• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : القرآن بين حامله وقارئه .

القرآن بين حامله وقارئه

  

القرآن بين حامله وقارئه

لا شكّ أنّ حفظ القرآن وتلاوته من المستحبّات المؤكّدة ولكن هذين الأمرين المستحبّين لا يحقّقان أغراض نزول القرآن الحقيقيّة، فإنّ أغراضه الحقّة تكمن في وعايته وحمل مضامينه في العقل والقلب، فتنعكس وعايته وحمله له سلوكاً قرآنيّاً إلهيّاً يمتاز به العبد عمّن دونه.
ولذا فالقرآن ليس بالتلاوة فقط، وإنّما بالهداية والوعاية، وهما لا يلغيان فضيلة تلاوته، بل لا يدومان إلاّ بتلاوته. عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدّ الحديد، قيل: يا رسول الله! فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن (1)
ولمّا كانت سنّة المعصوم عليه السلام شارحة ومبيّنة للقرآن، فإنّه لا يبقى مجال لحمل التلاوة على معناها اللغوي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله في ذيل قوله تعالى: (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمّل: 4) قال: «بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر البقل، ولا تهذّه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، حرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة (3).
وكذا ما ورد عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم. وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم...» (4).
ــــــــــ

(1) ميزان الحكمة، للشيخ محمّد الري شهري، نشر وتحقيق دار الحديث، الحديث 16498، ج3 ص2524.
(2) غرر الحكم، عبد الواحد الآمدي: رقم 7633.
(3) النوادر، قطب الدِّين الراوندي، دار الحديث،: ص164.
(4) نهج البلاغة: الخطبة 193.

فهذا هو أصل الترتيل، وأمّا مجرّد قراءته وحصر الهمّ بمخارج حروفه، فذلك الذي أقام حروفه وضيّع حدوده. وأمّا التلاوة الحقّة التي جاء ذكرها في قوله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) (البقرة: 121) فذلك مقام أرفع قد بيّنه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام حيث يذكر لهم أوصافاً تسعة : «يرتّلون آياته، ويتفهّمون معانيه، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخشون عذابه، ويتمثّلون قصصه، ويعتبرون أمثاله، ويأتون أوامره، ويجتنبون نواهيه» (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) للورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري،   ج2 ص236.
ثمّ يقول: «ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه، وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنّما هو تدبّر آياته  

وبذلك نخلص إلى أنّ للقرآن قرّاء وحفظة وحملة، وأنّ القرّاء والحفظة إذا تجرّدوا عن الوعاية والدراية والتدبّر والتخلّق بأخلاق القرآن لم يحوزوا على فضيلته حقّاً، وأنّهما مع الوعاية والدراية.. يكونون قد حازوا على كلّ شيء، فالمناط والمدار يكمن في الوقوف عليه عقلاً وقلباً، والتخلّق به ظاهراً وباطناً.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=512
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18