المراهقة والتعامل معها بالمواكبة والاقناع والتفاهم
المراهقة والتعامل معها بالمواكبة والاقناع والتفاهم
سماحة الشيخ نعيم قاسم
الشبابُ مرحلةٌ عمرية حساسة، ففيها يتأسس بنيان الاتجاه المستقبلي فكرياً وثقافياً وسلوكياً ومواقف، وهي بحق مرحلة رسم الاتجاه نحو الصلاح أو الفساد، نحو استثمار الحياة الإنسانية بجمالها وكمالاتها، أو الغرق في متاهات الملذات التي تشوِّه الجمال وتنحدرُ بالإنسان. ومن حق الشباب أن يتعرفوا على حقيقة المرحلة التي يمرون بها، وأن يدركوا صعوباتها، وأن تُطرح أمامهم الحلول والخيارات بايجابياتها وسلبياتها، فلا يصح التعامل معهم بطريقة الأمر والوعظ والتوجيهات الحاسمة، بل يجب علينا أن نأخذ بأيديهم، بالحوار والمشورة والاستنتاج الهادئ، فهم ينفرون من الإملاء، ويُصغون لمن يعترف بأهليَّتهم للمشاركة في الاختيار.
لقد تعامل الإسلام مع الشباب بالتماهي مع خصوصياتهم، مبيِّناً لهم وللمشرفين عليهم متطلباتهم النفسية والشخصية وموقعهم في التفاعل الاجتماعي ودروهم في الحياة، ففي الحديث عن الشباب بين سن الرابعة عشرة والواحدة والعشرين، وكيفية التعامل معهم، قال رسول الله (ص): "ووزير سبع سنين"، وقال الإمام الصادق(ع): "وألزمه نفسك سبع سنين"، في صورة واضحة لضرورة التآخي مع الشاب، والتشاور معه، وإيصاله إلى بر الأمان بالمواكبة والاقناع والتفاهم
هي مرحلة جديدة تصاحبها انفعالات نفسية طبيعية، يمكنه التعامل معها برفق وهدى إذا أدركها وفهم حقيقتها، لكنَّه سيضيع عندما لا يأخذ أحد بيده، أو لا يدرك حقيقة هذه المرحلة الانتقالية الحسَّاسة في حياته.
فالإنسان يمرُّ في حياته بمراحل مختلفة حيث يكون لكل مرحلة خصائصها ومميزاتها، لكنها تشكل بمجموعها شبكةً متصلة تؤثر فيها المرحلة أو المراحل السابقة باللاحقة، بحيث لا يمكن فصل المرحلة اللاحقة عن المرحلة السابقة.
قال تعالى " ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً "، فتصبحون لاحقاً في عنفوان الشباب، ممتلئين بالقدرة والعزيمة والنشاط:" ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئا الحج 5
نحن أمام مراحل مختلفة في حياة الإنسان ، ومعنيُّون بحسن مواكبة كل مرحلة بحسب مواصفاتها ومتطلباتها. فإذا عرفناها بدقة، وعرفنا كيفية التعامل معها، حقَّقنا السعادة الحقيقية، بسبب انسجام ما نقوم به مع متطلباتها. إنَّ بإمكاننا التعرُّف على كل مرحلة واستكشاف خصائصها.
ورد في الحديث الشريف عن رسول الله(ص):"الولد سيدٌ سبع سنين، وعبدٌ سبع سنين، ووزيرٌ سبع سنين، فإن رضيتَ أخلاقه لإحدى وعشرين، وإلاَّ فاضرب على جنبه، فقد أُعذرت إلى الله"
وعن الإمام الصادق(ع):"دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعاً، والزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلاَّ فلا خير فيه
فبحسب التقسيم الإسلامي
1المرحلة الأولى من الولادة إلى سبع سنوات
2 المرحلة الثانية من سبع سنوات إلى أربع عشرة سنة.
