أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثّار
أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثّار
كتاب للسّيّد محسن الأمين العاملي _ عدد الصفحات 128
كتاب (أصدقُ الأخبار في قصّة الأخذ بالثّار) هو واحدٌ من كُتُب السّيّد محسن الأمين الّتي ألّفها في النّهضة الحسينيّة، وهي – مضافاً إليه: (لواعج الأشجان)، و(المجالس السّنيّة)، و(الدّرّ النّضيد)، إضافةً إلى ما تضمَّنتهُ موسوعتُه الكبيرة (أعيان الشّيعة) من أخبار سيّد الشّهداء عليه السّلام، وتراجم أبطال كربلاء رضوان الله تعالى عليهم.
هو كتاب تناول-على صغرِ حَجمِه- قضيّةً تاريخيّةً مهمّةً، خُلِّدَت بخلود القضيّة الأُمّ الّتي كانت سبباً في حدوثها، أَلَا وهي مصرع الإمام سـيّد الشُّهداء الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام مع أهل بيته وأصحابه الأبرار.
ودَوَّن المؤلّفُ قدِّس سرُّه في كتابه هذا أخبارَ التّوّابين الّذين طلبوا بدم الإمام الحسـين بن عليّ عليه السّلام، ومن ثمّ ذَكر قصّـة المختار الثّقفيّ وتنكيله بأعداء آل رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبهذا فقد أوصل هؤلاء القتلة إلى جزائهم الحقّ في دار الدّنيا قبل الآخرة.
ويقول المؤلِّف قدِّس سرُّه في مقدِّمته على الكتاب: «فإنّي مورِدٌ في هذا الكتاب المسمّى بـ(أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثّار)، خلاصةَ ما ذَكَره المؤرّخون والمحدّثون من أخبار الّذين طلبوا بدم مولانا الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام، وتَتَبَّعوا قاتليه حتّى قتلوهم وشفَوا النّفوس منهم، وظَهَر بذلك تصديقُ قولِ الحسين عليه السّلام في الدُّعاء على أهل الكوفة الّذين حاربوه: وسلِّطْ عليهم غلامَ ثقيفٍ يسقيهم كأساً مُصَبَّرة، ولا يَدع فيهم أحداً إلّا قَتَلَهُ قتلةً بقتلةٍ، وضربةً بضربةٍ، يَنتقمُ لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ".." معتمداً في ذلك على الكُتُب الموثوق بها
استعرَضَ المؤلِّف حركة التّوَّابين منذ انطلاقتها من الكوفة بقيادة سليمان بن صرْد الخزاعيّ وبعض الأعيان، الّذين ندموا على تركهم نصرة سيِّد الشُّهداء عليه السّلام، ورَأَوا أنّهم بذلك أخطأوا خطأً كبيراً لا يُكفِّر عنه إلّا أخذهم بالثّأر من الجيش الأمويّ.
.... فاجتمعت الشيعة إلى خمسة نفر من رؤسائهم وهم (سليمان) بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو من المهاجرين وشهد مع أمير المؤمنين (ع) الجمل وصفين وكان من جملة الذين كتبوا للحسين (ع) غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد
(والمسيب) بن نجبة الفزاري وكان من أصحاب علي " ع " (وعبد الله) بن سعد بن نفيل الأزدي (ورفاعة) بن شداد البجلي (وعبد الله) بن وال التيمي وكان هؤلاء الخمسة من خيار أصحاب علي " ع " فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي .
فولوا امرهم سليمان بن صرد (فخطب) فيهم وقال في جملة كلامه: انا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا " ص " نمنيهم النصرة ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وأذهلنا حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطى اتخذه الفاسقون غرضا للنبل ودريئة للرماح الا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله والله ما أظنه راضيا دون ان تناجزوا من قتله الا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط الا ذل وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ففعلوا (ثم قال) أحدوا السيوف وركبوا الأسنة واعدوا لهم ما استطعتم من القوة ومن رباط الخيل حتى تدعوا الناس وتستفزوهم.
فأعدّوا العُدّةَ للمواجهة حتّى كانت السّنّة الخامسة والسّتّين للهجرة في شهر ربيع الآخر، حيث خرجوا من الكوفة إلى كربلاء، وأقاموا عند القبر الشَّريف يوماً وليلة يبكون ويتضرّعون، ويستغفرون ويترحَّمون على الحسين وأصحابه. ثمّ ساروا حتّى وَرَدُوا «عين الوردة»، حيث وصل إليه جيشٌ من الشّام بقيادة عُبيد الله بن زياد، فصار ابنُ زياد يُرسل لقتالِ التّوَّابين الكتيبةَ تِلْوَ الكتيبة تفوقهم عدداً وعدّة، وهم يقاتلونها ببسالةٍ حتّى قُتِل سليمان بن صرْد، ثمّ قُتِلَ نائبُه المسيّب بن نجبة، ورجع بِمَن بقيَ منهم المثنّى بن مخرمة العبديّ، ورفاعة بن شدّاد، بعد أن أَنزلَ التوّابون الخسائر الفادحة بالجيش الأمويّ. وقد انطَوت المواجهات على مشاهد استشهاديّةٍ قلَّ نظيرُها.
وتناولَ المؤلّفُ حركة المختار الثّقفيّ، الّذي أَخذَ على عاتقِهِ تتَبُّعَ قَتَلَة الحسين عليه السّلام وأهلِ بيته وأصحابِه في الكوفة، إضافةً إلى ابن زياد، مستعيناً بإبراهيم بن مالك الأشتر، فنَقَل المؤلّفُ، أوّلاً، وقائع إعداد المختار لنهضتِه، فذَكَر التحاقَه بابن الزُّبير في مكّة وقتالَه الأمويّين تحت رايته، ثمّ عودتَهُ إلى الكوفة وتعرُّضَه للسّجن فيها من جديد، ثمّ خروجَه وإعدادَه العدّة للانقلاب على والي ابن الزُّبير فيها، ثمّ ذكَر أخبار المواجهات في الكوفة الّتي أفضت إلى سيطرة المختار عليها، وشروعِه في الانتقام ممّن ظَفَرَ به مِن قَتَلةِ سيِّدِ الشُّهداء عليه السّلام والشُّهداء معه، واستطاعَ جَمْعٌ منهم الفرار والالتحاق بالبصرة.
وذكر قتل المختار قتلةَ الحسين عليه السّلام والمُشايعين على قتله وقَتْل الّذين رضُّوا جَسَدَ الحسين عليه السّلام وقتل شمر لعنه الله - وقتلُ حرملة بن كاهل قَتْلُ عبيد الله بن زياد لعنه الله وآخرين.
ووَرَد في الكتاب أنّه بعد معارك دارت في الكوفة بين جيش المختار وأتباع الأعيان الّذين رفضوا إمرته على المدينة ما نصّه: «واستَخرج من دُور الوداعيّين خمسمائة أسيرٍ، فأُتي بهم إلى المختار مُكتَّفين، فقال: اعرضوهُم عليّ، وانظُروا كلَّ مَن شَهدَ قتلَ الحسين فأعلِموني به. فقتَلَ كلّ مَن شَهدَ قتلَ الحسين عليه السّلام، وقَتل منهم مأتين وثمانية وأربعين رجلاً في مجلسٍ واحدٍ، وأَطلقَ الباقي."
