هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 الإمام الصادق عليه السلام والمشروع الثقافي

 سورة الحجرات «سورة الأخلاق و الآداب»

 دور العبادات في السلوك الإجتماعي

 من فضائل امير المؤمنين عليه السلام

 قداسة حركة الامام الحسين عليه السلام

  الصحيفة والجامعة والجفر

 كتاب القيامة فلاحٌ أو ندامة

 النبي(ص) الشاب.. قدوة الشباب

 قراءة القرآن على الميت جائزة

 حوار لمجلة اللقاء مع سماحة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حفظه المولى

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7021177

  • التاريخ : 19/03/2024 - 09:46

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : العقلانية بين التدين والالحاد .

                    • رقم العدد : العد الرابع والثلاثون .

العقلانية بين التدين والالحاد

العقلانية بين التدين والالحاد

 

قد يشكل الالحاد لدى البعض قناعة عقدية، تملي عليه الانقياد وراءه، مستندا في ذلك إلى منطق وهمي قاصر عن الدرك العقلي. ومع ذلك، يظل الاستعداد قائما لإجراء أي تغيير متى ما توفرت معطيات مناسبة. وغالبا ما ينشأ الالحاد من حالة القلق والتوتر النفسي، ويتخذ شكل خيار شخصي دافعه هو الرغبة في التفلت من أي قيد أو شعور بالذنب. في هذه الحالة تترسّخ في النفس أفكار معينة، تدفع بصاحبها الى التنكر للفكر المخالف بصرف النظر عن المعيار العلمي أو المنطقي الذي توزن به الأفكار. وعلى هذا الأساس، نواجه في حالة الالحاد المعاصر أشخاصا صمموا تفكيرهم على الإلحاد، وبنوا خياراتهم الشخصية على عدم قبول فكرة وجود الخالق.

وعلى الرغم من غلبة الميل النفسي الكامن وراء الخطاب الالحادي، إلا أنه جرت العادة على أن يزف الالحاد الينا في صورة تزدهي بالعقلانية، في ظرف ملتبس تتضخم فيه المفاهيم لتؤدي دورا معاكسا لما ينبغي أن تكون عليه وظيفتها من حيث التحديد والتبيين.

في هذا السياق، نجد ذلك السجال الطويل الذي نقله إلينا القرآن الكريم على لسان اليهود وهم يجادلون الأنبياء (زكريا..) والأولياء (مريم..). فقد جوبهت طروحات الروحانية الدينية القائمة على الاعجاز والقدرة الالهية المطلقة كما نقرأها على لسان انبياء بني اسرائيل، وذلك من خلال طرح العقلانية التاريخانية التي تشبث بها اليهود في انكارهم لما يعتقدونه خرافات، ومعاندتهم دعوات الانبياء.

هذا المسار نفسه، سوف يجد امتداده على الصعيد الاسلامي من خلال بعض التوجهات المستحدثة والتي تتمثل فيها النزعة السلفية المتطرفة، فقد تناغمت هذه التوجهات بشكل او بآخر بالعقلانية التاريخانية الرافضة لكل أشكال الروحانية الاسلامية من تصوف ونزعات روحية عامة. وأدى انتشار هذا النمط من التدين الخشبي الى أن يفقد الدين نبضه الخاص في قلوب المتدينين به. إن تقديم صورة مجففة عن الدين على المستوى الروحي بذريعة من العقلانية الوضعية من شأنه أن يهمّش كل الأشكال الغيبية ويفسر لنا بوضوح تلك الانحرافات التي تنتهي بالبعض إلى أن يكونوا خارج دائرة الايمان.

وقد أثيرت مسألة العلاقة بين العقل والايمان والوحي في مبحث النبوة الكلامي، حيث تم ترسيم المشهد بنحو يقطع غائلة السؤال، وجرى التأكيد مرارا على دور الوحي وتكافئه مع مقتضيات العقل بنحو لا ينقصه الاثبات؛ لم تطرح النبوة كبديل عن العقل، وإنما بعث الأنبياء لتحرير العقول وحثها على التفكر والتدبر(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة: 73، و(لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) البقرة: 219. وقد عمل الأنبياء على تحطيم الأغلال التي تكبل العقل البشري بعد أن كان الانسان يعظّم صنائع يده من النّار والأرض والحجارة، وأكدوا على المكانة الخاصة التي للإنسان بين المخلوقات: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الإسراء: 70.

