هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (121)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شهر الدعاء والتضرع الى الله

 ليلة القدر... لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ

 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 مقابلة مع سماحة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بمناسبة ارتحال الإمام الخميني(قده)

 الحج هو السّفر إلى اللّه

 من حكم ومناقب الامير عليه السلام

 هيئة علماء بيروت تشيد بخطاب السيد نصر الله

 هيئة علماء بيروت تشجب الاعتداء الآثم والمسيء على النبي الأكرم (ص)

 من آداب القرآن الكريم في تعظيم النبي الاكرم (ص)

 مزايا البيت الحرام و فضائله

 ليلة القدر في الأحاديث الشريفة

 الفتح المبين

 مجالس عاشوراء منابر للوعي

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1171

  • التصفحات : 7088771

  • التاريخ : 18/04/2024 - 02:38

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .

        • القسم الفرعي : مفاهيم .

              • الموضوع : الحســد .

الحســد

الحســد

 

الإمام الخميني "قده" 

 

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله (ص) : قال الله عز وجل لموسى بن عمران : يا أبن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي صادٌّ لقسمس الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني " .

الشرح :

الحسد ، حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورها عند الآخرين ، سواء أكان يمكلها أم لا ، وسواء أرادها لنفسه ، وهذا يختلف عن الغبطة ، لآن صاحب الغبطة يريد أن تكون لنفسه النعمة التي توجد لدى الغير ، من دون أن يتمنى زوالها عن الغير .

وأما قولنا : " النعمة التي يتصورها عند الآخرين " فنعني به أن تلك النعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقية ، فطالما تبين أن الأمور التي تكون بحد ذاتها من النقائص والرذائل ، يتصورها الحسود من النعم والكمالات فيتمنى زوالها عن الآخرين أو أن خصلة تعد من النقائص للإنسان ومن الكمال للحيوان ويكون الحاسد في مرتبة الحيوانية فيراها كمالاً ويتمنى زوالها ، فهناك بين الناس ، مثلاً أشخاص يحسبون الفتك بالغير وسفك الدماء موهبة عظيمة ، فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه ، أو قد يحسبون سلاطة اللسان وبذاءته من الكمالات ، فيحسدون صاحبها ، إذا فالمعيار في معرفة هذه الحالة النفسية هو توهم الكمال وتصور وجود النعمة ، لا النعمة نفسها ، فالذي يرى في الآخرين نعمة ، حقيقية كانت أو موهومة ويتمنى زوالها ، يعد حسوداً .

إعلم أن للحسد أنواعاً ودرجات حسب حال المحسود ، وحسب حال الحاسد ، وحسب حال الحسد ذاته .

أما من حيث حال المحسود ، فمثل أن يحسد شخصاً لما له من كمالات عقليه أو خصال حميدة ، أو لما يتمتع من الأعمال الصالحة والعبادية أو لأمور خارجية أخرى ، مثل إمتلاكه المال والجاه والعظمة والإحتشام وما إلى ذلك ، أو أن يحسد على ما يقابل هذه الحالات من حيث كونها من الكمال الموهوم الموجود في المحسود .

وأما من حيث حال الحاسد ، فقد ينشأ الحسد أحياناً من العداوة والتكبر ـ الخوف ، وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي سيرد ذكرها فيما بعد .

وأما من حيث حال الحسد نفسه ، الذي نستطيع أن نقوله أنها الدرجات والتقسيمات الحقيقية ، للحسد دون ما سبق ذكره ، فلشدته وخفته مراتب كثيرة ، تختلف بإختلاف الأسباب ، كما بإختلاف الآثار .

في ذكر بعض أسباب الحسد .

للحسد أسباب كثيرة ، يرجع أكثرها إلى رؤية الذل في النفس تماماً كما أن الكبر ـ نوعا ـ يتم على عكس ذلك فكما أن المرء عندما يجد في نفسه كمالآ لا يجده في غيره ، تنشأ عنده حالة من الترفع والتعزز والتعالي في نفسه ، فيتكبر ، وإذا لآحظ الكمال في غيره إنتابته حالة من الذل والإنكسار ، ولولا وجود عوامل خارجية ولياقات نفسانية ، لنتج من ذلك الحسد ، وقد ينشأ من تصور ذله في تساوي غيره معه ، مثل أن يحسد صاحب الكمال والنعمة مثيله او الذي يليه ، ويمكن القول إن الحسن هو ذلك الإنقباض والذل النفسي اللذان تكون نتيجتها الرغبة في زوال النعمة والكمال عن الآخرين ، وقد حصر بعضهم ـ كالعلاّمة المجلسي قدس سره أسباب الحسد في سبعة أمور :

الأول : العداوة .

