• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : التقية .

التقية

 
التقية
 يبتدئ تاريخ التقية بتاريخ الإسلام يوم كان هذا الدين ضعيفا .. و بطلها الأول الصحابي الشهير عمار بن ياسر، حيث أسلم هو و أبوه و أمه، و عذبوا في سبيل اللّه، فاحتملوا الأذى و العذاب من غير شكاة .. مر رسول اللّه بآل ياسر، و هم يعذبون، فلم يزد ياسر على ان قال: الدهر هكذا يا رسول اللّه. فقال النبي (ص): صبرا آل ياسر، فان موعدكم الجنة، و كان ياسر و امرأته سمية أول شهيدين في الإسلام.
و أكره المشركون عمارا على قول السوء في رسول اللّه، فقاله دفعا للضرر  عن نفسه، فقال بعض الأصحاب: كفر عمار. فقال النبي: كلا، ان عمارا يغمره الايمان من قرنه إلى قدمه .. و جاء عمار الى النبي، و هو يبكي نادما. فمسح النبي عينيه و قال له: لا تبك ان عادوا لك فعد لهم بما قلت.
فنزل في عمار قوله تعالى: «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ- النحل 106». و لم يختلف اثنان في أن هذه الآية نزلت في عمار 
وبديهة ان العبرة بعموم اللفظ، لا بسبب النزول، و اللفظ هنا عام يشمل كل من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان
ثم نزلت الآية 28 من سورة آل عمران التي نحن في صددها تؤكد آية عمار ابن ياسر، و مثلها الآية 27 من سورة المؤمن: «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ». و الآية 119 من سورة الانعام: «إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ...
و كما جاءت الرخصة في كتاب اللّه بالتقية فقد جاءت أيضا في سنة رسوله، قال الرازي في تفسيره الكبير، و السيد رشيد رضا في تفسير المنار، و غيرهما كثير، قالوا: ان مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول اللّه، فقال لأحدهما: أتشهد اني رسول اللّه؟ قال: نعم. فأطلقه. و قال للثاني: أتشهد اني رسول اللّه؟ فلم يشهد. فقتله. و لما بلغ رسول اللّه ذلك قال: أما المقتول فمضى على يقينه و صدقه، فهنيئا له، و أما الآخر فقبل الرخصة فلا تبعة عليه.
و جاء في تفسير المنار: «ان البخاري نقل في صحيحه عن عائشة ان رجلا استأذن على رسول اللّه، فقال النبي: بئس ابن العشيرة، ثم اذن له، و لما دخل ألان له الرسول القول. و بعد أن خرج قالت عائشة للنبي: قلت في هذا الرجل ما قلت، ثم ألنت له القول؟ فقال: ان من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه. و في البخاري أيضا في حديث أبي الدرداء: إنّا لنكشر- أي نبتسم- في وجوه قوم، و ان قلوبنا لتلعنهم
هذا، بالاضافة الى أحاديث أخرى تدل بعمومها على جواز التقية مثل حديث لا ضرر و لا ضرار». و حديث: «رفع عن أمتي ما اضطروا اليه 
و هذان الحديثان متواتران عند السنة و الشيعة
و استنادا إلى كتاب اللّه، و سنة نبيّه المتواترة أجمع السنة و الشيعة قولا واحدا على جواز التقية
 قال الجصاص- من أئمة الحنفية- في الجزء الثاني من كتاب   أحكام القرآن ص 10 طبعة 1347 ه ما نصه بالحرف: «الا أن تتقوا منهم تقاة»، يعني أن تخافوا تلف النفس، أو بعض الأعضاء، فتتقوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاد لها .. و عليه جمهور أهل العلم». و نقل الرازي في تفسيره عن الحسن البصري انه قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة، و أيضا نقل عن الشافعي انه أجاز التقية و عممها للمسلم إذا خاف من المسلم لما بينهما من الاختلاف فيما يعود الى مسائل الدين.
و قال صاحب تفسير المنار عند تفسير قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ما نصه بالحرف:
 «من نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك، لا شارحا للكفر صدرا، و لا مستحبا للدنيا على الآخرة لا يكون كافرا، بل يعذر، كما عذر عمار بن ياسر، و قال الشيخ مصطفى الزرقا في كتاب الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد مادة 600: «التهديد بالقتل للإكراه على الكفر يبيح للشخص التظاهر به مع اطمئنان قلبه بالإيمان». الى غير ذلك كثير.
و بالاضافة الى كتاب اللّه، و سنّة رسوله، و اجماع المسلمين سنّة و شيعة على جواز التقية فإن العقل يحكم بها أيضا و يبررها لقاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات
و بهذا يتبين معنا ان التقية قاعدة شرعية يستند اليها المجتهد الشيعي و السني في استنباط الأحكام، و ان الدليل عليها الكتاب و السنة و الإجماع و العقل، و عليه تكون التقية مبدأ اسلاميا عاما تؤمن به جميع المذاهب الإسلامية، و ليست مذهبا خاصا بفريق دون فريق، و مذهب دون مذهب، كما يتوهم- الا الخوارج-
 وهنا سؤال يفرض نفسه، وهو إذا كانت التقية جائزة كتابا و سنة و عقلا و اجماعا من الشيعة و السنة فلماذا نسبت الى الشيعة فقط، حتى ان كثيرا من شيوخ السنة شنعوا على الشيعة، و نسبوهم الى البدعة من أجلها؟
الجواب: أما نسبتها الى الشيعة فقط، أو اشتهار الشيعة بها فقد يكون سببه ان الشيعة اضطروا للعمل بها أكثر من غيرهم بالنظر لما لا قوه من الاضطهاد في العصر الأموي و العصر العباسي، و ما تلاهما و من أجل اضطرار الشيعة الى الأخذ بالتقية كثيرا أو أكثر من غيرهم اهتم بها فقهاؤهم، و ذكروها في مناسبات شتى في كتب الفقه، و حددوا مفهومها، و بينوا قيودها و حدودها، متى تجوز؟ و متى لا تجوز .. 
و خلاصة ما قالوه: انها تجوز لرفع الضرر عن النفس، و لا تجوز لجلب المنفعة، و لا لادخال الضرر على الغير
أما من خصّ التقية بالشيعة فقط، و شنّع بها عليهم فهو اما جاهل، و اما متحامل، و مهما يكن، فلا موضوع اليوم و لا موجب للعمل بالتقية من غير فرق بين السنة و الشيعة فتوى و عملا بعد أن ولّى زمن الخوف و الاضطهاد
 المصدر : تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 41
 

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=524
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19