ألفاظ العلم و الإدراك في القرآن
ألفاظ العلم و الإدراك في القرآن
و الألفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أنواع الإدراك كثيرة ربما بلغت العشرين، كالظن، و الحسبان، و الشعور، و الذكر، و العرفان، و الفهم، و الفقه، و الدراية، و اليقين، و الفكر، و الرأي، و الزعم، و الحفظ، و الحكمة، و الخبرة، و الشهادة، و العقل، و يلحق بها مثل القول، و الفتوى، و البصيرة و نحو ذلك.
و الظن هو التصديق الراجح و إن لم يبلغ حد الجزم و القطع، و كذا الحسبان، غير أن الحسبان كان استعماله في الإدراك الظني استعمال استعاري، كالعد بمعنى الظن و أصله من نحو قولنا: عد زيدا من الأبطال و حسبه منهم أي ألحقه بهم في العد و الحساب.
و الشعور هو الإدراك الدقيق مأخوذ من الشعر لدقته، و يغلب استعماله في المحسوس دون المعقول، و منه إطلاق المشاعر للحواس.
و الذكر هو استحضار الصورة المخزونة في الذهن بعد غيبته عن الإدراك أو حفظه من أن يغيب عن الإدراك.
و العرفان و المعرفة تطبيق الصورة الحاصلة في المدركة على ما هو مخزون في الذهن و لذا قيل: إنه إدراك بعد علم سابق.
و الفهم: نوع انفعال للذهن عن الخارج عنه بانتقاش الصورة فيه.
و الفقه: هو التثبت في هذه الصورة المنتقشة فيه و الاستقرار في التصديق.
و الدراية: هو التوغل في ذلك التثبت و الاستقرار حتى يدرك خصوصية المعلوم و خباياه و مزاياه، و لذا يستعمل في مقام تفخيم الأمر و تعظيمه، قال تعالى: «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ:» الحاقة- 2 و قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ:» القدر- 2.
و اليقين: هو اشتداد الإدراك الذهني بحيث لا يقبل الزوال و الوهن.
و الفكر نحو سير و مرور على المعلومات الموجودة الحاضرة لتحصيل ما يلازمها من المجهولات.
و الرأي: هو التصديق الحاصل من الفكر و التروي، غير أنه يغلب استعماله في العلوم العملية مما ينبغي فعله و ما لا ينبغي دون العلوم النظرية الراجعة إلى الأمور التكوينية، و يقرب منه البصيرة، و الإفتاء، و القول، غير أن استعمال القول كأنه استعمال استعاري من قبيل وضع اللازم موضع الملزوم لأن القول في شيء يستلزم الاعتقاد بما يدل عليه.
و الزعم: هو التصديق من حيث إنه صورة في الذهن سواء كان تصديقا راجحا أو جازما قاطعا.
و العلم كما مر: هو الإدراك المانع من النقيض.
و- الحفظ-: ضبط الصورة المعلومة بحيث لا يتطرق إليه التغيير و الزوال.
و الحكمة: هي الصورة العلمية من حيث إحكامها و إتقانها.
و- الخبرة-: هو ظهور الصورة العلمية بحيث لا يخفى على العالم ترتب أي نتيجة على مقدماتها.
و الشهادة: هو نيل نفس الشيء و عينه إما بحس ظاهر كما في المحسوسات أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم و الإرادة و الحب و البغض و ما يضاهي ذلك.
و الألفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادة و الحركة و التغير، و لذلك لا تستعمل في مورده تعالى غير الخمسة الأخيرة منها أعني العلم و الحفظ و الحكمة و الخبرة و الشهادة، فلا يقال فيه تعالى: إنه يظن أو يحسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غير ذلك.
و أما الألفاظ الخمسة الأخيرة فلعدم استلزامها للنقص و الفقدان تستعمل في مورده تعالى، قال سبحانه: «وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:» النساء- 15، و قال تعالى:
«وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ:» سبأ- 21، و قال تعالى: «وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»: البقرة- 234، و قال تعالى: «هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ:» يوسف- 83، و قال تعالى:
«أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ:» فصلت- 53.
المصدر : الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص: 248_ 249