• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : أسرة .
                    • الموضوع : الأبوة والأمومة الناجحة .
                          • رقم العدد : العدد الخامس عشر .

الأبوة والأمومة الناجحة

 

 


الأبوة والأمومة الناجحة


الشيخ توفيق حسن علوية

الأسرة هي ممر اجباري لتشكل المجتمع ونستطيع القول بأن الأسرة هي عبارة عن مجتمع صغير، ولما كان الاجتماع الكبير للبشرية لا يمكن انعقاده إلا ببركة هذا المجتمع الصغير «الأسرة» فإن تسلل الصلاح والفساد إليه عبر هذا الممر الجبري أمر بيّن وأكيد، ولهذا فإن صلاح الأسرة يضمن صلاح المجتمع وفسادها يجر الفساد إليه.
ونستطيع تشبيه ما تقدم بالتعقيم الذي يوضع في الماء الكثير لتطهيره من الجراثيم والأوبئة فهو صغير الحجم ولكنه ينفلش على الماء كله، وهكذا بالنسبة للماء الآسن الذي يصب في بحيرة كبيرة فيفسدها.
وعلى كل حال فإن للأسرة مدخلية في صلاح المجتمع وفساده، كما أن للفرد بالنسبة للأسرة ذلك.
والأسرة لها أعمدة لا تقوم إلا بها كما هو غير خافٍ على أحد، وتتمثل هذه الأعمدة بالأبوين الأب والأم حيث إن تشكيل الأسرة إنما يتم بهما بل لا صحة لتسمية الأسرة بالأسرة من دونهما وهذا مما لا نكير له من أحد.
والأسرة وإن صدق عليها تسمية الأسرة بالنظر لوجود الوالدين وتشكلها منهما إلا أن صدق هذه التسمية حقيقة لا تصح فيما لو كان دورهما منتفياً وبحكم المعدوم، ولعل تعابير الأمثال الشعبية وما يجري على ألسنة عموم الناس وخواصهم مما تدل على ذلك.
ونحن وانسجاماً بل انطلاقاً مما تقدم وبمعزل عن المصطلح العلمي للأسرة والتفريق العلمي بين الأسرة والعائلة حيث عُبر عن الجماعة المكونة من زوج وزوجة وأولاد غير متزوجين بالأسرة أو أسرة النواة والإنجاب، وعبّر عن الجماعة المكونة من زوج وزوجة وأولاد متزوجين وغير متزوجين بالعائلة أو بأسرة ممتدة، نعم بمعزل عن العبائر العلمية والمصطلحات الخاصة بعلم الاجتماع فإننا سنتحدث عن موضوعين محددين هما:
أ ـ الأبوة الناجحة. أو جواب سؤال: كيف يكون الأب أباً ناجحاً؟
ب ـ الأمومة الناجحة. أو جواب سؤال: كيف تكون الأم أماً ناجحة؟؟
ولكن قبل الحديث عن جواب هذين السؤالين لا بد من ذكر عدة عوامل لها تأثيرها المشترك في إنجاح الحياة الأسرية وذلك لأن نجاح الحياة الأسرية فرع نجاح كل من الأمومة والأبوة، أي نجاح الأب في وظيفته الأبوية ونجاح الأم في وظيفة الأمومة وبناءً عليه فإن من العوامل المشتركة بين الأبوين وسائر أفراد الأسرة لإنجاح الحياة الأسرية:

1 ـ العامل الاختياري:
أي عامل اختيار الشريك، فللولد حق على أبيه في اختيار أمه، وله حق على أمه في قضية اختيار أبيه وهذا ما نطقت به غير واحدة من الآيات القرآنية وغير واحدة من الروايات الشريفة الصادرة عن المعصومين(ع)، وهذا العامل وإن كان متقدماً عن الأبوة الفعلية والأمومة الفعلية إلا أنه مما يخاطب به الأب التقديري والأم التقديرية.

2 ـ العامل الديني:
وهو عامل له تأثيره الجلي، في سير وظيفة الأبوين، ومثال ذلك: فيما لو كانت الصيغة الدينية تهمش دور الأم بل مطلق المرأة وتعزلها بالكلية عن تربية الأبناء، أو كانت تهمش دور الأب أو كلاهما معاً ، أو إن الصيغة الدينية تعطي الأب دور الأب القاسي، أو تعطي الأم دوراً ضعيفاً، أو أن الصيغة الدينية تعطي للأبوين الدور المتكافى‏ء الكفيل بإنجاح الحياة الأسرية وإيصالها إلى شاطى‏ء النجاح أو ربما إلى مرسى السعادة.
وهذا بالحقيقة يرجع إلى الدين كنظرية صحيحة أم سقيمة على الصعيد النظري، ويرجع إلى القدرة التطبيقية لهذه النظرية بالنسبة للأبوين، وهذا إذا كان للدين تأثيره الفعلي والجدي على الأبوين كلياً أو جزئياً.

