• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : من التاريخ .
                    • الموضوع : الغدر والخيانة طبيعة في يهود بني قريظة .

الغدر والخيانة طبيعة في يهود بني قريظة

بسم الله الرحمن الرحيم

الغدر والخيانة طبيعة في يهود بني قريظة

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

كانت مدينة يثرب محط رحال القوافل التجارية ومقر القبائل والعشائر والعوائل التي تطلب الماء والكلأ والحياة الكريمة، حيث تعتبر مركزاً تجارياً مهماً، فالتجارة فيها ربح وفير والسكن فيها مريح، وتتميز مدينة يثرب بتمورها وأشجارها ومياهها العذبة وهوائها العليل، وهي ممر التجار القادمين من بلاد الشام إلى مكة، والذاهبين من مكة إلى بلاد الشام، خلاصته فيثرب كانت تعتبر سوقاً كبيراً لربح وفير لكل من امتهن التجارة.

وقد هاجر الكثير من القبائل العربية إلى يثرب وحتى غير العربية كاليهود، حيث هاجر عدد من قبائل اليهود إلى جزيرة العرب، لسببين:

الأول: ورد في كتبهم أن نبي آخر الزمان سيخرج من المدينة المقدسة في جزيرة العرب وهي مكة، ومكة محرمة على غير قبائلها وعشائرها، فلن يسمحوا لليهود السكن وممارسة التجارة فيها، وليست بلد زراعي وهذا ما جعل اليهود يتخذون يثرب سكناً لهم.

الثاني: فأرض يثرب تنسجم مع طبيعة اليهود؛ لأنها بلد زراعي بامتياز، لليهود فيها الحرية الكاملة، فباستطاعتهم الزراعة وامتلاك الأراضي وممارسة كافة غرائزهم؛ من حب استغلال الناس والأرض، والمعاملات الربوية والغش.. القبائل التي سكنت يثرب (من يهود بني إسرائيل) فهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وأما يهود خيبر فسكنوا في أماكن أخرى بعيدة مسافة 176 كيلو متر شمال (المدينة المنورة) يثرب، وسميت تلك المنطقة باسمهم محافظة خيبر، وما زال اسمها إلى يومنا هذا.

هاجر المسلمون إلى يثرب بأعداد كبيرة، ومن ثم التحق بهم النبي (ص)، وعندما استتب الأمر للنبي(ص) وأحاط بالمدينة وبشعبها، سنَّ للدولة الإسلامية الفتية قوانين، تقضي على كل من سكنها التقيد بتلك القوانين، والالتزام بالأوامر التي تصدر من مصدر التشريع وهو شخص النبي(ص).

موادعة اليهود

كتب النبي(ص) للمشركين وثيقة، وكتب للمتهودين ـ المتهوِّدون عرب من قبائل الأنصار دخلوا الدين اليهودي ـ، وأما اليهود الأصليون والذين هم من أصل إسرائيليّ: بنو قينقاع، والنضير، وقريظة، فقد شعر هؤلاء بأنّهم قد عُزلوا عن أنصارهم من المتهوِّدين بعد توقيع الصحيفة، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وطلبوا الهدنة، فكتب النبيّّ (ص) بذلك لكل قبيلة على حدة، ومن ضمن الشروط: أن لا يُعينوا عليه أحداً، ولا يتعرّضوا لأحد من أصحابه بلسان ولا يد، ولا بسلاح، لا في السرّ ولا في العلانية، فإن فعلوا فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حلّ من سفك دمائهم، وسبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم. بحار الأنوار، ج 19، ص110.