3 المرحلة الثالثة من أربع عشرة سنة إلى واحد وعشرين سنة، وهي مرحلة المراهقة واكتمال النضج في الشخصية
ولا يعني تقسيم المراحل وجود حدِّية في مواصفات كل عمر عند انطباقه التام، فمراحل النمو متَّصلة ومتداخلة، ولا يوجد بينها فواصل، ويتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى بشكل متدرج من دون طفرات بينها. كما تتأثر حدود كل مرحلة بالبيئة الاجتماعية والظروف المعيشية والظروف المناخية، فتزداد أو تنقص أشهراً أو سنة أو أقل أو أكثر، وإنما ينفع هذا التحديد لمعرفة الفروقات الإجمالية بين هذه المراحل، وبناء عليه فزيادة سنة أو نقصانها لا يُخل بفهمها، وضبط إيقاعها، والعمل فيها، حيث تُحدِّد مراقبة تصرفات الأولاد بوضوح, عمليةَ الانتقال من مرحلة إلى أخرى
والتقسيم الإسلامي للمراهقة من 14 - 21 سنة، منسجم مع التقسيم المعاصر من 13-21 سنة
يركز الإسلام على الاعتراف بشخصية المراهق، والحديث الشريف يعتبر العلاقة المناسبة معه بأن يكون وزيراً، والوزير يُسأل عن رأيه ويُستشار ويُناقش، ويُعطى مساحة من حرية الحركة والقرار، وتُراعى مكانته واحترامه أمام الآخرين، ويُشارك في الأنشطة الاجتماعية والعائلية كصاحب كيان مستقل، ويُعطى المجال لتحقيق بعض رغباته ما دامت في الإطار السليم.
فالوزير مستشار وصاحب صلاحيات، فهو ليس مأموراً من الأب أو المربي بشكل دائم ، ولا يُعامل كطفل عاجز عن اتخاذ بعض الخيارات، وإلاَّ تحطمت معنوياته أو وصل إلى التمرد لاثبات شخصيته. يدعو الإمام الصادق(ع) بأن"ألزمه نفسك"، أي اجعله ملازماً لك، صاحباً وصديقاً، بأن تتعامل معه كشخص راشدٍ قادرٍ على المشاركة في القرار واتخاذ المواقف، فلا تستخِف بقدراته وإمكاناته، وأعِنْهُ بالنصح والتوجيه من موقع الصحبة لا من موقع الآمرية، وبالإرشاد من موقع الصديق لا من موقع السلطة، حاول أن تقرِّب له الفكرة الأصوب، وأن تُقنعه بها ليختارها بملء إرادته، لا بالقهر والإلزام والضغط.
ففي هذه "الفترة تتكوَّن فيها معالم الشخصية المستقلة، فالولد يجنح إلى الاستقلال وإبداء الرأي
والاختيار، ويرغب بأن تؤخذ وجهة نظره بعين الاعتبار، ويكره بأن يُعامل بطريقة طفولية، ويتصرف على أساس أنَّه صاحب قرار، وأنَّه يتميز بمجموعة من الصفات الخاصة والمهمة. لذا، نرى بدايةَ المصادمة مع أهله إذا لم ينسجم مع توجيهاتهم، ونزوعَه إلى التفاعل مع أصحابه وجوِّه الخاص، واختياره لأنشطة تعبِّر عن هذا المنحى، ومحاولة تقليده للكبار باللباس أو طريقة الحديث أو الجلوس أو التدخين..إنَّ التعاطي مع هذا العمر يتطلب شكلاً من المؤاخاة مع الصبي أو البنت، وإشعارهما بخصوصيتهما والاعتراف بشخصيتهما ومتطلباتهما
عندما يناقش البعض سن المراهقة عند الشباب، يعتبرونها مرحلة استثنائية لا ضوابط لها، فالمراهقة تعني - بنظرهم - الغوغائية والعشوائية، وغلبة التصرف بلا تفكير، وثورة الجنس التي لا يمكن ضبطها أو وضع حدود لها، وكثرة التعثر وارتكاب الأخطاء، والتمرد على كل شيء...وهذا من الأخطاء الشائعة أيضاً
