هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



  قبس من أخلاق الامام الصادق (ع) ووصاياه

 السر في تشريع الصيام

 معرفة أهل البيت عليهم السلام..   حفظة سر الله

 المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره

  ما هي الحياة الطيبة؟

 من حكم أمير المؤمنين علي (ع) في نهج البلاغة حول العلم والعلماء

 من وصايا الإمام علي(ع)

  آية إكمال الدين

 هيئة علماء بيروت تؤيد الدعوات المطالبة بخروج المحتل الأميركي من العراق

 دور الأئمة الأطهار في تخليد الحسين(عليه السلام)

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7019648

  • التاريخ : 19/03/2024 - 03:20

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : قرانيات .

              • الموضوع : سورة النحل ... نظرة اجمالية  .

                    • رقم العدد : العدد الأربعون .

سورة النحل ... نظرة اجمالية 

سورة النحل ... نظرة اجمالية 

إعداد الشيخ سمير رحال 

سورة النحل هي السورة السادسة عشرة في ترتيب المصحف. وعدد آياتها ثمان وعشرون ومائة آية. سميت بسورة النحل او اشتهرت به ، لقوله تعالى فيها (وَأَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ...) وتسمى أيضا بسورة النعم، لأن اللّه تعالى عدد فيها أنواعا كثيرة من النعم التي أنعم بها على عباده.

روي في فضل السورة عن الامام الباقر (ع) قال: «من قرأ سورة النحل في كل شهر كفي الغرم في الدنيا، وسبعين نوعا من أنواع البلاء، أهونه الجنون و الجذام والبرص، وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان» نور الثقلين الجزء 3 ص 38

وفي كون السورة  مكية او مدنية اقوال

فيبن قائل إنها مكّيّة كلّها وان الروايات التي ذكروها في سبب نزول قوله تعالى- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ .. إلخ  وانها نزلت في المدينة فيها مقال.

وقيل جوّ السورة يلمح بمكيتها إلا آيات عدة، كآيتي الهجرة: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ...»( 41)« ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» 110.

وآية التبديل‏ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» 101.

 والارتداد.« مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ..» 106.

 والمعاقبة وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» 126

فانها نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد ..» ونوقش في ذلك كله.

وقيل: إلّا ثلاث آيات نزلت بالمدينة منصرف النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من غزوة أحد، وهي قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ‏ [النحل: 126]إلى آخر السورة..

وقيل:أنزل من أول النّحل أربعون آية بمكّة  إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا [النحل: 41] فهو مدني إلى آخر السورة. وقيل غير ذلك.

موضوعاتها الرئيسية

موضوعات السورة كثيرة منوعة؛ والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل.

وهي كسائر السور المكية تعالج موضوعات العقيدة الكبرى: الألوهية. والوحي. والبعث. فتضمنت الكلام على أصول العقيدة وهي الألوهية والوحدانية، والبعث والحشر والنشور، ثم أثبتت الوحي الذي كان ينكره المشركون كما أنكروا البعث وردت على شبهاتهم المتنوعة المرتبطة بأصول الاعتقاد .

وفي سبيل إثبات تفرّد الله بالربوبية  والالوهية ذكرت جملة كبيرة من النعم الإلهية المادية والمعنوية وأدلة القدرة الإلهية في هذا الكون الدالة على وحدانية اللّه. وان لا احد مما يعبدونه يستحق العبادة.

ويضاف الى ذلك موضوعات جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسية, كالإيمان والكفر والهدى والضلال. ووظيفة الرسل، وسنة اللّه في المكذبين لهم, وموضوع التحليل والتحريم. والهجرة في سبيل اللّه، وفتنة المسلمين في دينهم، والكفر بعد الإيمان . ثم الأمر بأمهات الفضائل ؛ كالعدل، والإحسان، والمواساة، والوفاء بالعهد، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، ونقض العهود. ويمكن اختصار مقاصد السورة في ثلاثة موضوعات رئيسة نعرض لها تباعا وهي:

1 ذكر النعم الإلهية

تذكر السورة الكثير من  النعم الإلهية بلغت حدود الأربعين نعمة من النعم متوزعة بين طياتها, وألوانا من الأدلة على وحدانية اللّه وقدرته . وهي نعم إلهية مادية منها ومعنوية، ظاهرية وباطنية، فردية واجتماعية، ومن النعم المذكورة في السورة: نعمة المطر، الشمس، أنواع النباتات والثمار، المواد الغذائية الأخرى، الانعام بما تقدمه من خدمات ومنافع للإنسان، مستلزمات وسائل الحياة وحتى نعمة الولد والزوجة، وبعبارة شاملة (أنواع الطيبات).