الثاني : التعزز : ان يكون من حيث يعلم أن يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق إحتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه .

الثالث : الكبر : أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر .

الرابع : التعجب : أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيراً فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذا قالوا : ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) وأمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب .

الخامس : الخوف : أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه .

السادس : حب الرئاسة : أن يكون يحب الرئاسة التي تنبني على الإختصاص بنعمة لا يساوي فيها .

السابع : خبث الطينة : أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحنها بالخير لعباد الله .

 

في بعض مفاسد الحسد :

الحسد نفسه أحد الأمراض القلبية المهلكة ،ويتولد منه أيضاً أمراض قلبية كثيرة كالكبر وفساد الأعمال وتعد كل واحدة منها من الموبقات وتشكل سبباً مستقبلاً لهلاك الإنسان .

وأما مفاسد الحسد فسنكتفي بما نقل عن الصادق المصدّق .

ففي صحيحه معاوية بن وهب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام " " أفة الدين الحسد والعجب والفخر " .

وفي صحيحه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام :" إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر ، وإن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب " .

ومعلوم أن الإيمان نور إلهي يجعل القلب موضع تجليات الحق جل جلاله ،كما جاء في الأحاديث القدسية : " لا يسعني أرضي ولا سمائي بل يسعني قلب عبدي المؤمن " .

فهذا النور المعنوي ، وهذه البارقة الإلهية التي تجعل القلب أوسع من كل الموجودات ، تتعارض مع هذا الضيق والظلام اللذين تسببهما هذه الرذيلة ، رذيلة الحسد ، إن هذه الصفة القبيحة تضغط على القلب بالحزن والكدر ، والصدر بالإختناق والضيق والوجه بالعبوس والغضب وهذه الحال تطفىء نور الإيمان ،وتميت قلب الإنسان ، وكلما إشتدت إزداد ضعف الإيمان .

إن جميع الصفات المعنوية والظاهرية للمؤمن ، تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد لظاهر الإنسان وباطنه ، إن المؤمن يحسن الظن بالله تعالى ،وهو راضٍ بقسمة الذي قسمه بين عباده ، أما الحسود فساخط على الله تعالى ، يشيح بوجهه عن تقديراته ، لقد جاء في الحديث الشريف : إن المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين ، بل هم أعزاء عنده ،والحسود بعكس ذلك .

والمؤمن لا يغلبه حب الدنيا ، والحسود إنما هو مبتلى بشدة حبه للدنيا . والمؤمن لا يداخله خوف ولا حزن إلا من بارىء الخلق تعالى ، أما الحسود فخوفه يدوران خول المحسود .

والمؤمن المطلق المحيا ، وبشراه في وجهه والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه .

والمؤمن متواضع ، والحسود متكبر في معظم الحالات ، فالحسد ، آفة الإيمان التي تأكل النار الحطب .

ويكفي في شناعة هذه الرذيلة هو أن الحسد يقضي على الإيمان الذي يعد وسيلة النجاة في الآخرة ، وباعثاً لحياة القلوب ، ويحعل الإنسان مفلساً ومسكيناً .

وإن من المفاسد الكبيرة التي لا تنفك عن الحسد ، سخط الحسود على الخالق وولي نعمته وإعراضه عن تقديراته تعالى .

