هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 كلمات محورية وردت في القرآن الكريم  (كتاب)

 السياق القرآني ودوره في تحديد مدلول الآيات والألفاظ

 كلمات وردت في القرآن الكريم : الظاهر والباطن

 معرفة أهل البيت عليهم السلام .... أصول الكرم ـ المُكَرَّمُون

 عالم الذر ونقطة البداية

 في الذكرى السنوية الثانية عشرة للتحرير

 كلمات محورية وردت في القرآن _ الإسلام

  شؤون تبليغية : الصدق في نقل الأخبار

 هيئة علماء بيروت تشيد بالرد الحاسم على الاعتداء الأميركي

 عالم السياسة

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020495

  • التاريخ : 19/03/2024 - 04:40

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .

        • القسم الفرعي : مقالات .

              • الموضوع : خصوصيات الإنسان‏ .

خصوصيات الإنسان‏

خصوصيات الإنسان‏

امتاز الإنسان بجملة من الخصوصيات التى انفرد بها عن سائر المخلوقات، ومن هذه الخصوصيات والامتيازات:

الخصوصية الأولى: اختيارية الفعل الإنسانى‏

فعند إلقاء نظرة سريعة على القرآن الكريم نجد آياته طافحة فى إثبات أنّ الإنسان موجود مختار في قبال الأشاعرة القائلين بالجبر ، ومن جملة هذه الآيات:

قوله تعالى: )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏( [1]

وقوله تعالى:) لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏( [2]

وقوله:) فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ([3]

وقوله تعالى:) فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [4]

وقوله تعالى: )فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ( [5]

وقوله تعالى: )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ([6]

وقوله تعالى:) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ‏ ([7]

وغيرها من الآيات التى تشاركها فى المضمون الذى يثبت وبصراحة أنّ للإنسان الحرية والاختيار فى اعتقاده وسائر أعماله.

مضافاً إلى أنّ نفس بعث الأنبياء وإنزال الكتب السماوية يصبح لغواً لو كان الإنسان غير مختار، وهذا يدلّ بوضوح على كون الإنسان حرّاً مختاراً فى أفعاله واعتقاداته.

ويستعرض القرآن الكريم تاريخ البشرية، ويفصّل الحديث عما لقى الأنبياء من تكذيب واضطهاد فى سبيل دعوة الناس إلى الحقّ.

وقد أجمعت الشرائع على أنّ الله تعالى لو شاء أن يهدى الناس جميعاً لتمّت مشيئته، لكنه تعالى ترك الإنسان يتحمّل مسؤولية هذا الاختيار وتبعاته، بعدما تهيّأت له وسائل التمييز والهدى من مادّية ومعنوية؛ قال تعالى:) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً[8] (وقال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏( [9]

وقال: )وَنَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ([10]

فالأنبياء ليس لهم إكراه الناس على الهداية، كما أنّ الشيطان ليس له‏ إكراههم على الضلال والغواية، وهذه الحقيقة يقرّرها القران الكريم كما فى قوله تعالى:) إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ‏ ([11]

وقوله: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏[12]

إذاً حرية الإرادة عنصر أساسىّ فى خلقة الإنسان، قد أكّده القرآن الكريم بأساليب متعدّدة، فمن بعث الأنبياء لهدايتهم وإرشادهم وإنذارهم إلى وعده بالثواب على الأعمال الصالحة ووعيده له بالعقاب على معاصيه إلى تكليفه وتحميله المسؤولية فى الحياة الدنيا ونحوها مما أكّده القرآن الكريم كلّ ذلك يعدّ خير دليل على اختيار وحرية الإنسان.

 

وقد حاول البعض أن يستدلّ ببعض الآيات على كون الإنسان مجبوراً

 مثل قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏[13]

وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ‏[14].

إلّا أنّ الجواب عن هذه الشبهة بات واضحاً من خلال ما تقدّم من الآيات القرآنية التى تصرّح بأنّ العمل الصادر من الإنسان هو عمله وهو المسؤول عنه والمثاب عليه أو المجازى به.

