• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : قرانيات .
                    • الموضوع : من وسائل التبليغ في القرآن (1) .
                          • رقم العدد : العدد الثالث والثلاثون .

من وسائل التبليغ في القرآن (1)

 

 

من وسائل التبليغ في القرآن (1)

إعداد : هيئة التحرير

تعددت وسائل التبليغ والدعوة التي اعتمدها الانبياء عليهم السلام في مواجهة  المنكرين والجاهلين تبعا لاحوال هؤلاء فاعتمدوا الاسلوب النافع مع كل حالة فالعقول مختلفة ومن الحكمة ان يخاطب الناس بحسب احوالهم ومستوى ادراكهم ومدى انكارهم .

ومن الواضح أن الدعوة لن تكون فعالة، إذا حاولت أن تساوي بين الجاهل والمثقف في  المضمون والأسلوب وقد تقتضي بعض المواقف الجو الحماسي والاندفاعي ، بينما يقتضي بعضها الآخر، الجو الهادى‏ء.

في ما يلي نماذج من هذه الاساليب التي أمر الله بها انبياءه فاعتمدوها في مواجهة اقوامهم :

 

الاستفادة من الحكمة

الرسول الاكرم مكلف بالاستفادة من الحكمة في الدعوة الى الله:

قال تعالى : ادع إلى‏ سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدلهم بالّتى هى أحسن إنّ ربّك هو  أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين‏. النحل 125

وقد ذكرت آيات القرآن في سورة الإسراء ، وفي سورة لقمان، وسور أخرى معنى الحكمة.

والحكمة من المنح الإلهية العظيمة التي امتنّ اللَّه بها على عباده و أنبيائه في حديثه عن داود عليه السّلام‏ وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ [البقرة: 251]

وعن آل إبراهيم‏ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ [النساء: 54] ..

وقد عرفها البعض بأنها الجانب النظري من العلم.

وكلمات اللغويين تبيّن المعاني التالية للحكمة: «العدل»، و «الحلم» و «النبوة» و «ما يمنع من الجهل» و«ما يمنع من الفساد» و «كل كلام موافق للحق» و «وضع الشي‏ء في موضعه» و «صواب الأمر وسداده» و «معرفة الأشياء بأفضل العلوم» و غير ذلك.

كما تلتقي الحكمة في كلامنا ب «الخبرة» و «المران» و «التجربة»، فنعتبر الإنسان المزوّد بهذه المعاني إنسانا حكيما، لأن له من تجاربه و خبرته و مرانه ما يساعده على‏ إعطاء الرأي الصائب، و يمنح خطواته و أعماله صفة التركيز وعدم الانحراف و الاهتزاز، و يجعلها في محلها و هو الذي يلتقي بمفهوم «وضع الشي‏ء في موضعه».

و خلاصة القول: أن كلمة الحكمة تشير إلى مفهوم «وضع الشي‏ء في‏ موضعه» أو «صواب الأمر و سداده» إلا أن مبادئها تختلف، كما أن مجالاتها تتعدد.

ذكر الشيخ الطوسي (ره)، في تفسيره «التبيان» أن الحكمة هي «أن يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة التي لها مدخل في استحقاق المدح والثواب عليها، لأن القبائح يزجر عنها ولا يدعو إليها و المباح لا يدعو إلى فعله لأنه عبث، و إنما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب، لأنه يستحق بفعله المدح و الثواب».

و في «مجمع البيان» للشيخ الطبرسي: «أي بالقرآن .. وسمي القرآن حكمة لأنه يتضمن الأمر بالحسن و النهي عن القبيح».

وفي الكافي، عن أبي عبد الله (ع): في قوله تعالى: «ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ- وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، قال بالقرآن.

كما أن الحكمة تعبير عن طبيعة أسلوب الدعوة. فالآية ارشاد إلى طريقة الدعوة العملية في هداية الناس وإرشادهم

 

الاستفاده من الموعظة‏

والنبي (ص) مكلف بالاستفادة من الموعظة في الدعوة الى الله كما في الآية المتقدمة :

وقال تعالى : أولئك الّذين يعلم اللّه ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لّهم فى أنفسهم قولا بليغا. نساء   63

قل إنّما أعظكم بوحدة أن تقوموا للّه مثنى‏ وفردى‏ ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم مّن جنّة إن هو إلّانذير لّكم بين يدى عذاب شديد. سبأ  46

وقد اجاب قوم هود (ع) نبيهم (ع) فقالوا :

قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن مّن الوعظين‏. شعراء 136

والوعظ: التذكير و النصح، وقد يكون فيه زجر وتخويف.

والوعظ: الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال، و الاسم منه الموعظة وهي البيان الذي تلين به النفس و يرق له القلب.

وتقييد «الموعظة» بقيد «الحسنة» لعلّه إشارة إلى أنّ النصيحة والموعظة إنّما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أيّة خشونة أو استعلاء و تحقير التي تثير فيه حسّ العناد واللجاجة و ما شابه ذلك.

فالموعظة الحسنة هي التي تحقق الغرض المطلوب كما قال تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ‏- 33 فصلت».

فالوعظ الحسن هو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه و التزهيد في فعله وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع.

وهو الأسلوب الذي يشعر المخاطب أن دور المخاطب معه دور الرفيق به الناصح له الباحث عما ينفعه و يسعده.

