تعرضوا لنفحات ربكم
تعرضوا لنفحات ربكم
(إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها, لعله أن يصيبكم نفحة منها (اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده...)
ما تقدم يشير إلى نوع خاص من الألطاف الإلهية, وليست الألطاف العامة الشاملة لكل الناس، والدليل عليه وجهان
1 التعبير بالنفحات والنفحة: هي القطعة من الشيء أو هي الدفعة منه وليس كله ولا معظمه، كقوله تعالى: (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأنبياء:46),
2 الأثر العظيم المترتب على التعرض لها والتوفيق للشمول بها
فالمراد من النفحات: ألطاف إلهيّة خاصة إذ أن الألطاف الإلهية العامة متواصلة على طول الدهر
والتعرض لتلك النفحات يكون بالتعرض لأسبابها, واقتناص فرصها, وهي غير معروفة بالتحديد؛ لأن الله تبارك وتعالى أخفى رضاه في طاعته, كما أخفى سخطه في معصيته.
لذا فحريٌّ بطالب الكمال والسعادة, أن يتعرض لكل ما يتيسر له من سبل الطاعة وفرص الخير, عسى أن تكون إحداها سببا لنيل الألطاف الخاصة(تعرضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته) (إذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخّره, فإن الله عز وجل ربما اطلع على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول: وعزّتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبداً، وإذا هممت بسيئة فلا تعملها، فإنه ربما اطلع على العبد وهو على شيء من المعصية فيقول وعزّتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبداً)
المسارعة الى الخير
وهذه المسارعة إلى فعل الخير لها ما يبررها من أكثر من جهة
1 إن الفرص تمرُّ مرَّ السحاب, وقد لا تتكرر؛ وإضاعة الفرصة غصة, وإن عُمر الإنسان وهو رأس ماله في المتاجرة مع الله تعالى في تناقص
دقات قلب المرء قائلة له ان الحياة دقائق وثوان
وكل ثانية من عمره, يمكن أن ترفعه درجة عند الله تعالى
2 إن التأخير يُعطي فرصة للشيطان, والنفس الأمارة بالسوء للوسوسة والتثبيط
وإضعاف الهمّة: (من همَّ بشيء من الخير فليعجّله، فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة)
3 إن القلوب لها أحوال متغيرة, فتارة تكون في إقبال على الطاعة, وأخرى في إدبار,(وكما في الرواية : إنما هي القلوب مرة تصعُبُ ومرةً تسهُل)
4 إن الطاعة والمعصية إنما هي جهد او لذة اللحظة فيجب التفكير في عواقب الامور وشتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره
كما يقول الامام علي عليه السلام
... (اصبروا على طاعة الله، وتصبّروا عن معصية الله, فإنما الدنيا ساعة, فما مضى فليس تجد له سروراً ولا حزناً وما لم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة
أشكال النفحات
وسببية التعرض للنفحات للحصول عليها وشمولها أمر طبيعي، كما أن البائع الذي يتعرض للناس ببضاعته ويتفنن في عرضها, يكون الإقبال عليه أكثر من التاجر الساكن الخامل، مع أن الله تعالى قد تكفّل للجميع بالرزق، ولكن ألطافاً خاصة تعطى للمتعرض لها دون غيره
ومع أن الطاعات كلها شكل من أشكال التعرض للنفحات الإلهية إلا أن لبعض الموارد مزيد عناية ومظنّة لتلك النفحات، وبعض هذه الموارد: (مكانية) كالمساجد والعتبات المقدسة وفي حلقات العلم ومجالس الموعظة والإرشاد
وبعضها (زمانية) كليلة الجمعة ويومها, والأشهر الشريفة
وبعضها (حالية) كاجتماع المؤمنين, والدعاء للغير, وحال التوجّه والاضطرار وانكسار القلب وبعد الصلوات المفروضة..
لطف الله تعالى للجميع
كما في الأدعية (يامَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يامَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً) و(..وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصاكَ وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ ناواكَ) لكن بعض النفحات تتطلب تعرضاً لها. وإذا تهيّب الفرد أو تردّد ولم يقتنص الفرصة ويبادر إليها فإنه سيحرم بركتها: (قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير)
طلبات جامعة
وتوجد في بعض الأدعية طلبات جامعة لخصال الخير كله كما في أدعية رجب (أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتي إِيّاكَ, جَميعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَجَميعَ خَيْرِ الآخرة، وَاصْرِفْ عَنّي بِمَسْأَلَتي إِيّاكَ, جَميعَ شَرِّ الدُّنْيا وَشَرِّ الآخرة..) وفي دعاء آخر (اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ َاَنْ تُدْخِلَني في كُلِّ خَيْر اَدْخَلْتَ فيهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّد(صلى الله عليه واله)، وَاَنْ تُخْرِجَني مِنْ كُلِّ سُوء اَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّد صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ)