هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ )

 رسول الله .. أجمل الخلق وأرحم البرية

 في رحاب دعاء الفرج

 لطائف ومعارف

  في غدير خم

  اقوال في شخصية الإمام محمد الجواد عليه السلام

  زلل الفكر في رأي القرآن

 يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

 النبيُّ العظيم بين حِقْدِ أعْدائه وحبِّ أبنائه

 احاديث في الصوم

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020555

  • التاريخ : 19/03/2024 - 05:20

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : التأويلية الإسلامية وسؤال المعنى(2) .

التأويلية الإسلامية وسؤال المعنى(2)

 

 


التأويلية الإسلامية وسؤال المعنى
 الصفات الخبرية نموذجا (2)


الشيخ حسن بدران

توزعت الآراء في الموقف من الصفات الخبرية بين مثبت للصفة والمعنى وهو الاتجاه الحرفي، أو مثبت للصفة متصرف في المعنى وهو الاتجاه التأويلي الإجمالي، أو متصرف في كليهما معاً وهو الاتجاه التأويلي التفصيلي. وقد تناولنا في مقالة سابقة النظريات الإثباتية بالبحث، وبيّنا أنها - فيما عدا الاتجاه الحرفي المتزمّت - تستند في جوهرها إلى نوع من التأويل الإجمالي، يقوم على التفكيك بين الشيء ولوازمه، والإحالة في المعنى، بداعي التوفيق بين إثبات الصفة حفظاً للنص، ونفي التجسيم حفظاً للمعنى.
والتأويلية اتجاه في التفسير يقوم على النفي والإثبات معاً، وهي إذ تطمح إلى تجاوز هاتين العقبتين تنجز ذلك على مرحلتين: صرف اللفظ عن دلالته الأولية في جهة النفي، وترجيح كفة الدلالة الثانوية في جهة الإثبات. وكلاهما تصرف على خلاف الطبيعة الأولية للأشياء، ولأجل ذلك يفتقر التأويل إلى عنصر التطبيع، ويحرص على امتلاك مبررات وجوده التوافقي من داخله، وذلك وفق إجراءين:
أولاً: اتخاذ الوضعية الطارئة كنمط في الوجود. لجهة استناده إلى المجاز ونحوه، فلا يتطرق إلى نطاق الوضع، وإنما يعمل في إطار الاستعمال، ويبقى بمثابة حالة طارئة لا غير.
ولئن كان «الوضع» يهتم بجعل اللفظ على المعنى وتخصيصه به، فإن التأويل يستند في مشروعيته إلى هذه الخصوصية الوضعية التي تسود العلاقات اللغوية، ولا يسعى إلى تقويض قواعد اللعبة التي تحكم المسار اللغوي من خلال العبث بالألفاظ والمعاني وضم الأغيار إلى بعضها البعض جزافاً، إذ الوضع يهيئ الأرضية اللازمة لإجراء العملية التأويلية، دون أن تصل تلك العملية إلى حد المساس به.
فالتأويل هو نقلة من الأصل الذي يشكل نقطة ارتكاز أولية تتماهى مع طبيعة الأشياء، إلى الفرع الذي يظهر دائماً في صورة الوضعية الطارئة.
والتأويلية تستبيح اللفظ دون أن تخلف المعنى الأصلي عليه، إذ التأويل يأبى أن يتحول إلى أمر واقع مما من شأنه أن يفقده هويته التأويلية، لذلك لا يسعى إلى ترقية المعنى التأويلي إلى مقام الوضع، وإنما يستثمره في مقام الدلالة الاستعمالية فحسب. وهنا تحديداً ينشأ عنصر المراوغة فيه: فهو إذ يعبث بالأدوار يحرص على إبقاء الأشياء في مواقعها، فيحتفظ بالسيطرة والقدرة على التحكم في مسار الأمور في نفس الوقت الذي ينأى بنفسه عن الظهور في طور الواقع الرسمي.
ثانياً: تتيح ثنائية النفي والإثبات لمفهومين أن يتعاقبا على لفظ واحد طولياً بسبب قيام علاقة ما بينهما، ومن خلال هذه العلاقة تتشكل العملية التأويلية في مرحلتيها: مرحلة النفي والفصل من جهة بداعي تفكيك الموائمة، ومرحلة الإثبات والوصل من جهة ثانية بداعي تحقيق الملائمة.
وقد حصرت الاتجاهات الاثباتية ذات المنحى التأويلي جهودها في المستوى الأول من عملية التأويل، فيما أحالت المستوى الثاني إلى المجهول، الأمر الذي أفضى إلى إرباك المفهوم؛ إذ المفهوم الواحد بما هو مفهوم لا يحتمل ورود التجزئة عليه بالنفي والإثبات وإلا لاختلت هويته وكينونته الخاصة، ذلك أن العبث في المفهوم الواحد، بإثبات شق منه - وهو المتعلق بالجارحة مثلاً - ونفي شق آخر منه - وهو المتعلق بالكيف – من شأنه إلحاق الضرر بعنصر الثبات في الوحدة المفهومية، فإن المفهوم متقوم بتمام أجزاءه. وإذا كان الشيء الجديد هنا هو التأكيد على النفي دون أن يلامس ضفاف الإثبات حفظاً لهيبة النص من الإقحامات الدخيلة؛ بحجة أن الإثبات يستدعي المساس بالنص وحرفه عن مسار قدسيته. فلن يزيد الإثبات بشيء على النفي لجهة المساس بالمفهوم وعرقلة النص عن مهامه الدلالية، وبذلك لن يؤتي هذا الجهد ثماره إلا لجهة تفريغ النص من محتواه وجعله صامتاً.
إن استناد النظريات الإثباتية إلى الثابت الملموس في مقابل المتغيّر الحدسي، بدعوى أن النص متحصن بحرفيته متأدلج بنصوصيته، بينما المعنى مأزوم في دلالته، لن يسهم سوى في تبديد المعنى من الذهن تحت عبء قدسية المطلق، ولكن ذلك لن يكون في صالح النص، ذلك النص الذي تتقوّم هويته ونصوصيته بكونه ذا معنى ودلالة!
بل إن الجهد التأويلي الباحث عن المعنى هو في صميمه جهد باتجاه النص، وإسهام في حفظ نصوصيته قبل أن يكون أي شيء آخر. ولن يشكل التأويل تدخّلاً بشرياً في شؤون المقدّس طالما أن قواعد اللعبة التأويلية محفوظة في عرف اللغة العربية التي منها تَشكّلَ الخطاب القرآني. بل إن الإحالة إلى مجهول، وتخصيص المجاز بغير الكتاب، ونحوها من إقحامات على النص إن هي إلا مجازفة في طريقة التناول، لا تحظى في عرف اللغة القرآنية - والتي من أهم خصائصها: البيانية والهدفية - بأي رصيد يذكر.
ومهما يكن، فلا فرق في التأويل بين إضفاء المعنى أو صرفه إلا بمقدار ما تفتقد النظرية في بنيتها الداخلية إلى النسق المنطقي ويكون تأويلاً إجمالياً، ولن تختلف حينئذٍ جوهرياً عن الاتجاهات التأويلية الأخرى في جهة تبنيها مبدأ العملية التأويلية في الجملة إلا بمقدار طموح التأويلية التفصيلية لدرء التفكيك بالتزام الترابط في النفي، وليس في الإثبات: أي نفي الصفة، ونفي المعنى، ونفي التجسيم والتشبيه. فإن أتباع التأويل التفصيلي يرفضون إثبات اليد والوجه لله تعالى، وإثبات الصفات بمعنى الآلة والجارحة، وإثبات التجسيم جملة وتفصيلاً. وحيث إن هذه الرفوضات يمليها منطق الترابط والفرار من غائلة التجسيم والتفكيك، لذا، فإن التحدي الذي يواجه التأويليين التفصيليين هو نفسه التحدي الذي واجه التأويليين الإجماليين، وهو مدى قدرتهم على إثبات تأويلاتهم وفق الأسس العلمية المقبولة.

