الأهداف الحسينية
الأهداف الحسينية
هناك مجموعة من الأهداف خطط لها الامام الحسين عليه السلام ورسمها بحركته وبجهاده ودمه:
الهدف الأول: حفظ العزة للدين الإسلامي
رأى الامام الحسين عليه السلام أن في بيعة يزيد بن معاوية إذلالا للإسلام وللدين، وقد عبر عن هذا الموقف بقوله: ”يا أمير إن يزيد رجل فاسق شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله“ وعبر عن هذا الموقف بقوله: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذور طابت وحجور طهرت، وأنوف حمية ونفوس أبية أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“ فكان مجسدا لقوله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ حفظ للدين عزته، وللإيمان شموخه، وللإسلام سموه وعلو شأنه برفضه القاطع لبيعة يزيد بن معاوية مهما كانت الظروف والأحوال..
الهدف الثاني: تحريك إرادة الأمة
الأمة في زمن معاوية ماتت إرادتها، وخمد ضميرها، واستسلمت للواقع الأموي وتخدرت إرادتها، أراد الحسين عليه السلام أن يعيد لها نشاطها وضميرها، ويحرك إرادتها نحو المطالبة بحقوقها، فما وجد طريقا لتحريك إرادة الأمة وبعثها من نومها ورقدتها إلا بإراقة دمه الطاهر فكان كما خطط له الحسين بن علي عليه السلام ، حيث قال: ”ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر وأيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله ﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾، ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾
وفعلا الحسين قتل لكن الحركة تجددت في إرادة الأمة، فكانت حركة التوابين، وحركة المختار، وحركة زيد بن علي، وحركة الحسين بن علي صاحب معركة فخ، توالت الثورات والحركات امتدادا لصوت الحسين عليه السلام ، وامتدادا لحركة ولإرادة الحسين عليه السلام فالحسين حقق هدفه من خلال دمه وجهاده عندما حرك ضمير الأمة وبعث إرادتها من جديد.
الهدف الثالث: إعادة الدور الرسالي للمرأة المسلمة
منذ عهد خديجة بن خويلد، ومنذ عهد فاطمة الزهراء لم يعد للمرأة المسلمة دور رسالي بارز على مستوى الأمة ومستوى يقظتها ورسالتها ووعيها، أراد الحسين عليه السلام أن يعيد دور المرأة لكي تشارك في إحياء الأمة الإسلامية فاصطحب النساء، لا من أجل بكاء أو مظلومية، بل اصطحبهم ليعيد للمرأة دورها الرسالي، ودورها الحركي، وليعيد موقعها في النهوض بالدين الإسلامي آنذاك، فكانت زينب عليهن السلام ، وأم كلثوم، وسكينة عليهن السلام ، قمن بدور عظيم في دعم ثورة الحسين عليه السلام ، ولولا صوت زينب عليه السلام ، وبلاغتها ووعيها بالمسؤولية لماتت ثورة الحسين عليه السلام وخمدت، لكن زينب بوعيها لأهداف الثورة، وببلاغة منطقها وقوة حجتها وشموخها، بتجسيدها لصبر أبيها المرتضى عليه السلام وإرادة أمها الزهراء عليها السلام وعبادة جدها المصطفى (ص) فضحت خطط الأمويين ومكائدهم، وواجهتهم مواجهة علنية دامية، إلى أن حركت الضمائر والإرادة، قالت ليزيد بن معاوية: أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء أن بك على الله كرامة؟ وبنا عليه هوانا؟ فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلانا مسرورا، حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحيث صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا، ما سمعت قول الله عز وجل: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، وإن رأيك إلا فند وجمعك إلا بدد ويومك إلا عدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على القوم الظالمين
الهدف الرابع: نشر مظلومية آل رسول الله(ص)
وهناك مجموعة من الروايات الواردة عن أهل البيت تشير الى ذلك:
الإمام الرضا عليه السلام يقول: ”يا ابن شبيب إن كنت باكيا فابك الحسين“
ويقول : ”إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء“
الإمام الصادق عليه السلام يستقبل ذو الرمة، يستقبل السيد الحميري لرثاء الحسين ، الإمام الرضا يستقبل دعبلة الخزاعي لرثاء الحسين .
هذه الروايات كلها التي تحث على البكاء وإثارة العاطفة ترشد وتحكي هدفا من أهداف الحسين عليه السلام ، أراد الحسين بحركته أن ينشر مظلومية آل بيت رسول الله .ولذلك ورد عن الإمام الرضا، وورد عن الإمام الصادق : ”إن لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا“.
الهدف الخامس: المشروع الإصلاحي الذي قاده الحسين بن علي عليه السلام
هناك مشروعان متعارضان: المشروع الأموي، والمشروع المحمدي حكم معاوية 20 سنة، حول الدولة من دولة محمدية إلى دولة أموية، حققت الدولة الأموية تغييرا فكريا وتغييرا سلوكيا على مستوى الأمة كلها
أما التغيير الفكري، فكان للدور الأموي أكبر دور في اختلاق الروايات والأحاديث التي اثرت سلبا في الفكر الاسلامي :
أولا على مستوى الخالق تبارك وتعالى، أغلب الأحاديث التي تجسم الله وتقول أن له يد وله رجل وأنه ينزل كل ليلة جمعة نشأت في أيام بني أمية.
الروايات الإسرائيلية التي تذم الأنبياء عليهم السلام وزوجاتهم دخلت إلى المسلمين أيام بني أمية الروايات التي تشوه شخصية رسول الله (ص) في كثير من الصحاح منشؤها أيام الأمويين،
كان رسول الله يبول واقفا، ويحك المني من ثوبه، وأنه قد شرب النبيذ، وأنه حاول الانتحار عدة مرات، كان يمدح الغرانيق العلا وهي مجموعة من الأصنام، وأنه قتل عصماء بنت مروان وهي امرأة بريئة، هذه الروايات التي شوهت شخصية رسول الله في نفوس المسلمين نشأت أيام بني أمية.
ومن التغيير الفكري الذي أحدثه الحكم الأموي علم الناس أن الخروج على ولي الأمر معصية وشقا لعصا المسلمين، سواء كان ولي الأمر عادلا أم جائرا.
وعلم الناس تقديس الصحابة كلهم القاتل والمقتول، كلهم عدول، وكلهم مقدسون، يؤخذ منهم بلا تردد، الفكر الأموي حاول أن يخدر إرادة الأمة على المستوى الفكري.
وأما على المستوى السلوكي، انتشرت الرشاوى لدى القضاة
قتل صحابة رسول الله كرشيد الهجري، وكميل بن زياد، وحجر بن عدي وأصحابه في زمان بني أمية، استغل الضعفاء، وانتشرت الطبقية صار الفارق بين الأغنياء والفقراء فارقا شاسعا، قدمت قريش على غيرها، وقدم العرب على غيرهم، والأحرار على الموالي، كل ذلك حدث في زمن بني أمية، إذن المشروع الأموي مشروع خطير على المستوى الفكري والمستوى السلوكي.
لذلك أراد الامام الحسين عليه السلام مواجهة هذا المشروع بكل ما عنده بمشروع آخر عبر عنه بقوله: ”ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“ أراد أن يبعث المشروع المحمدي أمام هذا المشروع الأموي، وكان خروجه حتميا حتى لو لم يحصل على أنصار من أهل الكوفة أو أهل اليمن أو أهل الحجاز كان سيخرج على كل حال، لأن له هدفا ساميا ألا وهو مواجهة المشروع الأموي بالمشروع المحمدي مهما كلفت الظروف، حصل على أنصار أم لم يحصل، وسواء قتل أم بقي حيا.