وفي سبيل إحياء العقل وإيقاظه، وتحطيم الأغلال التي تُحيط به وتأسره، رفض الوحي النبوي حسّ التّقليد السّائد بين النّاس ودعا الى رفض التبعية العمياء التي كانت سائدة والتي بيّنتها الآية الكريمة : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) الزخرف: 23. بل إن مراجعة التاريخ بانصاف تكشف عن حقيقة أن الاسهام الأكبر في تحرير العقل من إسار الطّفولة والبلوغ به إلى مرحلة النضج التي تشهدها البشرية المعاصرة إنما يعود لجهود الأنبياء وتوجيهاتهم المبكرة.

ولكن، ليس بالعقل وحده يحيا الانسان، فالإنسان يحتاج الى الارشاد والعناية من خلال قوة الايمان أيضا؛ ذلك أن منطق العقل يملي على الانسان ان يتبع ما يشخص أنه منفعته ومصلحته على الدوام. وما لم يكن هناك ايمان بأصول معينة، لن يتجاوز العقل خصلة النفعية، ولن تكون لديه سلطة تنفيذية على تكييف غريزته وإسباغ ضرب من التعالي عليها، بحيث يتنبه إلى مسائل أرفع يستطيع أن يُنظّم مصالحه الاجتماعيّة من خلالها. "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويُذكّروهم منسيَّ نعمته، ويُثيروا لهم دفائن العقول". والأمر في صلاح الانسان وهدايته كان يرتبط دائما في منطق الأديان بقوتين هما: قوة الايمان وقوة العقل[1].

إلا أن ما يعيق النشاط العقلي في الثقافة المعاصرة، وتحت مبرر العقلانية نفسها، هو تكبيل العقل الكلي بأغلال المنهج الحسي والتجريبي، وتحديد فعاليته في مستوى هابط لا يتجاوز الإطار المرسوم له مسبقا. وقد ترتب على ذلك نتائج خطيرة لا أقلها تغييب الغيب من دائرة الشهود، وانحسار العلل عن المسار الوجودي والغائي لهذا العالم، وانكفاء المعنى الذي يفسر أصل انجلاء النظام الكوني ومبرراته الوجودية. وعلى الرغم من التباهي بصفة القانونية والعلمية والعقلانية التي يحلو للملحد أن يسبغها عنوة على المسار الالحادي بزعم إضفاء المعنى، أو حتى تجريده، إلا أنه من الملفت عند تصفح الآراء الالحادية ذلك الجليد الذي يتجمد عنده حبر الموضوعية حين ينتهي الكلام الى الدين، وتلك العطالة التي تصيب عجلة الحضارة وتحول دون أن تعمل سنن التاريخ والتطور في مسألة الأديان، وتلك الشعريات التي تحيل ادعاءات الملحدين الى ما يشبه الفقاعة الهائمة والتي لا تقوى على البقاء عند أول لفح عابر. يقول تعالى في محكم تنزيله: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) الرعد: 17. فهو غثاء، والغثاء من طبيعته أنه يعلو مؤقتا ثم يزول، وكذلك هي فورة الباطل حين يعلو في لحظة طارئة من غفلة أهل الحق؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) الرعد: 17.

 

الطبيعة والنظام

يتوكأ القول الالحادي على الدوام على فكرة الفاعل الطبيعي (التفسير الداخلي لنظام عمل الطبيعة)، هذا الفاعل الذي يمكن تصويره بحسب الفلسفة التقليدية على أنه الصورة النوعية الكامنة في الجسم، وذلك قبل أن تفصح الفيزياء الحديثة عن قانون الحركة الذاتية للمادة في تناغمها مع النظرية الفلسفية عن الحركة الجوهرية. يمكننا الاستناد إذن إلى قانون الذاتية، وأن النظام كامن في الأشياء بنحو ذاتي، ومهما يكن، فالسؤال يرتبط هنا بتفسير كيفية عمل النظام نفسه، وليس بأصل وجوده.

تعرّف الطبيعة بأنها هي ذلك الواقع المادي الذي لم تتدخل فيه الفاعلية الإنسانية، ويخضع لقوانين تكتفي بذاتها وتتكرر باستمرار. وقد انصرف العلم التجريبي المعاصر، لأسباب منهجية، عن التفكير في أسباب الظاهرة الطبيعية وغاياتها، الى التأمل في كيفية تطورها وسيرورتها، بافتراض أن أي انتظام تطوري هو باقتضاء من الطبيعة ذاتها، والطبيعة تتكشف لنا عبر الانتظام العام، وعبر الإمكانيات الكامنة فيها، ولهذا ينبغي أن ننحي عن طريق عقولنا شبح العصا السحرية في تفسير الكون، وأن نطرد أسطورة الجن الخفي الكامن في الأشياء.

ومع ذلك، فإن فهم الطبيعة وانتظامها تجريبيا، لا يمكن أن يشكل مستندا للإلحاد، كما أن عدم فهمها لا يبرره أيضا. ويتضح ذلك بالتأمل في المثال التالي: لو أن شخصا يشاهد لأول مرة سيارة تسير بسرعة معينة في اتجاه ما. سوف يتساءل: من الذي صنع هذا الشيء؟ كيف يسير ويتحرك؟ ولماذا صنع هذا الشيء بالكيفية التي هو عليها؟ يتعلق السؤال الأول بالوجود، والثاني بالنظام، فيما يتعلق السؤال الثالث بالغائية.

ينهمك الالحاد الجديد في محاولة الإجابة عن سؤال النظام (كيف يسير هذا الشيء ويتحرك؟)، ويسعى لإعطاء إجابة عن سائر الأسئلة من خلال سؤال النظام نفسه. وهو من خلال تفسير كيفية حركة السيارة وانتظام مسيرها سوف ينتهي للقول بأن هناك عجلات ومكبح ومقود وسائق... وقد يتوقف كثيرا عند السائق بوصفه كائنا بيولوجيا يجيد قيادة السيارة، ومن هذا المنطلق، سوف يصادر على سؤال الوجود: لماذا يجب ان نفترض وجود سائق آخر خفي يختبئ في المقعد الخلفي ويوجه أوامره للسائق العلني؟ ألا يكفي وجود هذا السائق نفسه؟ من هذه الخلفية، يتساءل الملحد عن الضرورة التي تدعو المتدين لافتراض وجود جنيّات خلف جمال الحديقة؟ ألا يكفينا جمال الطبيعة نفسه؟

إن وجود السائق البيولوجي- من وجهة نظر الديني -كاف لتفسير انتظام السير والكيفية التي تعمل بها السيارة، ولا نحتاج لافتراض سائق آخر خفي لتفسير الفاعل الطبيعي. ومع أن سؤال الوجود يرتبط من الناحية المنهجية بحيثية أخرى غير حيثية النظام، إلا أنه ليس هناك بحسب الواقع موضوعات متعددة يمكن التفكيك بينها عبر السؤال، ذلك أن سؤال الوجود يتضمن ذاتيا على سؤال النظام والغائية؛ بمقتضى أن النظام والغائية مجعولان بنفس جعل الوجود. وقد تكفلت نظرية الحركة الجوهرية ببيان عدم إمكان التفكيك بينها فلسفيا.

وعليه، معنى سؤال الوجود لا يقتصر على جانب من الجوانب الثلاثة التي تتعلق بظاهرة النظام، وإنما تشملها جميعا، ذلك أن سؤال: من الذي أوجد السيارة؟ يتضمن سؤال: من الذي أوجد نظام السيارة بهذه الكيفية؟ ويتضمن أيضا سؤال: من الذي أوجد هذا النمط الغائي لهذه السيارة؟ إن سؤال الوجود سؤال عام بطبيعته، ولا يصح في إطار السؤال الوجودي أن نفكك بين الظاهرة وحيثياتها. وبالتعبير الفلسفي؛ إن الأشياء جعلت على هذه الكيفية المنتظمة بنحو الجعل البسيط وليس بنحو الجعل التأليفي المركب. من هنا صح الاستدلال على الوجود بالنظام والغائية؛ فإن ذاتية النظام لا تلغي كونه معلولا وجوديا؛ بل تجعل منه ظاهرة منتظمة ذاتيا، وتجعل الحاجة الى تفسير هذا الانتظام الذاتي أكثر ضرورة والحاحا.

