• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : القرآن الكريم في الدراسة الاستشراقية .
                          • رقم العدد : العدد السادس والعشرون .

القرآن الكريم في الدراسة الاستشراقية

   القرآن الكريم في الدراسة الاستشراقية

 

مقدمة :

 اهتم المستشرقون بالتراث العربي والإسلامي جمعاً وحفاظاً ونشراً، وكان معيناً للنُّظم السياسية الغربية في رسم سياساتها في المستعمرات 

وقد ظهرت كلمة الاستشراق   في الغرب منذ قرنين من الزمان تقريباً، لكن البحث في لغات الشرق وأديانه وخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير .

و كلمة استشراق مشتقة من كـلمة شرق، وكلمة شرق تعني مشرق الشمس، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق أو عـلم العالم الشرقي.

ويشير مكسيم رودنـسون إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام 1799، وظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى «إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق».  [4].

وكان الاستشراق ومازال يهتم بالشعوب الشرقية عموماً التي تضم الهند وجنوب شرق آسيا والصين واليابان وكوريا.  .

دوافع الاستشراق وأهدافه

  والاستشراق بوصفه حركة معرفية فاعلة تؤرخ بدءاً من القرن الثامن عشر، ومسار كثير من الباحثين عن بدايات الاستشراق بوصفه فعلاً معرفيًّا مقصود؛ هو متأرجح بين محطتين: الحروب الصليبية، واحتلال نابليون لمصر.

المحطة الأولى: الحروب الصليبية:

 يرى كثير من الباحثين أن الحركة الصليبية هي الأساس الذي قامت عليه عصبية الغرب تجاه الإسلام. في مقابل انفتاح حضاري من قبل الإسلام تجاه الغرب المسيحي. ولم تكن العصبية الإسلامية المعادية للغرب وليدة تحوُّل داخلي في طبيعة الدعوة الإسلامية بقدر ما كانت وليدة الفعل السياسي للدول المسلمة، وأيضاً لم تكن موجهة إلى المسيحية بوصفها ديانة سماوية.

المحطة الثانية: احتلال مصر:

إن الاستشراق الحديث بدأ في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ حيث شهدت هذه المرحلة تزايد عدد الأستاذية للدراسات الشرقية وتأسيس جمعيات علمية مختلفة في أوروبا تعالج الشرق، ومع حلول عام 1850 أصبح لكل جامعة رئيسية في أوروبا منهج متكامل في أحد فروع الدراسات الشرقية، وصار معنى أن يكون المرء مستشرقاً هو أن يحصل على تدريب جامعي في الدراسات الشرقية.

فمع احتلال نابليون لمصر عام 1798 تحوَّل الاستشراق من استشراق ناءٍ إلى استشراق مقيم، تستمد نصوصُه قوَّتَها وتأثيرها من خلال إقامة المستشرق في الشرق واتصاله به وسيطرته عليه، وأصبح الاستشراق مكتبة أو أرشيفاً من المعلومات تتقاسم الإفادة منه فرنسا وبريطانيا، فيسهل على هاتين القوتين إتقان التعامل مع الشرقيين وإدامة السيطرة عليهم.

ومن خلال ذلك يصنف معظم الباحثين الأهداف إلى ثلاثة:

1- المعرفة العلمية: ويشيرون إلى النوايا الحسنة لدى بعض المستشرقين الروس وبعض المستشرقين الأوربيين أمثال لوي ماسينيون. والمستشرقون الألمان يتصدرون قائمة حسن الظن عند الباحثين، وربما كان إسهامهم  في حفظ التراث المشرقي متميزاً جدًّا.

2- التبشير: الدراسات التي قام بها المبشرون المسيحيون والتي أرادوا فيها أن يهاجموا الإسلام بأي طريقة كانت.

3. الاستشراق السياسي: الدراسات الاستشراقية التي كتبت من وزارة الخارجية والبريطانية تحديداً أنموذج بارز، أو من دوائر المخابرات الغربية التي كانت تشرف وتمول دراسات ميدانية عن الإسلام والمسلمين.

 

القرآن الكريم في الدراسة الاستشراقية

بحسب المستشرق الألماني رودي باريت إن الهدف الرئيس من جهود المستشرقين في القرن الثاني عشر الميلادي وفي القرون التالية هو التنصير، وعرَّفه بأنه إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام، واجتذابهم إلى النصرانية[10].

