• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : الدعوة إلى الله .
                          • رقم العدد : العدد الثاني والثلاثون .

الدعوة إلى الله

 

الدعوة إلى الله

آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

الدعوة في اللغة هي "طلب شيء لأن يُتوّجه إليه أو يَرغب إليه أو يسير إليه".

كلمة "دعاة" جمع "داعي"، "وداعي" اسم فاعل لـ "دعو"، والمصدر هو "دعوة"، على وزان هادي وهداة، قاضي وقضاة.

الدعاة إلى الله

الغرض من خلق الإنسان أن يتخلّق بأخلاق الله: "تخلّقوا بأخلاق الله"، والسير إليه تعالى.

والرجوع إلى الله تعالى وإن كان أمراً قهرياً لتعلق الإرادة التكوينية به في آية: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} الانشقاق/6، لكنّ الإرادة التشريعيّة لله تعالى اقتضت أن يسير الإنسان باختياره، على خطى أبي موحدّي العالم النبي إبراهيم عليه السلام القائل: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}الصافات/99.

وجزاء هذا السير الاختياري العناية والرفعة الخاصة، المتجلي بعضها في الهداية الخاصة، وهذا السير المتعقّب بهكذا جزاء إنّما يكون بعد دعوة الله تعالى.

إنّ الذات الإلهية الأقدس هي أول داع للإنسان، فقد دعت إليها العباد كافّة دعوة عامّة: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} يونس/25، "أنت دللتني عليك ودعوتني إليك"([1]).

ولكن ليس بوسع كل أحد سماع دعوة الله وكلامه إليه، بل ولا سماع كلام الملائكة، فكان لا بدّ من وجود أناس مصطفون يكونون واسطة بين الخالق والمخلوقين، ويبلّغون دعوة الله إلى عباده، وهم الأنبياء عليهم السلام وأوصياؤهم المعصومون عليهم السلام.

ورسول الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله "وإن كان خاتم الرسل بحسب النظام الفعلي للعالم، إلا أنّه من حيث الرتبة" يقف على رأس سلسلة الدعاة إلى الله، ودعوته تلك تشكل بعضاً من كمالاته وخصاله ومسؤوليته: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}الاحزاب/45ـ 46. وقد أبلغ الأمة أنّ مسؤوليته الأساس هي الدعوة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}يوسف/108، {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو}الرعد/36

وكان جزاء جهاده الدؤوب في هذه السبيل أن شهد الله له بالوفاء، وأنّه لم يهن في تبليغ ذلك الأمر العظيم، فقال له تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}المؤمنون/73.

 

التكليف العام

إنّ الدعوة إلى الله واجب كل مؤمن موّحد: " كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم"([2])؛ غير أنّ أنبياء الله يقع على عاتقهم تكليف خاص في هذا المجال؛ لأنّ ذلك هو أساس بعثتهم، فهم يدعون إليه تعالى مباشرة، وغيرهم يقوم بهذا الأمر العظيم تبعاً لهم، بأن يأذنوا لهم أو يأمروهم بالدعوة. لذا كان على الدعاة المأذون لهم أن يتعلموا منهم شؤون الدعوة وشرائطها لتكون دعوتهم دعوة بالحق وتأمن من خطر الانحراف، من قبيل طريقة الدعوة وآلياتها وأهدافها، وما شابه ذلك مما له تأثير في إنجاح الدعوة، ولذا فكل داع مأذون له هو مظهر إلهي محمود الفعل عند الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}فصلت/33.

ولما كانت الدعوة إلى الله وسوق البشرية إليه من أفضل القربات الموجبة للحسنات، فقد حرص أولياء الله عليها، وسألوها منه تعالى في مناجاتهم وتوسلاتهم، ومن أدعية الإمام السجّاد عليه السلام في هذا الصدد: "... وأجعلنا من دعاتك الداعين إليك، وهداتك الدّالّين عليك..."([3])

الغاية من الدعوات الإلهية

إنّ غاية الدعوات الإلهية استضافة المدعوّين على المائدة العلمية والمعنوية لله تعالى، الأرزاق المعنوية، وهي الرزق الحسن كما سمّاها النبي شعيب عليه السلام في قوله: {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا}هود/88، كالرسالة والنبوة والولاية والخلافة الإلهية، والمعارف التوحيدية و...