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ .. وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ... وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ....

وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ... وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ... وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ... وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ... وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ... وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا ...

وكذلك ذكرت من النعم المعنوية نعم الإرشاد والهداية وبيان بركات الكتاب المنزّل لهم .

وقد نبههم تعالى على كثرة نعمه وإحسانه إليهم ليرشدهم إلى أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، وأن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعم اللّه لكثرتها: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها

وكبيان آخر لوحدانيته تعالى في الربوبية. يقول تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ‏» فجميع النعم من إنعامه تعالى ثم إذا حل بكم شي‏ء من الضر رفعتم أصواتكم بالتضرع وجأرتم إليه لا إلى غيره ولو كان لغيره صنيعة عندكم لتوجهتم إليه فهو سبحانه منعم النعمة وكاشف الضر فما بالكم لا تخصونه بالعبادة ولا تطيعونه.

وفي الخلاصة يستهدف ذكر هذه النعم معرفة الله تعالى وتوحيده في الالوهية والربوبية ووجوب شكره. لذلك يلاحظ في أواخر كثير من آيات النعم عبارات تبيّن اهداف ذكر هذه النعم مثل : لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏.لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏. لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏.لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏.

وبعد الحديث الطويل عن اللّه عزّ وجل  تسوق مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بالنعم فلم يقابلوها بالشكر، فانتقم اللّه تعالى منهم .يقول تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ‏ (112).

كما تسوق جانبا من حياة نبي الله إبراهيم  عليه السلام كمثال للشاكرين يقول تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ..(121 _ 122)

2 في مواجهة المشركين وبيان قبائح اعمالهم والرد على شبهاتهم

وهذه الشبهات تتناول اساسيات العقيدة كالتوحيد في مراتبه المختلفة والنبوة والوحي والمعاد . وقد زيّف سبحانه مزاعم المشركين فى إثبات الشركاء والأنداد للّه، وفى طعنهم فى نبوة الأنبياء والرسل. وأجابت الآيات شبهاتهم  حول  قيام الساعة ونزول العذاب والبعث، والشرك والشركاء، والنبوة والوحي.

قيام الساعة والبعث

إنكر المشركون واستبعدوا قيام الساعة، واستعجلوا الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يأتيهم بالعذاب. فتؤكد السورة في مطلعها أن يوم القيامة حق، وأنه آت لا ريب فيه، ونزول العذاب والهلاك متحقق لا محالة، ولكنه مرتبط بوقت معين مقدر في علم اللّه تعالى، وهو أمر قريب.

فقد  انكروا الحشر، واعتبروا أن الموت فناء فلا يتعلق به بعده خلق جديد. وأكدوا ذلك بالأيمان. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى‏ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ...(38)

ورد اللّه عليهم كذبهم بقوله: بَلى‏ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فانه لا يتعاصى على قدرته شي‏ء، وإذ يقول للشي‏ء «كن» فيكون بلا تأخير (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏) [يس: 82].

بل كما قال تعالى : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: 50] فهو سبحانه يريد شيئا ويقضيه ثم يأمره ويقول له كن فيكون، فلا معنى لفرض التخلف فيه وعروض الكذب أو البطلان عليه ولا يرد أمره، ولا يكذب قوله ولا يخلف في وعده.

 

الشرك والشركاء

نزه اللّه تعالى نفسه عن الشرك والإشراك، وعن الشريك والولد وعن الأوثان والأنداد. والتنزيه يتضمن إثبات القدرة المطلقة للّه، والوحدانية التامة، واستحقاق العبادة المستقلة به المخلصة له، وإبطال ما زعموه من شفاعة الأصنام.

فجاءت الآيات توبخ المشركين لتسويتهم بين من يخلق ومن لا يخلق فتقول: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ.....أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ.