وجاء تحت عنوان (قتلُ الّذين رَضُّوا جسد الحسين عليه السّلام): «فأوّل مَن بَدأَ به المختار: الّذين رضُّوا جسد الحسين عليه السّلام بخيولهم، فأخَذَهم وطَرَحهُم على ظهورهم، وضَرَبَ سِكَكَ الحديد في أيديهم وأرجلهم، وأجرى الخيل عليهم حتّى قطّعَتْهم، ثمّ أحرَقَهم بالنّار»
كما أورَد السّيّد الأمين أكثر من روايةٍ في مقتل الشّمر اللّعين ، منها أنّ اللّعين هَربَ من الكوفة مع جماعةٍ له، ثمّ لحق بهم جندُ المختار وظَفروا بهم ليلاً. جاء في نصّ المؤلّف: «..فهَرَب أصحابُ شمر وتركوا خَيلَهم، وقام شمرٌ وهو عريان مئتزر بإزار -وكان أبرص وبرصُه يبدو من تحت الإزار- وأَعجلوه عن لبس ثيابه وسلاحه، فجَعلَ يقاتلهُم بالرّمح، ثمّ ألقاه وأخذَ السّيفَ وجعل يقاتلهم به، فلمّا بعُد عنه أصحابُه سمعوا التّكبير وقائلاً يقول: قَتل اللهُ الخبيثَ، وقتَلَه عبد الرحمن بن أبي الكنود ".." ذَبَحَهُ ذبحاً كما ذُبِح الحسين عليه السّلام، وأوْطَأوا الخيلَ صدرَ شمرٍ وظهرَه، ثمّ أُلقيت جثّتُه للكلاب...."
وأورد في قتلِ اللّعين عمر بن سعد: «وطلب المختارُ -وهو في مجلسه في الكوفة- أبا عمرة كيسان، فأقبل رجلٌ قصيرٌ يَتخشخشُ في السّلاح، فأسَرَّ إليه المختارُ أنْ يقتلَ عمر بن سعد وبَعثَ معه رجلَين آخرَين، وقال له: إذا دَخلْتَ ورَأيتَهُ يقول: يا غُلام عليَّ بطيلساني، فإنّه يريد السّيف، فبادِرْهُ واقتُله. فذهب أبو عمرة إلى ابن سعد وقال له: أجِبِ الأمير. فقام عمر، فعَثَرَ في جبّةٍ له، فضربه أبو عمرة بسيفِه فقَتَله، وقطعَ رأسَه، وحمَلَهُ في طرف قبائه حتّى وَضَعَه بين يدي المختار.
وأمّا مقتل سنان بن أنَس النّخعيّ، وهو الّذي، في روايةٍ، قَتَلَ سيِّدَ الشُّهداء عليه السّلام، فقد جاء في الكتاب: «وطَلَب المختارُ سنان بنَ أنس النّخعيّ، فوجدَه قد هرب إلى البصرة، فهَدَم دارَه، ثمّ خَرَج [سنان] من البصرة نحو القادسيّة، وكان عليه عيونٌ فأخبروا المختار فأرسل إليه، فأخذهُ بين العذيب والقادسيّة فقطَع أنامله، ثمّ قطع يديه ورجليه، وأغلى له زيتاً في قِدْرٍ ورماه فيها.
وأمّا مقتل اللّعين ابن زياد، فقد جرى ذلك بعد معارك طاحنةٍ بين جيشِ المختار بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر، وجيش ابن زياد الّذي كان يزيد على الثّمانين ألفاً -حسب بعض الرّوايات- وذلك في منطقة الموصل على شاطئ نهرٍ يُسمّى الخازر، وقد قُتل ابنُ زياد على يدَي إبراهيم، وانهزَمَ جيشُه شرَّ هزيمةٍ. جاء في الكتاب: «وجعل إبراهيم يطرد الرّجال بين يدَيه كالمعزى، وحملَ أصحابُه حملةَ رجلٍ واحدٍ، واشتدَّ القتالُ حتّى صلّوا صلاة الظّهر بالتّكبير والإيماء، وقُتل من الفريقين قتلى كثيرة، وانهزَم أصحابُ ابن زياد ".." وحملَ إبراهيمُ على عبيد الله بن زياد وهو لا يعرفهُ، فضرَبَه إبراهيم ضربةً قَدَّهُ بها نصفَين، وذهبَت رجلاه في المشرق ويداه في المغرب، وعجّل اللهُ بروحه إلى النّار ".." فاحتزُّوا رأسَه وأخذوه، وأحرَقوا جثّته.."