3 ـ العامل البيئي:
فللبيئة المحيطة التأثيرات المباشرة على الأسرة، المؤثرين فيها كالأبوين، والمتأثرين فيها كالأبناء، فإذا كانت الأسرة تعيش في بيئة متخلفة، ولم يكن ثمة ما يسعفها للتفلت من هذا التخلف فإنها ستبقى متخلفة حكماً وهذا بخلاف ما لو كانت تعيش في بيئة أخرى. وهكذا فيما لو كانت تعيش في ظل بيئة تتحكم فيها عادات وتقاليد غير مأنوسة وغير صحيحة وبالعكس.

4 ـ العامل الجغرافي:
فطبيعة المكان الذي تسكن فيه الأسرة يؤثر على أنشطتها، والتغيرات الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات، والحرائق والتغيرات غير الطبيعية، الناشئة من فعل البشر كالحروب والنزاعات والسرقات والجرائم وغيرها لها انعكاسها على الأسرة وعلى مسيرة نجاحها وفشلها.
ولكن والحق يقال، إن الإنسان استطاع التكيف مع هذا العامل بل استطاع تحويله لصالحه، ولهذا فإن هذا العامل لا يعيق نجاح الأسرة سيما إذا عرفنا بأن المناخ الأوروبي لم يتغير لعقود ومع ذلك فإن شكل الأسرة قد تغير وكذا تغيرت طرائق سيرها وأنماط سلوكها في الحياة.

5 ـ العامل السكاني:
الديموغرافيا هي الدراسة الإحصائية للسكان من حيث حجمهم وتوزيعهم وتركيبهم وهي تهتم بموضوعات معينة مثل التغيرات في الخصوبة، وحجم الجماعات أو المجتمعات ومعدلات المواليد والوفيات، والهجرة داخل المجتمع الواحد، والهجرة الخارجية، واستحداث مناطق جديدة للعمران والسكن، والعلاقات الاجتماعية، ومستوى التكيف بالنسبة للمهاجرين وقاطني المناطق السكنية الجديدة، ونسبة الأطفال والشباب والشيوخ وآثر كل ذلك على سائر الصعد وأي تغير في كل ذلك في حجم وتوزيع الناس يؤدي إلى تغيرات اجتماعية. فالنمو السكاني مثلاً يؤدي إلى مشاكل معينة مثل النقص في الطعام، وفي فرص العمل والسكن والتعليم، كما يؤدي إلى زيادة الابداع والتنافس والانتاج وغير ذلك، وكل هذا له تأثيره على الأسرة سلباً أو إيجاباً.

6 ـ العامل البيولوجي:
فإن تقسيم الناس إلى جنسين أي الذكور والإناث هو ظاهرة دائمة لا تعكس تغيراً على الصعيد الأسري، أما توزيع الجنسين فله دخل في تغير الأسرة، وقد تبين من عدد من البحوث أن معدل الزواج يرتفع كلما كان عدد الذكور أكثر من الإناث، كما أن زيادة الذكور أو نقصهم في مجتمع ما يؤدي إلى تغيرات ملحوظة كارتفاع أو انخفاض معدلات الزواج وغيرها. ويعتبر سن النضج البيولوجي من العوامل المؤثرة في تغير الأسرة، فسن النضج البيولوجي تؤثر في سن الزواج، والتحكم في الامراض في الطفولة المبكرة، والتغذية الجيدة.
ومن أهم التغيرات الأسرية التي يظهر فيها تأثير العامل البيولوجي، زيادة عدد الأسر التي يوجد بها أفراد مسنّون .