فاللّه تعالى له خواص الألوهية: من الخلق والإبداع، وعلم السرّ والعلن، والحياة الدائمة، مما يدلّ على أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، فالإله واحد لا غير وهو الله عز اسمه. وليس لمن يدعون من دون الله شيء من ذلك وهذا يدلّ على إبطال عبادة غير اللّه تعالى  وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)

فالنتيجة المنطقية هي :  إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ...(23)

شبهات المشركين حول الوحي والنّبوة  

قالوا: ان اللّه أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؛ فلو كان مرسلا أحدا حقا لأرسل ملائكة كما بينّه تعالى في آيات كثيرة. فيجيبهم اللّه عزّ وجلّ بقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ‏. وقد بين اللّه جل وعلا في آيات كثيرة: أن اللّه ما أرسل لبني آدم إلا رسلا من البشروانّ وظيفة الأنبياء إبلاغ رسالة السماء والوحي الإلهي، وإيصال دعوة اللّه إلى الناس بالوسائل الطبيعية لتحقيق أهداف الوحي، وليس باستعمال قوى إلهية خارقة للسنن الطبيعية لإجبار الناس على قبول الدعوة.

ومن شبهاتهم حول النبوة ايضا ما ذكرة تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ» إلخ وهي عين ما حكى اللّه تعالى عنهم في قوله: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا، وَلا آباؤُنا ولا حرمنا من شيء الأنعام 148.

ومرادهم إبطال الرسالة بأن ما أتى به الرسل من النهي عن عبادة غير الله وتحريم ما لم يحرمه الله لو كان حقا لكان الله مريدا لتركهم عبادة غيره وتحريم ما لم يحرمه ولو كان مريدا ذلك لم يتحقق منهم وليس كذلك . وهو منطق الذي يحاول التهرّب من المسؤولية بإرجاع الشرك إلى مشيئة اللَّه، فليس لهم أن يقوموا بأيّ فعل، أو يتّخذوا أيّ موقف من دون أن‏ يشاء اللَّه لهم ذلك، بالتالي فإن انحرافهم ، يعود إلى اللَّه لا إليهم‏ .

ورد اللّه تعالى عليهم شبهتهم  كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْفَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ

ومحصل الجواب أن الرسالة والدعوة النبوية ليست من الإرادة التكوينية الملجئة إلى ترك عبادة الأصنام وتحريم ما لم يحرمه الله, فالدعوة الدينية ليست إلا دعوة عادية وليست اظهارا للقدرة الغيبية القاهرة لكل شي‏ء والإرادة التكوينية لهدم النظام الجاري ونقض سنة الاختيار وإبطالها حتى يقول القائل منهم: «لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ» إلخ. فانه تعالى أرسل في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن عبادة ما سواه. وما على الرسل إلا البلاغ.

من جهالات الكافرين[الآيات 51 الى 62]

كما ذكرت السورة الكريمة ألوانا متعددة من جهالات الكافرين ومن سوء تفكيرهم.

ومن ذلك ما قاله تعالى:

1- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ  ويجعل هؤلاء المشركون للأصنام نصيبا مما رزقهم الله من الحرث والأنعام وغيرها يتقرّبون به إلى اللّه تعالى ونصيبا يتقرّبون به إليها. ثم توعّدهم اللّه على أفعالهم فقال: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ‏ من الباطل.

2- وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ ..وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ أي جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرّحمن بنات اللّه، فعبدوها مع اللّه تعالى ونسبوا إليه تعالى البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم كما قال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ‏ الْأُنْثى‏، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى‏ أي جائرة [النّجم  21- 22]

الطعن في القرآن

وتحكي السورة  جانبا من أقاويلهم الباطلة التي وصفوا بها القرآن الكريم:

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.. (24) وليس معجزة، وليس هو من تنزيل ربّنا. فهو أكاذيب وخرافات مأخوذة من كتب المتقدمين فتوعدهم تعالى بقوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً ) ولم يجب عن شبهتهم؛ لأنه تعالى بيّن كون القرآن الكريم معجزا بطريقين:

الأول- أنه تحدّاهم بكل القرآن، وببعضه وعجزوا عن المعارضة، وذلك يدلّ على كونه معجزا.

الثاني- أنه تعالى حكى هذه الشبهة في آية أخرى  هي: وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الفرقان 5 وأبطلها بقوله تعالى: قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

فهو مشتمل على الإخبار عن المغيبات وهذا لا يكون إلا من العالم بأسرار السموات والأرض‏.

ويذكر تعالى هدف نزول القرآن فيقول تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ َعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [44]. وقد ذكر جل وعلا في الآية حكمتين من حكم إنزال القرآن:

إحداهما: أن تبين للناس ما نزل تدريجا إليهم لأن المعارف الإلهية لا ينالها الناس بلا واسطة فيبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، ونحو ذلك.

الحكمة الثانية- هي التفكر في آياته والاتعاظ بها؛ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏ (44).