بل هنالك آيات جمعت فى سياق واحد بين المشيئتين (مشيئة الإنسان ومشيئة الله تعالى) كقوله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ‏* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏[15] وهى صريحة فى أنّ الإنسان هو صاحب المشيئة، وأنّه هو الذى يختار أن يستقيم، وما ذلك إلّا لأنّ الله تعالى أراد أن يكون الإنسان مختاراً وحرّاً فى تصرفاته.

مضافاً إلى تصريح القرآن الكريم بأنّ الله تعالى لو شاء أن يهدى الإنسان هداية جبرية لأمكن ذلك، ولكنه لم يشأ ذلك، بل شاء أن تكون هدايته للإنسان من خلال إرادة الإنسان نفسه؛ ولذا قال تعالى: فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ‏[16].

فهذه الآيات القرآنية تكشف لنا أنّ لله تعالى القدرة المطلقة من جهته، كما تكشف من جهة أخرى أنّ الله تعالى قد شاء أن يكون الإنسان حرّاً مختاراً فى قبوله الحقّ أو رفضه.

كذلك ثمة آيات أخرى تقرّر أنّ الإنسان هو الذى يختار ويريد وأنّ الله تعالى يعامله فى ضوء ما يختار من حرث الدنيا أو حرث الآخرة  كما فى قوله تعالى:) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ(‏[17]

وقوله تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَ لكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِى يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَىْ‏ءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ مَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ‏* وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ‏ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ[18].

إذاً اختيار وحرّية الإنسان عنصر جوهرىّ فى حياة الإنسان، وبغيرها تنتفى حكمة إرسال الرسل وحكمة التكليف والاختبار وينتفى قوله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏[19]

فحريّة الإنسان وقدرته على الانتقاء هى السرّ فى قابلية أفعاله للتقييم بالحسن أو القبح، وبدون ذلك لا يستحقّ أحد أن يلام أو يدان.

 

الخصوصية الثانية: الإنسان واقف على مفترق طريقين‏

هذه الخصوصية يعكس مضمونها القرآن الكريم فى آيات متضافرة

 منها قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً [20]

وقوله تعالى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ[21] ونحوها.

فإنّ الله تعالى خالق هذا الإنسان ومقدّره ومدبّره وخالق قواه وطاقاته ومهديها وموجّهها، فهو واهب القدرة له على الفعل وعلى الترك، وقد شاءت حكمته تعالى أن يجعل هذا الإنسان مختاراً واقفاً على مفترق طريقين‏ إمّا طريق الخير وإمّا طريق الشرّ.

وهذا يكشف عن أنّ مقتضى واستعداد الإنسان للإيمان موجود فيه، كذلك مقتضى واستعداده للكفر، فيستطيع أن يؤمن ويستطيع أن يكفر، ومردّ ذلك إلى أنّ الإنسان مركّب من جوهرين نفس وبدن أو عقل وشهوة وغيرها من التعابير التى تشير كلّ واحدة منها إلى زاوية من زوايا وجوده

 فالروح من عالم الملكوت والبدن فى عالم الملك؛ قال تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‏[22].

والبعد البدني «المتمثّل بالشهوة» الذى يقوم بجذب الإنسان نحو الشهوات والميوعة والتعدّى والإسراف على النفس والمجتمع، ومن ثمّ فالشهوة تدفع الإنسان نحو الرذيلة التى تزلّه وتذلّه، وإن كانت الشهوة فى حدّ نفسها كمالًا وليست رذيلة.

أمّا البعد الروحى فهو قوّة تدفعه إلى ترك الشهوات وتعديلها والجنوح إلى الأعمال الحكيمة والأفعال الفاضلة فتسعده وتصعد به إلى ارتقاء الدرجات العالية من الكمال، فبواسطة العقل يمكن للإنسان أن يجعل الشهوات والغرائز تحت زعامته، فكلّما كان العقل أقوى حكماً فى أفعال الإنسان وسياساته وشؤونه، كان أقرب إلى الكمال وأبعد من الرذائل والانحطاط.

ومن هنا نجد المباحث الأخلاقية تتحدّث عن صراع بين النفس والعقل أو تقول إنّ هناك صراعاً دائماً بين النفس والعقل فى وجود الإنسان فتتغلب النفس تارة وينتصر العقل تارة أخرى، فالإنسان يحمل فى أغوار نفسه خصمين متناحرين لا ينتهى خصامهما ولا يهدأ تناحرهما.