إلاَّ أن المتفق عليه حتى الآن أن هذه المرحلة من النمو تمثل مرحلة صعبة إلى حدٍ ما، وهي مرحلة شدٍّ أو جذب للمراهق، والسبب في ذلك أن المراهق يتعامل مع عدة تغيرات تطرأ عليه: جسمية، وجنسية، ونفسية، ومعرفية. وعليه أن يتوافق مع هذه التغيرات دون أن تتوافر في الغالب الخبرة والمعرفة اللازمتين لعملية التوافق السليم، لذلك نجده يتعثر أحياناً في سلوكه، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي مدركاته...ويكون أحوج ما يكون للتوجيه والإرشاد وتقديم النصح والمساعدة"
فمع التوجيه والإرشاد وحسن المواكبة، يمكننا التوصل إلى شخصية المراهق الموزون، الذي تكثر إيجابياته وتقل سلبياته، والذي يتصرف بحكمة، مستفيداً من خبرة الآخرين الذين يثق بهم، ونحن نجد في كل المجتمعات شباباً متهوراً عديم المسؤولية، وشباباً متزناً يتحمل المسؤولية. هل الفرق بين النموذجين إلاَّ ثمرة المتابعة والتربية؟
فالمراهق تكويناً في مرحلة نضج ونموٍ استثنائية وسريعة التغير، لكننا لو أدركنا كيفية التعاطي معها لاستثمرناها في الإطار الإيجابي، واستفدنا من تلك الطاقة الحيوية التي يمتلكها الشاب في الخير والبناء، فالمقومات الموجودة لديه لا تعني الوصول إلى النتيجة السلبية، بل هي إمكانات تعطينا نتائجها بحسب التعامل معها، ككلِّ إمكانيةٍ فطرية موجودة لدى الإنسان.
الحديث عن المراهقة يعني التشابه في الإطار العام، الذي يتجسد بالنمو السريع ومرحلة البلوغ وحصول بعض التغيرات الجسدية والنفسية والعقلية، التي تنقل الولد من الطفولة إلى الشباب والمسؤولية. ولا تعني التشابه التفصيلي بين الأفراد، فقد خلق الله الناس بوجود الفروقات الفردية بينهم، وهذا أصلٌ ثابت في خلق الله للإنسان في هذا الكون. إذ لا إعمار ولا حضارة ولا تقدم للبشرية مع التشابه الكامل بين الأفراد في كل شيء، أمَّا مع التمايز فالبشر يتكاملون مع بعضهم بعضاً، وتتتعزَّز التبادلية بينهم في الحاجات والمصالح، قال تعالى:" أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف 32
السلوك اختيار إرادي
الإنسان هو الذي يختار خطَّ سيره، ويشكِّل قناعاته، ويحدد سلوكه، ويقوم بالأعمال التي يراها مناسبة ، في مراحل حياته المختلفة، أكان شاباً أم كبيراً أم كهلاً، ما دامت لديه مقومات القدرة ، وهو مسؤول عن أعماله ابتداءً من سن التكليف....
في سن البلوغ، تتغير العوامل الجسدية والنفسية عند الفرد إيذاناً بالانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل العمر، وهي أشد المراحل حيوية وأسرعها نمواً، لكنَّ الاستقامة أو الانحراف فيها يرتبط بكيفية تعاطي الشاب مع هذه المرحلة. ما هي نظرته إليها؟ ما هي الأجواء التي تحيط به أثناء بلوغها؟ ما الذي يوجِّه مشاعره ورغباته؟ كيف يتعامل مع الحيوية التي يتميز بها وأين يوجهها؟
إذا استقبل الشاب مرحلة البلوغ في أجواء اللهو والفساد، وارتياد أماكن الانحراف، ومعاشرة صحبة السوء، وأطلق العنان لرغباته الجسدية من دون ضوابط أو حساب، واستهتر بالحيوية التي أنعم الله تعالى بها عليه، فمن الطبيعي أن ينحرف وينجرف ويرتكب المحرمات ويضيِّع طاقته في المنكرات.