وكما في قوله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَليتذكر أُولُوا الْأَلْبابِ‏ [ص: 29]

كما بيّن سبحانه أهم الوظائف التي من أجلها أنزل كتابه على النبي (ص) فقال: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏. 64

فيبيّن وجه الصواب فيما اختلفوا فيه من أمور العقائد والعبادات والمعاملات والحلال و الحرام ... وبذلك يعرفون الحق من الباطل، و الخير من الشر.

وذكرت شبهتين للكافرين حول القرآن.

الشبهة الأولى حول النسخ، والشبهة الثانية حول أن يكون لهذا القرآن مصدر بشري:

1- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)

والتبديل هو النسخ فانهم اذا رأوا تغيير الأحكام جعلوا ذلك حجة ضد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقالوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ أي كذاب وأنّه لو كان من اللّه لأقره وأثبته، ولم يطرأ فيه تغيير.

مع ان اللّه تعالى ينسخ لحكمة ومن ثم قال: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ الحكمة في النسخ‏.

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ‏) وعالم بحقائق الأمور ومحيط بكل شي‏ء ولكن اقتضت حكمته البالغة أن تكون التكاليف على التعاقب والتدريج تلطفا بالناس ومراعاة لأحوالهم. وتركيبة الإنسان وظروفه المختلفة والتربية الرّبانية له، استلزمت وجود الأحكام الناسخة والمنسوخة في العملية التربوية.

 مع علمه تعالى بزوال المصلحة من المنسوخ ، وتمحضها في الناسخ  من اول الامر فكل الآيات حق، بناسخها ومنسوخها ..نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ‏. «جبرائيل الأمين».

الشبهة الثانية- كون القرآن من تعليم نصراني لا من اللّه.

قالوا: أن رجلا اعجمي اللسان من اهل الكتاب ، وكان قد اتبع نبي اللّه وآمن به، قالوا أنه يعلّم الرسول! وكان الردّ وابطال هذه الشبهة: أن القرآن كلام عربي مبين، وهذا المعلم المزعوم أعجمي فكيف يعلّم كلاما عربيا فصيحا؟ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ  إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ‏ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ‏.

وكيف يمكن لفاقد ملكة البيان العربي أن يعلّم هذه البلاغة والفصاحة ؟!  يضاف إلى ذلك كله أن تاريخ حياة النّبي صلّى اللّه عليه وآله لا يسجل له اتصالات دائمة مع هذه النوعيات من البشر.

فالآية المباركة دليل الإعجاز القرآني من حيث اللفظ والمضمون، فحلاوة القرآن وبلاغته وجاذبيته والتناسق الخاص في ألفاظه وعباراته ما يفوق قدرة أيّ إنسان.

ثم تتحدث آيات السورة عن آداب تلاوة القرآن

فيقول تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» لئلا يلبس عليك قراءتك، ويمنعك من التدبر والتفكر حيث «إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».

عن أمير المؤمنين (ع ) : أَعُوذُ: امتنع بِاللّهِ السّمِيْعِ لمقال الأخيار والأشرار ولكل المسموعات من الإعلان والأسرار الْعَلِيْمِ بأفعال الأبرار والفجّار وبكل شي ممّا كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون مِنَ الشَّيْطانِ البعيد من كل خير الرَّجِيْمِ المرجوم باللعن المطرود من بقاع الخير.

الآيات الجامعة لأجمع اساليب الدعوة إلى اللّه تعالى ومعاملة الناس

ثم كانت توجيهات سامية آمرة بمكارم الأخلاق وناهية عن منكراتها فتقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏، وَيَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. 90

ثم كان أمر بالوفاء بالعهود والوعود، وتحريم نقضها، وتعظيم شروطها وبنودها، وعدم اتخاذ الأيمان الداخلة في العهود والمواثيق وسيلة للخداع والمكر. . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها، وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ‏...90 _ 95

الحلال الطيب والحرام الخبيث من المأكولات [الآيات 114 الى 119]

وبعد ان ظهر حال الذين بدلوا نعمة اللّه كفرا (تلك القرية التي كفرت بانعم الله) ، وكيف أذاقهم اللّه لباس الجوع والخوف، كان تحذير من السير على شاكلتهم، وكانت دعوة للانتفاع بالنعم  لكن ضمن حدود الاكل من الحلال الطيب مع شكر النعمة . فقال تعالى فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)  

ولما كان الحلال أكثر بكثير من الحرام، لذا ناسب بيان المحرّمات القليلة أمام الحلال الكثير الواسع، فقال تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ .. ثم استثنى تعالى حالة الضرورة فقال: (فَمَنِ اضْطُرَّ) من غير بغي ولا عدوان إلى تناول شي‏ء منها فلا حرمة.