وثمرة الانتفاع بهذه الأرزاق المعنوية أنّ المنتفع يقتبس نوراً، به يتبيّن دربه ويأمن بذلك من الشبهات والضلالات، بل ويصبح مصباحاً ينير طريق الآخرين أيضاً، فهو ليس قاطعاً لطريقهم وحسب، بل هو دليل لهم ومرشد.

مضمون الدعوة الإلهية

إنّ دعوة الله ورسوله ذات معنى حيوي ومصيري، لذا أُمر المؤمنون والمدعوون بإجابة تلك الدعوة من صميم القلب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}الأنفال/24، وهذا المضمون هو المحور المشترك لكل رسالات الرسل الإلهيين ودعوات الموحدّين: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}الانبياء/24.

ولم يكن التنعّم بالحياة المعنوية مقصوراً عند رجال الله على مُدَد رسالاتهم، بل كانوا مهتمين بذلك منذ بدايات حياتهم، كما حكى القرآن الكريم ذلك في حال النبي إبراهيم الخليل عليه السلام.

 

الدعوة العامّة

دُعي الناس كلّهم إلى الله تعالى، فليست الدعوة إليه خاصة بطبقة معيّنة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}سبأ/28، وإن لم يستجب منهم إلا فريق خاص: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}النور/51، كما أنّ الذين اهتدوا بالقرآن هم المتقّون وحسب: {هدى للمتقين}البقرة/2، مع أنّه أُنزل {هدى للناس}البقرة/185 كافة.

 

الدعوة الخاصة

في طول الدعوة العامة توجد دعوات خاصة، موجهة لخصوص المؤمنين الذين استجابوا للدعوة العامة الأولى، ولأنّ المدعوّ في كل دعوة هو ضيف تلك الدعوة فحسب، فإنّ مجيبي الدعوة العامة هم عامة ضيوف الله تعالى، بينما مجيبو الدعوات الخاصة إن هم إلا خاصة ضيوفه تعالى، المتنعّمون بمزيد كرامة. وقد ذكرت الروايات عدداً من تلك الضيافات الخاصة، منها شهر رمضان، ففي الرواية: "شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله"([4])، ومنها ليلة عرفة: "اللهم هذه ليلة عيد، وذلك فيها أضياف، فاجعلني من أضيافك"([5])، ومنها دعوة الذهاب للمساجد: "اللهم دعوتني فأجبت دعوتك"([6])، ومنها دعوة الحج: "أنا الله ذو بكّة، أهلها جيرتي وزوّارها وفدي وأضيافي"([7]). وهذه الأدعية في هذه المواطن دليل أنّ هذه العبادات تتم بدعوة إلهية، فتوّقُع الإكرام والقِرى فيها في محلّه.

 

حقٌّ أم تكليف؟

إنّ التكاليف الشرعية حقوق للإنسان في واقعها، لأن محور وأساس الأوامر والنواهي الإلهية الدعوة إلى الفلاح والصلاح، لكنها أبلغته كتكاليف عليه، فلم يُحمَّل الإنسان أيّ كُلفة ومشقّة عبثاً، وليس المستفيد أحدٌ غيره، وما يُقال عن كرامة الإنسان واستقلاله وحريّته حقٌ وصحيح، ولا شيء منها بمانع من التكليف الشرعي؛ لأنّ ما ظاهره التكليف هو حقٌ، وما يُذكر في بعض الآيات من أمر ونهي كما في آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النحل/90، يُذكر في آيات أخر كدعوة ووعد، كما في آية: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ}يونس/25، وآية: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}التوبة/72. ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: "فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أُمرتم أن تعمروها، والتي رغبتم فيها ودعيتم إليها"([8]).