أمَّا إذا تعامل الشاب مع مرحلة البلوغ كقوةٍ وطاقةٍ لاستغلالها في الخير، وانتبه إلى مزالق الشهوة، وصبر أمام مظاهر الانحراف التي تحيط به في المجتمع، وعمل على تعزيز علاقته بالله تعالى، واستمد قوة مواجهة وسوسات الشيطان من صلاته وصومه، واختار أصحابه من المستقيمين، وحدَّد خياره بتنفيذ أوامر الله تعالى ونواهيه، وصرف وقته في العلم والرياضة والجهاد والتربية، وهيَّأ ظروفه لحاجاته الجسدية وفق برنامج يمهد للزواج في السن والظروف المناسبة، وابتعد عن كل ما يثير الشهوة من الاختلاط بالجنس الآخر، والأفلام الإباحية، والفراغ القاتل، يستطيع أن يقطع هذه المرحلة بالاستفادة منها لمصلحة بناء مستقبله..
التجاربُ كثيرة في مجتمعنا، والنماذج متباينة بشكل واضح. فهذا شاب نشأ في طاعة الله، وشارك في جهاد العدو، وتميَّز بالأخلاق الفاضلة، وبرز في مجتمعه كشخصيةٍ محترمة تتقدم باستمرار نحو الأمام. وذاك شاب انغمس في شهواته، وعاقر الخمر، وابتلى بالمنكرات والشخصية السيئة، وخسر هذه المرحلة الهامة من بناء مستقبله. كلاهما موجود في المجتمع، وما بينهما ممن يحمل الخصائص المتفاوتة، حيث يمر بعض الشباب بزلاَّت ثم يستقيمون، وتختلط عند البعض الآخر مفاهيم الحلال والحرام، والصواب والخطأ، وهكذا... فالفروقات ليست سبباً للطاعة أو المعصية، ولا يكون الشباب سبباً حتمياً للانحراف والفوضى واللامسؤولية، بل هو اختيار الإنسان بالكامل الذي يتحمل مسؤوليته كمكلف واعٍ قادرٍ على تحديد مساره، حيث نجد شاباً صالحاً وآخر فاسداً، ونجد قوياً مؤمناً وآخر كافراً، وفقيراً مستقيماً وآخر منحرفاً، فالفروقات الفردية اختلاف في القدرات والإمكانات، لا علاقة لها بالصلاح والفساد.
إنَّ الاختيار عبر التاريخ وفي الحاضر والمستقبل أمرٌ إرادي، يتمايز الناس في حسمه، وهذا منسجم مع ما أودع الله تعالى في الإنسان من حرية الاختيار بكل إرادة:" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا.
سن المراهقة ليست سناً للانحراف
انَّ سنَّ المراهقة ليست سناً للانحراف، سن المراهقة هو سنُّ الطاعة لله تعالى كما هو سنُّ الانحراف، فكما يكون الشاب قوياً في طاعة الله يكون قوياً في معصيته، وذلك بسبب الطاقة الحيوية التي يمتلكها ومن جزمَ بضرورة حصول فترة انحراف عند الشاب لسنة أو سنتين أو ثلاث سنوات على الأقل بسبب المراهقة فهو مخطئ! إذ أن اختلاف المقومات الجسدية والنفسية عند المراهق عن مرحلة الطفولة لا تعني حتمية الانحراف واتباع الشهوات. فالانحراف سلوك كما الطاعة سلوك، وإنما يتكوَّن السلوك بالثقافة والتربية والاختيار.