في هذا اليوم إن حجب الطبيعة الدكناء والحجب الحاصلة من إنشغالنا بهذه الطبيعة قد حجبت جميع مشاعرنا ، فأعمت أعيننا وأصمت آذاننا ، فلا ندري أننا غاضبون تجاه مالك الملوك ومعرضون عنه ولا نعلم ما هي صورة هذا الغضب والإعراض في الملكوت حيث مساكننا الأصلية الدائمية ؟ وإنما يصل إلى أسماعنا قول الإمام الصادق "ع" : " ومن يك كذلك فلست منه وليس مني " . ولا يفهم ماذا يحمل لنا تبرؤ الحق تعالى منا وإعراضه عنا من مصائب ؟ إن من يخرج عن ولاية الله ويطرد من ظل راية أرحم الراحمين لن يكون له أمل في النجاة ، ولن يشفع له أحد " ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه ) من ذا الذي يتقدم ليشفع لمن يسخط عليه الله ويكون خارجاً عن حرز ولايته ، وقد إنقطع حبل المودة بينه وبين مالك الرقاب ؟ وأسوأتاه ! واحسرتاه على ما نفعله بأنفسنا ! لم يفتأ الأنبياء والأولياء يصرخون في آذاننا ويريدون إيقاظنا من النوم ، ولكننا نزداد غفلة وشقاء يوماً بعد يوم .

ومن المفاسد هذا الخلق الذميم، كما يقول العلماء ، ضيق القبر وظلمته إذ أنهم يقولون إن صورة هذا الخلق الفاسد الرديء ، التي فيها ضيق نفساني وكدر قلبي ، تشبه ضيق القبر وظلمته ، إذ أن ضيق القبر أو إتساعه منوط بضيق الصدر أوإنشراحه .

إن الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب بسبب الحسد قلما يوجد في خلق فاسد آخر ، وعلى أي حال إن صاحب هذا الخلق يعيش في الدنيا معذباً مبتلىً ، ويكون له القبر ضيق وظلمة ويحشر في الأخرة مسكيناً متألماً .

على الإنسان أن يفكر قليلً ليدرك أن أمراً له هذا القدر من المفاسد يجب أن يعالج ، مع العلم أن حسدك لن يضر المحسود ، فلا تزول نعمته بمجرد حسدك له ، بل يكون له نفع دنيوي وأخروي ، وذلك لأن شقاءك وحزنك وأنت عدوّه وحاسده يعدّ نفعاً له ، فهو يرى أنه متنعم وأنت معذب بتنعمه وهذه نعمة له ، فإذا إنتبهت لهذه النعمة الثانية التي تتوفر للمحسود جلبت لنفسك عذاباً وضغطاً فكرياً آخرين ويعتبر عذابك هذا نعمة له هكذا ، وعليه فإنك تكون دائماً في عذاب وشقاء وتعاسه وغمّ . وهو في نعمة وسرور وإنبساط وفي الآخرة أيضاً يكون حسدك له نفعاً له ، وخصوصاً إذا كان الحسد قد دفع بك إلى الغيبة والإفتراء وسائر الرذائل مما يستوجب أخذ حسناتك وإعطائها له فتعود أنت مفلساً ويزداد هو نعمة وعظمة .

لوأنك أمعنت الفكر في هذه الأمور لأقدمت على تطهير نفسك من هذه الرذيلة وأنقذت نفسك من هذه المهلكة و لاتظنن أن الرذئل النفسانية والأخلاق النفسية غير ممكنة الزوال ، إن ظنوناً باطلة توحيها إليك النفس الأمارة والشيطان لكي تنحرف عن سلوك الآخرة وإصلاح النفس ، فما دام الإنسان في دار الزوال وعالم التبدل هذا ، فمن الممكن أن يتغير في جميع صفاته وأخلاقه ،ومهما تكن صفاته متمكنة ، فإنها قابلة للزوال ما دام حياً في هذه الدنيا ، وإنما تختلف صعوبة التصفية وسهولتها نتيجة شدة هذه الصفات وخفتها .

ومن المعلوم أن إزالة صفة حديثة الظهور في النفس إنما يتحقق بقليل من الجهد والترويض ، كالنبتة في أيامها الأولى التي لم ترسل جذورها إلى الأعماق بعد ولم تتمكن من التربة ، ولكن إذا تمكنت تلك الصفة من النفس وأصبحت من الملكات المستقرة فيها ، فإنه يصعب إزالتها ،ورغم أن إزالتها ممكنة ،كإقتلاع شجرة ضخمة معمرة ضربت بجذورها في أعماق التربة ، فكلما تقاعست وأبطأت في مساعيك لأقتلاع جذور المفاسد من قلبك وروحك ، إزداد تعبك وعناؤك يوم إجتثاثها .