ففى كلّ إنسان اتجاهان، أحدهما يدفعه إلى الرقّى والسموّ، والآخر يحثّه نحو الإخلاد إلى الأرض والغور فى المادّيات والشهوات.

إذاً الإنسان واقف على مفترق طريقين إمّا طريق الكمال وإمّا طريق‏ الانحطاط والسقوط؛ لأنّ الإنسان خُلق مقروناً بغرائز علوية وسفلية، فله ميول حيوانية كالشهوة والغضب وحبّ المال والثروة والأنانية وغيرها من الأفعال الناشئة من الشهوة والبدن.

وأمّا جانب العقل والروح فيرتبط من خلاله بما وراء الطبيعة فيميل إلى العدل والصدق والوفاء وغير ذلك من الصفات الكمالية.

وحاصل ما تقدّم أنّ الإنسان واقف على مفترق طريقين: طريق الخير والشرّ، وبإرادته يقرّر مصيره ويوجّه مسيره، فيفوز أو يهلك باختياره.

إنسانية الإنسان بروحه‏

يمكن الاستدلال على هذه الحقيقة بالنحو التالي:

لو لم نعتبر إنسانية الإنسان بروحه وأنّها الأصل فى وجود الإنسان وقلنا أنّ تأثير الروح فى تحقّق الإنسان على حدّ مساوٍ مع تأثير البدن، فلابدّ عندئذٍ من القول بانعدام الهوية الإنسانية للإنسان حين فناء بدنه، لأنّ الشى‏ء المركب من جزئين والذى تتوقّف شيئيّته عليهما معاً، إنّ هذا الشى‏ء ينعدم بانعدام أحدهما كما يقال «إنّ الكل ينتفى بانتقاء أحد أجزائه» فالماء المركّب من الأوكسجين والهيدروجين فإنّه ينعدم بانعدام أحد جزئيه،

 فى حين اننا حينما نأتى إلى الإنسان نلاحظ أنّ بدنه يتحلّل تدريجياً فى هذه الدنيا، فبعد عدّة سنين لا تكون الخلايا السابقة موجودة بعينها، من دون أن يضرّ ذلك ببقاء الإنسان بل إنّ هويته الإنسانية محفوظة وثابتة على طول عمر الإنسان، كذلك نجد أنّ الجسم يتحلّل بموت الإنسان ومع ذلك لا تنعدم الهوية الإنسانية للشخص، وإنّما هى محفوظة إلى يوم القيامة، ومن هنا ندرك أنّ الروح هى الأصل فى إنسانية الإنسان وأنّها سنخ وجود مغاير للبدن.

ومن هنا نجد القرآن الكريم يذكر فى سورة السجدة شبهة منكرى المعاد القائلة بأنّ الموت سبب لتفسّخ أعضاء البدن وهو يلازم انحلال شخصيّته، فكيف يمكن إعادته وجمع بدنه المتناثر، فإنّ الاجتماع بعد التفرقة لا يعيد شخصيته الأولى، بل يضفى عليه شخصية أخرى ليست مسؤولة عن أعمال الإنسان؟

هذه الشبهة يقرّرها القرآن الكريم بقوله تعالى: وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِى الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ‏[23].

والجواب التفصيلى يبيّنه القران الكريم بقوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ‏[24]

فالله تعالى يقول إنّ واقع الإنسان ليس هو البدن وأجزاءه المتفرقة، وإنّما واقعه محفوظ بالروح الذى يأخذه ملك الموت ويرجعه إلى ربّه وهو لا يمسّه الانحلال والتحلّل.

لذا قال تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‏[25].

فالآية المباركة فى صدد بيان بداية خلق الإنسان ونشأته، وأن النشأة الأولى كانت من طين؛ قال تعالى: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ‏ )[26] وقوله تعالى: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)‏[27]

وقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ‏* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَكِينٍ‏* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ‏ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏[28]

ومن هنا عندما جاءت الآية المباركة تقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ‏

جاء الجواب: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[29]

بمعنى أنّ الله تعالى يقول فى جواب السائلين عن حقيقة الروح أنّ الروح حقيقة توجد عن طريق أمر الله فحسب.