النظريات التأويلية
يؤكد التأويليون على أنه كما أن تجاوز الحد في التنزيه يؤدي إلى التعطيل، فكذلك تجاوز الحد في التشبيه يفضي إلى التجسيم، فإن التمسك بظواهر المفردات التي تتحدث عن الصفات الخبرية يفضي إلى تشبيه الله بخلقه ونسبة التجسيم إليه تعالى لذا يجب حملها على خلاف ظاهرها. وإذا كان لا بدّ من الذهاب باللفظ إلى حيث مدلولاته الثانوية، وتفسير الصفات على خلاف ما يظهر منها بالظهور الأولي، تنزيها لله تعالى عن التشبيه والتجسيم وما يلزم منهما من الحلول والتحيّز والأعضاء والانفعال ونحو ذلك، ولأن الله تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، فإن هذا يحتّم تأويل الصفات المسماة خبرية إلى معان تليق بجلاله تعالى انسجاماً مع ما قطع به العقل وثبت به التنزيل المحكم من أنّه تعالى شأنه }ليس كمثله شيء{ (الشورى: 11)، فالمتشابه يردّ إلى هذا المحكم حينئذ. وفي المقابل ترفض الاتجاهات الحرفية المتمسكة بظاهر الصفات الخبرية إدراج نصوص الصفات هذه في دائرة المتشابه الذي لا يراد ظاهره، وتنعت التأويليين بأنهم من المعطلة والنفاة للصفات.
إذن هذا الموقف الإشكالي يستدعي تصرفاً ما يجعل من الصفات شيئاً يليق بجلاله. وفي هذا يلتقي التأويليون كافة، سواء انتموا إلى المنحى الإجمالي أو التفصيلي. غير أن السبل والوسائل التي اتبعت لتحقيق هذه الغاية جاءت مختلفة ومتباينة مما يضعنا مباشرة أمام إشكالية المنهج.
ويتمثل الموقف التأويلي التفصيلي في مجال الكلام في تيارات ثلاث رئيسة، هم المعتزلة وبعض الإمامية وبعض الأشاعرة.