يقول شيخنا الجليل والعارف الكبير الشاه آبادي روحي فداه : " إن الإنسان في عز شبابه وقوة فتوته يكون أقدر على الوقوف بوجه المفاسد الأخلاقية ، وأفضل في أداء واجبه الإنساني ، فلا تتركوا هذه القوى تضيع من أيديكم ، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة ، وعندئذٍ يصعب عليكم التوفيق في مساعيكم ،وحتى لو أنكم وفقتم ، فإن ذلك الإصلاح سوف يتطلب منكم الكثير من المشقة والتعب .

وعليه ، إذا فكر الإنسان العاقل في المفاسد ووجد أنه غير داخل فيها فإنه يستطيع أن يمنع نفسه من التلوث بها ، وإذا وجد نفسه لا سمح الله مبتلاه بها ، فخير له أن يسرع في إصلاح نفسه قبل أن تتجذر تلك المفاسد فيه وإذا كانت لا سمح الله ـ قد تجذرت فيه فعليه أن يبذل كل جهد مستطاع في سبيل إقتلاع تلك الجذورة لئلا يصل إلى مرحلة اللاعودة في البرزخ واللآآخرة ، لانها إذا أعطت ثمرها ، وخرج صاحبها بخلقة الفاسد من هذه الدنيا المتبدلة في هيولاتها والمتنغيرة في جوهرها ،خرج أمر إقتلاعها من يديه ، وهيهات أن يتبدل خلق من الأخلاق النفسانية في الآخرة أو في البرزخ .

جاء في مضمون حديث رسول الله "ص" إن الخلود في الجنة أو في النار منوط بنية الإنسان فالنوايا الفاسدة ، التي هي وليدة الأخلاق الذيلة ، لا يمكن أن تزول لا بزوال منشئها .

إن الملكات في ذلك العالم تكون على درجة من شدة الظهور وقوته بحيث أن زوالها إما أن لا يكون ممكناً ، فيكون صاحبها مخلداً في النار ، وإما إذا أمكن بالضغوطات والمشاق والنيران إزالتها ، فإن ذلك قد يحدث ولكن بعد قرون ربوبية .

فيا أيها الإنسان العاقل ! إن ما يمكن أن تصلحه في شهر أو في سنه مع التعب القليل الدنيوي وبمحض إختيارك واضعاً حداً لشقائك في الدنيا والآخرة ، لاتهمله لكيلا يوردك موارد الهلاك .

في بيان جذور المفاسد الخلقية :

القول بأن الإيمان ، الذي هو حظ القلب ، غير العلم الذي هو حظ العقل ثم إن جميع المفاسد الأخلاقية والعملية تنشأ عن كون القلب غافلاً عن الإيمان وإن ما يدركه العقل عن طريق البرهان العقلي أو عن طريق أخبار الأنبياء لم يوصله إلى القلب ، ولذلك فالقلب لا يعرف عنه شيئاً .

إن من بين المعارف التي يصدقها الحكماء والمتكلمون وعامة الناس من أهل الشرائع ، ولا يشكون فيها أبداً هو أن ما جرى به قلم الحكيم المطلق جلت قدرته من الموجود والكمال ومن بسط النعمة وتقسيم الآجال والأرزاق ، جاء على خير تقدير وأجمل نظام ، وهو يتطابق كل التطابق مع المصالح التامة والنظام الكلي لأتم نظام متصور ، ولكن يعبر كل واحد من الحكماء والمتكلمين ، بلسانه الخاص وإصطلاحه الذي يختص بفنه الذي أتخذه وسيلة لتبيان هذه النعمة الإلهيه والحكمة الكاملة .