قال أحد الكتّاب فان الموعظة الحسنة هي «التي تدخل القلب برفق، وتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، فإن الرفق في الموعظة كثيرا ما يهدى القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة و يأتي بخير من الزجر و التأنيب».

فعوام الناس أصحاب نفوس كدرة واستعداد ضعيف مع شدة ألفتهم بالمحسوسات

والعادات قاصرة عن تلقي البراهين من غير أن يكونوا معاندين للحق وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة.

 

الجدال بالتي هي احسن‏

أمر اللّه جل وعلا نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الآية الكريمة المتقدمة: أن يجادل خصومه بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة: من إيضاح الحق بالرفق و اللين.

وقد أشار إلى هذا المعنى في قوله:* وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏ (46) [العنكبوت: 46].

والمجادلة مفاعلة من الجدل، وهو القدرة على الخصام والحجّة فيه، وهي منازعة بالقول لإقناع الغير برأيك.

 والمجادلة: الاحتجاج لتصويب رأي و إبطال ما يخالفه أو عمل كذلك.

اما قوله تعالى : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)‏، أي أن يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانة والصدق، وتكون خالية من أيّة إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة.

فمن احتاج منهم إلى مناظرة و جدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، والصفح عمن أساء في القول، والترفّق بهم في الخطاب، وبقصد الوصول إلى الحق، دون سب الخصم أو الأذى.

وفي رواية الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: «قَالَ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْجِدَالُ فِي‏ الدِّينِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ الْأَئِمَّةَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) قَدْ نَهَوْا عَنْهُ، فَقَالَ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لَمْ يُنْهَ عَنْهُ مُطْلَقاً وَلَكِنَّهُ نُهِيَ عَنِ الْجِدَالِ بِغَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أَمَا تَسْمَعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ العنكبوت 29: 46.

.... الى ان يقول : وَأَمَّا الْجِدَالُ بِغَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَأَنْ تَجْحَدَ حَقّاً لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاطِلِ مَنْ تُجَادِلُهُ، وَإِنَّمَا تَدْفَعُهُ عَنْ بَاطِلِهِ بِأَنْ تَجْحَدَ الْحَقَّ، فَهَذَا هُوَ الْمُحَرَّمُ لِأَنَّكَ مِثْلُهُ، جَحَدَ هُوَ حَقّاً، وَجَحَدْتَ أَنْتَ حَقّاً آخَرَ.

والنبي الاكرم (ص) مأمور بالجدال بالتي هي احسن في  الدعوة الى الله وكذا المسلمون، مأمورون  بالجدال الاحسن، لدعوة اهل الكتاب الى المعارف التوحيدية:

ولاتجدلوا أهل الكتب إلّابالّتى هى أحسن إلّا الّذين ظلموا منهم وقولوا ءامنّا بالّذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم وحد ونحن له مسلمون‏. عنكبوت  46

 

 

ومن ذلك اظهار المماشاة والمسايرة مع عقائد المبطلين لابطالها كما فعل نبي الله ابراهيم (ع):

فلمّا جنّ عليه الّيل رءا كوكبا قال هذا ربّى‏ فلمّآ أفل قال لا أحبّ الأفلين فلمّا رءا القمر بازغا قال هذا ربّى فلمّآ أفل قال لن لّم يهدنى ربّى لأكوننّ ... فلمّا رءا الشّمس بازغة قال هذا ربّى هذا أكبر فلمّآ أفلت قال يقوم إنّى برى‏ء مّمّا تشركون‏. انعام 76- 78

فقوله: «هذا رَبِّي‏» جار مجرى التسليم والمجاراة بعد نفسه كأحدهم ومجاراتهم وتسليم ما سلموه ثم بيان ما يظهر به فساد رأيهم وبطلان قولهم، وهذا الطريق من الاحتجاج أجلب لإنصاف الخصم، وأمنع لثوران عصبيته و حميته، و أصلح لإسماع الحجة.

 

ومن ذلك استفادة مؤمن آل فرعون، من الجدل في  التبليغ والدفاع عن موسى (ع):

وقال رجل مّؤمن مّن ءال فرعون يكتم إيمنه أتقتلون رجلا أن يقول ربّى اللّه وقد جاءكم بالبيّنت من رّبّكم وإن يك كذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذى يعدكم إنّ اللّه لايهدى من هو مسرف كذّاب‏. غافر  28

يتدخل هذا المؤمن- في أسلوبه الواقعي الحذر- ليواجههم باستنكار فكرة قتل موسى لأنه قال: إن ربي اللَّه، في حشد من البيّنات والبراهين التي تدعم دعواه و تؤيّدها، فهو لا يملك الرجال والسلاح لتخافوا منه على الملك، فهو يطرح الفكرة من خلال الرسالة، فاتركوه وشأنه، فإن كان كاذبا فسيجني جزاء كذبه دون أن يصيبكم منه شي‏ء، و إن كان صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم.

فمؤمن آل فرعون دافع عن موسى (ع) بالتي هي أحسن، فبرّأ أولا موسى من الذنب، ثم أمّن ثانيا أعداءه من خطره و ضرره، ثم ذكّرهم ثالثا بنعمة اللّه عليهم، وحذرهم أن يبدلوها كفرا .. وقد استطاع هذا الأسلوب الحكيم أن يثني الطاغية عن عزمه وتصميمه على قتل موسى(ع)

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=824
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18