أساس الأحزاب بنو قريظة

كل باحث ومتابع لأحداث معركة الأحزاب ـالخندق ـ يصل لنتيجة أن أصل المعركة والمحرض عليها والمعد والمخطط لها هم اليهود من بقايا بني قينقاع وفلول بني النضير والحصة الأكبر كانت ليهود بني قريظة، حيث كان عليهم التزامات لا بد منها، أولاً: أن يدفعوا الأموال ومحاصيل تمور المدينة لمن يقاتل محمداً (ص) في الخندق، ثانياً: نقض العهد والميثاق الذي قد أبرموه مع النبي(ص)، وبنو قريظة يسكنون أطراف المدينة والتي تعتبر الخاصرة الرخوة للمدينة بالنسبة للمسلمين. قام النبي(ص) بحفر خندق يمنع قريش والأحزاب من الوصول إليهم، لكن بعد أن أمن وأطمأن لجهات المدينة الثلاث، فمن جهة هناك جبال تمنع العدو من التسلل، ومن الجهة الأخرى أشجار ونخيل وبساتين تقف حائلاً تمنع غزو الكفار للمسلمين، ومن الجهة الثالثة فبنو قريظة وعهدهم وكتاب الموادعة الذي كتبوه مع النبي (ص)، فلم يتبق من ثغرة في المدينة يباغتهم منها الكفار إلا الشمال وهي بوابة المدينة، فحفر النبي(ص) الخندق ليمنع من اجتياز العدو لها.

غدر وخيانة بني قريظة للمسلمين

قال تعالى: {...الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ، فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} الأنفال/56ـ 58 لم يكن نقض بني قريظة للميثاق هو الأول من نوعه مع المسلمين، بل لم يلتزموا بالميثاق والعهود التي قطعوها مع النبي(ص) منذ اللحظة الأولى؛ بل كانوا يؤذون النبي(ص) والمسلمين بشكل دائم وليس آخرها، عندما ساعدوا عدو المسلمين (مشركي قريش ومن والاهم) على غزو المدينة ـ وسميت فيما بعد بغزوة الاحزاب ـ، وتقضي الخطة أن يأتي العدو من خارج المدينة، وحركة النفاق من داخل صفوف المسلمين؛ يثبطونهم بالإشاعات والأخبار الكاذبة ليتضعضع صف ووحدة المسلمين فتنهار قواهم، عندها يأتي دور بني قريظة من الخلف فيطبقون على المسلمين كالكماشة، فيكون مؤداها مذبحة محتمة لا تبقي ولا تذر. وزاد الطين بلة أنه تناهى إلى مسمع النبي(ص) أن اليهود قد نقضوا العهد، ويذكر أن القبيلة عزمت على مباغتة المسلمين ليلاً عندما كانت المدينة محاصرة من قبل المشركين، حيث أرسلت إليهم رسائل تطالبهم بإرسال مقاتلين (ألفاً من قريش وألفاً من غطفان) ليُغِيروا بهم على ذراري المسلمين. الواقدي، المغازي، ج 1، ص 460.

إضافة إلى أنه وفي بعض الليالي حمل نحو عشر من مقاتلي اليهود وشجعانهم إلى المدينة، حتى انتهوا إلى البقيع فتصدّى لهم نفرٌ من المسلمين يرمونهم بالنبال، حتى عاد القرظيون منهزمين بعد ساعة. الواقدي، المغازي، ج 1، ص 462

كما ذكروا لهم عمليات دهم واختطاف لحَرَس المسلمين على ممر قلاعهم إلى ثغور المدينة، وعندما سمع النبي(ص) بالخبر، أرسل على الفور من يستطلع الخبر للتأكد منه، فبعث سعد بن معاذ وكان على حلف معهم وعبد الله بن رواحة كمرافق له، فقال له(ص): إن كان الخبر كاذباً فأخبرني به أمام الملأ أنهم ما زالوا على عهدهم وميثاقهم، وإن كان الخبر ما علمت فلا تخبرني أمام الناس، بل أوجز لي بقولك: فعلوها. عاد سعد والوفد المرافق له، قال للنبي(ص): قد فعلوها. لكن خطة بني قريظة وغدرها فشل ولم يعط ثماره، وذلك بفضل الله تعالى، والتخطيط العظيم للنبي(ص)، وشجاعة أمير المؤمنين علي (ع) وصبر المسلمين، ولا ننسى الدعم الإلهي المتمثل بالعواصف والرياح والبرد الشديد والخوف والرعب الذي دب في قلوب الأعداء، كل ذلك جعل العدو يتكبد هزيمة نكراء.

حامل لواء رسول الله أسد الله الغالب

انتهت معركة الخندق كما أسلفنا بهزيمة نكراء، لقريش والأحزاب والقبائل التي حزبتها اليهود، وقتل الإمام علي بن أبي طالب(ع) عمرو بن عبد ود العامري.

قال تعالى: {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}الاحزاب/26ـ 27

عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة، واللواء معقود أراد ان يغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل عذيرك من محارب! والله ما وضعت الملائكة لامتها فكيف تضع لامتك! إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة، فإني متقدمك ومزلزل بهم حصنهم، إنا كنا في آثار القوم نزجرهم زجراً حتى بلغوا حمراء الأسد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له: ما الخبر يا حارثة؟

قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريظة، فقال(ص): ذاك جبرئيل ادعوا لي علياً، فجاء علي عليه السلام فقال له: ناد في الناس، لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فنادى فيهم، فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى. تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٩

تتميز معركة بني قريظة عن غيرها أن الحسم والنصر فيها كان سريعاً، ولم تدم  إلا أياماً معدودة، فالرعب والخوف والقلق قد دخل قلوبهم، خصوصاً عندما علموا وسمعوا عن قوة الإمام علي(ع) وما فعله بعمرو بن عبد ود العامري، لذا انهاروا عند سماعهم أن علياً (ع) قد حل في ديارهم حاملاً الراية العظمى، راية سوداء تسمى العقاب ومعه لواء أبيض.

يقول أمير المؤمنين(ع): سرت حتى دنوت من سورهم، فأشرفوا عليّ، فلما رأوني صاح صائح منهم، قد جاءكم قاتل عمرو، وقال آخر إليكم قاتل عمرو، وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك.

وفي خبر آخر ورد عنه(ع) أنه قال:... فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول الله(ص)، فلما سمعت سبهم له كرهت أن يسمع رسول الله(ص) ذلك فعملت على الرجوع إليه، فإذا به قد إطلع وسمع سبهم له! فناداهم: يا أخوة القردة والخنازير... فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً ولا سباباً! فاستحيي رسول الله ورجع القهقرى قليلاً.. ورد النص في كثير من كتب السيرة

أقول: هذا محض افتراء وكذب واختلاق لقصة ينفيها واقعها، لأن ما قاله النبي(ص) ليس جهلاً بل وصفهم بما هم عليه هذا أولاً. وأما ثانياً: متى فعلها النبي(ص) من قبل كي يفقد أعصابه هنا مع أنه مر بمواقف أشد وأصعب، لكن الأعداء أرادوا تحويل معركة بني قريظة من النصر إلى تشويه صورة النبي(ص)، كلا لم يكن يصدر من النبي (ص) في تاريخه أبداً سباً أو شتماً أو فحشاً وحتى جهلاً، وهو الذي تخلق بأخلاق رب العالمين، وقد كان دائم القول: أدبني ربي فأحسن تأديبي، وهذا ليس من آداب الله، ولقد قال الله تعالى له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم/4، لكن لا أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، من التاريخ الكاذب ومن كتب التاريخ المحرفة التي كتبت بإيدي سفلة وخونة، ولا نندهش إذا ما علمنا أن الكاتب والراوي لتفاصيل معركة بني قريظة هم اليهود، وعليه من أراد نقل التاريخ عليه أن يتأنى في النقل وعدم التسرع بالحكم، ولدينا مسلمات عقدية وتاريخية علينا الالتفات إليها.

الهزيمة النكراء لبني قريظة

أنزل رسول الله(ص) العسكر حول حصنهم فحاصرهم، وبعد ثلاثة أيام نزل إليه عزّل بن سموأل فقال: يا محمد تعطينا ما أعطيت اخواننا من بني النضير، إحقن دماءنا ونخلي لك البلاد وما فيها ولا نكتمك شيئاً؟ فقال(ص): لا، أو تنزلون على حكمي.