يقول العارف : ظل الجميل جميل على الإطلاق ،وبقول الحكيم : النظام العيني المطابق لنظام العلمي خال من النقص والشرور ، والشرور المتوهمة الجزئية هي من أجل إيصال الكائنات إلى كمالاتها التي تليق بها ويقول المتكلم وأهل الشرائع : أفعال الحكيم تكون علىأساس من الحكمة والصلاح ، وإن أيدي العقول البشرية الجزئية المحدودة قاصرة عن إدارك المصالح العالية في التقديرات الإلهية ، هذا الموضوع يدور على السنة الجميع ، وكل يستدل على ذلك بأدلة تتناسب مع مدى سعة علمه وعقله ، ولكن بما أنه لم يتعد حدود الأقوال إلى حيث القلوب والأحوال ، فإن ألسنة الإعتراض مطلقة ، وإن من لم يكن له حظ من الإيمان يقوم بتنفيذ برهانه وتكذيب قوله ، وعلى هذا الأساس تكون المفاسد الأخلاقية .

وليعلم من يحسد الناس ويتمنى زوال النعمة عن اللآخرين ، ويحقد في قلبه على أصحاب النعم ، أنه لا إيمان له بأن الله عز وجل من باب معرفة الصالح أسبغ نعمه على أولئك ، وأن إدراكنا لذلك قاصر ، وليعلم أيضاُ أنه لا يؤمن بعدل الله تعالى ولا يرى التقسيم عادلاً مع أنك في اصول العقائد تقول إن الله عادل ، وما هذا إلا مجرد لفظة على لسانك ، إن الإيمان بالعدل يناقض الحسد ،إنك إذا كنت ترى الله عادلاً لرأيت تقسيمه عادلاً أيضاً ، وقد جاء في الحديث الشريف : " يقول الله عز وجل : " إن الحسود يشيح بوجهه عما قسمته بين العباد ، وهو ساخط على نعمتي " .

إن القلب يخضع بالفطرة للقسمة العادلة ، وينفر بالفطرة كذلك من العسف والجور ، إن من الفطرة الإلهية الكامنة في اعماق البشر حب العدل والرضى به وكراهة الظلم وعدم الإنقياد له ، فإذا رأى خلاف ذلك فليعلم أن في المقدمات نقصاً فإذا سخط علىالنعمة وأعرض عن القسمة ، فذلك لأنه لا يرى ذلك عدلاً ، بل يراه والعياذ بالله ـ جوراً ـ وليس معناه أنه يرى القسمة عادلة ثم يعرض عنها ،اوأنه يرى الخطة المرسومة مطابقة للنظام الأتم والمصلحة التامة ، ثم يسخط عليها ، بل يرى أن هذا جور ومغاير للعدل ،إننا نأسف جداً على أن إيماننا ناقص حيث لم تخرج أدلتنا العقلية من نظاق العقل لتصل إلى حدود القلب ، ليس الإيمان بالقول والسماع والمطالعة والمباحثة والنقاش فحسب وإنما يطلب المعرف يبحث عنها ( ومن كان في هذه أعمى فهة في الأخرة أعمى وأضل سبيلا .. ) ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) .

 

في بيان المعالجة العملية للحسد :

يوجد فصلاً عن العلاج العملي الذي ذكرنا بعضه ، العلاج العملي لهذه الرذيلة ، وذلك بأن تتكلف إظهار المحبة للمحسود وترتب الأمر بحيث يكون هدفك هو معالجة مرضك الباطني ،إن نفسك تدعوك لأيذائه وإعتباره عدواً ، وتكشف لك عن مساوئه ومفاسده ، ولكن عليك أن تعمل خلافاً لما تريده النفس ، وأن تترحم عليه وتحترمه وتجله ، وأحمل لسانك على أن يذكر محاسنه ، واعرض أعماله الصالحة على نفسك وعلى الآخرين ، وتذكر صفاته الجميلة ، صحيح أن هذا السلوك يكون تكلفاً في بادىء الأمر ومن باب المجاز دون الحقيقة ولكن بما أن الهدف هو إصلاح النفس وإزالة هذه المنقصة والرذيلة ، فإن نفسك سوف تقترب في النهاية من الحقيقة ويخف تكلفك شيئاً فشيئاً وترجع نفسك إلى حالها الطبيعي وتصبح ذات واقعية .