التأويل الاعتزالي
تدور العقيدة لدى المعتزلة مدار اليقين لا الظن، وإذا كانت ظواهر النصوص من كتاب وسنة ظنية الدلالة، وكانت أدلة العقل الصحيح قطعية الدلالة، فلا بد عند التعارض من تقديم العقل على النقل، وجعله الأصل الأوّل، بل الأصل للكتاب وللسنّة.
يقول القاضي عبد الجبار «فأقوى ما يعلم به الفرق بين المحكم والمتشابه أدلة العقول» ، فالمحكمات تزيل ما اشتبه معناه من نصوص الصفات باعتبار أن المتشابه هو «ما خرج ظاهره عن أن يدل على المراد» . فإذا وقع التعارض بين العقل والنقل، يجب التصرف في النقل بما يلائم العقل ويتفق معه، وإلا قدّمت الأدلة العقلية على ظاهر النصوص، وأحسن الظن بالنصوص بأنها: مما يراد به الابتلاء، لا اعتقاد ما دلت عليه.
فإذن، تتوقف العملية التأويلية هنا على العناصر التالية:
 الإيمان بقيمة العقل.
 أولوية اليقين على الظن.
 ظواهر النصوص ظنية الدلالة.
 الاعتقاد لا يثبت بخبر الآحاد.
 الإيمان بوجود المجاز في القرآن.
 إمكان وقوع التعارض بين العقل والنقل.
 أولوية العقل على النقل في صورة التعارض.
وقد تحفظ المعتزلة في الاستدلال بظواهر الكتاب والسنّة في الاعتقاديات، لإفادتها الظن، ولا مكان للظن في العقائد. ومن جهة أخرى اقتصروا على المتواتر، إلاّ قليلاً، من الحديث، فساهم ذلك في تضييق دائرة النقل، والتوسعة في المنحى العقلي في الإثبات والنفي، وبذلك أخضعوا النصوص للتأويل كونه هو المفيد لليقين العقلي.
وقد ساق المعتزلة الحجج العقلية واللغوية لتأويل صفة الوجه، والعين، واليد.. بصرفها عن ظواهرها إلى المعاني المجازية لها. ففسروا اليد مثلا بالنعمة والقدرة، معتمدين في تأويلها على قياس الغائب على الشاهد فيما يعرف بقياس المخالفة بين المطلق والمحدود من كلّ وجه.
كما تناولوا صفات الأفعال التي يلزم من بقاءها على ظاهرها التجسيم والتشبيه لزوماً عقلياً، فأوّلوا صفة الاستواء والنزول والمجيء والإتيان بمعان تليق بشأن المولى تعالى، لأنه يلزم من بقائها على ظاهرها محدودية الله تعالى في المكان، وكونه جسما يقبل الأعراض، والعقل لا يجيز اتصاف الله تعالى بشيء من ذلك. فلا بد وأن يكون المراد من الاستواء على العرش معنى مجازي تمثيلي هو الاستيلاء وإظهار القدرة، إذ أن الاستواء بالمعنى الحرفي الذي هو الجلوس محال في حقه تعالى: }ليس كمثله شيء{. وبهذا يتحتّم اعتماد المجاز حلاً لإشكالية التعارض الظاهري بين النصّ والعقل.
وقد اتسع التأويل الاعتزالي ليشمل الصفات الثبوتية أيضاً، كالعالم، القادر، الحي، السميع، البصير، فليس هناك برأيهم صفات على الحقيقة، وإنّما هي كلمات ملفوظة أو مكتوبة ليس لها من معنى أكثر من الوصف. وقد نفوا أن يكون هناك ألفاظ وكلمات في الأزل، ولهذا لم يصف اللّه تعالى نفسه في الأزل. وإذا كان اللّه تعالى في الأزل بلا صفة ولا اسم، فإن كلامه تعالى يكون مخلوقاً له كسائر المخلوقات. وتمثّل هذا القول بالجهم بن صفوان، وتابعه واصل بن عطاء مؤسّس «المعتزلة». ولذلك اتهموا بتعطيل الصفات وعرفوا «بالجهمية» و«المعطّلة».

