مراحل الحياة البشريّة و كيفيّة ظهور الدّين
مراحل الحياة البشريّة و كيفيّة ظهور الدّين
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ .... (213
التّفسير
المرحلة الاولى: مرحلة حياة الإنسان الابتدائيّة حيث لم يكن للإنسان قد ألف الحياة الاجتماعية، و لم تبرز في حياته التناقضات و الاختلافات، و كان يعبد اللّه تعالى استجابة لنداء الفطرة و يؤدّي له فرائضه البسيطة، و هذه المرحلة يحتمل أن تكون في الفترة الفاصلة بين آدم و نوح عليهما السّلام.
المرحلة الثانية: و فيها اتّخذت حياة الإنسان شكلا اجتماعيّا، و لا بدّ أن يحدث ذلك لأنّه مفطور على التكامل، و هذا لا يتحقّق إلّا في الحياة الاجتماعيّة.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة التناقضات و الاصطدامات الحتميّة بين أفراد المجتمع البشري بعد استحكام و ظهور الحياة الاجتماعيّة، و هذه الاختلافات سواء كانت من حيث الإيمان و العقيدة، أو من حيث العمل و تعيين حقوق الأفراد و الجماعات تحتّم وجود قوانين لرعاية و حمل هذه الاختلافات، و من هنا نشأت الحاجة الماسّة إلى تعاليم الأنبياء و هدايتهم.
المرحلة الرابعة: و تتميّز ببعث اللّه تعالى الأنبياء لإنقاذ الناس، حيث تقول الآية فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ.
فمع الالتفات إلى تبشير الأنبياء و إنذارهم يتوجّه الإنسان إلى المبدأ و المعاد و يشعر أنّ وراءه جزاء على أعماله فيحس أنّ مصيره مرتبط مباشرة بتعاليم الأنبياء و ما ورد في الكتب السّماويّة من الأحكام و القوانين الإلهيّة لحل التناقضات و النّزاعات المختلفة بين أفراد البشر، لذلك تقول الآية وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
المرحلة الخامسة: هي التمسّك بتعاليم الأنبياء و ما ورد في كتبهم السماويّة لإطفاء نار الخلافات و النزاعات المتنوعة (الاختلافات الفكريّة و العقائديّة و الاجتماعيّة و الأخلاقيّة
المرحلة السادسة: و استمر الوضع على هذا الحال حتّى نفذت فيهم الوساوس الشيطانيّة و تحرّكت في أنفسهم الأهواء النفسانيّة، فأخذت طائفة منهم بتفسير تعليمات الأنبياء و الكتب السماويّة بشكل خاطئ و تطبيقها على مرادهم، و بذلك رفعوا علم الاختلاف مرّة ثانية. و لكن هذا الاختلاف يختلف عن الاختلاف السابق، لأنّ الأوّل كان ناشئا عن الجهل و عدم الاطّلاع حيث زال و انتهى ببعث الأنبياء و نزول الكتب السماويّة، في حين أنّ منبع الاختلافات الثانية هو العناد و الانحراف عن الحقّ مع سبق الإصرار و العلم، و بكلمة: (البغي)، و بهذا تقول الآية بعد ذلك وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
المرحلة السابعة: الآية الكريمة بعد ذلك تقسّم الناس إلى قسمين، القسم الأوّل المؤمنون الّذين ينتهجون طريق الحقّ و الهداية و يتغلّبون على كلّ الاختلافات بالاستنارة بالكتب السماويّة و تعليم الأنبياء، فتقول الآية: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ في حين أنّ الفاسقين و المعاندين ماكثون في الضلالة و الاختلاف.
و ختام الآية تقول وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هذه الفقرة إشارة إلى حقيقة ارتباط مشيئة اللّه تعالى بأعمال الأفراد، فجميع الأفراد الرّاغبون في الوصول إلى الحقيقة يهديهم اللّه تعالى إلى صراط مستقيم و يزيد في وعيهم و هدايتهم و توفيقهم في الخلاص من الاختلافات و المشاجرات الدنيويّة مع الكفّار و أهل الدنيا و يرزقهم السكينة و الاطمئنان، و يبيّن لهم طريق النجاة و الاستقامة.