هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 الحسين (ع) ميراث الأنبياء

 منهج الدعوة إلى الله

 مراتب الإمامة

 الأسس الميتافيزيقية في النظام الفلسفي للوجود

  آداب وسنن

 الطوائف اللبنانية ... شعوب متعددة في التاريخ والجغرافيا

 استحضار النبي(ص) لحادثة مقتل الحسين (ع) وشهادته

  من التوجيهات العامّة للخطاب العاشورائيّ في كلام القادة

 الرحمة في شهر رمضان

 الفطرة والدين وأصول الكمال في نص الشاه آبادي

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7041850

  • التاريخ : 28/03/2024 - 15:03

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : أقرب الطرق إلى معرفة الله .

                    • رقم العدد : العدد التاسع والعشرون .

أقرب الطرق إلى معرفة الله

 باسمه تعالى

 

أقرب الطرق إلى معرفة الله

 

الشيخ حسن بدران

معرفة الإنسان نفسه من أهم المعارف بعد معرفة اللّه تعالى وأجلّها، وهي مرقاة معرفة الرب. وقد تصدى كبار العلماء والعرفاء لتصنيف كتب ورسائل في معرفة النفس، وبيان أن معرفتها باب كل خير ومدخل كل معرفة. والرسائل الموضوعة في معرفة النفس أكثر من أن تحصى.

والبحث عن النفس محور جميع العلوم العقلية والنقلية.. فالفلسفة كما يعرفها الكندي هي: معرفة الإنسان نفسه.. وعند صاحب الأسفار هي: استكمال النفس الإِنسانية، بمعرفة حقائق الموجودات ..

وعند الشيخ الرئيس: أنّ النفس الناطقة، كمالها الخاص بها أن تصير عالما عقليا.. والفلسفة عموما هي «التشبّه بالإِله بقدر الطاقة البشرية»؛ ومفاده أن من يكون علومه حقيقية وصنائعه محكمة وأعماله صالحة وأخلاقه جميلة وآراؤه صحيحة وفيضه على غيره متصلا يكون قربه إلى اللّه وتشبّهه به أكثر لأن اللّه سبحانه كذلك.

ونقل عن أرسطو قوله: إنّ العلم بالنفس الناطقة أكبر من سائر العلوم، لأن من عرفها فقد عرف ذاته، ومن عرف ذاته قوي على معرفة اللّه.

أما الدين فهو لا يهتم بمعرفة النفس لذاتها، وإنما القصد أن تكون معرفتها ذريعة إلى معرفة الرب تعالى، وأن يشتغل الانسان بمعرفة نفسه بما أنها آية من آيات ربه، فالنفس أقرب طريق ووسيلة، والله سبحانه هو الغاية من معرفتها. والدين إنما يدعو إلى عرفان النفس دعوة طريقية لا غائية، فإن الذوق الديني لا يرتضي الاِشتغال بأمر ليس في سبيل العبودية.

ورد في خبر أن "معرفة النفس أنفع المعرفتين". قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}.

ومعرفة النفس أنفع لما يترتب عليها من إصلاح أوصاف النفس بخلاف المعرفة الآفاقية. كما أن النظر في الآيات الآفاقية نظر فكري حصولي، بخلاف النظر في النفس وقواها فإنه نظر شهودي حضوري، فإذا اشتغل الاِنسان بالنظر إلى نفسه شاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها، ووجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء .. فعرف بذلك ربه.

وهذا اللون من معرفة النفس لا شك أنه يجعل الملم به أقرب الى معرفة الله تعالى من مجرد النظر البحثي والفكري؛ ذلك أن الإنسان لا يخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته، ولا يخطئ في شعوره هذا، وإن أخطأ فإنما يخطئ في تفسيره بحسب البحث الفكري النظري.

قال العلامة الطباطبائي: فكون معرفة النفس أفضل الطرق وأقربها إلى الكمال، مما لا ينبغي الريب فيه.

***

روي حديث "من عرف نفسه فقد عرف ربه" في الجوامع الروائية عن النبي والوصي كليهما:

·       ففي غوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي، قال النبي صلى الله عليه وآله: «من عرف نفسه فقد عرف ربه».

·       وفي مطلوب كل طالب من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ وهو مائة كلمة من كلماته عليه السلام جمعها أبو عثمان الجاحظ، كانت الكلمة السادسة منه قوله عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه».