التأويل الأشعري
يتمثل موقف الأشاعرة في أقرب أشكاله المنفتحة على المحيط من خلال الموقف التأويلي لدى كبار الأشعريين، وهو مجال يشوبه الكثير من التوجس في الموقف الرسمي الذي يرى استحالة أن يصف الله تعالى نفسه بما يلزم منه نقص فيه تعالى، وبالتالي، فإنّ كل ما وصف به الله تعالى نفسه فهو من الثناء على الذات بصفات الجلال والكمال، من ذلك ما وصف به سبحانه نفسه من نزول إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، واستواء على العرش، ومجيء يوم القيامة... فهذه الصفات لا بد أن تكون صفات كمال.
إن صفة الاستواء مثلاً - والتي يظن المتأوّلون أنّها صفة نقص، وبالتالي ينسبون إلى الله تعالى أنه وصف نفسه بالنقص، ثم ينفونها عنه ويؤولونها - هي في الحقيقة صفة كمال وجلال، وما ذكرها سبحانه في موضع من كتابه إلا مقرونة بما يبهر العقول من صفات جلاله وكماله التي هي منها. ولهذا، فإن المسلم إذا سمع صفة وصف الله بها نفسه، أول ما يجب عليه أن يعتقد أن تلك الصفة بالغة من الجلال والكمال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينها وبين صفات المخلوقين، فيؤمن بها على أساس التنزيه.
إن كل وصف أسند إلى الله تعالى فظاهره المتبادر منه هو التنزيه الكامل عن مشابهة الخلق، فإقراره على ظاهره هو الحق، والعاقل لا ينكر أن المتبادر للأذهان السليمة أن الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته. فلا يلزم من استوائه على عرشه كما قال أن يشبه شيئاً من المخلوقين في صفاتهم، بل استواؤه صفة من صفاته، وجميع صفاته منزهة عن مشابهة الخلق كما أن ذاته منزهة عن مشابهة ذوات الخلق. وهذا الجواب يطرد في الكل، فإن جميع الصفات من باب واحد بلا فرق بينها؛ والموصوف بها واحد، والصفات والذات من باب واحد، وكما أننا نثبت ذات الله تعالى إثبات وجود وإيمان، لا إثبات كيفية مكيفة، فكذلك نثبت لهذه الذات المقدسة صفات، إثبات إيمان ووجود، لا إثبات كيفية وتحديد.
إن التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إنما يكون مقبولاً فيما إذا كان لدليل صحيح من كتاب أو سنة، إما إذا لم يكن لدليل، أو كان لشيء يعتقد أنه دليل وهو في نفس الأمر ليس بدليل، فهذا من التأويل الباطل الذي نهى عنه الكتاب العزيز.
إن الخطأ الذي يرتكبه المتأوّل هو أنه إذا سمع صفة من صفات الجلال والكمال التي أثنى الله بها على نفسه، أول ما يسبق في ذهنه أن هذه الصفة تشبه صفة المخلوق (فيكون فيها مشبهاً)، فيدعوه ذلك إلى أن ينفي هذه الصفة عنه تعالى، إذ لا يليق به تعالى أن يتصف بصفات المخلوق (فيكون فيها معطلاً).