7 ـ العامل الاقتصادي:
فطبيعة العمل، ومصادر الدخل، وتوفر الحصول على السلع، ومعايير العلاقات الاقتصادية كل هذه الأمور لها تأثيرها على الأسرة سلباً وإيجاباً.
وبعض المفكرين يحصرون التغير الأسري بالعامل الاقتصادي ككارل ماركس الذي ربط التغير الاجتماعي ككل والتغير الأسري بارتباط الناس بوسائل الانتاج، و«كانجلز» الذي أعتقد بأن التغيير الأسري نحو الأفضل يتوقف على تعديل يجب أن يطرا على علاقات الملكية.
ولكن هذا الاتجاه غير صحيح حيث تعومل مع النساء والأطفال بعد مرحلة الشيوعية البدائية على أساس أنهم سلع اقتصادية .
والصحيح القول بأن العامل الاقتصادي له تأثيره على الأسرة ككل إلا أن هذا التأثير ليس حصرياً، كما أنه يمكن أن يكون تأثيراً ايجابياً ويمكن أن يكون سلبياً.

8 ـ العامل التكنولوجي:
وإن نشوء التكنولوجيا سهل في تخفيف المجهود العضلي والجسماني للإنسان من جهة، وأمّن رفاهيته من جهة أخرى، ورفع المستوى الإنساني من الناحية المادية والشكلية من جهة ثالثة، وأتاح للإنسان وقتاً فارغاً من جهة رابعة، وبالعموم فإن للتكنولوجيا الفضل الكبير على الإنسان بسبب نفس الإنسان كما أن لها سلبيات لا بنفسها بل بسبب سوء تقييم الإنسان لها.
أما تأثير التكنولوجيا على الأسرة فإنه يكون بالعادة بطريقة مباشرة من خلال الأدوات المنزلية، والأثاث المنزلي، والممتلكات الشخصية والأسرية، ووسائل الترفيه، والطب وغير ذلك. ويكون بطريقة غير مباشرة من خلال التصنيع ونمو المدن وغير ذلك.
هذا ولقد كان للتقدم التكنولوجي تأثيرات متعددة على الأسرة من حيث البناء من جهة، ومن حيث الوظيفة من جهة أخرى، فنجد أن حجم الأسرة في المجتمع الآخذ بأسباب التكنولوجيا أنقص من غيره، وهذا من حيث البناء، أما من حيث الوظيفة فنجد أن دور الأب قد تقلص وتوزع على سائر أفراد الأسرة، كما أن التغير بسبب العامل التكنولوجي قد لحق بالأسرة في تقييمها لاختيار الابن لزوجته والبنت لزوجها، وفي تقييمها لعلاقة الآباء مع الأبناء وبالعكس، وفي اجتماع الأسرة وتفرقها، وفي تناقص وظائف الأسرة وغير ذلك.