أمّا لماذا يخصّص الروح من أمر الربّ مع أنّ البدن من أمره أيضاً؛ إذ لا يوجد شى‏ء من غير أمر الله تعالى كما فى قوله: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏[30]؟

فالجواب: أنّ البدن له قوانين، والروح لها قوانين أخرى، بمعنى أنّ نشأة البدن تبدأ من المادّة وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ‏[31]  أمّا الروح فهى تبدأ من الأمر الإلهى الخاصّ، ولهذه الخصوصية امتيازات الروح عن البدن.

بعبارة أخرى: تريد الآية أن تقول إنّ الذى يبدأ من نشأتكم هو البدن وهو الذى ينتهى ويفنى، أمّا الذى يأتى مباشرة منه تعالى فهو باقٍ لا يفنى ولا يزول.

 

الفرق بين الإنسان والملائكة

بعد أن تبين أنّ الإنسان مختار وأنّه على مفترق طرق، يتّضح أنّه يفترق‏ عن الملائكة، من جهة أنّ الملائكة وإن كانت مختارة إلّا أنّها غير واقفة على‏ مفترق طرق، والسبب فى ذلك أنّ الملائكة لم تركِّب من عقل وشهوة كما هو الحال فى الإنسان، وإنّما ركّبت من عقل بلا شهوة، كما أنّ الحيوان كذلك غير واقف على مفترق طريقين؛ لأنّه ركِّب من شهوة بلا عقل.

ففى الرواية عن عبد الله بن سنان قال: «سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليه السلام‏: إنّ الله عزّ وجلّ ركّب فى الملائكة عقلًا بلا شهوة، وركّب فى البهائم شهوة بلا عقل، وركّب فى بنى آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم‏»[32].

إذاً: الخصوصية الثانية فى الإنسان أنّه على مفترق طرق لتركُّبه من عقل وشهوة.

وعلى هذا الأساس، يمكنه أن يتسامى ويصعد إلى الله تعالى ويصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى؛ ذلك المقام الذى قال فيه جبرائيل للنبى صلّى الله عليه وآله: «لو دنوتُ أنمله لاحترقت‏»[33].

وفى المقابل، فإنّ هذا الإنسان يمكنه أن يتسافل ويتسافل ويبتعد عن الله تعالى، كما فى الآية المباركة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ‏[34].

وحاصل ما تقدّم:

1 أنّ الإنسان موجود مختار واقف على مفترق طرق.

2 أنّه يستطيع أن يتسامى ويستطيع أن يتسافل.[35]

 

 

 

 

[1]  يونس: 99.

[2] البقرة: 256.

[3]  آل عمران: 20.

[4]  الكهف: 29.

[5] الشورى: 48.

[6] الغاشية: 22 21.

[7] الزمر: 41.

[8]  الإنسان: 3.

[9] البلد: 10.

[10]  الشمس: 8 7.

[11]  الحجر: 42.

[12]  إبراهيم: 22.

[13] الصافات: 96.

[14]  فاطر: 8.

[15]  التكوير: 29 28.

[16]  النحل: 149.

[17] الشورى: 20.

[18] هود: 102 101.

[19]  البقرة: 39 38.

[20] الإنسان: 3.

[21] الكهف: 29.

[22]  الحجر: 29.

[23] السجدة: 7.

[24]  السجدة: 11.

[25] سورة ص: 72.

[26]  الأنعام: 2.

[27]  الصافات: 11.

[28] المؤمنون: 14 12.

[29]  الإسراء: 85.

[30]  الأعراف: 54.

[31]  السجدة: 11.

[32]  علل الشرائع، مصدر سابق: ج 1 ص 5 4.

[33]  مناقب آل أبى طالب، ابن شهراشوب المازندرانى( ت: 588 ه)، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376 ه: ج 1 ص 155.

[34]  التوبة: 38.

[35] حيدرى، كمال، فلسفة الدين: مدخل لدراسة منشا الحاجة الى الدين و تكامل الشرايع، 1جلد، دار فراقد - قم - ايران، چاپ: 1، 1431 ه.ق.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/01/30   ||   القرّاء : 2946


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net