• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : من صفات اولي الالباب .

من صفات اولي الالباب

 من صفات اولي الالباب

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ، لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ، وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا. سُبْحانَكَ! فَقِنا عَذابَ النَّارِ. رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ، وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ. رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ: أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ. فَآمَنَّا. رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا، وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ. رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى‏ رُسُلِكَ، وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ  الميعاد ) آل عمران 190 _ 194

تدل الآيات الشريفة على أمور

: الاول

 يدل قوله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ» على حقيقة من الحقائق الواقعية التي طالما أكد عليها القرآن الكريم في مواضع متعددة بل انها مراده، و هي الاستدلال بآيات اللّه تعالى في مخلوقاته العلوية و السفلية على عبادة اللّه الواحد الأحد و نبذ الشرك و الأنداد و عبادة الآيات الكونية و الخوارق وهذه هي دعوة الأنبياء و الرسل.

و الآية الشريفة تضمنت المبدأ و المعاد فان قوله تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» يدعو الى المبدأ المتصف بجميع صفات الكمال من العلم و القدرة و الحياة و الحكمة و الربوبية، و اما قوله تعالى «وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ» فانه يدل على المعاد لما في هذه الآية من الدلالة على القدرة الإلهية و ان اختلاف الليل و النهار لا يخلو من المشابهة للموت و الحياة فالليل فيه الإشارة الى الخمود و السكون و النهار اشارة الى الحركة و الظهور و النشور، و الموت خمود و سكون و الحياة ظهور و حركة. كما ان اختلاف الليل و النهار سنة الهية طبيعية و الموت و الحياة سنة إلهية كذلك ومن ذلك يعرف السر في تقديم الليل على النهار فان الموت اسبق على الحياة فإنها الإيجاد من العدم.

الثاني

يستفاد من ذكر اختلاف الليل و النهار بعد خلق السموات و الأرض ان اختلاف الليل و النهار من شؤون خلق السموات     والأرض و تابع له

الثالث

يستفاد من قوله تعالى: «لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ» المنزلة العظيمة لأولي الألباب فهم الذين ينظرون في الآيات و يتعمقون فيها و يدركون تلك الآيات الكونية و يستفيدون منها و يعتبرون بها و اما سائر الناس فلا حظ لهم منها إلا المناظر البديعة و ما فيها من الحسن و الروعة و البهجة دون التعمق و الاعتبار

الرابع

يدل قوله تعالى: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ» ان ذكر اللّه تعالى له الأثر الكبير في استفادة ذوي الألباب من آيات اللّه تعالى و له المنزلة العظيمة في الاهتداء به الى الحقيقة فقد ملأ الذكر جميع مشاعرهم و تمام حالاتهم فلا يغفلون عن اللّه تعالى لأنهم شاهدوا آثار عظمته في خلقه و أيقنوا أن ما سواه من فيض رحمته فاستغرقت سرائرهم في مراقبته فلا يشاهدون حالا من الأحوال في الآفاق و في الأنفس الا و هم يعاينون شأنا من شؤونه و مظهرا من مظاهره تعالى

واطلاق الذكر يشمل جميع انحائه من حيث الذات أو الصفات أو الأفعال فكانوا في طاعة اللّه تعالى دائما مما أوجب استعداد أنفسهم لقبول الفيض الالهي.

الخامس

يستفاد من قوله تعالى: «وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» ان التفكر الصحيح انما يكون بعد تهذيب الروح  وتطهير النفس من الرذائل و ذكر اللّه تعالى إنما يقوم بتلك الوظيفة و لذا قدمه عز و جل على التفكر في خلق السموات و الأرض و هو يعد النفس لهذه الموهبة، و يستفاد من الآية المباركة اختصاص التفكير في السموات و الأرض دون الذات المقدسة لعدم الوصول الى كنه ذاته و قد ورد النهي عن التفكر في الذات، يضاف الى ذلك ان ذكر اللّه تعالى يغني عن التفكر في الذات، و هذه الآية المباركة ترشد الناس إلى التفكر في أفعاله تبارك و تعالى

السادس

يمكن ان يراد بالقيام في قوله تعالى: «قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ» مطلق القيام بالوظائف العبودية لا خصوص القيام حال الصلاة، فكل من سعى في قضاء حوائج المؤمنين أو في تعظيم شعائر اللّه تعالى، أو في معاش العيال و نحو ذلك مما هو كثير داخل في الآية الشريفة لقوله (عليه السلام): «الكاد لعياله مجاهد في سبيل اللّه» و قوله (عليه السلام): «الكاسب حبيب اللّه» و قوله (عليه السلام) جهاد المرأة حسن التبعل» و قوله (عليه السلام): «من سعى في قضاء حاجة كان له اجر الشهيد»، كما يمكن ان يراد بالقعود القعود عن كل ما لا يرتضيه اللّه تعالى و عدم الحركة فيه أصلا و ان يراد بالجنوب الحالات الحاصلة للعبد عند التوجه الى القهار العظيم  و من ترتيب التفكر على ما ذكر في هذه الآية الشريفة يستفاد  ان التفكر الصحيح المنتج انما يكون بعد العمل الصالح و يدل عليه قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ» البقرة- 282       و لكن الإنسان غفل عن ذلك كله فجعل نفسه مقيدة بأمور اصطنعها فما أقبح ذلك منه  .

السابع

يستفاد من قوله تعالى: «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ» ان الرب الذي خلق الخلق بهذا النظم العجيب و دبر أمورهم هو حق و لا يصدر منه الا الحق و هو منزه عن الباطل و انى للعقول ان يحيطوا بآثار حكمته، و ان الخلق مهما تفكروا في مخلوقاته فلن يعرفوا حقيقتها و ليس لهم الا الإذعان بانه لم يخلقها باطلا لأنه منزه عنه و هو الحق و لا يصدر منه الا الحق، فان لم يدرك العقل آثار الحكمة و العظمة لا يمكنه انكار هذا الأمر و هو انه لم يخلقه باطلا و يستفاد منه ادب الدعاء و المناجاة مع اللّه تعالى و فيه تعليم المؤمنين كيفية المخاطبة مع اللّه تعالى فلا بد من الثناء و التنزيه و الدعاء و الابتهال

الثامن

: يستفاد من سياق قوله تعالى: «رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» العلية و المعلولية اي: ان دخول النار لا يكون الا لأجل ظلم الإنسان على نفسه و لا ناصر للظالم على النفس فيترتب الخزي لا محالة: أما ان دخول النار لا يكون إلا لأجل الظلم فهو معلوم لأنه مترتب على المعصية و الطغيان، و اما انه لا ناصر للظالم على النفس فلانة منحصر في اللّه تعالى لأنه إما الشفاعة أو التوبة و المفروض عدم  تحققهما فلا محالة يترتب المعلول على العلة التامة المنحصرة.

التاسع

يستفاد من قوله تعالى: «رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ» ان ايمانهم مبني على أمرين أحدهما الدليل العقلي الذي اعتمد على التفكر في خلق اللّه تعالى و الادلة القطعية و الثاني الدليل السمعي عند ما سمعوا المنادي يناديهم الى الايمان باللّه تعالى و هم بعد تأملهم في هذا الدليل السمعي وقعت منهم الاجابة بلا فاصلة و فتور

ويمكن ان يكون المراد بالسمع هنا الإجابة الحقيقية كما في قول «سمع اللّه لمن حمده» فالمنادى داع الى اللّه تعالى و شاهد على تحقق الدعوة الحقة و بعد فناء العالم ينتفي موضوع الدعوة و تبقى موضوع الشهادة.

و هذه الآية الشريفة على اختصارها تبين المبدأ و المعاد و استدل على الاول بالمعلول على وجود العلة و تسمى هذه الطريقة في الاصطلاح بالبرهان الاني و استدل على الثاني مع قطع النظر عن الملازمة بينهما بالإقرار و الاعتراف الذي هو من أقوى الادلة في القوانين الجزائية.

العاشر

: يستفاد من قوله تعالى: «وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ» ان مقام الأبرار من أعلى المقامات الذي لا مقام أعلى و ارفع عند اللّه تعالى منه قال جل شأنه: «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ... يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» المطففين- 18 و قال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ... يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» المطففين- 22 و يكفي في عظمة شأنهم ان هؤلاء الداعين مع علو شأنهم يطلبون من اللّه تعالى ان يتوفاهم مع الأبرار و يجعلهم معهم. فتكون حالاتهم من سنخ حالات الأبرار، و ان تكون عوالمهم كعوالمهم

و الحاصل: ان هذه الآية الكريمة تبين ان اولي الألباب هم الذين يكونون مع الأبرار في جميع النشآت و في مرضاة اللّه تعالى و الأبرار  هم شهداء الخلق و قادة أهل الجنة .