9 ـ العامل الأيديولوجي :
«هناك عوامل تؤثر في تغير الأسرة ذات طبيعة نفسية واجتماعية يطلق عليها اسم العوامل الايديولوجية» ومثال ذلك: ارتفاع مستوى رعاية الأطفال حيث أصبح الأطفال في ظل المجتمعات الحديثة يحصلون على رعاية فائقة.
ومثال ذلك أيضاً وسائل تنظيم الأسرة والاهتمام بالأسرة القليلة النوعية بدلاً من الأسرة الكثيرة غير النوعية ومثال ذلك أيضاً: استغناء الأهل عن عملية الحزم والضرب في تربية الأبناء بالغنج والدلال والترفيه.
ومثال ذلك أيضاً اقتدار كل فرد من أفراد الأسرة في التعبير عن الذات بحرية تامة.
وهذه العوامل وغيرها لها تأثيرها الجلي على الأسرة إما بطريقة مباشرة واما بطريقة غير مباشرة. والآن وعوداً على بدء فإننا نعود إلى الإجابة على السؤالين اللذين طرحناهما سابقاً:
السؤال الأول: كيف يكون الأب أباً  ناجحاً؟؟
وللجواب نقول: إن شخصية الأب وصفاته وطباعه وأفعاله الصادرة منه انطلاقاً من هذه الشخصية والصفات والطباع وغيرها هي بالحقيقة مرآة قهرية للأبناء حيث إنها ترسم لهم صورة الشخص الذي لا ريب سيتقمصون شخصيته الصفتية، ورسم هذه الصورة على هذه المرآة التي لا يمكن خلوها من الحياة الأسرية وبنحو عملي يعود إلى الأب وهو الذي يستطيع عملياً رسم صورة سليمة ومثالية ويستطيع في المقابل رسم صورة مريضة ومنحطة صفتياً.
وعلى هذا فإنه يلزم على الأب النظر إلى نفسه أولاً وقبل كل شي‏ء فإن كان متظللاً بالظلال الوارفة للدين السليم  من التحريف، والمنظومة القيمية الصحيحة، وكان عاملاً بمقتضياتها بنحو عملي وتفصيلي فعندها عليه انتهاج الخطوات المهمة والتي على أساسها ينجح في وظيفته كأب ناجح، ومن الخطوات المهمة في هذا المجال كون الأب ممن يعيش حس الأبوة في ذاته أي أنه ممن لديه القناعة التامة والراسخة بوجوده كأب وذلك لأن الكثير من الرجال يتعاطون مع وجوداتهم كآباء وكأنهم ليسوا آباء، ولذا فمن المهم هنا أن يعيش الأب حس الأبوة في ذاته ويقتنع تماماً بأنه أب بحيث يفرق بين مرحلة ما قبل الأبوة ومرحلة الأبوة.
وهذا من جهة، ومن جهة أخرى وانسجاماً مع عيش الأب حس الأبوة فإن عليه مهمة الإيمان الشديد بأن للأب دوراً في الأسرة فعّالاً وفعالاً جداً، فإذا كان الأب غير مقتنع بأن له هذا الدور الفعال فإن نجاح وظيفته غير متحققة لأنه لا وظيفة من رأس.
ومن الأمور المهمة التي تتكفل بنجاح دور الأب في وظيفة الأبوة بعد الاحساس بها والإيمان بدوره الفعال مسألة «الحب»، فالأب الذي لا يحب أولاده فإنه سوف يعيش دوره كأب من دون معنى، أي يعيش دوراً خالياً من أي حياة أو روح، والأبناء إنما جلّ ما يريدونه من الأب اهتماماً ممزوجاً بالحب والحياة، هم يريدون اهتماماً مع حب وإلا كان اهتماماً من رجل عادي مثله مثل أي رجل وليس بوصفه أباً، والصحيح القول بأن الاهتمام القليل مع الحب بالنسبة لنجاح وظيفة الأب أفضل وانجح من الاهتمام من دون حب لماذا؟؟ لأن الأبناء يعيشون أكثر من شعور في ظل الاهتمام الأبوي مع الحب فهم يعيشون حالة الاهتمام جنباً إلى جنب مع حالة الأبوة الحنونة.
وأكثر ما يدفع الأب إلى حب الأبناء هو حبه لأمهم أما إذا كان مبغضاً لأمهم فسينعكس هذا البغض على الأولاد.
وبالإضافة إلى حس الأبوة، والإيمان بدور الأب الفعال، ووجود الحب الدافع للأب كي يهتم اهتماماً شديداً بالأبناء، فإن هناك اعتباراً آخر يساهم في نجاح الأب في وظيفته وهو عدم التنازل عن دور الأبوة تحت أي ظرف من الظروف لا لصالح الأم، ولا لصالح الدولة، أو المؤسسة الاجتماعية الفلانية، أو حتى لصالح أهله.
وعلى الأب عدم إضعاف هذا الدور أو عدم السماح لأي طارى‏ء يضعف هذا الدور ومن نماذج  إضعاف هذا الدور الطلاق، أو الغياب الكثير عن المنزل، أو يجعل الحاكمية المطلقة عليه وعلى أولاده للأم أو لأحد أعضاء أسرته وغير ذلك.
إن على الأب وبعد السير بما ذكرنا مراعاة «المرحلية» بالنسبة للأبناء فيعيش مع الأبناء بحسب مراحلهم العمرية من جهة، وظروف مراحلهم العمرية من جهة أخرى، ولكنه على الأب أن يسبق الحالة «المرحلية» للأبناء وأن يبادر إلى معاجلتهم بالأدب، وهذه المعاجلة القبلية سوف تكون بمثابة الضربة القاصمة لأي خلل يمكن أن يطرأ على فشل الأب في وظيفته مستقبلياً ومع تقادم الأيام والأعوام وهذا ما نستفيده من قول الإمام علي(ع) لأحد أولاده حينما قال له: «وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شي‏ء إلا قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتعل لبّك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما اظلم علينا منه...» .