إن السائق البيولوجي هو جزء من ظاهرة النظام، وهو يعمل بمقتضى النظام وليس منتجا له. هو ينتمي ذاتيا إلى شبكة النظام العام على مستوى الفعل، ويتخذ وضعية إعدادية على مستوى الفاعل. ولا ينبغي أن نفترض وجود العلة الحقيقية الموجدة للنظام الى جانب العلل الطبيعية فيه. إن العلة الموجدة هي روح النظام وعقله الكلي وهي تعمل فوق النظام فوقية احاطة وقيومية وليس فوقية مباينة وافتراق.

ولو تجاوزنا هذه الرؤية التي تنعت بالميتافيزيقية والتي لا ترضي الملحد بطبيعة الحال، واخذنا بالنظرة الوضعية التي تذهب الى التفكيك بين الوجود والنظام والغائية، أي التفكيك بين الظاهرة وعللها الفاعلية والغائية، فهل من الصحيح استنتاج نفي الالوهة بالاستناد إلى النظام نفسه!

إنه وبناء على التفكيك بين الوجود والنظام، لن يصح الاستدلال على الوجود بالنظام، كما لن يصح الاستدلال على نفيه به. فقد تخبرنا الطبيعة ان النطفة تخضع لسيرورة منتظمة، وأنها تحتاج في سيرورتها الى ان تصبح شيئا آخر أكمل مما هي عليه بالفعل، ولكنها لن تخبرنا شيئا عن مصدر اشباع هذه الحاجة، فقط هي تتكشف عن سيرورة تعتمل في عمق الطبيعة أينما وجدت. ولذلك لا يتضمن النظام وليس من شأنه أن يتضمن نفي العلة الفاعلية. ذلك أنه وبناء على التفكيك، لا يمكن الإجابة عن سؤال الوجود من داخل سؤال النظام؛ بل إن التفسير المادي قاصر بطبيعته عن تغطية المعنى الوجودي للأشياء؛ ذلك أن النظام قد يستدعي أصل وجود العلة، ولكن ليس له دخالة بتعيين نوع هذه العلة وتشخيص ماهيتها[2]. وهنا تتكشف إحدى مغالطات الالحاد؛ ذلك أنه ليس للنظام أن يفصح عن خصوصية الفاعل الإلهي، وما إذا كان يعمل بطريقة قانونية أو بطريقة شخصية غير قانونية؛ لا نفيا ولا اثباتا.

وكما أن النظام لا يفسر علته الفاعلية بناء على التفكيك، كذلك ليس له أن يفسر علته الغائية. وإنما يتوقف عند حدود معطيات العلم في الكشف عن آلية عمل النظام. وقد يخبرنا العلم عن وجود هدفية منتظمة في الطبيعة، وعن مصفوفة متباينة من الميكانيزمات لدى العديد من الحيوانات والتي تؤدي الى ظهور بعض المهارات الفعالة. وعن السلاحف البحرية الخضراء والتي تعوم من البرازيل الى جزيرة اسكنسون (في شمال الاطلسي) لتضع البيض، وتحدد موضع بقعة من الأرض مقدارها 5/1 ميل بشكل صحيح بعد عبور 1500 ميل في المحيط[3]. يخبرنا العلم عن بعض التفاصيل المذهلة في نظام العالم، ولكنه لا يستطيع أن يتوغل أكثر وأبعد من نظام عمل الأشياء، بأن يحدثنا عن ذلك الذي يجعل هذا العالم يسير بهذا النحو المحدد والهادف والغائي.