من هنا سيكون القرآن الكريم والسيرة النبوية وخصوص شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محط نظر الاستشراق. والتركيز على القرآن وإثبات بشرية القرآن وعلى موضوعات مثل: تاريخ القرآن، ترجمة القرآن، تحقيق وفهرسة الدراسات القرآنية، أدب القرآن وأساليبه البلاغية، موضوعات القرآن نفسه مثل قصص الأنبياء.. الوحي.. الأديان السماوية.. العقائد الإسلامية.

 

 

المدرسة الألمانية ونولدكة

ومن خلال مطالعة الاستشراق الألماني الذي يُعتبر في الجملة الأكثر موضوعية عند بعض الباحثين، والأكثر خدمة للتراث الإسلامي؛ سنجد أن محور الدراسات الاستشراقية يتمثل في بشرية القرآن، متكئاً على نزول القرآن وتاريخه، وعلى «التناص» وتصيُّد التشابهات الظاهرية بين مضامين قرآنية وثقافة العرب وثقافة اليهود والنصارى في سبيل تأكيد «البشرية».

وقد اتصلت ألمانيا ببلاد الإسلام إثر الحملة الصليبية الثانية في عام 1147م  .

وكان يوهان جاكوب رايسكه 1716 - 1774 أبرز مستشرق ألماني أسس الدراسات العربية في ألمانيا، وهو أول مستشرق ألماني وقف حياته على دراسة العربية والحضارة الإسلامية  .

 ومنذ أواسط القرن التاسع عشر، حاول الاستشراق اكتساب صفة «العلمية»، وبدأ يتحلى بالموضوعية، ولو بصورة نسبية، عندما تحوَّل إلى علم قائم على النقد التاريخي، وحاول أن يطبق المعيار النقدي على تاريخ الإسلام كما يطبقه على تاريخ فكره الخاص.

وقد تميَّز الاستشراق الألماني بجمع المخطوطات ونشرها وفهرستها. مع اهتمام خاص بالجانب الفيلولوجي والصوفي والأدبي، وعناية بوضع معاجم في اللغة العربية، ودراسته لجوانب الفكر العربي الإسلامي في القديم خاصة.

وكان الانشغال بالنص القرآني مما تميزت به جهود الألماني عن باقي جهود المستشرقين الآخرين. وعدد ترجمات معاني القرآن إلى الألمانية تصل إلى حوالي اثنتين وأربعين ترجمة..

ويمكن ملاحظة -في هذا الشأن- شيخ المستشرقين الألمان « تيودور نولدكه 1836 - 1931»،  فقد كان أكبر متخصص في علوم القرآن في أوروبا كلها[17].

نولدكة وتاريخ القرآن

كان موضوع أطروحته هو «أصل القرآن وترتيب سوره»، قدمها سنة 1858  .. وتوسع فيها لاحقاً، ونشرها بعنوان: «تاريخ النص القرآني» سنة 1860.

ثم نشر في ثلاثة اجزاء  بإضافات وتحرير من تلامذته  .

وقد قسّم نولدكه وتلامذته من بعده الكتاب بأجزائه الثلاثة إلى ثلاثة أقسام كبرى؛ القسم الأول عنوانه: في أصل القرآن، والقسم الثاني عنوانه: جمع القرآن، والقسم الثالث عنوانه: تاريخ نصّ القرآن[18].

وفي القسم الأول يُعنى نولدكه وتلميذه شفاللي بأصل القرآن ونبوة النبي، وطرائق تلقّيه الوحي، وبدايات الرسالة، وما يتصل بأمية النبي، ووسائل كتابة القرآن، والتوازن والتوتُّر بين الشفوي والكتابي، ومسألة المكي والمدني ومعناها وأهميتها. ويناقش نولدكة أثناء ترتيبه الآخر للسُّور المكية وهي ثلثا القرآن تقريباً آراء السابقين عليه: فايل وشبرنغر وهرشفلد الألمان، وميور البريطاني. وهو يبدو شديد الموضوعية والاعتدال في آرائه تجاه القرآن والنبي؛ وبخاصةٍ مقارنةً بشبرنغر وميور. لكنه ينطلق، شأنه في ذلك شأن سائر المستشرقين حتى الثلاثينات من القرن العشرين، إلى أنّ نبوة النبي والقرآن على حدٍّ سواء، مستمدان من التراث الإسرائيلي.

في القسم الثاني المسمَّى «جمع القرآن» يعمد نولدكه وتلميذه شفاللي وبرغشتراسّر لقراءة مسألتين رئيستين؛ مسألة التعامل مع الوحي حفظاً وتدويناً، ومسألة جمع القرآن أيام عثمان. ولا يقبل نولدكه الروايات التقليدية الإسلامية على علاّتها لكنه بخلاف غالب المستشرقين كان يرى أنّ النبي كان أميًّا فعلاً، كما أنبياء بني إسرائيل. ثم إنّ القرآن ذا الطابع الشفوي والشعائري، كان مخططاً له منذ البداية أن يُدوَّن؛ بحيث يجري الحفاظُ على الأمرين: الشفوية الضرورية في التلاوة، الحفظ وسلامة النص والأمن من التغيير أو النسيان بالتدوين. ويطيل نولدكه في مناقشة قصة جمع عثمان للقرآن، ولا يقبل كثيراً من التفاصيل، لكنه يقبل أنّ القرآن كان مدوَّناً منذ أيام النبي، لكنه كُتب في مصاحف أيام عثمان. ويرى نولدكه في هذا القسم أن القرآن مرتبط بسيرة النبي في المدينة، فقارن بين الآيات وأحداث السيرة بصورة واسعة.

أمّا القسم الثالث وعنوانه: تاريخ نصّ القرآن فيتحدث عن رسم المصحف، وأيضاً عن المخطوطات القرآنية، لكن أكثره محوره القراءات القرآنية. والنظرة الرسمية السنية السائدة الذين يرون شرعية القراءات ويعللون القراءات بأنها بتأثير لهجات القبائل والأمصار، وتخلق حالة من التنوع الفكري!... أمّا نولدكه وتلامذته فيذكرون عدة أسباب: المرحلة الشفوية، وأخطاء الرسم والإعجام، والتوسع في التفسير والتأويل، وبقايا المرحلة الشفوية المبكّرة...

وهنا يمكن أن نتوقف عند بعض الملاحظات:

  الاولى : أهمية مدرسة نولدكة

يعتبر الكثير من الباحثين هذا الكتاب أخطر كتاب أنتجه الغرب في تاريخه مع تعامله مع النص القرآني،  وأنه أصبح ملاذاً للمستشرقين ومرجعهم المعرفي. ومن أهم ما ألفه الإفرنج في تاريخ القرآن؛ إذ بحث فيه صاحبه بتضلع عميق. وحاول أن يكون موضوعيًّا قدر الإمكان.

وأما بلاشير المستشرق الفرنسي 1900 - 1973 فيرى أنه بفضل نولدكه ومدرسته أصبح ممكناً من الآن فصاعداً أن نوضِّح للقارئ غير المطلع ما يجب أن يعرفه عن القرآن؛ ليفهمه بوعي، وليتخطى القلق الذي ينتابه عند اطلاعه على نص يغلب عليه الغموض[21].

 لكن ملاحظة عدم توافر الترجمة العربية إلا مؤخراً[22] يجعل من تأثيره المباشر في الكتابات العربية محدوداً، وإنما يتم التواصل معه من خلال أبحاث الأوروبيين والموسوعات الأوروبية.

ومن جانب آخر اشتملت أبحاث نولدكة على قدح في القرآن، فقد ألمح إلى وجود التحريف في القرآن في كتابه «تاريخ النص القرآني»؛ وذلك حين كتب فصلاً بعنوان: «الوحي الذي نزل على محمد ولم يُحفَظ في القرآن»، ثم صرَّح بالتحريف في مادة «قرآن» بدائرة المعارف الإسلامية، حين يقول: «إنه مما لا شك فيه أن هناك فقرات في القرآن ضاعت»، وفي مادة «قرآن» في دائرة المعارف البريطانية يُقرر مسألة التحريف في القرآن فيقول: «إن القرآن غير كامل الأجزاء»[23].

ويبدو أن نولدكه أسهم بشكل قوي في ترسيخ مسألة التحريف في الفكر الاستشراقي؛ فقد فتح الطريق أمام تحريف القرآن.

 

 الدراسات الاستشراقية والمنهج التاريخي الفيلولوجي:

وجدت الدراسات الاستشراقية ضالتها خلال القرن التاسع عشر في محاولات إعادة ترتيب السور القرآنية في ضوء الظروف والمناسبات التي مرَّت بها الدعوة الإسلامية... فذهب البحث يرصد أخبار تدوين القرآن، ويُفتِّش في أسباب النزول؛ بحثاً عن ظاهرة يُؤكد بها بشرية القرآن .

ويرى باحثون[25] أن العبارة المقاربة لـ«فيلولوجيا» هي: فقه اللغة المقارن. فقد ركَّز علماء اللسانيات مع بداية القرن التاسع عشر على التحليل التاريخي المقارن للغة، بدراسة النصوص المكتوبة، واكتشاف عناصر التشابه بين لغة وأخرى، وملاحظة التغيرات التي تطرأ على اللغة عبر الزمن، ومقارنة التغيرات التاريخية بين اللغات المتشابهة، على سبيل المثال الدراسة المقارنة للغة العربية واللغات السامية كما في كتاب «اللغات السامية» لنولدكة. ومن هذا القبيل محاولة البحث عن الأصول السريانية أو اليهودية أو الآرامية لكلمات القرآن في سياق البحث عن أصول القرآن في الثقافة الموروثة.

ونرى في المنهج التاريخاني الفيلولوجي المعهود في القرن التاسع عشر إشكاليتين أساسيتين:

الأولى: السلبية تجاه البعد الإلهي بوصفها نتيجة منطقيّة للنزعة المادية في أوروبا، وللعداء المستفحل في المجتمع العلمي الأوروبي مع الكنيسة، ومن الطبيعي أن يمتد العداء للإسلام. لذا تغض بصورة غريبة عن تفسير التشابه النسبي بين الأديان لوحدة الانتماء الإلهي. 

الثانية: الفيلولوجية المُتعارَف عليها في دراسة سائر النصوص تسعى نحو تفتيت بنية النصوص وإرجاعها إلى أصول أقدم تفترضها مع الافتقار -في الإرجاع- لمستند رصين[27] مع  عجز عن إدراك فاعلية بنية النص الدلالية والجمالية والتأثيرية.

 

 غائيات القراءة الزمنية:

وتطبيقاً للمنهج التاريخي أعاد نولدكه ترتيب القرآن زمنيًّا على غير نهج المصحف الشريف، فأصبح الترتيب الذي انتهجه نولدكه يشغل أذهان المستشرقين جميعاً، ويعلقون عليه أخطر النتائج في عالم الدراسات القرآنية[28].

فالبحث في تاريخ القرآن هو بحث في توثيق النص القرآني: ملابسات نزوله، جمعه وتدوينه، قراءاته... والغاية ربطه بمناخه العام؛ لإثبات بشريته. حيث استقرت البحوث التاريخية في ثلاثة أمور:

الأول: البحث عن مصادر للنص القرآني في مواريث البيئة العربية واليهودية والنصرانية والأمم التي اختلط العرب بها.

الثاني: أنّ النص القرآني الذي بين أيدينا اليوم هو في مجموعه مما خلّفه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، على أن في التفصيل تأملاً ومراجعة وتشكيكا عند بعضهم. فقد دُوِّن استناداً إلى ما خلّفه كتَّاب النبي من مدونات، وإلى ما احتفظت به الذاكرة الجماعية للجماعة الإسلامية الأولى، لكن الصحابة اختلفوا وهكذا.

الثالث: أنّ الترتيب الحالي للسُّوَر كما اعتمد في المصحف العثماني مختلفٌ عمّا خلّفه النبّي لأصحابه، وربما اختلف أيضاً ترتيب الآيات في بعض السُّوَر.

وعموماً؛ فإن أعمال المستشرقين تركّز على تاريخ القرآن. وهذه القراءة الزمنية أرادوا من خلالها:

1- تثبيت بشرية الـ«مصدر القرآني»، والتشكيك في «الوثوق بصحة النص القرآني».

2- خلخلة الثبات في التشريعات الفقهية من خلال الناسخ والمنسوخ في القرآن - أسباب النزول.

3- كشف العلاقة التفاعلية بين النص والسياق التاريخي والاجتماعي بهدف الكشف عن ملابسات الانتقال من النص القرآني المفتوح المتفاعل الذي تتوالد دلالاته من خلال البيئة الثقافية لمتلقي الخطاب إلى النص القرآني المغلق الذي يريده المسلمون مهيمناً على الواقع...

 

·     الموضوع مقتبس من مقال للسيد جعفر العلوي اقتصرنا على نقل بعضه مع تصرف والغرض القاء نظرة مجملة حول الموضوع .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=548
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19