·       وكذا في الغرر والدرر للآمدي، روى الحديث الشريف عن الوصي عليه السلام.

·       وصاحب بحار الأنوار قد نقل حديث «من عرف» في الرابع عشر منه بلا دغدغة فيه.

 

وذهب بعض علماء العامة الى أن «من عرف» قد اشتهر عند المؤلفين وأرباب الحواشي والصوفية بأنه حديث؛ ولكنه ليس بحديث بل إنما هو من كلام أبي بكر الرازي، كما في الدرر المنتثرة للسيوطي والفتاوى لابن حجر. قال ابن تيميّة: موضوع.

وقال السمعاني: إنه لا يعرف مرفوعاً، وإنما يحكى عن يحيي بن معاذ الرازي من قوله. وقال النووي: إنه ليس بثابت، يعني عن النبي (عليه الصلاة والسلام)، وإلاّ فمعناه ثابت.

إلا أن المعروف في الألسن والمشهور في الكتب أنّ هذه الكلمة النيّرة صادرة عن صاحب الرسالة المقدسة صلى الله عليه وآله.

قال العلامة السيد عبداللّه شبر (قدس سرّه) في كتابه مصابيح الأنوار: الحديث الثلاثون، ما رويناه عن جملة من علمائنا الأعلام وفضلائنا الكرام، واشتهر بين الخاصّ والعام من قول النبي صلى الله عليه وآله "من عرف نفسه فقد عرف ربّه".

والعجب أن يحيى بن معاذ مات بنيسابور (258)، وأن أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ كان معاصرا ليحيى بن معاذ ومات قبله (255).

وقد نقل الجاحظ الحديث في كتابه، وقال: «إن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مائة كلمة كل كلمة منها تفي بألف كلمة من محاسن كلام العرب». ومعه كيف يصح اسناد الحديث ليحيى بن معاذ!. وإنما تفوّه يحيى بن معاذ به وأسنده الناس إليه. فالنسبة إلى الرازي اشتباه محض.

قال النبي صلى الله عليه وآله: «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه».

وقال علي عليه السلام «من عرف نفسه عرف ربه». ـ يقول الكرماني بعد نقل الحديثين: ـ أخرجت هذين الحديثين لأن مشايخنا رووهما ولم ينكروهما، ومفادهما مؤيد بالكتاب والسنة.

***

قال الشيخ البهائي في معرفة النفس: وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها، واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها، حتى قال بعض الأعلام: إن قول أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّه» معناه أنه كما لا يمكن التوصّل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصّل إلى معرفة الربّ؛ وقوله (عزّ وعلا): {ويسئَلونَكَ عَنِ الرَّوحِ قُل الرُّوحُ مِن أمرِ رَبّي وَما أوتيتم مِنَ العِلْمِ إلاّ قليلاً} ممّا يعضد ذلك.

والذي يكشف عن تحيّر العقلاء في حقيقتها هو اختلاف آرائهم في النفس الناطقة قرابة مائة قول.

وفي كلام صاحب الأسفار: أن النفس الإنسانية ليس لها مقام معلوم في الهوية، ولا لها درجة معيّنة في الوجود [فهي ليست] كسائر الموجودات الطبيعيّة والنفسية والعقلية التي كل له مقام معلوم؛ بل النفس الإنسانية ذات مقامات ودرجات متفاوتة، وما هذا شأنه صعب إدراك حقيقته وعسر فهم هويته، الخ».

يقول الشيخ حسن زادة آملي: والتعبير بالصعب والعسر في إدراك حقيقة النفس كما في الأسفار حسن، لا التعبير بالمحال وعدم التمكن مطلقاً كما في تعبيرات الآخرين. فإن معرفة النفس بالفكر الاجمالي صعب، ومعرفتها بالمكاشفة والمشاهدة والرياضة والمجاهدة اجمالاً أصعب؛ ومعرفتها بالتفصيل محال. فهاهنا ثلاثة أُمور: معرفة النفس اجمالاً بالفكر النظري، ومعرفتها اجمالاً بالذوق، ومعرفتها بالكنه تفصيلاً؛ والأول صعب، والثاني أصعب، والثالث محال في معرفة أيّ شيء كان.

وقد بالغ الأنبياء والأئمة في تحريض الناس على معرفة النفس، وفي الخبر أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله سألته؛ متى يعرف الإنسان ربه؟ فقال: إذا عرف نفسه.