يرغب الشاب المراهق بالتمايز والاستقلال، ويحبُّ أن يتخذ قراره بنفسه، فيعاند نصائح الكبار له، ويحاول أن يتشبَّه بهم كمنافس لهم، يعيش أحاسيس اثبات رجوليته، ولا يعترف بضعف تجربته. يهتم بالتصرفات التي تصنِّفه في عالم الكبار، كطريقته أثناء الكلام معتدَّاً بنفسه، وطريقة مشيه، ويتمرَّد على العادات والتقاليد والقيود، وتبرز عنده الخصوصية بكل أبعادها... يمكن لهذه المرحلة الانتقالية أن تكون ايجابية أو سلبية.
إذا تعاملنا معه آخذين بعين الاعتبار خصوصية هذه المرحلة، ولم نتعامل معه كطفل، واتخذناه صاحباً ووزيراً، واستمعنا لآراءه مهما كانت سخيفة، وحاورناه من دون إحراجٍ أو قهرٍ أو استخفاف، وتعاونَّا معه لنسهل له تحقيق رغباته فيما يكون ملائماً ومناسباً ليصرف طاقته في الطريق الصحيح، وعفونا عن هفواته ولم نلاحقه بالتأنيب والعقاب والنقد على كل سلوك، وأعطيناه هامشاً ليحقق شخصيته، وأحطناه بشكل غير مباشر بأجواء الصحبة والأجواء العامة المدرسية والمجتمعية الصالحة، فإننا نقوِّم شخصيته ، ونساعده على بلورتها بشكل أفضل
وإذا عرضنا عليه من تجارب الماضي والحاضر ما يجذبه كقدوة له، وعرَّفناه على تلك الشخصيات العظيمة الفريدة في التاريخ، كالرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع) والإمام الحسين(ع)، ومصعب بن عمير ومالك الاشتر وأسامة بن زيد، وعرَّفناه في الحاضر على النماذج الشابة المجاهدة، كالشباب المقاوم في لبنان وفلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي...عندها سيتأثر بهم في مرحلة مراهقته بشكل إيجابي.
إنَّ الشاب بحاجة إلى القدوة النموذجية التي يستلهم منها ويقلدها، ويرغب بسماع إنجازاتها وسيرتها ومميزاتها، فإذا لامست الشخصية القدوة تطلعاته وأُعجب بها، فستكون سبباً مباشراً للتأثير على شخصيته وتوجيه حيويته. فبدل أن يقتدي بالعبثيين والمستهترين والماديين، نوفِّر له فرصة الاقتداء بالصالحين والأقوياء في طاعة الله تعالى، ونستفيد من طاقته في الاتجاه الإيجابي.
ما الذي يضيرنا إذا اتَّخذ الشاب قراره بنفسه عن قناعة تامَّة طالما أنَّنا هيأنا له المعطيات والمقدمات والنقاشات الضرورية للقرار الصحيح؟ ما المانع من أن يعيش خصوصيته؟ وما الضرر في أن نحوِّل عناده إلى عزيمة تعاند الكفر والانحراف؟ وما الخطأ إذا كان تقليده للكبار اكتساباً لتجاربهم؟ لنثق أنَّ بإمكانه أن يسيطر على جسده وغرائزه إذا تعاملنا معه بطريقة إيجابية، وساعدناه بالشكل الصحيح.
أمَّا إذا أسأنا التعامل معه، وتعمَّق الحاجز بيننا وبينه، وعاش الوحدة في خياراته، متمرداً على محيطه، معتمداً على تجربته الضعيفة والانفعالية، فستكون النتيجة سلبية بكل المعايير.
وتعيش الشابة المراهقة نضج جسدها، وتنمو عندها أحاسيس الجمال والمظهر الحسن ورغبة البروز، وترغب بالتمايز عن أقرانها، وعن والدتها ومن جايلها، وتعيش أنوثتها في أوج توهجها، وتحب أن تتَّخذ قرارتها بمعزل عن الآخرين، وتبحث عن مكانها ودورها بين الآخرين...يمكن لمرحلتها هذه أن تكون إيجابية أو سلبية.