إن النظام نفسه وبالاقتصار على شروطه التقنية لا يتكشف لنا عن العوامل المقننة للمسار الغائي في الطبيعة، وكما يقول الشهيد مطهري: "القرآن يفصح – مضافا الى وجود النظم الدقيق في الأشياء – عن وجود قوة هداية فيها. وان ضروب الهداية الموجودة في الأشياء وعلى الأخص الكائنات الحية لا يكفي فيها ما تنطوي عليه من نظم داخلي وآلي لتحقق مثل هذه الهداية، بل ان الله تعالى لم يخلق شيئا عاريا من الهداية: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه: 50. كل شيء قد زوّد بما يحتاج اليه مما هو لازم له، ثم هدي. وليس هناك أي موجود يهمل في أي مرتبة يحتاج فيها الى الهداية. وكذلك قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) الأعلى: 2-3. ذكرت الخلقة وتسوية بنية الشيء وتكميلها وتعديلها بشكل منفصل، ثم ذكرت الهداية بشكل منفصل أيضا. والى أصل الغائية يشير قوله تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) البقرة: 148. فلكل شيء في الوجود غاية تجره من الامام، وليس ان الأشياء تجر من الخلف فحسب، وهو ما تضطلع به العلل المادية. بل تجر من الامام أيضا، لأن لها قوة جذب من الامام تطوي من خلالها الطريق صوب كمالها المرتقب. وخلافا لما يعتقده داروين وكثير من المعاصرين، لا يكفي مجموع الشروط المادية لكي يبلغ الكائن الحي النقطة التي ينبغي له ان يصلها، بل هو يهدى ويوجه من قبل مجموع هذه العلل والشروط معا. على ضوء هذا الأصل العام للهداية الذي يطرحه القرآن، نستنتج انه إذا ما كنا نحن البشر بحاجة الى هداية، وكانت هذه الهداية قد ثبت إمكانها، فليس هناك قصور ولا منع ولا بخل من الله، وبذلك سيوجد هذا الشيء حتما[4].

تكمن عظمة الكون بنظر الديني في أن النظام والهدفية هما من طبيعة هذا الكون، وليسا من إملاءات العصا السحرية التي لا أثر لها إلا في بعض العقول الكرتونية. وتكمن عظمة الخالق في أن نظام الخلقة قائم على الغائية المبثوثة بنحو ذاتي في نظام هذا العالم.

مهما يكن، لن نعثر على الله في الطبيعة بالمعنى الحصري للكلمة، ولا معنى للقول بأن هناك إله طبيعي أو فيزيائي. إن الله لا يتجسد بنفسه، وهنا تكمن مشكلة الفكر الغربي الباحث عن الله بوصفه الفاعل الطبيعي منذ أرسطو والى اللاحقين المتأخرين أمثال لابلاس وهاوكنج. وعلى امتداد هذا الفكر تم تطعيم النظرة الى الله على مستوى الفاعلية الكونية بغائلة المادية سيما مع فلسفة العلم والتجريب في مراحله المتأخرة، فلم يكن الله ليتمثل في الفكر الغربي على مستوى الفاعلية إلا بوصفه تجسدا له امتداد وجهة بحسب لوازم القول، ولأن الطبيعة الإلهية ليست محايثة للطبيعة المادية، فلا بد من نفي الألوهة وتغييبها عن دائرة الفاعلية الكونية.

في المقلب الآخر، سوف يتنبه الدينيون مع ابن سينا إلى الفرق بين الفاعل الإيجادي والفاعل الطبيعي. كما سوف يتنبهون مع الفخر الرازي – بحسب إشارة أدلى بها المطهري في كتابه النبوة[5]– إلى الفرق بين النظام والغائية أو الهداية. وهذه التنبيهات لم تكن لتحصل إلا بحكم ايمان هؤلاء بأهمية الوحي كمصدر أساسي من مصادر المعرفة والتي تغذي أفق التجريد العقلي، خلافا للفكر الغربي المتمادي في مأسسة العقل ضمن بنوده المادية والتجريبية.