وبعد هذه المبادرة بالأدب من قبل الأب يكون بذلك قد أسس أولاده على أساس متين متصف بالشرافة والصلاح، ولكن هذا يتوقف على المراد من الأدب. ومن السليم القول بأن مبادرة الأولاد بالأدب من قبل الأب يمكن أن تختصر بالحصانات الآتية على نحو العموم:
الحصانة الأولى: الرؤية الأيديولوجية السليمة من الانحراف والاشتباهات والأخطاء.
الحصانة الثانية: المنظومة الأخلاقية القيمية.
الحصانة الثالثة: الشريعة التفصيلية الدقيقة والمستقاة من صميم الرؤية الأيديولوجية الصحيحة والسليمة.
نعم بعد هذه المبادرة بالأدب للأبناء من قبل الأب فإن على الأب مراعاة «المرحلية» أي المراحل العمرية للأبناء بضميمة معرفة ظروف وملابسات كل مرحلة بعينها والتعامل مع كل مرحلة بحسب ظروفها وملابساتها الخاصة وهذا ما نستفيده من قول الإمام(ع) حيث قال: «لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم» .
فإن المراد ملاحظة المرحلية بما يكون في أعلى صالح الأولاد، وليس المراد كما يفهمه الكثيرون أن الإمام(ع) يطالب الأهل بممالأة الزمان الرذيل على حساب الماضي الفضيل.
فإذا كان الابن يعيش في جو الرذيلة بعدما كان الأب يعيش في زمن الفضيلة فإن على الأب هنا أن يجعل ابنه ممن يعيش في أجواء الفضيلة التي كانت في الزمن السابق ولكن بوسائل وأساليب الزمن الجديد لا بتلك الوسائل والأساليب القديمة.
يقول جورج جرداق في روائع نهج البلاغة لدى تعليقه على هذا المقطع من قوله(ع): «فلولا تفاؤله العظيم بأن في الحياة جمالاً، وبأن في الناس قابلية التطور إلى الخير، لما أطلق هذا القول الذي يوجز علمه بثورية الحياة، ويوجز تفاؤله بإمكانات الإنسان المتطور مع الحياة كما يوجز روح التربية الصحيحة، ويخلص كل جيل من الناس من أغلال العرف والعادة التي ارتضاها لنفسه جيل سابق» .
ومما يلزم على الأب بعد مراعاة المرحلية العمرية وظروفها التي نترك له تشخيص التعامل معها، فإن عليه الاهتمام بالأبناء تارة من ناحية غيرهم ممن يرتبط بهم ارتباطاً لصيقاً كالزوجة الأم مثلاً ، وتارة أخرى يهتم بهم بذواتهم وأشخاصهم مباشرة.
أما الاهتمام بذواتهم وأشخاصهم بشكل مباشر فيستلزم بحثاً مطولاً نختصره بالآتي:
1 ـ الأخذ بالوصايا القرآنية حول تربية الآباء للأبناء، ومن ذلك عموم ما أوصى به لقمان ولده كما حدثنا بذلك عنه القرآن الكريم، ومن جملة هذه الوصايا:
 الموعظة النظرية والعملية: «وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه» .
 توحيد اللَّه تعالى توحيداً علمياً وعملياً، «يا بني لا تشرك باللَّه إن الشرك لظلم عظيم» .
 الإحسان إلى الأبوين وخصوص التوصية بالأم. «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن  وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير» وقال تعالى: «وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» .
 تذكر المصير بعد الموت وأن إلى اللَّه ترجع الأمور، «إليّ المصير» . «وثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» .
 الشعور بمراقبة اللَّه تعالى: «يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها اللَّه إن الله لطيف خبير» .
 إقامة الصلاة. «يا بني أقم الصلاة» .
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «وأمر بالمعروف وانه عن المنكر» .
 الصبر «واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور» .
 عدم التكبر «ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن اللَّه لا يحب كل مختال فخور» .
 القصد في المشي «واقصد في مشيك» .
 الغض من الصوت «واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير» .
وبعد ذلك أيضاً ما أوصى به إبراهيم ويعقوب أولادهم كانت وصيتهم لهم بالإسلام الأصيل وبعبادة رب العالمين عز وجل، حيث قال تعالى حكاية عنهم: «إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن اللَّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون» .
ومن ذلك دعوة الأبناء إلى ركوب سفينة النجاة المتمثلة بولاية محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام، وهذا ما نستفيده من قول النبي نوح(ع) لولده لما دعاه إلى ركوب سفينته حيث قال تعالى حكاية عنه: «يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين» .
 ومن ذلك الحيلولة دون شر التحاسد بين الأبناء وكتم خصوصية بعض الأبناء إذا كان له خصوصية في القلب، فقد قال تعالى حكاية عن يعقوب ويوسف عليهما السلام وأخوته: «قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين»  وقال تعالى: «لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين، إذا قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين» .
