السجود سبيل تخفيف الوزر والقرب من الله تعالى
السجود سبيل تخفيف الوزر والقرب من الله تعالى
ورد في الخطبة الشعبانية للنبي الاكرم (ص) أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ.
فالسجود حالة يكون العبد فيها أقرب ما يكون إلى الله تعالى كما انها الحالة التي ترغم أنف الشيطان وتكفل للإنسان رضا الرحمن
وقد ورد عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ)
بل قد دخل ذلك في دائرة ضمان الرسول (صلى الله عليه وآله) لدخول الشخص الجنة فعن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ قَوْماً أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اضْمَنْ لَنَا عَلَى رَبِّكَ الْجَنَّةَ قَالَ: فَقَالَ: عَلَى أَنْ تُعِينُونِي بِطُولِ السُّجُودِ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَضَمِنَ لَهُمْ الْجَنَّةَ)
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: سَلْ مَا شِئْتَ
قَالَ: تَحَمَّلْ لِي عَلَى رَبِّكَ الْجَنَّةَ قَالَ: تَحَمَّلْتُ لَكَ، وَلَكِنْ أَعِنِّي عَلَى ذَلِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)
ولعل من أسباب ذلك أن السجود يرغم أنف الشيطان فعن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَطَالَ السُّجُودَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، قَالَ الشَّيْطَانُ: وَا وَيْلَاهْ أَطَاعُوا وَعَصَيْتُ، وَسَجَدُوا وَأَبَيْتُ)
بل إذا أراد المرء أن يحشر مع أعظم خلائق الله تعالى، فعليه بإطالة السجود فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ:
عَلِّمْنِي عَمَلًا يُحِبُّنِي اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيُحِبُّنِي الْمَخْلُوقُونَ، وَيُثْرِي اللَّهُ مَالِي، وَيُصِحُّ بَدَنِي، وَيُطِيلُ عُمُرِي، وَيَحْشُرُنِي مَعَكَ فَقَالَ: هَذِهِ سِتُّ خِصَالٍ تَحْتَاجُ إِلَى سِتِّ خِصَالٍ
إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُحِبَّكَ اللَّهُ فَخَفْهُ وَاتَّقِهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُحِبَّكَ الْمَخْلُوقُونَ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ وَارْفُضْ مَا فِي يَدَيْهِمْ،وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُثْرِيَ اللَّهُ مَالَكَ فَزَكِّهِ،وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُصِحَّ بَدَنَكَ فَأَكْثِرْ مِنَ الصَّدَقَةِ،
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُطِيلَ اللَّهُ عُمُرَكَ فَصِلْ ذَوِي أَرْحَامِكَ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَحْشُرَكَ اللَّهُ مَعِي فَأَطِلِ السُّجُودَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار)
بل ان كثرة السجود اوصلت النبي ابراهيم عليه السلام إلى مرتبة الخُلّةَ مع الله تعالى
فقد ورد عن ابن أبي عمير عمن ذكره قال: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): لِمَ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا؟ قَالَ: لِكَثْرَةِ سُجُودِهِ عَلَى الْأَرْض)
وهنالك علل أخرى لاتخاذ الله تعالى إبراهيم خليلاً فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: (اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ أَحَداً، وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَداً غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل) والظاهر ان تعدد الأسباب نظراً لأن الـخُلّةَ على درجات فكل مرتبة منها سببه واحد مما ذكره (عليه السلام)..
الأئمة (عليهم السلام) الاسوة العملية في السجود
وقد شكّل أئمة الهدى (عليهم السلام) الاسوة العملية لنا في كثرة السجود، فقد روي عن منصور الصيقل قال: (حَجَجْتُ فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ فَأَتَيْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) سَاجِداً فَجَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَأُسَبِّحَنَّ مَا دَامَ سَاجِداً فَقُلْتُ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ رَبِّي وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَمِائَةِ مَرَّةٍ وَنَيِّفاً وَسِتِّينَ مَرَّةً، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ نَهَضَ فَاتَّبَعْتُهُ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: إِنْ أُذِنَ لِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتُمْ تَصْنَعُونَ هَكَذَا فَكَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ؟
وحدّث مولى للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (أَنَّهُ (عليه السلام) بَرَزَ يَوْماً إِلَى الصَّحْرَاءِ قَالَ: فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنَةٍ، فَوَقَفْتُ وَأَنَا أَسْمَعُ شَهِيقَهُ وَبُكَاءَهُ، وَأَحْصَيْتُ عَلَيْهِ أَلْفَ مَرَّةٍ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقّاً حَقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعَبُّداً وَرِقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِيمَاناً وَتَصْدِيقاً وَصِدْقاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ وَإِنَّ لِحْيَتَهُ وَوَجْهَهُ قَدْ غُمِرَا بِالْمَاءِ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ...