• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : المحكم والمتشابه في القران الكريم .

المحكم والمتشابه في القران الكريم

االمحكم والمتشابه في القران الكريم 

الشيخ سمير رحال 

تحدث القرآن الكريم في سورة آل عمران عن صنفين من الآيات يشكلان مجموع النص القرآني ، وصرح بإشتماله على آيات وصفها بالمحكمات وهي تمثل غالبية عددية مطلقة ، وآيات أخرى دونها عدداً وأطلق عليها وصف المتشابه ، وقال تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات ) " آل عمران /7) .وقبل الدخول في تفاصيل البحث ، وبيان المقصود من ذلك ينبغي الإشارة إلىأن كلمة المتشابه وكذا الإحكام قد أطلقت في آيات أخرى وصفاً لعموم القرآن لا لقسم خاص من آياته وبالتالي كان المقصود منها معنى آخر ما تعنيه الكلمة في محل البحث .
فالله تعالى في مقام وصفه لكتابه العزيز يقول ( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني ... ) " الزمر /23" فهو متناسق لا تناقص فيه ويشبه بعضه البعض فلا تعارض فيه ولا تضاد ، وبحسب تعبير أمير المؤمنين "ع" يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض .
كما يقول تعالى في مقام وصف كتابه بمجمله :( كتاب أحكمت آياته) " هود /1 " فهذا تصريح على أن نص القرآن كله محكم لا يعتريه ولا يتطرق إليه أي خلل .

في المحكم والمتشابه :
وقد فسروا الآيات المحكمة بأنها الآيات الواضحة الدلالة ولا يشتبه في فهم المقصود منها .
وأما المتشابهه فالمشهور بينهم أنها الآيات التي لا يقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي لا يعلمها إلا الله ( عند مشهور أهل السنة ) وإلا النبي "ص" وأهل بيته "ع" فهم يعلمون تأويلها ومعناها الحقيقي ( عند مشهور الشيعة ) لكننا نجد من يزعم أن القرآن بأكمله لا يمكن درك مداليله وأسقط ظواهر الكتاب عن الحجية ، لأن جميع آياته متشابهة ولايعرف القرآن إلا من خوطب به وهم النبي وأهل بيته "ع" .
كما أننا في مقابل ذلك نجد من يقول أنه ليس في القرآن آية لا نتمكن من معرفة معناها وذلك إستناداً إلى ما وصف به القرآن نفسه من أنه نور وهادٍ وإلى قوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً ) " النساء /82" إذ كيف يكون التدبر رافعاً لكل أختلاف إذ لم تكن ىياته معلومة المعنى يضاف إلى ذلك أن الآية الكريمة تصف اللآيات المحكمات ( في سورة آل عمران ) بأنها أم الكتاب ( هن أم الكتاب ) والتي تعتي أنها تشتمل على أمهات ما في الكتاب من موضوعات وبقية الآيات ( المتشابهات) متفرعة عنها وبالتالي يمكن إرجاع الآيات المتشابهات إلى الآخرى المحكمات لفهم المراد منها ومعرفة معناها الحقيقي ، والنتيجة أن الآيات إما محكمات بلا واسطة أو محكمة مع الواسطة كالمتشابهات .

تفسير آخر :
وربما يقال إن المقصود من الآيات المتشابهة هي الحروف المقطعة المصدّر بها بعض السور نظير (الم ) (حم ) ( ن) وغيرها حيث لا تدرك معنى لها .
ولكن يرد ذلك بما أفاده العلامة صاحب تفسير الميزان من أن الآية الكريمة وضعت الآيات المتشابهة مقابلاً للآيات المحكمة ولازم هذه التسمية أن يكون المتشابه له مدلول من قبيل المدلول اللفظي إلا أن هذا المدلول اللفظي الظاهر يشتبه بالمدلول الحقيقي والحروف المقطعة ليس لها هكذا مدلول .

ـ مؤيدات روائية :
وما يؤيد ما تقدم من عدم وجود آية متشابهة ( لا ننتهي إلى معرفة المقصود بها ) لا يعلم مدلولها الحقيقي ، روايات وردت عن أهل البيت "ع" تصرح بذلك وتدعو إلى أعمال هذا الإسلوب من رد المتشابه إلىالمحكم حتى في أخبارهم المشتملة أيضاً على محكم ومتشابه فقد ورد عن الإمام الصادق "ع" قوله : ( المحكم ما يعمل به والمتشابه ما إشتبه على صاحبه ) : وعن الرضا "ع" ( من ردّ متشابهه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ) ثم قال :( إن في اخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشاببها فتضلوا ) .

لماذا المتشابه في القرآن الكريم :
ولماذا لم تكن كل آيات القرآن محكمات أليس ذلك هو الأولى والمنسجم مع الأهداف التي رسمها القرآن وأهمها هداية الناس ، لا سيما مع ملاحظة ما جرى في التاريخ الإسلامي من نزاعات كلامية وحروب حيث وجد أصحاب كل مذهب مأربهم في القرآن لأنه كما قال أمير المؤمنين "ع" ( حمال ذو وجوه ) ولذلك نهى أبن عباس من أن يحاجج الخوارج بالقرآن لأنه حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن حاججهم بالسنّة .
والسبب في وقوع التشابه في القرآن هو الحاجة إلى بيان معانٍ ، راقية تتضمن في ما تتضمن حديثاً عن الذات الإلهية صفاتاً وأفعالاً وعن المعاد وأمور غائبة عن أفق العقل عبر عنها في القرآن بالغيب ، ولما كان القرآن الكريم معتمداً في بيانه لغة يتداولها الناس في محاوراتهم وإيصال مقاصدهم وهي اللغة العربية التي كانت موضوعة لمعانٍ محسوسة أو ما يقرب منها ، فهي لا شك قاصرة عن تبيان تلك المضامين العالية إلا بضروب من المجاز وأنواع الإستعارات والكنايات وأمثال الآيات المتشابهة الأمر الذي يقرب المفاهيم القرآنية في أذهان العامة نتيجة إستخدام ألفاظ متداولة بينهم ، ولكن يبعدها عن أوهامهم التي لا تلبث أن تذهب بعيداً عن المقصود ( إلى مضامين حسية ) المراد بيانه.

قال العلامة الطباطبائي "قدس :
إن عامة الناس لا تكاد تتجاوز أفهامهم وعقولهم المحسوسات المادية إلى عالم ما وراء الطبيعة ولا يمكن أن يعطي الإنسان ما ، معنى من المعاني إلا عن طريق تصوراته ومعلوماته الذهنية والناس فيها على مراتب ودرجات ، والهداية القرآنية ليست مختصة بجماعة دون اخرى ـ ما يفرض أن يسوق القرآن بياناته مساق الأمثال بأن يستثمر ما يعرفه الإنسان ويعهده في ذهنه من المعاني والصور ليتبين ما لا يعرفه من المعاني والصور .. ولكن قد يقع الفهم الإنساني لهذه المعرف الممثلة بين أمرين قد يستلزم كل منهما محذوراً :
الأول : الجمود بهذه المعارف في مرتبة الحس .
الثاني : الإنعتاق من الإطار المادي للمثال والقيام بعملية تجريد للخصوصيات غير الداخلة في التمثيل وهذا يستلزم أحياناً الزيادة والنقيصة في هذه العملية أو الشدة والضعف ، ولهذا نجد القرآن يلجأ إلى عملية واسعة في التمثيل بتوزيع المعاني التي يريد من الإنسان إدراكها وتربيته على تصورها إلى أمثال مختلفة وحملها في قوالب متنوعة حتى يفسر بعضها بعضاً لينتهي الأمر إلى تصفية عامة تؤدي إلى النتيجتين التاليين .
الأولى : أن البيانات القرآنية ليست إلا مثالاً لها في ما وراءها حقائق ممثلة .
الثانية : نعلم حدود المعنى الإلهي المقصود من وراء هذه البيانات حين نجمع بين هذه الأمثال المتعددة ونعي بكل واحدة منها خصوصية من الخصوصيات المأخوذة من عالم الحس الموجود في المثال الآخر فنطرح ما يجب طرحه من الخصوصيات المحيطة بالكلام ونحتفظ بما يجب الإحتفاظ به منها .
قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير تعليلاً لوجود المتشابه : والسبب الأقوى في هذا الباب أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص والعوام وطبائع العوام تنبو في أكثر الأمر عن إدراك الحقائق فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما يتوهمونه ويتخيلونه ويكون ذلك مخلوطاً بما يدل علىالحق الصريح .

