السر في تشريع الصيام
السر في تشريع الصيام
سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله ع عن علة الصيام فقال: «إنما فرض الله عز وجل الصيام ليستوي به الغني والفقير؛ وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير؛ لأن الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عز وجل ان يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني من الجوع والألم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع.
وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع: «فإن قال: لم أمر بالصوم؟
قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فلیستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات، وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلفهم ودليلا لهم في الآجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم»
ان الاشتغال بالأكل والشرب واللذات الجسدية يعتبر من أكبر الموانع التي تحول دون تقدم البشر معنويا، بينما تعد النزاهة والابتعاد عن مثل هذه الأمور من أفضل العوامل نحو النمو الروحي.
والصيام يمنع اشتغال الإنسان بالمسائل المادية ويمنحه فرصة أكبر للتفكير بأسرار خلقه، بالإضافة إلى أنه يهيئ له زاده و مؤونته في طريقه نحو الآخرة.
والصيام هو أفضل وسيلة للوصول إلى أعماق العالم ومشاهدة ملكوته واتباع ملة إبراهيم خليل الله ع الذي قال فيه الله سبحانه: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين.
ولا ريب في أن الاعتدال في المأكل والمشرب هو أعظم سبيل للسير نحو الكمال، كما أن الشره فيها يعد من أكبر الموانع للوصول إلى تلك الغاية. ولا يمكن لأي شخص بلوغ نورانية العلم من خلال التدارس واستخدام سلسلة من الألفاظ والنقوش الكتابية والكلمات الملفوظة، إلا أن ما يجب على السالك القيام به بشكل رئيسي هو الإقلال من الأكل والابتعاد عن الشره وتجنب الجشع والإسراف، وهذا بالذات ما يوصل الإنسان إلى ملكوت العالم
ب. تحتل الرواية الثانية منزلة أسمى من الرواية الأولى، فباختصار، يقول الله سبحانه: «صوموا لكي تكونوا متقين» فمنشأ الفجور (الذي يقابل التقوى) هو الشهوة والغضب، بل إن قوة الغضب في الحقيقة هي في خدمة الشهوة. وأغلب الناس هم بشر في الظاهر، لكنهم حيوانات شهوية تستخدم قوة الغضب المودعة فيها للدفاع عن مشتهياتها النفسانية والمحافظة على غرائزها، بينما يستخدم العقلاء وأولو الألباب قوة الغضب للدفاع عن عقولهم ويسخرون قوة الشهوة فيهم لتنمية ثقافتهم وإنماء معارفهم
وليس من طباع الإنسان السالم الافتراس والبهيمية، بل تكون حركته باتجاه ضمان غرائزه والدفاع عنها، وعندما يصطدم بأي مانع نراه يتشاحن ويتشاجر، کما تفعل بعض الحيوانات.
وقد قال الإمام الرضا ع في الرواية المذكورة بأن الصيام يعتبر عاملا لكسر الشهوات وتعديلا لأنواعها كاللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر.
وحول تأثير الصيام وكبحه للشهوات، ورد عن رسول الله عند قوله: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وعن أمير المؤمنين علي ع يحذر من التخمة ويدعو إلى تجنب الشره، أنه قال: «لا تجتمع الفطنة والبطنة