وخلاصة هذا النهج المتحفّظ: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله Pمن غير تكييف، والإيمان بمعاني ألفاظ النصوص مع التنزيه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق، طلباً للسلامة من ورطتي التشبيه والتعطيل، وإن التأويل مذموم: إذ منه ما هو كفر كتأويلات الباطنية، ومنه ما هو بدعة وضلالة كتأويلات نفاة الصفات، ومنه ما يقع خطأ.
هكذا، بدا موقف الأشاعرة متأرجحاً بين التمسك بحرفية الصفات الخبرية تارة، وهو ما نسب إلى متقدمي الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني، أو التمسك بضرورة التأويل لكل ما أوهم التشبيه تارة أخرى، وهو ما يظهر من متأخري الأشاعرة كإمام الحرمين أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي والرازي ومن تأخر عنهم.
ومهما يكن، فقد استدلّ الأشعري والباقلاني في منهجية البحث حول الصفات الخبرية بالعقل إلى جانب الكتاب والسنّة. وتبنى الجويني والغزالي ومن جاء بعدهما من الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية بقسميها، نظرا لعدم صحة الاحتجاج بدلالة النصوص الظنية إلاّ بعد اعتضادها بالدليل العقلي، والتقوا بذلك مع من سبقهم من المعتزلة على مستوى المنهج. وقد عمد الغزالي في تفسيره للصفات الخبرية إلى التفويض تارة والتأويل أخرى، مشدّداً على أن التأويل مذهب العلماء ولا يجوز للعوام الاشتغال به.
على أنه ثمة ادعاء بأن ما صرّح به أبو الحسن الأشعري من التمسك بظاهر الصفات الخبرية في كتابه «الإبانة من أصول الديانة» إنما كان تقية لموافقة الاتجاه الحنبلي. وفي المقابل ينسب إلى الجويني في كتابه «العقيدة النظامية» والغزالي في كتابه «إلجام العوام» تراجعهما عن القول بتأويل الصفات لصالح الأخذ بدلالتها الظاهرية .
وسواء كان هذا التأرجح متأثّراً في بعض مراحله بسيادة المذهب الأشعري كمذهب رسمي للدولة، الأمر الذي يعطي الأولوية للنقل على العقل، باعتبار أن النقل سلطة وانضباط والعقل معارضة وتمرد، والنقل يحتاج إلى مرجعية ذات سلطة تفسره والعقل يؤسس قواعده بشكل مستقل عن أي سلطة من خارجه. أو كان متأثراً بالضغوط التي مارسها الاتجاه الحنبلي - السلفي في بعض مفاصله، إلا أن الاتجاه الأشعري شهد رغم ذلك منعطفات فكرية هامة امتدت خلالها جسور التواصل ما بين العقل والنقل وإن بشكل محدود، وتبنى فيها الأشاعرة مقولة التأويل القائمة على أساس إنارة متشابه القرآن بردّه إلى المحكم: }منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات{ (آل عمران: 7)، واهتموا بمعالجة التعارض الظاهري بين العقل والنقل، وإحكام المتشابه بردّه إلى المحكم، وذلك من خلال إدخال عامل المجاز على اللغة بمقتضى التناسب في الدلالة ما بين النقل والعقل.
وإذا أمكن الاستدلال بالنقل، لكن التعويل على الأدلة العقلية . فإن ما دلائله يقينية يحكم بها العقل، وقد تأيدت بالنقل ، فالاعتماد هنا على الأدلة العقلية، وأما النقلية فهي تؤيدها فحسب.
وبهذا استند الأشاعرة في تأويل آيات الصفات إلى المجاز، وعلى هذا الأساس نفى ابن رشد التعارض الظاهري ما بين العقل والنقل، وكذلك ابن قتيبة في «تأويل مشكل القرآن»، وابن المنير في ردوده على تفسير الزمخشري وغيرهم. ولئن حصل التقاء في المنهج، إلا أن ذلك لم يسمح باختراق الخطوط العقائدية الفاصلة بين الاتجاهات الفكرية المختلفة إلا نادراً جداً، فقد ساهم المنهج الواحد في توكيد الرؤى المتخالفة، كما ظهرت اجتهادات حول الضوابط التي يؤدي الخروج عنها إلى تزييغ التأويل نتيجة فتح بابه على مصراعيه، فيلقي الإمام الشوكاني مسؤولية هذا التزييغ على عاتق التيار الأصولي السني المتمثل بالجويني والغزالي والرازي، إذ «هم الذين وسعوا دائرة التأويل وطولوا ذيوله»، وهذا العجز في التوفيق بين العقل والنقل مرجعه إلى سوء تقدير التأويل كما يرى ابن رشد. ومع ذلك، فإن دائرة التأويل الأشعري ضاقت بما رحبت: إذ تمحور التأويل حول القضايا التي كانت مثار جدل مع المعتزلة، والتي تتعلق بالتوحيد والتنزيه والعدل وخلق الأفعال، واقتصر التأويل على القرآن دون الحديث: فقد أطلق الأشاعرة دائرة مثبتات العقيدة لتشمل أحاديث الآحاد، فجوّزوا على سبيل المثال رؤية الله جلّ شأنه يوم القيامة استناداً إلى بعض أحاديثهم التي بقيت بمنأى عن أي نشاط تأويلي.
(يتبع)

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2009/01/16   ||   القرّاء : 9367


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net