شهر رمضان والثواب الجزيل على الطاعات
شهر رمضان والثواب الجزيل على الطاعات
فإن المتتبع في الروايات يجد انها تذكر من الثواب ما لا يحلّق إليه الخيال وحسبنا من ذلك ما ورد في الخطبة الشعبانية وفيها:
أيُّها النَّاسُ، مَنْ فطَّر منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشَّهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه
قيل: يا رسول الله، وليس كلُّنا يقدر على ذلك؟
فقال (صلَّى الله عليه آلِهِ وسلَّم): اتَّقوا الله ولو بشقِّ تمرة
اتَّقوا الله ولو بشربة من ماء، فإنَّ الله يهب ذلك الأجر لمَن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه..
منْ حسَّنَ منكم في هذا الشَّهر خُلَقَه كان له جواز على الصِّراطِ يوم تزّل فيه الأقدام
ومَنْ كفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه،
ومَنْ أكرم فيه يتيمًا أكرمه الله يوم يلقاه،
ومَنْ وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومَنْ قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ...
ومَنْ تطوَّع فيه بصلاةٍ كتب الله له براءة من النَّار
ومَنْ أدَّى فيه فرضًا كان له ثواب مَنْ أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشُّهور
ومَنْ أكثر فيه من الصَّلاة عليَّ ثقَّل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين، ...
ومَنْ تلا فيه آية مِن القرآن كان له مثل أجر مَنْ ختم القرآن في غيره من الشُّهور، ..."
أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب
ما الحِكمة في منح الله تعالى الثواب المذهل؟
1 لأن جُوده تعالى لا حدّ له
انّ كرم الله تعالى لا يقاس بغيره.. فإنه جواد كريم وهّاب.. وقد قيّدت حكمته كرمه في الحياة الدنيا.. أما الآخرة فهي مجلى كرمه وعظمته..
وكما انه جل اسمه لا متناهي ولا محدود فكذلك عطاؤه لا متناهي ولا محدود وقد قال تعالى: (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) الزمر: 10
2 المثوبات المذهلة تكافح العادات الراسخة وقوة إبليس
وفي دائرة النفس الإنسانية وصفاتها وعاداتها فإن العادات الراسخة والإدمان على الغيبة أو التهمة أو إيذاء الأولاد والزوجة أو الجيران أو الرشوة أو الربا أو الغش والاحتيال أو غير ذلك، تمتلك قوة ذاتية كبيرة جداً على البقاء والاستمرار.. كما يزيدها إبليس وشياطينه قوة ورسوخاً كما تزيد الأهواء والشهوات الإنسان اندفاعاً أكبر نحو تلك المعاصي.
ومن هنا نستكشف بعض الحكمة في لطف الله تعالى الكبير بمنحنا الأجر العظيم المذهل على الطاعات وعلى ترك المحرمات.. حيث ان هذا الأجر العظيم يشكل القوة المعاكسة لقوة الدفع الشيطانية والحافز المضاد الذي يحمل طاقة كبيرة لمكافحة الإدمان.. وذلك على حسب مستوى عامة الناس الذين يتعاملون بمنطق التجار..
كان لا بد من هذا الأجر العظيم الذي يداعب القوة المتخيلة بقوة كبيرة جداً فيزداد حافز الإنسان إلى أبعد الحدود. ويكون خير تعويض عن ضعف الاحتمال، لدى البعض، بأن يعوّض بقوة المحتمل وعظمته.
3 فالأجر العظيم مقتضى الحكمة ومقتضى العدل
فالشيطان منح سلطة (اغوائية – لا جبرية).. وأنّى لابن آدم المسكين أن يواجه بمفرده إبليس وجنوده وهو يمتلك تلك القوة الرهيبة؟.. لذلك وفي المقابل، ولإيجاد التوازن مع نوازع الشر الكبرى هذه، كان من الضروري بالنظر إلى الحكمة، إعطاء ذلك الأجر العظيم الكبير المذهل.. كي تتكافأ الكفتان وتتوازن كفّتا الميزان في الإنسان الذي خلقه الله تعالى مخيّراً وأراه الطريقين بـ (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْن) البلد: 10.
و(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُورا الإنسان: 3
هذا كله بحسب منطق التجار الذي يحمله غالب الناس، ، وهناك منطق العبيد الذين لا يستثيرهم الأجر العظيم فكان لا بد إلى جوار ذلك من العذاب الإليم.. ومن هنا نجمت فلسفة أنواع العذاب الغليظ الشديد.. حيث انه لما كان العذاب من الغيب كان غير زاجر، للعديد من الناس، إلا إذا زادت درجة العقوبة إلى درجات رهيبة...
ولكنّ ذلك في غير الأوحدي من الناس أي في غير أعاظم الأولياء الذين يعبدون الله تعالى لا لطمع تجاري ولا لخوف ناري بل كما قال الإمام علي (عليه السلام): (مَا عَبَدْتُكَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ وَلَا خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ)
كما ان الأجواء المثالية تعدّ خير حافز وأفضل مشجع وباعث على تغيير الذات نحو الأفضل وعلى اقتلاع جذور العادات السيئة وإحلال العادات الحسنة محلها.