ومن ذلك أيضاً تعلم الحرص على سلامة الأبناء وإن كانوا مسيئين، وهذا ما تعلمناه من قول يعقوب(ع) لأولاده الذين أساؤوا إليه وإلى يوسف حيث حكى عنه اللَّه تعالى قائلاً: «وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من اللَّه من شي‏ء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون» .
وكما نستفيد من قصة يعقوب(ع) مع يوسف(ع) وأخوته عمل الأب على وحدة الأسرة وتآلفها والجمع بين الأخوة جمعاً على أساس الحب والوئام لا على أساس المصلحة.
قال تعالى حكاية عن يعقوب(ع): «ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من اللَّه من شي‏ء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون» .
وهذه الحاجة هي جمع الأخوة فيما بينهم أي جمع يوسف(ع) بأخوته وتتويج هذا الجمع بالتسامح والتآلف.
ومن ذلك أن على الأب تقديم أمر اللَّه عز وجل وحكمه حتى على حياة ابنه ففي ذلك مصلحة. وهذا ما نتلمسه من قصة أمر اللَّه عز وجل لإبراهيم(ع) بذبح ولده إسماعيل L حيث قال تعالى عنه: «قال يا بني إنى أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللَّه من الصابرين» .
ومن ذلك تربية الأبناء على أساس أن الأب لا يغني عن ابنه وبالعكس وما يغنيه فقط هو عمله الصالح ورضى اللَّه سبحانه وتعالى، وهذا ما نستفيده من قوله تعالى: «واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئاً» .
2 ـ نقل التجارب إلى الأبناء وإراءة الطريق لهم: وهذا ما نستفيده من قول الإمام علي(ع) في وصيته لولده حيث يقول له: «لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فآتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما اظلم علينا به» .
وهذا يكشف لنا خطأ الآباء الذين يقولون: فليجربوا ما جربناه ليلاقوا ما لاقيناه ...إلخ.
3 ـ تأمين الغذاء الجيد، والطبابة، والعمل على أساس الرعاية التامة للأبناء من حيث القيم ، وغير ذلك من الشؤون اللازمة للأبناء.
4 ـ اختيار الأسماء الحسنة والجيدة والتي لا يعترض عليها الأبناء عادة عندما يكبرون.
5 ـ المراقبة التامة مع عدم إشعار الأبناء بأنهم ممن تشملهم المراقبة.
6 ـ تحميلهم المسؤولية كي يعتريهم شعور بالاستقلالية وبوجود قدرات ذاتية تنهض بهذه المسؤوليات.
7 ـ ترك الحرية لهم في التعبير عن الذات حتى يتوقف الأب على حالهم فيصلح ما يحتاج للإصلاح.
8 ـ التشارك معهم بالأعمال الخيرة وتشجيعهم على ذلك وهذا ما نستفيده من تشارك إبراهيم وإسماعيل L في بناء البيت الحرام ورفع قواعده وأداء المناسك.
9 ـ عدم التفريق بين الأبناء حتى في القبلة.
10 ـ العمل بمضامين الأخبار الشريفة حول علاقة الآباء مع الأبناء ومن ذلك ما ورد عن تقسيم العلاقة مع الأبناء إلى ثلاث مراحل:
الأولى: التعليم والتأديب مع الغنج والدلال.
الثانية: تحميله المسؤوليات وتحسيسه بأنه ممن يعتمد عليه.
الثالثة: مصاحبته ومؤاخاته.
وبعد المرحلة الثالثة تصبح هذه الكلمات موجهة له لأنه يصير أباً له أولاد.
وبالجملة فإن على الآباء مراعاة حقوق الأبناء كحقهم بالحياة، وحقهم في اختيار الاسم المناسب لهم، وحقهم في التعليم، وحقوقهم في وقايتهم من الانحراف الدنيوي والأخرويَّ وحقوقهم في التعامل معهم بالمساواة، والإنفاق عليهم بسخاء، وعدم المصادرة لأموالهم المستحقة لهم شرعاً، ومزج كل هذه الاهتمامات بالمحبة والعطف.
ولا بد للأب أن يعلم بأن الولد منه وما يرتكبه الولد جراء فشل الأب في وظيفة يرتد عليه سلباً وهكذا يرتد عليه ايجاباً فيما لو نجح الأب في وظيفته، ومن هنا قالوا «الولد يأتي بالسب لأبيه» وقالوا «الولد سر أبيه» وغير ذلك.
يقول الإمام علي بن الحسين (ع): «وحق ولدك أن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه .
السؤال الثاني: كيف تكون الأم أماً ناجحة؟؟
ونفس الكلام الذي سقناه في أوليات البحث حول ضرورة اقتناع الأب بوجوده كأب، وبدوره كأب، وغير ذلك نسوقه للأم حيث إن على الأم أن تشعر بوجودها كأم وتفرق بين مرحلة الأمومة ومرحلة ما قبلها، كما أن عليها الاقتناع بهذا الدور، وعدم التنازل عنه أو حتى السماح بإضعافه، وممازجة كل اهتمام وجهد في تربية الأولاد بالحب والحنان وغيرها.
كما أن على الأم التظلل بالعقيدة الدينية السليمة من الانحراف، والتمسك بالمبادى‏ء والقيم الصحيحة، والعمل على طبق شريعة الله الحقة.
ومع كل ذلك بالإضافة إلى الخطوات التي لا بد عليها من انتهاجها تكون أماً ناجحة في وظيفة الأمومة.
ومن الخطوات المهمة على طريق نجاح الأم في وظيفة الأمومة متابعة مسيرتها التضحوية، وإنما قلنا متابعة المسيرة التضحوية لأن الأم قبل أن تكون مربية هي «حامل مضحية» و«واضعة مضحية» ولذا فهي مدعوة أيضاً كي تكون مربية مضحية.