 قل لنفسك ، على الأقل : إن هذا الإنسان عبد من عباد الله ، ولعل الله نظر إليه نظرة لطف فأنعم عليه بما أنعم ، خصه دون غيره بها ، خصوصاً إذا كان المحسود من رجال العلم والدين ،وأنه محسود على ذلك ، فإن مثل هذا الحسد يكون أقبح ، ومعاداة أمثال هؤلاء أسوأ عاقبة ، ولا بد من تفهيم النفس بأن هؤلاء هم من عباد الله المخلصين الذين شملهم توفيق منه ، ووهبهم هذه النعم العظيمة ،وهي نعم يجب أن تبعث في القلوب المحبة لهم وإحترامهم والخضوع لهم ، فإذا رأى أن هذه الأمور التي يجب أن تكون دافعاً على المحبة والإحترام توجب نقيض ذلك ، فعليه أن يعلم أن الشقاء قد أكتنفه من كل جانب وأن الظلام قد أحاط بباطنه فلا بد أن يبادر إلى إصلاح نفسه بالطرق العلمية والعملية ، وليعلم أنه إذا إتخذ طريق المحبة فإنه سرعان ما يكون موفقاً ، لأن نور المحبة قاهر للظلمة ومزيل للكدر وقد وعد الله تعلى المجاهدين أن يهديهم وأن يعينهم بلطفه الخفي ويوفقهم  ، إنه ولي التوفيق والهدايه .

في ذكر حديث الرفع :

إعلم أنه ورد في بعض الأحاديث الشريفة ما مضمونه أن رسول الله (ص) قال :إن الله رفع امتي تسعاً ... منها الحسد إذا لم يظهر من خلال يده ولسانه ، ومن المعلوم أن يحب أن لا تحول أمثال هذاالحديث الشريف دون المساعي الجادة لقلع هذه الشجرة الخبيثة من النفس ، ولا تمنع المحاولات المبذولة في سبيل تطهير الروح من هذه النار التي تحرق الإيمان ،ومن هذه الآفة التي تقضي عليه ، لأنه يندر أن تدخل هذه الرذيلة المفسدة إلى نفس إنسان ولا تتولد فيهاالمفاسد المختلفة ، ثم لا يظهر أثرها أبداً ، ويحافظ على إيمان الإنسان . 

مع أنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة أن هذه الصفة تأكل الإيمان وانها آفة الإيمان ،وان الله تعالى بريء من صاحبها ، وأنه مطرود من حضرته ، فيجب أن لا يغفل الإنسان عن مثل هذا الامر الخطير والفساد الكبير الذي يهدد كل وجوده وطاقاته متمسكاً يالتفسير الظاهري لهذا الحديث الشريف .

عليك إذا أن تقوم جاهداً ، بتقليم فروع الحسد ، والسعي لإصلاح النفس ، ولا تدع شيئاً منه يترشح إلىالخارج ، وعندئذٍ تضعف جذوره ، ويقف نموه ، وإذا وافتك المنية وأنت ماضٍ في سبيل الإصلاح والترويض للنفس ، فإن رحمة الله سوف تشملك ، ولسوف ينالك العفو برحمة الله الواسعة وببركة الرسول الأكرم "ص" ، وإذا بقيت منه باقية فإن بوارق الرحمة الإلهية سوف تحرقها وتطهر النفس وتزكيها.

أما ما جاء في رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (ع) من أنه قال : " ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكير في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده " فإنه إما أن يكون من باب المبالغة الدالة على كثرة الإبتلاء بها وإما أم يكون التعبير كناية عن كثرة الإبتلاء دون أن يكون القصد هو مضمون الكلام ذاته ، وأما أنه إعتبر الحسد أعم من الغبطة ، من باب المجاز ، واما أنه يقصد بالحسد تمني زوال بعض النعم المستعملة لدى الكفار في ترويج مذهبهم الباطل وإلا فإن الأنبياء مطهرون من الحسد بمعناه الحقيقي ، إن القلب الملوث بالمساوىء الأخلاقية والقذرات الباطنية لا يمكن أن يهبط عليه الوحي والإلهام ولا يكون موطن التجليات الذاتية والصفاتية ، إذا لا بد أن يفسر هذا الحديث بحسب ما ذكر أو بتفسير آخر ،أو يرد علمه إلى قائله صلوات الله عليه والحمد لله أولاً وآخراً .

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2007/04/18   ||   القرّاء : 7680


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net