الطبيعة والقانون

يتم تداول عبارة "الاله الشخصي" في القاموس الالحادي بكثرة، نظرا إلى أنها تعبر جيدا عن الإرادة الحرة التي يعمل الله على أساسها في أي وقت وكيفما يشاء، وعلى أساس هذه الإرادة يتم إدارة الكون. إن الله لا يعمل بنحو قانوني، وأن اللحظة الأولى التي انبثق فيها الكون هي لحظة انتقائية وليست لحظة حتمية قانونية، هذا هو مفاد قضية الاله الشخصي.

يستند الفكر الديني إلى قانون الحاجة والذي يفترض أن الأشياء متى ما استعدت للوجود وتهيأت، فإنها سوف تعطى الوجود قطعا. وإذا لم تكن هناك حاجة فان الموجود لا يبقى في إطار نظام الخلقة والتكوين، تماما مثل الاصبع الإضافي الذي تلغيه الطبيعة. إن وجود أمر لا حاجة به، ولا يتلازم مع بقية الأمور، يحتم على نظام التكوين أن يلغيه ويحذفه[6].

في هذا الوضع القانوني لمسار الكون، ماذا يعني وجود مشيئة إلهية؟ ألا يفترض أن أي قانون أو سننية تتماشى معها الإرادة الإلهية سوف يترتب عليها خضوع الإرادة والمشيئة لذلك القانون؟ من المعلوم أن الدينيين يرفضون أي املاء خارجي قد يفرض على الطبيعة الإلهية. إذاً، كيف تتماشى هذه القانونية مع حرية الإرادة الإلهية؟ هل يعقل التفكيك بين الألوهية ومسار الكون بحيث تعزل الارادة الالهية عن الواقع!

وقد تساءل الدينيون مبكرا حول ما إذا كان بالإمكان أن يترك الله الشيء الذي يفعله أو بالعكس. ووضعهم هذا السؤال على حافة الإرادة الإلهية الحرة، والقدرة التي تعمل في الاتجاهات المختلفة بنحو متكافئ. إن المقدور يترجح على أساس الإرادة الإلهية الحرة، ولا يوجد قانون يلغي هذه القدرة أو يحدها، الأمر الذي يستدعي ضرورة تفسير الانتظام الواقع في عالم الخلقة بما لا يلحق ضررا بإطلاق القدرة الإلهية.

في هذا السياق، وجدت رؤى ونظريات تسعى لتفسير هذا التماسك الكوني، ويقوم بعضهاعلى أساس قانون العادة؛ إن عادة الله جرت على النحو الذي تتجلى فيه انتظاما وقانونا في الطبيعة.

أثارت هذه الصياغة المبنية على فكرة العادة الالهية تحديات داخلية لجهة طبيعة الاعمال التي تصدر عن الله تعالى، هل جرت عادة الله فعلا على احراق الورقة كلما تم تعريضها لحرارة النار المرتفعة؟ ما معنى أن تكون لله عادة؟ وما هو منشؤها؟ وهل يمكن في ظل القول بالعادة الإلهية الاحتفاظ بالخيارات الإلهية بما يتناسب مع المشيئة المطلقة.

يتبلور التماسك الكوني لدى فريق آخر من الدينيين بصورة مختلفة؛ ذلك أن الله تعالى قادر على كل شيء، ولكنه لا يفعل إلا ما يريد، ولا يريد إلا ما هو مقتضى الحكمة والمصلحة والانتظام العام للبشر والكافل لمنافعهم الكلية، فالفعل الإلهي منضبط ومنتظم وفق آلية ما هو حسن وقبيح، فهو يفعل الحسن دائما بمشيئته، ويدع القبيح دائما بمشيئته.

ولكن، هل يمكن للمصالح النوعية أن تتحكم في أفعال الله تعالى بالنحو الذي يحد من حرية الفعل الإلهي! إن وجوب الوجود يأبى أن يخضع لأي تأثير خارجي مهما كان. بما في ذلك توصيف الأفعال بالحسن والقبح والذي هو من الاعتبارات التي لا تصدق في نطاق عالم الوجوب والتجرد أصلا!

ولأن عالم الإمكان يتضمن معنى الترقب والتراخي، بينما تصور الالوهة لا يقبل المهلة والاهمال وإنما يفترض تلقائيا الإنجاز والتحقق، من هنا ارتأى الفلاسفة أن يعبروا بنحو مغاير وأكثر انسجاما مع مقتضى القدرة الإلهية، بحيث ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل. ولا مانع من ان تكون الضرورة حاكمة على الدوام على أحد طرفي الشرطية فعلا أو تركا، بحيث يفعل دائما او يترك دائما، الا ان هذه الضرورة تنبع من نفس الإرادة، فالإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار، وصدق القضية الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

إن لله تعالى إرادة تتجلى في نظم الكون على أساس الوسائط، وبذلك يتجلى السلوك الالهي على اساس قانون السببية، وهو القانون الذي تعلقت به مشيئة مسبب الأسباب وناظمها. ويتجلى القانون وفق هذه الرؤية على أساس الخضوع الكوني لمسار القدرة الإلهية، ذلك أن المسار الكوني يقضي بأن أي شيء اكتملت مقومات وجوده فإنه يوجد، وما لم يتوفر فيه الاستعداد للوجود فلا يتحتم معه ان يوجد. ولهذا، فإن وجود الأشياء رهن باستعدادها وتأهلها للوجود، ومتى ما استحقت ان توجد فإن نظام الخلقة يعمل على إيجادها بنحو حتمي.

وفق هذه الرؤية لا يهم إن كان وجود الانسان قد تم عبر ولادة طبيعية، أو عبر الاستنساخ، طالما أن ما يسمح بوجود الانسان هو قابلية الوجود، والمتحققة في الحالتين على السواء.

وبحسب تعبير المطهري: "ان مشروع الخلقة مشروع متكامل، وله نظام متسق ومنسجم يحتل فيه كل شيء مكانه، وتتحرك الخلقة في إطار نظام محدد لا يتخلف ولا يمكن تغييره. وإنّ كلّ معدوم في العالم تعود علّة عدم وجوده إلى عدم الإمكان وعدم قابليّته للوجود، فما لم تكن ثمة حاجة للشيء، ولم يكن وجوده متسقا مع باقي الاحتياجات، فان ذلك النظام يحذفه ويلغيه من الوجود. وأنّ كلّ ما له قابليّة الوجود فلا بُدّ أن يوجَد، ويكفي في ضرورة وجود الشيء أن يكون وجوده ممكنا في نظام العالم، بحيث يؤدّي عدم وجوده إلى ظهور فراغٍ وجوديّ يفضي إلى اضطراب عام. فإذا ما كان لشيءٍ في نظام الوجود إمكان الوجود، وإمكان البقاء، فسيُفاض عليه من قِبَل الله؛ ذلك أنّ الله فاعل تامّ، وفيضه مطلق، ولا معنى لامتناع الفيض من ناحيته[7].

وعليه، ان انتظام الطبيعة هو تعبير مباشر عن انتظام كلي ينبع من طبيعة الوجود الكلية الكاملة. ويفترض الكمال أن يتناغم كل نشاط وجودي مع كمالات الوجود نفسه والتي تفصح عن نفسها في الحكمة والإرادة والقدرة والمشيئة. إذا، هناك انتظام ما في الطبيعة الالهية بمقتضاه تعمل الطبائع الأخرى ويحفظ التماسك الكوني المنتظم.

من هنا، يتجلى الفعل الإلهي في المسار الكوني وفق انتظام مقصود، اقتضته المشيئة الالهية. وهذا النهج في الاستدلال يبتني على اساس الكشف عن النظام الكلي للوجود عن طريق معرفة الله؛ وأنه ما دام الله موجودا فلا سبيل للخلل إلى الوجود. وليس ينبغي أن نفرض على الاله سلوكا عشوائيا حرا بوصفه من لوازم وجوده. بل إن الأديان نفسها تضمنت الإشارة إلى أن الخروج عن المسار القانوني والانتظام العام سوف يتضمن نوعا من تغييب المعنى، كما في قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) الأنعام: 91. فإنّ مَن عرف الله حقّ قدره لا بد أن يلتزم بلوازم هذه المعرفة. فلا إهمال في نظام الخلقة والحاجة.

