مجالس عاشوراء منابر للوعي
مجالس عاشوراء منابر للوعي
لم تكن الدعوات المؤكدة لإقامة المآتم والمجالس الحسينية وكذلك مباشرة الأئمة عليهم السلام لذلك بأنفسهم لمجرد إظهار الحزن والبكاء على عظيم المصاب والخطب الجليل، وليس فقط لسرد وقائع الفاجعة واحداثها سرداً تاريخياً، بل تستهدف وراء ذلك التماس الدروس والعبر ونقل الرسائل المهمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كما هو الحال في القصص القرآني يقول تعالى: (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف 111 ففي هذه القصص عبرة لأولي الألباب، أي عظة لأهل العقول.
والعبرة: اسم مصدر للاعتبار، وهو التوصل بمعرفة المشاهد المعلوم إلى معرفة الغائب و تطلق العبرة على ما يحصل به الاعتبار. لأن ذلك القصص خبر صدق مطابق للواقع وترتب الآثار على الواقعات ترتّب طبيعي بخلاف القصص الموضوعة بالخيال والتكاذيب فإنها لا يحصل بها اعتبار لاستبعاد السامع وقوعها لأن أمثالها لا يعهد، مثل مبالغات الخرافات فالسامع يتلقاها ولا يتهيأ للاعتبار بها.
كذلك فان في هذه الواقعة مجالا للعبرة والاعتبار عند أولي الألباب الذين يتفكرون ويتأملون فيها وفي احداثها وشخصياتها . فإن الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين، فقد تعود الأحداث مع تغير أعيان الأشخاص ولكنهم يحملون في شخصياتهم ودواخلهم أشباههم في التاريخ.
فكم من أناس يحملون في دواخلهم بذور الخبث ولا تظهر إلى العلن إلا في وقت المواقف الحاسمة، أو في حدّ أدنى نقاط الضعف والنقص وهذا ما يجب تداركه .
ثم ان اكتشاف نقاط الضعف أو الخلل يكون بوسائل عديدة من بينها المقارنة بين شخصيته وما تحمل من صفات وأفكار وشخصيات الحدث الكربلائي سواء في معسكر الإمام الحسين عليه السلام أو معسكر عمر بن سعد لينظر الى ايهما هو اقرب, سواء في الجانب الإيماني والعلاقة بالله تعالى واليوم الآخر وجميع مفرداته وفروعه أو في الجانب الأخلاقي وخصوصاً ما له علاقة بتحمّل المسؤولية تجاه المجتمع والأمة كالشجاعة والصدق والوفاء والتفاني في خدمة دين الله تعالى وعباده.
والإنسان الموضوعي لا يغش نفسه ، فيبادر كل واحد منا إلى محاسبة نفسه وتقييمها في مستوى ايمانها واستعداداتها لاتخاذ المواقف الصائبة والالتزام بها ثم سدّ جهات النقص ورأس ذلك تنمية العلاقة بالله تعالى وأوليائه فإنها تنبسط على باقي الأمور.
وتثبت واقعة كربلاء أن بمقدور كل إنسان وبمقدار ما يستوفي من أهلية إيمانية منبسطة على الجوانح والجوارح وبمقدار ما يحمل من اخلاق وبمقدار ما تكون تلك المبادئ الأخلاقية حاضرة وفاعلة، ان بمقدور إنسان كهذا أن يكون بمستوى الحدث ويتخذ الموقف الشجاع والجريء الذي فيه صلاح دينه وصلاح أمته.
ونحن نعلم أن أصحاب الإمام عليه السلام لم يكونوا كلهم بمستوى واحد لا على المستوى الإيماني ولا على مستوى خدمة الدين والتزام الحق وأهله بل كان بعضهم مناوئاً أو في الطرف الآخر أو حتى في جيش الأعداء ولكن يجمع هؤلاء جميعاً أنهم استجابوا لنداء الإمام ونصرته ولم يختلقوا الأعذار والمبررات للتخاذل وتجاوزوا الصعوبات والمعّوقات مع علمهم بمصيرهم المحتوم أي الشهادة.
فعلى المؤمن أن يوّطن نفسه ويجهد في بناء نفسه إيمانياً واخلاقياً والاستفادة من دراسة أحداث الواقعة الفاجعة واشخاصها ومواقفهم ليقتدي بالآل والأصحاب الأوفياء وليكون بمستوي الأحداث الآتية التي تتطلب ايماناً راسخاً والتزاماً أكيداً بمبادئ الإسلام وقيمه، وعدم الانتظار إلى لحظة الحدث.