وقال صلى الله عليه وآله: «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه».

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: «عجبت لمن ينشد ضالّته وقد أضلّ نفسه فلا يطلبها».

وعنه أيضا: «لا تجهل نفسك فإنّ الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء».

قال تعالى {ومَنْ يَرغَبُ عَنْ مِلَّةِ اِبراهيمَ إِلاّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} أي جهلها حيث لم يعرف ربّها.

وفي الخبر: إنّ من سفه نفسه فهو أظلم الناس بنفسه.

***

قيل في تفسير حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه، أنه عليه السلام علّق محالا على محال، فكما أنه لا يمكن معرفة حقيقة النفس، كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الرب؛ قال تعالى: {قل الروح من أمر ربي} فنبه بذلك على أن الإنسان إذا عجز عن إدراك نفسه التي هي من جملة المخلوقات وهي أقرب الأشياء إليه، فهو عن معرفة خالقه أعجز.

وأجاب العلامة الطباطبائي في الميزان بجوابين:

الأول: قوله صلى الله عليه وآله: "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه".

والثاني: بأن الحديث في معنى قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.

وقال في رسالة الولاية: معرفته سبحانه لو كانت مستحيلة، فإنما هي المعرفة الفكرية من طريق الفكر، لا من طريق الشهود. ومع التسليم، فإنما المستحيل معرفته بمعنى الإحاطة التامة، وأما المعرفة بقدر الطاقة الإمكانية فغير مستحيلة.

***

أما كيف تكون معرفة الرب ممكنة من خلال معرفة النفس، فقد ذكرت في هذا المجال تفسيرات عدة يمكن اجمالها في فئات:

1. الشيء يعرف بضده

الانسان كلما زادت بصيرته في نفسه العاجزة الجاهلة الضعيفة كلما زادت بصيرته في جلال الله تعالى بمعرفة صفاته وأنه قادر عالم قيوم.

وعلى هذا، ذكروا في معنى الحديث أنه:

·       من عرف نفسه بصفات النقص عرف ربه بصفات الكمال.

·       أو من عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغناء.

·       أو من عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة.

·       أو من عرف نفسه بذلها عرف الله بعزه.

·       أو من عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء.

·       أو من عرف نفسه بالجفاء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء.

فمن يعرف أنه مخلوق عاجز فقير مركّب ممكن.. يعرف أن له خالقاً مقتدراً غنياً بسيطاً واجباً.. وعلى هذا القياس.

وفي نهج البلاغة: الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته.. يقول السيد حيدر الآملي في جامع الاسرار: "وبمحدث خلقه على ازليته" أي [ليستدلوا] بتعيناتهم وتشخصاتهم وتقيداتهم، على وحدته وإطلاقه وقدمه.

***

2. الشيء يعرف بمثاله

قالوا: إن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح اللطيفة في هذه الجثة الكثيفة ليدل على وحدانيته وربانيته. ووجه الاستدلال بذلك من عشرة أوجه:

1- من عرف أن نفسه محركة للبدن، فيلزم من ذلك معرفة أن للعالم مدبرا، وللكون محركا، فمعرفة النفس من جملة الأدلة الموصلة إلى معرفة الرب.

2- من عرف كون نفسه واحدة، وأنها لو كانت متعددة لأمكن التعارض والممانعة والفساد في البدن، عرف أن الرب لو تعدد لكان ذلك كله كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.

3- من عرف أن النفس هي المحركة للجسد باختيارها وإرادتها، عرف أن الله هو المدّبر للعالم باختياره وإرادته.

4- من عرف أنه لا يخفى على النفس أحوال الجسد، علم أنه لا يعزب عن الباري مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء؛ لامتناع علم المخلوق وجهل الخالق.

5- من عرف أن النفس ليست إلى شيء من الجسد أقرب منها إلى شيء آخر منه، علم أن نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله وعلمه على السواء (روايات).

6- من عرف أن النفس موجودة قبل البدن، باقية بعده، عرف أن ربه تعالى كان موجودا قبل خلق المخلوقات وهو بعدها باق لم يزل ولا يزال.

7- من عرف أن نفسه لا يعرف لها مكان ولا أينية عرف أن ربه منزّه عن المكان والأينية.

8- من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.

9- من عرف أن النفس لا تُحس ولا تمس عرف أن الله كذلك.