وبذلك يتضح أن الاستناد إلى نظرية التطور في سياق نزع الصفة القانونية عن الدين والخلق الالهي، ما هو في واقعه إلا استناد الى شكل خاص من أشكال النظام في مقابل أشكال أخرى محتملة. وليس هو الشكل القانوني الوحيد الذي يتناقض مع أي رؤية مخالفة لجهة نفي السننية.

بل إن قوة النظرية التطورية لداروين ومشتقاتها على مستوى الرؤية الكونية، لا تكمن في تشخيصها لكيفية التطور والذي يفتقد مبرراته المنطقية خارج إطار الحدس العلمي، وإنما تكمن في انسجامها مع الفكر التطوري والتقدمي بعامة، ذلك ان البناء الفكري التطوري قد شيد منذ وقت مبكر من تاريخ الفكر البشري ومع الفلسفات الكلية لاحقا على أساس هيكلة الموجودات وفق مسار تراتبي يمتد من الجماد الى النبات فالحيوان ثم الانسان. وما تحدسه نظرية التطور من قول يكمن في كيفية الربط بين هذه الحلقات، وليس لها تأثير خاص في أصل وجود النظام. بل ان هذه الرؤية إلى النظام تتسع لتشمل حتى الفلسفات الروحية والتي شيدت على أساس التراتبية الطولية بين أشياء هذا العالم بحيث يمكن أن يتخذ الجسم في مسار رقيه وضعيات متصاعدة من الجسم الطبيعي الى الجسم النفسي فالجسم الروحي. وما يدعيه الحدس الفلسفي لنظرية الحركة الجوهرية يكمن في كيفية الربط بين هذه الحلقات. بل ان هذا المنحى التطوري مما تنطوي فيه الدلالة على جمالية الخلق، وعلى محورية الانسان في المنظور الديني بعامة.

وبناء عليه، يرى الشهيد مطهري أنه على افتراض "أن ظواهر الآيات الدينية لم تكن قابلة للتوجيه والتفسير الملائم، وأنه ثبت علميا أن الانسان له نسب حيواني مما كان يدعو - فرضا–لانكار الكتب الدينية، ولكن ذلك لا يدعو إلى انكار الله! فلا ملازمة بين عدم قبول دين معين أو عدم قبول الأديان كلها وبين عدم قبول الله. هناك أناس يؤمنون بالله ولكنهم لا ينتمون إلى أي دين. ولذلك فإن فرض التنافي بين مضامين الكتب الدينية ومبدأ التكامل لا يشكل ذريعة وعذرا للاتجاه نحو المادية. ومنشأ الاشتباه هو أن الماديين تصوروا أن فرضية التكامل لا تنسجم مع المسألة الإلهية عقلا ومنطقا، سواء كانت منسجمة مع الدين أم لم تكن ولهذا؛ فإذا قبلنا مبدأ التكامل انتفت مسألة الايمان بالله... والحال أن دلالة مبدأ التكامل على وجود غيبي متصرف في أمر العالم لا تقل عن دلالة أي مبدأ آخر"[8].

 

 

[1]انظر: النبوة، مصدر سابق،71- 73 ، 105 – 106.

[2]لاحظ الفرق بين الحدسيات والتجربيات: المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، ط3، دار التعارف للمطبوعات، 2006م، ص288.

[3]راجع: علم النفس البيئي، الدكتور فرانسيس ت - ماك اندرو، تج: الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة - الدكتور جمعة سيد يوسف، الناشر: مطبوعات جامعة الكويت، ط1 1998م، ص 70. وحول الخرائط المعرفية: ص 85.

[4]النبوة، مرتضى مطهري، تج: جواد علي كسار، دار الحوراء،ص 128 – 129.

[5]النبوة، مصدر سابق، ص127.

[6]النبوة، مصدر سابق، ص73 – 75.

[7]النبوة، مصدر سابق، ص74.

[8]انظر: الدوافع نحو المادية، مرتضى مطهري، ص78 ، 79.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/26   ||   القرّاء : 3307


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net