فإذا تعاملنا معها كبالغة راشدة، واعترفنا بخصوصيتها في هذه المرحلة ، ولم نتعاط معها كطفلة، وقدَّرنا اهتمامها بجمالها وتمايزها، فأفسحنا لها المجال بين أقرانها من دون تحاسد أو تنافس، بل بتعبيرٍ عن الشكر لخلق الله تعالى، واقنعناها وأعنَّاها على لبس الحجاب كمظهر يرتقي بها إلى الكمال الإنساني من دون أن تخسر من جمالها شيئاً فيما أحلَّه الله تعالى، وبيَّنا لها استحواذ هذا النموذج على رغبةِ شريحةٍ مهمةٍ من شباب المجتمع لبناء الأسرة الصالحة، وتركنا لها فرص التعبير عن آرائها وناقشناها باحترام وتقدير، ولم نقيِّدها بطريقة تخنق حيويتها، بل وجَّهناها بشكل غير مباشر إلى أجواء الصلاح والاستقامة والصحبة الحسنة، وعلَّمناها ما يوضِّح لها المنهج الحق ليكون اختيارها عن قناعة، واعترفنا بدور هذا النضج الجسدي في الحياة بالطريقة الملائمة المحلَّلة، عندها ستترجم مرحلة مراهقتها بطريقة إيجابية.
وإذا عرَّفناها على القدوة الصالحة لسيدات عظيمات في التاريخ، كفاطمة الزهراء(ع) وخديجة وزينب(ع) وآسيا زوجة فرعون، وسمية أول شهيدة في الإسلام، وفي عصرنا الحاضر نموذج الشابات المجاهدات في دعم المقاومة ضد الاحتلال وتضحياتهن في نصرة الحق والدين، فإننا بذلك نوجِّه اهتمامها نحو النماذج المناسبة لتطوير حيويتها. وإلاَّ فإن اقتداءها باللواتي يبرزن جمالهن ومفاتن أجسادهن، ويعرضن أنفسهن أمام الرجال، سيعطِّل الطاقة الفعالة الموجودة لديها ، فنخسر بذلك الاستفادة من قدراتها العقلية والعاطفية والتربوية والإنسانية في الاتجاه الصحيح. إن القدوة الصالحة بقصصها وسيرتها ونموذج حياتها يشكِّل جاذبية عند المراهقات، إذا أحسنَّا تقديمها إليهن، على أن لا ننسى تذكيرهن بمسؤوليتهن أمام الله تعالى، وبدورهن الإيجابي والمناسب في المجتمع.
ليس الحجاب حصاراً لها بل إطلاقٌ لطاقتها الإنسانية، ولجمالها في إطاره المشروع المحدد، والتعلم ضرورة لبناء شخصيتها، ومشاركاتها الاجتماعية المختلفة تساعدها على النمو والنضج، وهي قريبة إلى الإيمان بسبب عاطفتها ومشاعرها الرقيقة، فلنعطها المجال لتعبِّر عن شخصيتها من دون قمع أو ملاحقة تفصيلية، فهذا ما لا يضر أبداً ، بل يقوي منعتها وقدرتها على مواجهة الحياة فإذا استقامت، تكون رقيبة على نفسها بشكل كافٍ، وتحصِّن نفسها بما يتجاوز كل الضغوطات الخارجية المصطنعة من الأهل والمجتمع، وتحصر إبراز جمالها في محله الصحيح بسبب قرارها وتصميمها، وهي قوية وقادرة على ذلك عندما تقتنع بما تفعل.
أمَّا إذا حاصرناها، وضغطنا عليها، فستتمرد على قناعاتنا، وستشعر بالرغبة الجامحة للتخلص من التضييق، وستبحث عن شخصيتها بمعزل عن التوجيه السليم، وستطلق العنان لرغبتها في إبراز جسدها من دون قيود، فنخسرها ونخسر تلك الطاقة المفعمة بالحيوية التي تتحول إلى معصية وآثام.
& من كتاب الشباب شعلة تحرق او تضيء (بتصرف)