10- من عرف أن النفس لا تدرك بالحواس الظاهرة عرف أن الله كذلك.

والخلاصة، فكل من شاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها واحاطتها بعالمها عرف الحق وشاهده وعرف انه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها.. مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته. فهذا معنى قوله: من عرف نفسه عرف ربه.

وقد استفاد العرفاء من هذه الطريقة في تفسير الحديث، وعملوا على تطبيقها وفق مفاهيمهم الخاصة، فقالوا: النفس الناطقة مخلوقة على صورة الرحمن ذاتا وصفة وفعلا فهي سلم المعرفة ومرقاة إلى معرفة بارئها ذاتا وصفة وفعلا. وأن ظهوره وتجليه لخلقه لا يمكن الا بهم وبصورهم المعبر عنها بالمظاهر، ليعرفوه بها ويستدلوا على ذاته بمظاهره. وأن معية الحق تعالى إلى الموجودات، هي بعينها معية الروح مع أعضاء الجسد، ونحو ذلك.

***

3. المعرفة بالمعاملة

بأن تكون المعاملة مع النفس سببا لمعرفة المعاملة مع الله؛ فإذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه، عرفت منها صفات خالقك وأنه يكره ذلك، فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به.

***

4. المعرفة بالعمل

معرفة النفس لا يمكن بلوغها بالبحث الفكري والمفهوم. فلا تنال إلا بالمعرفة الذوقية من كشف ومشاهدة ورياضة ومجاهدة وخلوة وخدمة مع توحش شديد عن صحبة الخلق وانقطاع عن أعراض الدنيا وشهواتها الباطلة وأمانيها الكاذبة؛ وتلك المكاشفة والمشاهدة هي في الحقيقة تخطّي النفس إلى عالم المفارقات.

·       قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَخْلَصَ لِلّه أَربَعينَ صَباحاً ظَهَرتْ يَنابيعُ الحِكمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلى لِسانِه».

·       وهؤلاء ـ كما قال الوصي عليه السلام لتلميذه كميل الكامل النخعي ـ: «أُولئكَ وَاللّهِ الأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالأَعظَمونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً».

 

والمعرفة الذوقية هي ما يجده العالم على سبيل الوجدان والكشف. لا البرهان والنظر، ولا عن طريق التقليد والأخذ بالخبر؛ إذ ليس الخبر كالعيان.

والذوق والشهود يقتضي اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري فإنه بمجرد الاطلاع على الشيء.

ويستند هذا النوع من المعرفة الذوقية الى حقيقة أنك: لا تدرك شيئا إلا بحسب ما فيك منه.

وجملة الأمر أن معرفة النفس كمعرفة الرب: فكرية، وشهودية ذوقية. والنظر الفكري رؤية عن بعد {أُولئكَ يُنادونَ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ}. والشهودية الذوقية هو الوجدان والكشف.

وعليه، إن النفس لا تُعرَف تمام المعرفة إلا من طريق السلوك العملي دون النظري؛ ذلك أن المعرفة ملازمة للسلوك ومجاهدة النفس والعبادة؛ والعبادة على ثلاثة أقسام: طمعاً في الجنة، وخوفاً من النار، ولوجه الله: حباً وشكراً له. وغاية القسمين الأول والثاني هو الفوز بالراحة أو التخلص من العذاب، وكلاهما مشتهى النفس. وإنما جعل الحق سبحانه واسطة لحصول المشتهى. والواسطة غير مقصودة إلا بالعرض، فهي بالحقيقة ليست إلا عبادة للشهوة. والقسم الثالث هو العبادة بالحقيقة. وهي التوجه الى الله تعالى بالشكر والحب. فإن الحب أو الشوق إلى الشيء هو الموجب للتوجه إليه. فالتوجه (وهو العمل) يثبت الحب والشوق، وذلك العلم.

ومع ذلك، فإن العبادة (بمعنى التوجه إلى الله سبحانه) لا تتحقق من دون معرفة ما، فإتيانها بحقيقتها المقدورة يحتاج إلى سير في المعرفة، اذ؛ العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم. فيلزم أن تقع العبادة عن معرفة حتى تنتج معرفة: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.

