علماء قدوة
علماء قدوة
هم علماء يمثلون مبادئ الدين على أكمل وجه، ويطبقونه في أخلاقهم ومواقفهم هم المتقون حقاً والأسوة الحسنة.
كان للخليل بن أحمد الفراهيدي تلاميذ كثر، وألف العديد من الكتب فانتشر علمه في كل مكان، في حلقات الدرس، ومجالس الملوك والمنتديات وغيرها، وكان الأساتذة والطلاب يقولون في بحوثهم ومذكراتهم وأجوبتهم قال الخليل وذكر الخليل، وكانوا يعيشون ويكتسبون بعلمه، أما هو فقد تعلم وعلم لوجه الله والعلم، ولم يكتسب بعلمه ديناراً ولا درهماً، ولم يتقرب به لأمير أو وزير..
- وكان يحج سنة، ويغزو سنة، وكان إذا حج أدى الفريضة متنكراً، ورجع إلى خصه دون أن يشعر به أحد مكانه هذا، والناس في الحرمين وفي طريقهما وفي كل مكان يرددون أقواله، ويحتجون بآرائه.. وليس في هذا أية غرابة ما دام لم يطلب العلم للكسب والمال، ولا للشهرة والجاه.
إن الذين يتنافسون على الظهور، ويتحدثون عن أنفسهم بمناسبة وغير مناسبة، ويندبون حظهم وحرمانهم من المناصب والأموال، ويشكون ويبكون من مضيعة العلماء في عصرهم، إن هؤلاء لم يطلبوا العلم لله والعلم، وإنما طلبوه للدنيا، وأهانوه وأنفسهم من أجلها، فلما لم يبلغوا منها ما يريدون شكوا، وبكوا.. ولو كانوا علماء حقاً لاستغنوا بنعمة العلم عن كل شيء، لأنها فوق كل شيء.. إن سيرة العلماء المخلصين تدلنا على أن العالم لا يغضب لشيء من أشياء الدنيا، ولا تذهب نفسه عليها حسرات، وإنما يتحسر ويتألم إذا مر عليه يوم لا يستفيد فيه علماً ولا يفيد.
- قال الخليل: إذا رأيت من هو أعلم مني فذاك يوم استفادتي، وإذا رأيت من هو دوني علماً فذاك يوم إفادتي، وإذا رأيت مثلي فذاك يوم مذاكرتي، وإذا لم أر أحدا من هؤلاء فذاك يوم مصيبتي..
وهذا قول من ذاق حلاوة العلم، ورسخ فيه، وتكشفت له أسراره وخفاياه، أما الذين يلبسون ثوب العلم وليسوا منه في شيء فإذا رأوا من هو أعلم منهم حقدوا وحسدوا، وإذا رأوا من هو مثلهم اغتابوا وافتروا، وإذا لم يروا أحداً حمدوا الله على السلامة.
- يقول الخليل العالم المجرب: أنت من بعض العلم على خطر إن أعطيته كلك ويقول الجاهل المغرور: أعطاني العلم كله مجاناً دون أي مقابل.
- لقد كان الخليل عظيماً في صراحته وجرأته كما كان عظيماً في علومه وأخلاقه فكان يقول الحق، ولو كان فيه ذهاب نفسه.
سأله سائل عن الدليل على أن علي بن أبي طالب هو أمام الكل؟ فقال: الدليل هو احتياج الكل إليه، وغناه عن الكل.
- فضيلة الاعتراف بالخطأ:
كان الشيخ يوسف البحراني في بدء أمره على طريقة الإخباريين، وحين تقدم في مداركه وعلومه عدل إلى طريقة المجتهدين ـ وأيضاً يعبر عنهم بالأصوليين ـ وأعلن خطأه على الملأ وقام يدعو إلى الحق، ويشهد بالقسط، ويرد على الإخباريين بمنطق العقل والدين، بخاصة على محمد أمين الإخباري الاسترآبادي الذي أكثر من التشنيع على المجتهدين بعامة، والعلامة الحلي بخاصة.
وهناك من يصر على الخطأ مع علمه به لا لشيء إلا الخوف من أن يقال: أنه أخطأ .. وهذا عين الرياء والنفاق.. ومن هنا كان الإصرار على الخطأ أشد قبحاً من الجهل المركب، لأن الجاهل قد يعذر في بعض الأحيان، أما المصر فلا عذر له بحال، لأنه ترك العمل بعلمه عن قصد وتصميم عناداً لله وللحق.
فضيلة قول الحق والتزام التكليف
روى الشيخ عبد الله المامقاني في كتاب "تنقيح المقال" عن أبيه أن المولى البهبهاني سأل عن الصلاة خلف الشيخ يوسف صاحب الحدائق ـ وكانا متعاصرين ـ فقال: لا تصح.. وسأل الشيخ يوسف عن الصلاة خلف البهبهاني؟ فقال: تصح.. فقيل له: كيف تصححها خلف من لا يصحح الصلاة خلفك ؟.. قال: وأية غرابة في ذلك؟.. إن واجبي الشرعي يحتم علي أن أقول ما أعتقد، وواجبه الشرعي يحتم عليه ذلك، وقد فعل كل منا بتكليفه وواجبه.. وهل يسقط عن العدالة لمجرد أنه لا يصحح الصلاة خلفي؟..
أرأيت إلى هذا القلب الكبير الذي لا يخفق بغير الإيمان؟.. أرأيت إلى هذا الصدر الرحب الذي يتسع للعدالة، وإن تكن عليه لا له؟.. أرأيت إلى هذه النفس الزكية الطاهرة من العجب والتكبر ومن كل شائبة، هذه النفس التي لا تعرف إلا الصدق والإنصاف والتواضع..
وليس من شك أن هذا المنطق غريب على البعض هذا العصر الذي يرى الدين مجسماً في شخصه بالذات.. فعدم الثقة به معناه عدم الثقة بالدين، وهذا هو حد الكفر أو الفسق على الأقل.