ولا ريب بأن كل فعل تقوم به الأم في سبيل تربية الأبناء هو تضحية لا يستطيع الأبناء رد معروفها، ولذا قال الإمام السجاد(ع) في الدعاء لأبويه:«فهما أوجب حقاً عليّ، وأقدم إحساناً إليّ، وأعظم منة لدي من أن أقاصهما بعدل أو أجازيهما على مثل. وأين إذاً ياإلهي طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟ هيهات ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب عليّ لهما، ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما. فصل على محمد وآله، وأعني يا خير من أستعين به، ووفقني يا أهدى من رغب إليه، ولا تجعلني في أهل العقوق للآباء والأمهات يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون» .
على الأم أن تدرك أن دورها التضحوي هذا له ثمرة بعيدة المدى ويكفي أن مصطلح «صلة الرحم» إنما نشأ ببركة كونها واسطة تكوينية في الإنجاب.
إن أهم خطوة تقوم بها الأم كي تكون ناجحة في وظيفة الأمومة هي متابعة مسيرتها التضحوية من خلال مراعاة «حضانة الأولاد» مع كل ما تشتمل عليه هذه الحضانة من واجبات ومقتضيات، ولا تحسب هذا العمل عملاً روتينياً عادياً وهو بمثابة تقليد لما سبق فعله من أمهات غيرها، ولا تحسبه عملاً لا يوجب مزية لها على غيرها لأن الجاهلة والعالمة تقوم به كما يتراءى لغير واحد من أهل الاختصاص.
نعم على الأم أن تؤمن حقيقة بأن دور الحضانة هو أعظم دور منوط بها لماذا؟ لأن هذا الدور وبكل بساطة يجعلها صانعة إنسان، الأمر الذي لا تستطيع الارتقاء إليه أي صناعة أخرى، أما أن تقوم الأم بإسقاط هذا الدور والتنازل عنه للخادمة مثلاً فإن هذا العمل منها يكون بمثابة تدمير الأبناء مقابل تلك الأوقات التي ترتاح فيها من هذا الدور.
ولا ريب بأن أهم عمل تقوم به الأم في فترة الحضانة هذه هو عمل «الرضاع» فقد جاء في الحديث: «ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة من لبن أمه» .
كما أن عليها إرضاعه من الثديين لا من ثدي واحد وفاقاً لقول الإمام الصادق(ع) لأم إسحاق: «لا ترضعيه من ثدي واحد وارضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً» .
فيلزم الإرضاع المباشر إذن وعلى الأم عدم الالتفات إلى قول القائلات بأن المرأة المرضعة يترهل جسدها فيؤثر ذلك على تماسكه وجماله.
وعلى الأم في فترة الحضانة والرضاع أن تكون على وتيرة عالية من الحب والحنان والشفقة، إذ أن الشفقة صفة متأصلة في الأم، ولهذا عبر النبي(ع) عن حالة الإشفاق التي تعتريه اتجاه الإمام علي(ع) بقوله: «فقد امتحنك الله يا ابن أم»   وذلك حينما طلب منه المبيت محله على الفراش.
وإنما قوله (ع) «يا ابن أم» إنما يدل على الشفقة والعطوفة «لأن دأب العرب أنهم يذكرون الأم في وقت الشفقة، وإذا أصابتهم مصيبة، كما أن هارون قال لأخيه موسى يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، وكما قال علي(ع) للنبي(ع) يوم أخرجوه إلى المسجد. يا بن أمي إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. وكما قالت الحوراء زينب لأخيها: يا ابن أمي لقد كللت عن المدافعة...» .
وبالإضافة إلى الدور البالغ للأم في مرحلة الحضانة الممزوجة بالحب والشفقة، هناك دور آخر وهو دور «الجمع» للأسرة، فالأم هي الجامعة لسائر أفراد الأسرة، ومن هنا فإن فقدان الأم أصعب من فقدان الأب على صعيد اجتماع الأسرة وتفرقها كما دل الوجدان على ذلك. فالأم «جامعة لأولادها وسابقة عليهم بميلادها» على حد تعبير أحد الأعلام، ومن هنا فعلى الأم أن تحرص الحرص الكامل كي لا تقع الأسرة فريسة الفرقة بدعوى الطلاق أو بأي داع آخر وبهذا المحك تظهر تضحية الأم وتتجلى أروع معالم صبرها وجلدها في سبيل أسرتها. وبالإضافة إلى السمة الجمعية التي على الأم أن تتسم بها فإن على عاتقها دوراً آخر وهو التقليل من منسوب عاطفتها الدفاق فيما لو كان يشجع الأبناء على الانحراف وإن لم تستطع أخذ دور الحازم فلتحيله إلى الأب كي تبقى هي المصدر الصافي للحنان والعطف.
وعلى الأم مضافاً إلى ما ذكر أن تضطلع بدورين آخرين مهمين على صعيد التربية للأبناء هما التناغم مع الدور الوظيفي للأب و«الإرضاع المعنوي».
وكما لا يخفى فإن المراد بالإرضاع المعنوي هو تغذية الولد بالغداء الروحي والقيمي الأخلاقي، ومن ذلك تغذيته بحب محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام ولا سيما حب وولاء الإمام علي(ع) ومن هنا قال أحد الشعراء الفضلاء مخمساً:
أمي لحب الوصي المرتضى انتسبت‏
  به عن النفس يمحو الله ما اكتسبت‏