فرجع الرجل إلى حصنهم، مرت أيام والمسلمون ـ حاصرهم رسول الله خمساً وعشرين ليلة حتى أجهدهم ـ يرمون حصون قريظة، وهم يرمون المسلمين إلى أن أجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب.

حوصرت قلاع بني قريظة واستسلم مقاتلوها بعد حصار دام شهراً، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ طلباً منهم فحكم بينهم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وتقسيم أموالهم استناداً إلى العهد الذي كان بينهم وبين النبي(ص). ارتضى النبي حكم سعد، ويُذكر أنّ حكمه جاء موافقاً لحكم التوراة.

عدد من قتل من بني قريظة

اختلفت أرقام القتلى من مقاتلي بني قريظة وذكروا لها أعداداً متفاوتة، فذكر البعض أنّ القتلى كانوا كافة الرجال ومن بَلَغ ونَبَت من الأطفال، وتتراوح أعدادهم بين 600 و900. ولكن أخباراً تقول وهي الأصح، أن المقاتلين منهم فقط والذين حزّبوا على النبي كانوا هم المقتولين. الصحيح من السيرة، للعاملي ج 12، ص 88.

كان حيي بن أخطب مِمَّن قُتِل على يد المسلمين وهو يقول للنبي حين أُتِيَ به مربوطاً: ما لُمت نفسي في عداوتك لقد ظفرت بي، وما ألوم إلا نفسي في جهادك والشدة عليك.

أُقيم بين يدي علي بن ابي طالب - وهو ممن تولّى قتل الكثير منهم على ما في  بعض المصادر- وهو (حيي) يقول: قتلة شريفة بيد شريف.

فقال له علي: إن الأخيار يقتلون الأشرار والأشرار يقتلون الأخيار، فويل لمن قتله الأخيار وطوبى لمن قتله الأشرار والكفار. الإربلي، كشف الغمة، ج 1، ص 209.

ومن بين لائحة المقتولين: غزال بن سموأل، أول شجعان اليهود إذا هاجموا وآخرهم إذا ولّوا. ورد اسمه فيمن هاجم المدينة من القرظيين أثناء حرب الخندق.

وهب بن زيد، حامل لواء اليهود في الزحف. زبير بن باطا. وصفه الواقدي وذويه برؤساء اليهود. الواقدي، المغازي، ج 1، ص 502.

نبّاش بن قيس من بني النضير، ذكر على رأس العشرة من يهود بني قريظة حين حاولوا مباغتة المسلمين في حرب الخندق، وهو الذي أوصى النبي إثر انشداخ أنفه أن يُحسِنوا إسارهم، ويقيّلوهم ويسقوهم حتى يبردوا، وأن لا يجمعوا عليهم حرّ الشمس وحرّ السلاح. وذكر البلاذري أسماء هؤلاء في عداد عظماء اليهود.

وقُتل كعب بن اسد وهو رئيس القوم. ذكروا أنه اقترح على قومه حين اشتد عليهم الحصار أموراً؛ منها "الإيمان بمحمد الذي ما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب"، مذكّراً بنصيحة ابن خراش له، حيث تنبّأ له بخروج محمد من المدينة.

وكان النبي(ص) عندما أُتِيَ بكعب بن أسد (وكعب بن أسد هذا إلى جنب غزال بن سموأل الآنف ذكره، كان يشتم النبي وسعد بن عبادة) إليه مجموعة يداه إلى عنقه يقول له: كعب بن أسد؟ وما انتفعتم بنصح ابن خراش وكان مصدقا بي! وإن رأيتموني تُقرئوني منه السلام؟ فقال كعب: بلى والتوراة يا ابا القاسم، ولولا أن تُعَيِّرني اليهود بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين اليهود.

