على اختلاف أنواعها.

فحين تفتح أبصار القلوب إلى بصائر القرآن فهنالك الإبصار التام «فمن أبصر» بالبصائر القرآنية، فاتحا بصيرته «فلنفسه» ومن عمى عنها «فعليها» حيث أعمى على نفسه تلكم البصائر «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (22: 46   

اما عترة المصطفى صلواتُ اللّه عَليهم اجمعين.

 فحديث الثَقلين المَشهور بصدُوره عِندَ الفَريقين هو اوضح بيان في هذا المضمار, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم انه قال: (إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر, كتابُ الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض, وعترتي أهل بيتي, وإنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض).

وقد وُرد كثيراً في زياراتهم عليهم السلام قَولُ: (وَعَصَمكم من الزّلَل، وآمنكم من الفِتَن)

 فمَن تَمَسّك بِهِم ولاذَ بِهم وأتّبَعهم وسارَ على نَهجِهم فَهو في أمانٍ مِنَ الفِتَن.

_ من الضوابط العظيمة لاتقاء الفتنة التحلّي بفضيلة العلم او الأخذ عن العلماء الراسخين الناظرين في عواقب الأمور، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ النساء : 83

عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام : يعني آل محمد، وهم الّذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجّة للّه على خلقه».

وفي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام: "لَولا مَن يَبقى بَعدَ غَيبَةِ قائِمِكُم عليه السلام مِنَ العُلَماءِ الدّاعينَ إلَيهِ، والدّالّينَ عَلَيهِ، والذّابّينَ عَن دينِهِ بِحُجَجِ اللهِ، والمُنقِذينَ لِضُعَفاءِ عِبادِ اللهِ مِن شِباكِ إبليسَ ومَرَدَتِهِ، ومِن فِخاخِ النَّواصِبِ، لَما بَقِيَ أحَدٌ إلاَّ ارتَدَّ عَن دينِ اللهِ، ولكِنَّهُمُ الَّذينَ يُمسِكونَ أزِمَّةَ قُلوبِ ضُعَفاءِ الشّيعَةِ، كَما يُمسِكُ صاحِبُ السَّفينَةِ سُكّانَها، أُولئِكَ هُمُ الأَفضَلونَ عِندَ اللهِ عزّ وجلّ"

فإن الفتن والحوادث قد تشتبه على عامة الناس وقد تؤدي بهم الى فعل أمور لا تحمد عقباها. بخلاف العالم  المدرك . فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (...  العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً)  (كتاب الاختصاص / الشيخ المفيد)

وليس ذلك الا لأنهم يحملون روايات أهل البيت عليهم السلام وعلومهم .

- توطيد العلاقة بالله تعالى:

وذلك من خلال التوسل بكل ما فيه مرضاته وما يوجب حبّه ويكون ذلك بذكره وعبادته والتزام بكل ما امر والتخلق بمكارم الاخلاق مما يوجب حبّه تعالى وتلقّي فيوضاته حتى يكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .

عندها يتوكل على الله ويعتمد عليه ويلجأ إليه في كل الأمور لاسيما إبّان الفتن العاصفة

 قال تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطَّلاق: 3]، أي كافيه ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه. 

ومما يوجب الصلة بالله تعالى:

- ذِكْره تعالى:

قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ البقرة:152

قيل : اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء.

فمن ذكره سبحانه وتعالى بالقلب واللسان وقاه سبحانه من الفتن والمحن .

ويؤيد ذلك أن الله سبحانه أنجى يونس ـ عليه السلام ـ من فتنة الغرق واللبث في بطن الحوت بسـبب تســبيحه وذكره لله تعالى كما قال ســبحانه : { فَـــلَــــْولآ   أَنــــَّـــهُ  كَانَ  مِـــــنَ  الْمُسَــــبِّحِـينَ   *  لَـلَبِثَ  فِى  بَطْـــنِـــهِ  إِلَى  يَــوْمِ  يُـبْــعَـثُـــونَ  } الصافات :  143 ـ 144  

عن الامام علي عليه السلام: "مَن ذَکَرَ اللَّهَ اِستَبصَر و "الذِّكرُ يُؤنِسُ اللُّبَّ، ويُنيرُ القَلبَ، ويَستَنزِلُ الرَّحمَةَ" و"الذِّكرُ جِلاءُ البَصائِرِ، ونورُ السَّرائِرِ"

ومن الذكر التوبة والاستغفار

ومن الذكر الدُّعاء والتضرُّع

قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [ غافر: 60]. وعندما يَتَوجّه الداعي بانقطاعٍ سَيجد الله قريبا يجيب دعوته ويأخُذ بيده ويُنَجّيه من كل فِتنَة وبلاء.

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (ادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ بِالدُّعَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الْبَلَاءِ، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ الْبَلَاءُ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ مِنِ انْحِدَارِ السَّيْلِ مِنْ أَعْلَى التَّلْعَةِ إِلَى أَسْفَلِهَا، وَ مِنْ رَكْضِ الْبَرَاذِينِ.

بدعاء المضطر . (هب لي نورا امشي به في الظلمات واستعين به في الشك والشبهات).

(اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه , وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه)

ومن الذكر الصلاة

قال تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.

فهي تسهم في إشراقة الروح وقوتها ، وتقوي المسلم على شيطانه ووساوس نفسه .

اذا (فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي )  والنتيجة  ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) الرعد 28 ومتى اطمأنت القلوب انزاح الاضطراب كان التبصّر  وبان الصواب.

 

الصّبر والاناة

والصبر خلق عظيم  يحتاج إليه المسلم في أمور دينه ودنياه، وفي مواجهة المسؤوليات. لذلك جاء ذكر الصبر في القرآن كثيرا وهو نصف الإيمان وبمنزلة الرأس من الجسد.

وما كان الصبر ليتبوأ هذه المنزلة ، ويلقى هذه العناية لولا قيمته الكبيرة ، ولا نجاح في العاجل ، ولا فلاح في الآجل إلاّ به . والصبر يقتضي الاناة وعدم الاستعجال ، والتأمل والنظر في عواقب الأمور. ومع الصبر والاناة تكون العاقبة الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة.

- التجربة:

وقال الامام علي عليه السلام يوصي الامام الحسن (ع):

ايْ بُنَيَّ إِنِّي وإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ  وسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ - بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ - قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ - فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه ونَفْعَه مِنْ ضَرَرِه...

وقال عليه السلام : "في التجارب علم مُستأنف" "التّجارِبُ علمٌ مُستفادٌ"

- معرفة الزمان:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العالِمُ بِزَمانِهِ لا تَهجُمُ عَلَيهِ اللَّوابِسُ"[2]

ضوابط التمييز بين الحقّ والباطل:

اتباع الموازين

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يُعرف الحقّ بالرجال، بل يُعرف الرجال بالحقّ" فالمقياس هو الحقّ. نعم، يصبح الرجل مقياس الحقّ عندما يكون هو عين الحقّ، كما في قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يُبغض من عباده المائلين عن الحقّ، والحقّ مع عليّ، وعليّ مع الحقّ، فمن استبدل بعليّ غيره هلَك، وفاتته الدنيا والآخرة"[3].

 

اتباع الدليل والبيّنة:

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ الإسراء 36

فلا يكفي الظن فقد قال تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ الأنعام،  116.

(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) يونس 36

وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : بين الحق والباطل اربعة اصابع والحق ان تقول رأيت والباطل ان تقول سمعت.

 ولا  يكفي كون الاكثرية على رأي واحد  فعن أبي عبد الله عليه السلام: "لا تكونّن إمّعة، تقول: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس. (والإمّعة مخفّف "أنا معه)

 

الوقوف عند الشبهات..

قال الامام (ع)(كن في الفتنة كابن اللبون: لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب)

في الفتنة يختلط الحّق بالباطل، ويلتبس الصّواب بالخطأ، فلا يتميّز أحدهما من الآخر. ولكن هذا الموقف يكون صواباً حين لا يكون الإمام العادل موجوداً، ولا يتاح للمسلم أن يتبيّن الحقّ من الباطل ، أمّا حين يكون الإمام المعصوم موجوداً كما في عصر الحضور ، او نائبه الجامع للشرائط كما في عصر الغيبة ويتّخذ من الفتنة موقفاً، فإنّ على المسلم أن ينسجم في مواقفه مع مواقف الإمام العادل، وليس له أن يبقى على السّلبيّة.

قال عدي بن حاتم: «لو غير علي دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه، فانه ما وقع بأمر قط إلا ومعه من الله برهان، وفي يده من الله سبب»

 

2 _ التحدّي الثاني : تحدي التزام الموقف الصائب بعد اتضاح الامر .

الوضوح في الرؤية امر ضروري وخطوة اساسية على طريق الحق والتزامه .

وهذا سبيل الانبياء عليهم السلام ( يا قومي اني على بيّنة من ربي) وسبيل الاوصياء عليهم السلام كما قال امير المؤمنين (ع) :واني على بيّنة من ربي وبرهان من نبيي .

ولكن هذا الامر لا بد ان يستتبع بخطوات عملية ونفسية واخلاقية ورفع عوائق اخرى.

ومن ذلك:

مشكلة هوى النفس :

 فكمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى امير . كما عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) فلا يكفي الادراك العقلي في التزام الحق ما لم تزل هكذا عوائق.
النّفس تعيش صراعًا مستمرًّا بين العقل والهوى، والمفترض أن يكون العقل هو القائد   والحاكم المُطاع بما عنده من معطيات، ولكن قد تتحكّم به الاهواء  فتقوده إلى المهالك وتصدّه عن الحق.

يقول الإمام عليّ(ع ) : وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ؛ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، واما طول الأمل فيُنسي الآخرة.

فضلا عن ان هوى النفس قد يعمي عن الحق كما يقول الإمام عليّ(ع ) : وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَلِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنْهَا. "

الطّمع : فالطمع رق مؤبد  وكيف يحسن التصرف ويلتزم الموقف الصائب من هو اسير طمعه وكما قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) :أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ  وكم من طامع طامح ترك الحق وهو عالم به خضوعا لطمعه في المال او السلطة او غير ذلك .
 