ثم نهى اللّه تعالى عن سلوك سبيل المشركين بالتحليل والتحريم بآرائهم، قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ [116].

ثم توعد على ذلك فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ...

وبعد بيان الحلال والحرام والمباح للضرورة لهذه الأمة، ذكر تعالى ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل نسخها، وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)  وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما، إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ‏ [الأنعام 6/ 146] وسبب التحريم هو ظلمهم: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ .. [النساء  160]. وهو صريح في أن التحريم كان بسبب الظلم والبغي، عقوبة وتشديدا.

ختم السورة بذكر النبي إبراهيم (ع) رئيس الموحدين الذي أثنى اللّه جلّ وعلا عليه: بأنّه قانت للّه، أي مطيع له. وأنّه لم يكن من المشركين، وأنّه شاكر لأنعم اللّه، وأنّ اللّه اجتباه، أي اختاره واصطفاه. وأنّه هداه إلى صراط مستقيم.

فإبراهيم عليه السلام هو النموذج للمسلم الكامل، وهو مستجمع لخصال الخير ومن ثم جعله اللّه قدوة لرسوله محمد صلّى اللّه عليه وآله  ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً 123

وتسأل: ان محمدا (ص) سيد الأنبياء، فكيف يؤمر بمتابعة غيره من الأنبياء؟

أترى رسول الهدى وهو في أعلى قمم العبودية والمعرفة الرسالية يتبع ملة ابراهيم، وهو رسول اليه وولي عليه كما هو على سائر النبيين: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» (3: 81)؟!

الجواب: ان الغرض من المتابعة هنا هو الرد على المشركين الذين يعترفون بدين ابراهيم (ع)، وينكرون دين محمد (ص) مع انهما شي‏ء واحد .. هذا، الى ان الأمر بالمتابعة للأسبقية، و من الواضح ان الأسبقية لا تستدعي الأفضلية في كل شي‏ء.

ثم ان النص يأمره باتباع ملة ابراهيم دون اتباعه نفسه، وما هو إلا مشيه على صراط مستقيم في كونه حنيفا وما كان من المشركين . فكل ما في الأمر هو اتباع ملته ، وملته هي ملة التوحيد الناصع الخالص. فإذا كانت ملته هي الإخلاص في التوحيد للَّه ورفض الشركاء له، فإن اللَّه يريد للنبي صلّى اللَّه عليه و آله أن يتبع هذا النهج في الدعوة، وأن يتحرك مع هذا الخط في الرسالة.

وصايا للدعاة ودستور للدعوة: [الآيات 125 الى 128]

وبعد أن أمر اللّه تعالى محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم باتباع إبراهيم عليه السلام، بيّن ان اصول دعوة الناس إلى الدين بأحد طرق ثلاث: وهي الحكمة، و الموعظة الحسنة، والمجادلة بالطريق الأحسن. ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

الآية الكريمة قد رسمت أقوم طرق الدعوة إلى اللّه تعالى وعينت أحكم وسائلها، وأنجعها في هداية النفوس. إنها تأمر الدعاة في كل زمان و مكان أن تكون دعوتهم إلى سبيل اللّه لا إلى سبيل غيره: إلى طريق الحق لا طريق الباطل، وإنها تأمرهم أن يراعوا في دعوتهم أحوال الناس، وطباعهم، وسعة مداركهم، و ظروف حياتهم، وتفاوت ثقافاتهم. وان يخاطبوا كل طائفة بالقدر الذي تسعه عقولهم، وبالأسلوب الذي يؤثر في نفوسهم، وبالطريقة التي ترضى قلوبهم وعواطفهم.

فمن لم يقنعه القول المحكم، قد تقنعه الموعظة الحسنة، ومن لم تقنعه الموعظة الحسنة. قد يقنعه الجدال بالتي هي أحسن.

بِالْحِكْمَةِ : بالقول المحكم الصحيح الموضح للحق، المزيل للباطل.

 (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) بالأقوال المشتملة على العظات والعبر التي ترقق القلوب، وتهذب النفوس، وتقنعهم بصحة ما تدعوهم إليه، وترغبهم في الطاعة للّه تعالى وترهبهم من معصيته.

وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بأن تكون مجادلتك لهم مبنية على حسن الإقناع، وعلى الرفق واللين وسعة الصدر فإن ذلك أبلغ في التقليل من عنادهم، وفي إصلاح شأن أنفسهم، وفي إيمانهم بأنك إنما تريد من وراء مجادلتهم، الوصول إلى الحق دون أى شي‏ء سواه.