 

 

 

سبقة الدعوة

كما تُقسّم الدعوة بلحاظ الطريق إلى دعوة مستقيمة وأخرى معوجة، تقسّم بلحاظ عاقبتها وما يؤول إليه المستجيب لها إلى نور ونار، ذلك أنّ عاقبة دعوة الشيطان وأوليائه الذين يمكرون بمكر الشيطان هي نارُ جهنم، ودعوة أولياء الله وأشياعهم الصادقين الأوفياء الذين يسيرون بهديّ الحق هي نورُ الجنة.

 

دعوة السالك والمسلك

كما تُسند الدعوة إلى المرشد، تُسند أيضاً إلى الصراط المستقيم، لأنّ الصراط السويّ يدل السالك على المقصد، ويوصله إليه إذا ما طواه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "..فالطريق نهجٌ يدعو إلى دار السلام"([9]). وعليه فإنّ العدل ـ وهو صراط مستقيم ـ يدعو إلى السلم والصلح، والجور وهدر الحقوق العامة يدعو إلى الحروب والعنف، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "...والحيف يدعو إلى السيف"([10]).

الإذن الإلهي شرط شرعيّة الدعوة

إن لم تكن الدعوة دعوة إلى الله فهي دعوة إلى الباطل وعمل عبثّي: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}الحج/62، سواء كانت دعوة إلى الداعي نفسه حبّاً للجاه، وقد قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}آل عمران/79، أم دعوة إلى غيره بيعاً لدينه بدنياه وهو شرّ عمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: "يا علي! شرّ الناس من باع آخرته بدنياه، وشرٌ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره"([11]).

لذا نصّ القرآن الكريم على أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله داعٍ بإذن الله: {داعياً إلى الله بإذنه}الاحزاب/ 46، والمؤمنون كذلك مأذونون في دعوة الناس إلى الله تعالى تبعاً للأنبياء.

وللأئمة المعصومين عليهم السلام إذن خاصّ بذلك، لأنّهم منصوبون خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله بنص منه، وقد أوجب تعالى طاعتهم وإجابة دعوته، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}النساء/59.

ولا يبعد أن تكون أوصاف "أدلاّء على مرضاة الله" و "المستقرين في أمر الله" و...قيوداً احترازية، يراد بها أنّ أهل البيت دعاةٌ حقيقيون ومأذون لهم؛ لأنّ المدّعين ذلك كذباً ليس لهم من تلك الأوصاف شيء.

 

الدعوة الواعية

إنّ للعلم والبصيرة والرؤية التوحيدية مكانة خاصة في الإسلام، ودعوة الرسول وتابعيه قائمة أساساً على البصيرة والعلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، وليس هذا وحسب، بل المطلوب أيضاً أن تكون إجابتها أو ردّها عن وعيّ وتفكير، فلا يكونن المستجيب لها المنتصر، ولا الرافض لها المعادي إمعة إمّرة، بل على الاثنين أن يتّبعا الدليل وينقادا للبرهان: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}الأنفال/42، فالإسلام لا يستغّل أبداً الجهل وضعف الرأي في أحد.



[1] كتاب بحار الأنوار ج 95، ص 82

[2] كتاب أصول الكافي ج 2 ص 78

[3] كتاب الصحيفة السجّادية، الدعاء 5.

[4] كتاب بحار الأنوار ج 93 ص 356

[5] المصدر نفسه ج 95 ص 266، 268

[6] المصدر نفسه ج 81 ص 22

[7] المصدر نفسه ج 15 ص 213

[8] كتاب نهج البلاغة، الخطبة 188

[9] كتاب نهج البلاغة، الحكمة 94

[10] المصدر نفسه، الحكمة 476

[11] كتاب بحار الأنوار ج 74 ص 46


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=809
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16