من هنا قيل: إن من عرف نفسه علم أنها أمارة بالسوء، فاشتغل بمجاهدتها وبعبادة ربه، ومن عبد الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة، ومن عصاه فكأنه لم يعرفه لأنه إذا لم ينتفع فهو أسوأ حالاً ممن لا يعرفه فكأنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جاهدها وعبد ربه، ومن عبده فقد عرفه حق المعرفة وحصل له ثمرة العلم.

 

5. المعرفة بالحق لا بالخلق

يرى العلامة الطباطبائي أن طريق معرفة النفس هو أن يوجه الإنسان وجهه للحق سبحانه، وينقطع عن كل صارف شاغل عن نفسه إلى نفسه، حتى يشاهد نفسه كما هي؛ وهي محتاجة بذاتها إلى الحق سبحانه. وما هذا شأنه لا ينفك مشاهدته عن مشاهدة مقومه. فإذا شاهد الحق سبحانه، عرفه معرفة ضرورية، ثم عرف نفسه به حقيقة؛ لكونها قائمة الذات به سبحانه، ثم يعرف كل شيء به تعالى. فإذا شاهد ربه، عرفه وعرف نفسه وكل شيء به، وحينئذ يقع التوجه العبادي موقعه. ولعله لهذا قيل: من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف ربه من قبل (أولاً بطريق اللم)؛ بمعنى أنه إذا عرف الإنسان ربه أولاً ثم عرف نفسه فقد وقع سيره من الحق إلى الخلق، وهذا أعلى من أن يقع سيره من الخلق إلى الحق بأن يعرف نفسه أولاً ثم يعرف ربه. وإلا، فكيف يستدل عليه بما هو في وجوده مفتقر اليك! وكيف يستدل عليه والحال انه لا مؤثر في الوجود استقلالاً سوى الله تعالى!

وفي كشكول الشيخ البهائي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لحبر من أحبار اليهود وعلمائهم: مَن اعْتَدَلَ طِباعُهُ صفي مزاجُه، وَمَن صَفي مزاجُه قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ، وَمَن قَويَ أثرُ النَّفس فيهِ سمي إلى ما يَرتَقيه ومن سمي إلى ما يرتقيه فَقَد تَخَلَّقَ بالأخلاقِ النّفْسانِيةِ، وَمَنْ تَخلَّقَ بالأَخلاقِ النَفسانِيةِ فَقدْ صارَ مَوجُوداً بِما هُوَ إنسان دُونَ أَنْ يَكونَ مَوجُوداً بِما هُوَ حَيوانٌ وَدَخَلَ في البابِ الْمَلَكي وَلَيسْ لَهُ عَنْ هذِهِ الحالةِ مُغيِّر. فقال اليهودي: «اللّه أكبرُ يا ابنَ أَبي طالبٍ لَقَدْ نَطَقْتَ بِالفَلْسَفَةِ جَميعِها».

يقول الشيخ حسن زادة آملي: إنّ المعرفة الحضورية بالله هي نوع من الرؤية الباطنية لله ومثل هذه المعرفة تختصّ بالإنسان الكامل فقط لأنّ الإنسان إذا ما توجه إلى أيّ شيء توجهاً استقلالياً فلن يكون بإمكانه أنّ يرى ما عداه، ومثالاً على ذلك عندما ندقّق النظر في المرآة ـ والتي هي من الأجسام الشفافة جداً ـ وركزنا توجهنا إلى سطحها فلن يكون بإمكاننا أنّ نرى ما وراءها. إنّ الإنسان الكامل بالمشاهدة الحضورية والإدراك الباطنيّ عندما يدرك حقيقة أنّ وجوده عين الربط والتعلّق بالموجود المستقلّ فقط أيّ الله تعالى فلن يرى أيّ استقلالية لأيّ موجود آخر بل إنّه فقط سوف يتوجّه إلى الله توجهاً استقلالياً وبالتالي سترتفع من أمامه كلّ الحجب المانعة له من مشاهدة الله وسيرى أنّ كلّ شيء آية من آيات الحق وأن الله موجود في كلّ شيء.

ولعله لذلك قيل: من عرف نفسه ـ أي نفس الكل كما قال تعالى (النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم) ـ فقد عرف ربه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

عيون مسائل النفس، الشيخ حسن زاده آملي، ص 353.

الاسفار الأربعة، الشيرازي، ص 305.

تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج6، ص169، 178 – 184.

مصابيح الأنوار، السيد عبد الله شبر، ص 204.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/22   ||   القرّاء : 7529


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net