الدعاء و التضرع الى اللّه تعالى

مما أكد عليه القرآن الكريم و اهتم به اهتماما بليغا الدعاء و التضرع الى اللّه تعالى و الاستمداد منه في قضاء  الحوائج  وهو  موضوع مهم  يمس الإنسان من جميع جهاته الدنيوية و الاخروية بل دخيل في سعادته الابدية  وهو داخل في صميم حياة أولي الألباب و لا يهملونه في حالة من الحالات، و يعتبرونه من أهم الأسباب في نيل المطلوب و نجح المقصود، و الآيات الشريفة قد اشتملت على دقايق و رموز تكون دخيلة في استجابة الدعاء التي قلما توجد في  آيات أخرى، و نحن نذكر جملة منها في المقام. و الأمر المهم هو ان الدعاء هنا صدر عن قلوب مؤمنة صادقة في إيمانها تفكرت و تدبرت و تذكرت و اهتدت الى الحق فتوجهت الى اللّه تعالى بمشاعر ايمانية خالصة، و توسلت اليه عز و جل و جعلت إيمانها وسيلة لقبول دعائهم و هذا الدعاء الحار الذي صدر منهم يدل على كمال العرفان الالهي فيهم و نراهم انهم يكررون لفظ «ربنا» خمس مرات في دعواتهم على سبيل الاستعطاف و طلب رحمته و قد ذكروا هذا الاسم لما فيه من الأثر العظيم في استجابة الدعاء.

و قد تكرر هذا الاسم المبارك كثيرا في دعوات الأنبياء و المرسلين و ذلك لأن في هذا الاسم الدلالة النفسية على حرارة التوجه و صدق الرغبة في التكرار لدلالته على الإلحاح في المسألة و كثرة الطلب من اللّه سبحانه و تعالى، فهم لا يزالون يلحون في الدعاء و يقولون «ربنا» حتى استجاب لهم ربهم و عطف عليهم و رحمهم ثم إنهم دخلوا في هذا الميدان بعد تطهير أنفسهم من الذنوب و الآثام و الاشتغال بذكر اللّه تعالى و ملأوا مشاعرهم من عظمته و قد كرروا لفظ الايمان و مشتقاته لتوكيد ايمانهم و تقديمه امام طلبهم لما فيه الأثر في الاستجابة

و قد اشتمل دعاؤهم على كمال الخضوع و الخشوع و شدة التوجه اليه عز و جل. فقدموا الثناء على الطلب و الدعاء ثم طلبوا الوقاية من النار فإنها أهم مطلب لأولي الألباب لما علموا من تقصيرهم و ما يصدر عنهم مما يوجب سلب التوفيق و الخزي فالتمسوا منه عز و جل العناية و التوفيق و السلامة من كل خزي و طلبوا منه النصرة ثم أكدوا على طلب غفران الذنوب و تكفير السيئات بعد ما قدموا ما يؤهلهم للاستجابة و هو الايمان ثم لم يقتصر دعاؤهم على خصوص الدنيا بل طلبوا منه عز و جل ان يجعلهم مع الأبرار الذين لهم المقام المعلوم و المنزلة العظيمة  و أخيرا طلبوا منه عز و جل أن يوفيهم ما وعده لهم و هو لا يخلف الميعاد

و قد اشتمل دعاؤهم على الأدب المعهود بين اللّه تعالى و عباده المخلصين و ما تضمنه دعاؤهم على الثناء و التنزيه و الإلحاح في الطلب و موجبات الاستجابة فاستجاب لهم ربهم لان فيهم ما يوجب ذلك و هو العمل الصالح الذي هو العمدة في ذلك. هذا فيض من غيض ما تشتمل عليه الآيات المتقدمة من الرموز و الدقائق و أدب الدعاء و لا بد لكل داع ان يجعل ما في هذه الآيات نصب عينيه و يجعلها منهاجا لكل دعواته لتحصل له الاستجابة .

  المصدر :  مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏7، ص: 186 _   198   (بتصرف )


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=431
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28