الطب في الصوم
آية الله الشيخ محمد آصف محسني
مفطرات الصوم في فقه الإمامية:
1و2 الأكل والشرب: من غير فرق في المأكول والمشروب بين المعتاد وغيره كالتراب والحصى ونحوهما، ولا بين الكثير والقليل.
وهناك أقراص من الكافيين تتناول وذات مفعول طويل، أي تذوب تدريجياً في المعدة وفي الأمعاء، وهي تساوي من حيث مفعولها تناول القهوة بالنهار، يعني إذا تناول الإنسان قرصاً منها في السحور مثلاً أو بالليل يبقى مفعولها 24 ساعة وأكثر ويذوب تدريجياً، وربما تطور الأمر إلى إمكانية تناول أقراص من (الجلوكوزر) وبعض المواد الأخرى في المستقبل، وتصبح وكأنه يتغذى طوال النهار ولكن عن طريق ذوبان هذه الأقراص تدريجياً في المعدة والأمعاء طوال النهار .
أقول: والأحوط الاجتناب عن أكلها لكن الأظهر جواز أكلها قبل طلوع الفجر من أيام الصيام، لعدم دليل شرعي على منعه.
وليعلم أن المفطر ـ حسب دلالة الكتاب العزيزـ هو عنوان الأكل والشرب فإذا صدق أحدهما وكان عمداً بطل الصوم.
لكن إذا فرضنا انصراف لفظ الأكل إلى المأكولات المتعارفة المعتادة ـ كما هو غير بعيدـ لم يبطل الصوم بأكل التراب والمدر والحصى وغيرهما، مما هو غير معد لأكل الإنسان، وإن نقل عن المشهور المدعى عليه الإجماع إبطال الصوم بأكلها.
ويؤكد الانصراف المذكور صحيح محمد بن مسلم ـ بطريق الشيخ عند المشهورـ قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "لا يضر الصائم ما صنع، إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء ".
فإن ظاهر الحصر المستفاد منه أن المضر هو أكل الطعام لا كل مأكول، وكذا لا يصدق على امتصاص بلة الخيط والمسواك عنوان الشراب والشرب.
نعم، الأحوط ـ لزوماًـ عدم مخالفة المشهور في مقام العمل.
وعن العلامة الحلي قدس سره بطلان الصوم بإيصال الدواء إلى الجوف ـ ولعله يريد به الحلق ـ وكذا بتقطير المائع في الأذن وقيل ببطلانه بالصب في الإحليل، والأقوى صحة الصوم، إذ لا دليل على بطلانه بمجرد وصول شيء إلى المعدة وباطن الإنسان، إذا لم يصدق عليه الأكل أو الشرب كما هو مدلول الروايات المعتبرة .
لكن في العروة: " نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنه موجب للبطلان إن كان متعمداً، لصدق الأكل والشرب".
فهو ـ ومن تبعه ـ لا يرى لوساطة الفم مدخلية في صدق الأكل والشرب، والعبرة عندهم بالإيصال إلى الحلق، من الفم أو الأنف، فلاحظ.
وأما الأشعة والأُوكسيجين فليسا من الأكل والشرب ، فلا يضران بالصوم.
3 و 4 الجماع والاستمناء بتفصيل مذكور في المطولات.
5 البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر الصادق في خصوص شهر رمضان وقضائه، على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.
6 تعمد القيء دون ما يبدره عن غير عمد.
هذه هي ما ثبت اعتبارها في صحة الصوم بدليل معتبر عندي، وإليك بقية المفطرات عند الفقهاء الكرام أو جمع منهم رضي الله عنهم وأرضاهم عنه.
7 تعمد الكذب على الله تعالى ورسوله أو الأئمة عليهم السلام ذكره جمع، والأظهر أنه على حرمته الشديدة غير مفطر، لضعف ما استدلوا عليه سنداً، فإن منصور بن يونس وإن وثقه النجاشي لكن توثيقه يعارض بجرح غيره، ودفاع سيدنا الأستاذ الخوئي عن وثاقته ضعيف ، وتفصيل الكلام لا يناسب هذا الكتاب.
8 إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق عند المشهور، وفي العروة ـ وتبعه جمع ـ : والأقوى إلحاق البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه به.
أقول: الحكم في الغبار الغليظ مشهور ومستنده ضعيف، وما دل على عدم إفساد الغبار والدخان قوي سنداً فلا يعتبر الاجتناب عنها في صحة الصوم إذا لم يصدق عليه عنوان الأكل.
قال بعض الباحثين: "إن الدخان بجميع أنواعه (لفائف التبغ ـ سجائر وسيجار ـ وما يحرق في الأنبوب ـ بيب ـ وما يوضع في النارجيلة) من المواد المعضوية التي تحتوي على القطران والنيكوتين، ولها جرم يظهر في "الفلتر" وعلى الرئتين، وتصبغ الطبقة المخاطية التي تغطي جدار البلعوم بلون داكن، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التدخين يلبي شهوة المدخن (الكيف والمزاج) فيؤثر على أعصابه، ولذا نجد المدخن يصبر عن الطعام والشراب ولكنه لا يصبر عن الدخان، فتناول الدخان ينفي معنى الصوم الذي ذكره الحديث القدسي: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ". انتهى كلامه بتغيير جزئي.
أقول: هذه الكلمات غير منطقية على الطريقة الفقهية، إذا الثابت من الكتاب والسنة في مفطرية الصوم عناوين خاصة لا بد من إحرازها في الحكم بالإفطار، كالأكل والشرب وتعمد القيء والاحتقان بالمائع مثلاً، وما وراء تلك العناوين لا مجال للاستنباط والحكم بالإفطار