فازت وما يدها في حبه تربت‏
  لا عذب الله أمي إنها شربت‏

حب الوصي وغذتنيه باللبن‏
  سنت ولاة فيالله من سنن‏

نجري عليه كمقرونين في قرن‏
  نيطت يداي بحبل منه لم يهن‏

وكان لي والد يهوى أبا حسن‏
  فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن(1)


إن الإرضاع المعنوي للولد من قبل الأم يؤثر على سائر تصرفاته الحياتية أيما تأثير، ولا ننسى ما حدثنا به الإمام الحسن(ع) حينما شاهد أمه(ع) تصلي وتدعو للغير قبل النفس!!
وفي نهاية مطاف هذا الحديث مع الأم فإن خطاباً مهماً يتوجه إليها وعليها التفكير ملياً بمحتواه وخلاصته إن على الأم وبحكم كونها مضحية إيثار الأبناء، على كل ما عداهم وينتظم في ذلك كل ما يعيق دورها الأصلي في الحياة كمربية وصانعة للإنسان .
ولتعلم الأم بأن جهودها لا تمحى وأقل ثمارها بناء المجتمع السليم على أساس الرؤية الصحيحة للحياة، فالأم الطاهرة «هي المدرسة الأولى للطفل فيها ينشأ وإليها يغدو وعليها يربو، وكما قيل:
الأم مدرسة إذا أعددتها
  أعددت شعباً طيب الأعراق‏

الأم روض أن تعهده الحيا
  بالري أورق إيما إيراق‏

الأم أستاذة الأساتذة الألى‏
  شغلت مآثرهم مدى الآفاق‏


هكذا هي الأم فهي شمعة مقدسة تضي‏ء ليل الحياة بتواضع، وهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا إضمحلال له، وكما قيل: «مدرستي الأولى على صدر أمي، وإني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك، فالأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها» .
ولا ريب بأن كل هذه المدائح للأم إنما هي مقيدة ومشروطة بالأم الناجحة في وظيفتها.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=164
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29