وكذا قال في تفسير المنار أن الأنبياء بعثوا إلى جميع أصناف الناس من دان وشريف وعالم وجاهل وذكي وبليد وكان من المعاني ما لا يمكن التعبير عنه بعبارة يفهمها كل أحد .
هذا وقد عللوا وجود المتشابهه بأمور أخرى كقولهم أن وجود المتشابه كان حافزاً لعقل المؤمن إلى النظر كي لا يضعف فيموت فإن السهل الجلي لا عمل للعقل فيه ، وكذا ليمتاز العلماء وتتفاضل مراتبهم وغير ذلك مما لا يستقيم أمام النقص والنقد .

المتشابه نموذجاً :
وحتى لا تبقى الأمور في إطار النظر نورد نموذجاً للمتشابهه به ينجلي ما تقدم يقول تعالى : ( ثم إستوى على العرش ) " الأعراف /53" .
فأحتمل في اللغة أن يكون كأستواء الجالس على السرير وأحتمل أن يكون بمعنى الإسيلاء نحو قول الشاعر :
ثم إستوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
وأحد الوجهين لا يجوز هليه تعالى لقوله : ( ليس كمثله شيء ) " الشورى /11" ولآخر يجوز عليه فهذا من المحكم الذي يرد إليه المتشابه .
1 ـ ( وجه يومئدٍ ناضرة إلى ربها ناظرة ) " القيامة /23 " .
فهم منها المجسمة وأهل التشبيه أن الله يرى يوم القيامة حملاً للآية على ظاهرها وغضوا الطرف عن آيات محكمات توضح وتبين المقصود الصحيح في المقام ـ أما أهل التنزيه فهموا من روح القرآن تجريد الله عن المادية وأولو ما يخالف هذا لمبدأ الذي حكم به العقل أيضاً ، فإذا كان الله ليس مادة ولا مركباً منها فليس له يدان ولا وجه ولا عينان ، وإذا كان كذلك فليس تدركه عيوننا التي خلقت ليس قدرتها إلا أن ترى ما هو مادة ، فما المقصود بالآية ؟
اللآية تصف موقف المؤمنين ذلك اليوم وأنهم على رغم أهواله مسرورن مبتهجون ليس لشيء إلا لأنهم منصرفون عن غيره تعالى ومتوجهون بكل وجودهم إلى الله فالنظر هنا ليس بمعنى تحديق العنين ، بل بمعنى القصد إليه والتوجه إليه تعالى .

2 ـ ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) " آلا عمران /54" .
فالمقصود من مكره تعالى هي المعاملة بالمثل بما ينقض أهدافهم ويهدم أساس بنيانهم المنهار ، فالتعبير بالمكر من جانبه تعالى تعبير مجازي لا يقصد منه ذلك المعنى الذي ينم عن قبح وسوء ، وتسمية فعله تعالى بالمكر من باب المشاكلة اللفظية التي هي من فنون البديع فهم يدبّرون ويدبّر الله ، ولكن مكرهم مكشوف لديهم وأما تدابيره فهي عليهم وسوف تفاجئهم وهم لا يشعرون .
وكذلك كيده تعالى في قوله : ( إنهم يكيدون كيدا واكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) " الطارق /15-17 "
ليس معناه إلا الجزاء بالمماثلة :
ويُقاس على ذلك سائر الآيات التي جاء فيها ذكر الخداع والإستهزاء والسخرية والكيد والمكر منسوبة إلى الله سبحانه فإنها ينبغي أن تفهم كما يليق بجلاله وترشد إليه المحكمات من آياته .

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=56
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2007 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28