إسلام قسم كبير من اليهود

ذكرت المصادر حِواراً جرى لأناس آخرين كانوا داخل الحصن بشأن جبير بن الهيّبان كان قد ذكر لحيي بن أخطب صفة النبي عند موته. فأعلنوا إسلامهم ونجوا بأنفسهم وأموالهم قبل انهزام بني قريظة، هم ثعلبة وأُسيد ابنا سعيّة و أسد بن عُبيد عمّهم. كما ذكروا أن عمرو بن سُعدى أيضاً كان قد نجى بنفسه وتبرّأ من فعلهم بتذكير ابناء قبيلته العهد وإبائه عن نقضه.

وقفة مع التاريخ: إن التشكيك في عدد من قتل من اليهود وارد وصحيح، لأن التعارض والتضارب في الروايات التاريخية كبير، يكتب السيد جعفر شهيدي حول أحداث غزوة بني قريظة متسائلاً عن الدواعي وراء سرد هذه القصة ويُشير إلى أن الرواية مضطربة في كتاب المغازي، كما أنها مختلفة عمّا جاء على لسان ابن إسحاق والطبري والزهري (51 - 124 هـ)، حيث أن الأخير لم يصرّح إلا بقتل حيي بن أخطب، فالرواية قد تكون مدسوسة من قبل أناس من الخزرج بعد مُضيّ سنين من وقوع الغزوة، ويبدو أن الهدف من وراء ذلك كان هو الحطّ من منزلة الأوس لدى النبي مقابل الخزرج وإثارة الحمية بينهم، التي ظهرت علاماتها بوفاة النبي في سقيفة بني ساعدة واتخذها معاوية و بنو امية مثاراً للتلاعب بتاريخ الإسلام إلى سنة أربعين للهجرة وتشويه صورته، حتى ذكروا أنه قام (ص) بقتل حلفاء الأوس دون حلفاء الخزرج من بني قينقاع وبني النضير، وأنّ زعيم قبيلة الأوس لم يُراعِ جانب حلفائه في غزوة بني قريظة، بل حكم بقتل جميع الرجال. شهيدي، تاريخ تحليلي اسلام، ص 88-90، ويعتبر مالك بن انس أن ابن اسحاق وهو الراوي الأساس للقصة إنما هو دجال. ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 9، ص 36

وذكروا في أسباب هذه النسبة أن غزوات الرسول مع اليهود في سيرة ابن اسحاق إنما تمّ نقلها بواسطة أبناء اليهود أنفسهم، كما يحتمله صاحب عيون الأثر.

 

حكم سعد بناءاً على المصادر اليهودية

لقد قام سعد بإصدار الحكم على اليهود، بناءاً على العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين، وحيث أن الحكم جاء مكافئاً لما قاموا به في شريعة موسى. أبو زُهرة، خاتم الرسل، ج 2 ، ص 671 - 672.

ففي التوراة الموجودة اليوم أن المدينة التي تقع في يد النبي عنوة، يُأمر بين ذكورهم بالسيف وتُسبَى النساء والأطفال وتُغتَنم البهائم و.... الكتاب المقدس، سفر التثنيه، الإصحاح 20 ، فقرتي 14 و13.

وعلى أن التوراة قد تعدّى هذا النوع من الحُكم كما أشار محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف، ج 6، ص 209. إلى ما هو أعظم جَوراً، حيث حَكم كتابُهم في مواضع أُخرى بقتل جميع السكان دون استثناء للنساء والأطفال وكذلك إحراق كلّ ما في المدينة لتكون تلّا إلى الأبد. الكتاب المقدس، سفر التثنيه، الإصحاح 13، فقرات 12 - 16.

ولماذا يتم القتل والدفن في سوق المدينة؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها ولا تزيد في قضية بني قريظة إلا تشويه صورة النبي(ص)، وكونه لا يهمه سوى القتل والذبح وسفك الدماء وسبي النساء والأطفال وتملك الأراضي ومصادرة الأملاك.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1015
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29