وبعد أن أمر سبحانه و تعالى بالرفق في الدعوة و الخطاب، أمر بالعدل والإنصاف في العقاب، والمماثلة في استيفاء الحق؛ إذ قد تكون الدعوة سببا في إغاظة الآخرين، وإقدامهم على القتل أو الضرب أو الشتم، فقال سبحانه: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ....

فلا بد من التزام العدالة في معاملة الأعداء، فلا يسرف في العقوبة فإن الزيادة حيف وظلم.

ثم أرشدهم سبحانه إلى ما هو أسمى من مقابلة الشر بمثله وهو الترفع عن العقاب والتسامي عن المقابلة والجزاء بالمثل فقال: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ‏. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏ ولأن الصبر يحتاج إلى مقاومة للانفعال، وضبط للعواطف، فلا يكون الا بالتوكل على اللّه، ولا ينال إلا بمشيئة اللّه وإعانته، وحوله وقوته. فهو الذي يعين على الصبر وضبط النفس.

وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل وأفضليّة العفو. وقد ذكر تعالى هذا المعنى في القرآن؛ كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏ الشورى: 40 وقوله: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُالمائدة: 45

 

المرتدون عن الإسلام والمهاجرون بعد ما فتنوا [ الآيات 106 الى 111]

وبعد أن عظّم اللّه تعالى تهديد الكافرين  (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) 104 الذين تقولوا الأقاويل على النبي (ص) فوصفوه بأنه مفتر، وأن ما جاء به كلام البشر. أردف ذلك ببيان من يكفر بلسانه لا بقلبه بسبب الخوف والإكراه، ومن يكفر بلسانه و قلبه معا. ثم ذكر بعده حال من هاجر بعد ما فتن، وهم المستضعفون في مكة. وفي الآيات وعيد على الكفر بعد الإيمان وهو الارتداد وفيها تعرض لحكم التقية ووعد جميل للمهاجرين .

اما الفئتان الاوليان فقال فيهم مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)

فيحذر من غضب اللّه الذي يحل بمن يرتد عن دينه- قولا أو عملا- إلّا الذي أكره على الكفر بطريق لسانه، بينما لا يزال قلبه مطمئنا بالإيمان ثابتا عليه  فقد «أكره أناس على كلمة الكفر، فأبوا وصبروا فقتلوا وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها. فقال بعضهم: يا رسول اللّه ان عمارا كفر. فقال الرسول الأعظم (ص)، كلا، ان عمارا ملي‏ء ايمانا من قرنه الى قدمه، واختلط الايمان بلحمه و دمه .. فأتى عمار رسول اللّه (ص) و هو يبكي، فجعل الرسول يمسح عينيه و يقول: «ما لك؟ ان عادوا لك فعد بما قلت». 

اما من كفر ظاهرا وواقعا، لا لشي‏ء الا رغبة في الكفر، فلا جزاء لهذا الا غضب اللّه وعذابه الأليم‏ والسبب: (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى‏ الْآخِرَةِ) لأنهم آثروا الحياة وزينتها على الآخرة و نعيمها.

وبعد ان ذكر سبحانه حكم من آمن في الواقع، وكفر في الظاهر مكرها ذكر اللّه تعالى حكم المستضعفين في مكة، وهم الفئة الثالثة فيقول في شأنهم : ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

وأصل الفتن: إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ثم استعمل في الاختبار والامتحان بالمحن والشدائد، وبالمنح و اللطائف، لما فيه من إظهار الحال والحقيقة.

ذكر هنا من كان قد آمن برسول اللّه، ولكنه بقي بمكة ولم يهاجر معه الى المدينة، وأعطى المشركين بعض ما أرادوا منه، ثم تاب وهاجر و جاهد بين يدي رسول اللّه، وصبر على جهاد المشركين (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).. و في كثير من التفاسير ان هذه الآية نزلت في جماعة من أصحاب رسول اللّه (ص) كانوا قد تخلفوا بمكة، ولم يهاجروا مع رسول اللّه، فاشتد المشركون عليهم، حتى فتن البعض منهم عن دينه، وجاروا المشركين، ثم ندموا، و خافوا ان لا تقبل لهم توبة، فأنزل اللّه هذه الآية.

_ المصادر : القرآن الكريم

      مجموعة من التفاسير

 

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/30   ||   القرّاء : 773


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net