 

 

التعصب والعصبية  

وقد فرّق العلماء المسلمون القدامى بين نوعين من التعصب، تبعاً لنصوص دينية، نوع مذموم من التعصب، وآخر محمود مطلوب.

والنوع الأول: وهو الانحياز لشيء والدفاع عنه دون مبرر معقول، وهو ما يتبادر إلى الذهن غالباً عند إطلاق كلمة التعصب، أما النوع الثاني: فهو الانحياز لشيء والدفاع عنه انطلاقاً من معطيات موضوعية واقعية.

ويكفينا في ذلك قصة ابليس الذي ترك امر الله بالسجود تعصبا لجنسه

يقول الإمام علي (عليه السلام)  في ذم إبليس : فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله، فعدو الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادرع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل .

 

ومن الفضائل المطلوبة

فضيلة الصّبر

والصبر ركن اساس في  الفلاح  وعدم السقوط

والصبر ليس سلبيةً، ولكنه جهد وعمل؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ النحل: 110

قال الامام عليه السلام : الصَّبْر صَبْرَانِ صَبْر عَلَى ما تَكْرَهُ وَصَبْر عَمَّا تُحِبُّ.

فالفتنَة  تكون إمّا من ترك الحقّ لعدم اتضاحه، وإمّا مِن ترك الصبر بعد اتضاحه.

 

 

العزيمة .

قال الخليل: العزم ما عقد عليه القلب من أمر أنت فاعله، ويقال ما لفلان عزيمة، أي ما يعزم عليه كأنّه لا يمكنه أن يصرم الأمر وقال الرّاغب: عقد القلب على إمضاء الأمر.

العزيمة طريق النجاح وبلوغ الامر الى نهاياته المقصودة وهكذا كان كثيرون على رأسهم الانبياء (عليهم السلام) اصحاب العزائم كما قال الإمام علي (عليه السلام): "ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم." وأصل العزم الحزم، وثمرته الظفر.

 

خاتمة : شاهد تاريخي

روى نصر بن مزاحم، عن أسماء بن حكيم الفزاري، قال: كنّا بصفّين مع عليّ عليه السلام، تحت راية عمّار بن ياسر، عند ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء أحمر، إذ أقبل رجل يستقري الصفّ حتّى انتهى إلينا، فقال: أيّكم عمّار بن ياسر
فقال عمّار: أنا عمّار
قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم
قال: إنّ لي إليك حاجة أفأنطق بها سرّاً أو علانية؟
قال: اختر لنفسك، أيّهما شئت
قال: لا بل علانية. قال: فانطق
قال: إنّي خرجت من أهلي مستبصراً في الحقّ الّذي نحن عليه، لا أشكّ في ضلالة هؤلاء القوم، وأنّهم على الباطل، فلم أزل على ذلك مستبصراً، حتّى ليلتي هذه، فإنّي رأيت في منامي منادياً تقدّم، فأذّن وشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونادى بالصلاة، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثمّ أقيمت الصلاة، فصلّينا صلاة واحدة، وتلونا كتاباً واحداً، ودعونا دعوة واحدة، فأدركني الشكّ في ليلتي هذه، فبتّ بليلة لا يعلمها إلّا الله تعالى، حتّى أصبحت، فأتيت أمير المؤمنين عليه السلام، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمّار بن ياسر! قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ماذا يقول لك عمّار، فاتبعه، فجئتك لذلك
فقال عمّار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي! فإنّها راية عمرو ابن العاص، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات، وهذه الرابعة فما هي بخيرهنّ، ولا أبرّهنّ، بل هي شرّهنّ وأفجرهنّ.

 أشهدت بدراً وأُحُداً ويوم حنين، أو شهدها أبٌ لك فيُخبرك عنها؟ قال: لا
قال: فإنّ مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر، ويوم أُحُد ويوم حنين، وإنّ مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه! والله لوددّت أنّ جميع من فيه ممّن أقبل مع معاوية يُريد قتالنا، مفارقاً للّذي نحن عليه، كانوا خلقاً واحداً، فقطعته وذبحته. والله لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور، أفترى دم عصفور حراماً؟
قال: لا بل حلال
قال: فإنّهم حلال كذلك، أتراني بيّنت لك؟
قال: قد بيّنت لي
قال: فاختر أيّ ذلك أحببت. فانصرف الرجل، فدعاه عمّار ثمّ قال: أما إنّهم سيضربونكم بأسيافهم حتّى يرتاب المبطلون منكم، فيقولوا: لو لم يكونوا على حقّ ما أظهروا علينا، والله ما هم من الحقّ على ما يقذى عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم، حتّى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنّا على حقّ، وأنّهم على باطل.

 

[1] نهج البلاغة، خُطَب الإمام عليّ عليه السلام، مصدر سابق، 132 ومن خِطبة له يَعِظ فيها ويَزْهَد في الدنيا، ص192.

[2]الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 27.

[3] شاذان بن جبرئيل القمّيّ (ابن شاذان)، الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، تحقيق علي الشكرچيّ، لا.ن، لا.م، 1423، ط1، ص 178.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=920
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28