• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : المضامين المستفادة من سورة القدر .

المضامين المستفادة من سورة القدر

المضامين المستفادة من سورة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾

الأولى: ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾

القرآن الكريم نزل على النبي محمد (ص) مرتين، مرة نزل دفعة واحدة على قلبه، ونزل أخرى بشكل تدريجي تفصيلي لمدة 23 سنة.

فالنزول الأول: النزول الدفعي عبرت عنه الآية ﴿إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ﴾

النزول الثاني: النزول التدريجي لمدة 23 سنة إبتدأ من اليوم 27 من شهر رجب إلى وفاة النبي الأعظم  عبر عنه القرآن الكريم بالتنزيل ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾

 

لماذا سميت الليلة المباركة بليلة القدر؟

 المعنى الأول: إنما سميت بليلة القدر لأنها ليلة التقدير، تقدير الأرزاق والآجال والسعادة، ليلة يُقدر فيها عمر الإنسان وحالاته فسميت بهذا الإسم

المعنى الثاني: أن المراد بالقدر معناه الشأن، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ما أعطوا الله حق شأنه وما أعطوه حق تعظيمه، ليلة القدر هي ليلة المنزلة العظيمة، ولأنها ليلة القدر لذلك الله أنزل فيها القرآن ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾

 

المعنى الثالث: سميت بالقدر من القدر بمعنى الضيق، في الآية القرآنية ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ بمعنى ضيق عليه رزقه.

ورد في الرواية الشريفة ”إذا كانت ليلة القدر ضاقت الأرض بملائكة الرحمة“.ملائكة الرحمة الذين ينزلون في هذه الليلة ليطرحوا البركة والخير والعفو والمغفرة والرحمة على سائر العباد فلذلك سميت بليلة القدر.

 

 

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ

كل عمل وعبادة في ليلة القدر فهي في ثوابها وثقلها وقربها من الله تعدل عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.

.... قال: قلت للامام الباقر: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» أي شي‏ء عنى بذلك؟ فقال: و العمل الصالح فيها من الصلاة و الزكاة- وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر- ليس فيها ليلة القدر، و و ا ما يضاعف الله تبارك و تعالى للمؤمنين ما بلغوا- و لكن الله يضاعف لهم الحسنات.

﴿ تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمر﴾

الآية المباركة قالت: تنزّل، عبرت بالفعل المضارع، وهذا معناه أن الملائكة يستمر نزولها لا ينتهي بزمن النبي (ص) بل يستمر نزول الملائكة في هذه الليلة في كل سنة إلى يوم القيامة.

على من تنزل الملائكة؟

ما هو سر نزول الملائكة وإستمرار نزولها في ليلة القدر إلى يوم القيامة؟

الأرض وإن كانت كوكبا صغيراً بالنسبة إلى الوجود بأسره إلا أنها موطن حجة الله وخليفته هذه أهميتها، موطن الإنسان الكامل ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ والحجة نبياً أو إماماً محور للملائكة، فهو محور للمجتمع البشري كما قال الإمام علي  يقول: ”بلى والله لا تخلو الأرض من حجة لله إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل“

أما محور للملائكة قوله تعالى ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾

روح القدس من الملائكة

أي نبي يرسله الله يحفه بالملائكة، قوله تعالى ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا*لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ إذن الحجة محور للملائكة كما هو محور للمجتمع البشري.

ومن أدوار الحجة ووظائف الحجة نبياً أو إماماً: الشهادة على المجتمع، يشهد على الناس والخلائق، القرآن عندما يتحدث عن عيسى بن مريم ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ فهو كان شهيدا على مجتمعه، وكذلك موسى ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾

 لكل أمة حجة يشهد عليها وعلى أعمالها وعلى أفعالها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾كل أمة عليها شهيد.

الملائكة ينزلون إلى الأرض لهذا الحجة ويطلعونه على صحائف أعمال الخلائق والعباد فيطلع عليها، ولذلك ورد في الرواية عن الإمام الصادق(ع) : ”إن أعمالكم لتُعرض علينا في صحائف من قبل ملائكة الله.“

﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ ماهو الروح؟

 تارة يقول القرآن ﴿الرُّوحُ الأمِينُ﴾ معناه جبرئيل ، وتارة يقول ﴿الرُّوحُ﴾ هو أعظم شأنا من الملائكة، في رواية أبي بصير عن الإمام الصادق  ”أليس الروح جبرئيل، قال: لا، الروح أعظم شأناً من الملائكة ولذلك قال: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾“ الروح مبدأ الحياة، وهذا ما عبر عنه القرآن في آية أخرى: ﴿ ويسألونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ معناه يسألونك عن هذا المخلوق الذي ينزل مع الملائكة ما هو؟ فالروح هو مصدر الأمر والحياة فهو مع الملائكة ينزل إلى الأرض .

﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)

 ملائكة كل شئ ينزلون على الأرض لتدبير كل أمر، كل الأمور تدبر في ليلة القدر.

 

عن أبي جعفر (ع) عن قول الله عز و جل: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» قال: نعم ليلة القدر و هي في كل سنة في شهر رمضان- في العشر الأواخر- فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر- قال الله عز و جل: «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏».

قال: يقدر في ليلة القدر كل شي‏ء- يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل: خير وشر طاعة و معصية و ولود و أجل أو رزق- فما قدر في تلك الليلة و ضي فهو المحتوم- و لله عز و ل فيه المشية.

في الميزان للعلامة الطباطبائي: وله فيه المشية يريد به إطلاق قدرته تعالى فله أن يشاء ما يشاء وإن حتم فإن إيجابه الأمر لا يفيد القدرة المطلقة فله أن ينقض القضاء المحتوم و إن كان لا يشاء ذلك أبدا.

سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ

قيل لبيان مضمون‏ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ وهو كالاحتراس لأنّ تنزّل الملائكة يكون للخير ويكون للشر لعقاب مكذبي الرسل قال تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ‏ [الحجر: 8]

وقال: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ‏ [الفرقان: 22].

وجمع بين إنزالهم للخير والشر في قوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ‏ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ‏ [الأنفال: 12] فأخبر هنا أن تنزل الملائكة ليلة القدر لتنفيذ أمر الخير للمسلمين الذين صاموا وقاموا ليلة القدر، فهذه بشارة.

والسلام: مصدر أو اسم مصدر معناه السلامة قال تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ‏ [الأنبياء: 69]. و يطلق السلام على التحية و المدحة، وفسر السلام بالخير، و المعنيان حاصلان في هذه الآية، فالسلامة تشمل كل خير.

وقيل انه لا يقع شي‏ء من الشرور و الآفات في أية ليلة من ليالي القدر أو في خصوص الليلة التي نزل فيها القرآن على قلب رسول اللّه.

وقيل هذه الليلة القدر الى اخرها سالمة من الشرور و البلايا، و فيها ينزل السلام على اولياء اللّه وأهل طاعته.

وقيل ليس المقصود بها أنه لا يوجد جرائم ولا حوادث، المقصود هي ليلة مغفرة، يُغفر للمؤمن ما أذنب وما عصى في هذه الليلة إذا توجه إلى ربه بالدعاء، لذلك ورد في الرواية الشريفة عن ابن عباس عن النبي محمد (ص) ”أنه تنصب أربعة ألوية للملائكة: لواء في البيت الحرام، ولواء عند قبري، ولواء في بيت المقدس، ولواء في مسجد الكوفة، ثم يقول النبي(ص): يستغفرون لكل مؤمن يدعو ربه فيها إلا مدمن خمر وعاق والديه والظالم .

في تحديد ليلة القدر

في صحيحة زرارة عن الإمام الصادق  قال: ”ليلة تسع عشر ليلة التقدير، وليلة إحدى وعشرين ليلة الإبرام، وليلة ثلاث وعشرين ليلة الإمضاء“

وعن هشام ابن الحكم عن الإمام الصادق  أنه قال: ”إن الله إذا أراد شيئاً قدره وإذا قدره قضاه، وإذا قضاه أمضاه“

المرحلة الأولى: التقدير، بمعنى وضع المخطط كبناء المنزل

المرحلة الثانية إعداد الأسباب: وهو القضاء

المرحلة الثالثة مرحلة إتمام المنزل: وهو الإمضاء

المولود مثلا: مرحلة التقدير وهو أن يخطط لحياته يوم ولادته وساعة موته ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾

مرحلة إعداد الأسباب: يتزوج فلان بفلانة فإذا تمت الأسباب كلها وهو القضاء وفعلت فعلها وأثمرت أثرها تحققت مرحلة الإمضاء فولد الجنين بالوقت المعد بالنحو المقدر له، ليلة التاسع عشر ليلة وضع المخطط، ليلة إحدى وعشرين إعداد الأسباب، ليلة ثلاث وعشرين ليلة صدور الأمر ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾

أن مرحلة القضاء قابلة للتغيير والتبديل، فأطلب من مرحلة القضاء أن يتغير الشأن إتجاهي حتى تكون مرحلة الإمضاء هي مرحلة السعادة لي في الدنيا والآخرة.

وفقنا الله تعالى لاحياء ليلة القدر بخالص الدعاء والطاعات .

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=997
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28