هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 وثيقة التفاهم ضمانة وطنية تجب حمايتها

 وقفات مع الزيارة الجامعة

 الافتتاحية : الاخلاد الى الارض

 الإمام الحسين والإمام الحسن في دور واحد

  لطائف وفوائد

 الشيعة وتأسيس الكيان اللبناني

 حول علم الكلام وعلاقته بالفلسفة

 نظرة أولية في الديموغرافيا اللبنانية(1)

 الإمام السادس الإمام جعفر الصادق علیه السلام

  الصوم فلسفته و احكامه

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7021325

  • التاريخ : 19/03/2024 - 10:56

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : مفاهيم .

              • الموضوع : دور الأمهات في تربية وتغيير سلوك الأبناء .

                    • رقم العدد : العدد العشرون .

دور الأمهات في تربية وتغيير سلوك الأبناء

 

 دور الأمهات في تربية وتغيير سلوك الأبناء

 

 الشيخ عبد الهادي عاصي

ذكرنا في العدد الماضي أهمية دور الأم في التربية والتغيير وقلنا أن دور الأم أعظم وأخطر من دور الأب لأنها تتعامل مع أثمن شيء في الوجود وهو الطفل.

وقلنا بأن عمل الأم هو صناعة الإنسان وزرع الحب والفضيلة والرحمة والعاطفة والحنان والتضحية والإيثار في نفسه فيجب الوقوف أمام هذا العطاء موقف الإجلال والتعظيم لذا قال الرسول الأعظم (ص) الجنة تحت أقدام الأمهات

في هذا البحث سنحاول أن نبرز دور الأم في كشف العالم الخارجي للطفل وما هي الأمور التي يجب أن يتعلمها الطفل من أمه.

يولد الطفل والذهن صفحة بيضاء خالية من أي شيء له علاقة بثقافة العالم الذي يعيش فيه كما يقول أمير المؤمنين علي (ع) إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبله فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك[1]

فالطفل يتعلم التقاليد والعادات من خلال معاشرته لأمه والأهل والأقارب ومجتمعه.

والحلقة الأهم في حياة الأم هي تربية الطفل ولكن ليست أي أم، وإنما الأم التي تشعر وتلمس أهمية التربية ودورها في صناعة التاريخ، وهنا ترتبط الأم بولدها بأقوى علاقة ورابطة وهي رابطة التعليم، ومنها تستطيع أن تنجح في تلقين التراث الثقافي للجيل الجديد وتهيئته للحياة المستقبلية.

ولكي تقوم الأم بهذه المهمة يجب أن تنتبه إلى كل ما تلقنه لطفلها وخصوصاً في سنيّ حياته الأولى لذا يجب مراعاة الدقة والتعمق الكافيين في تربية الطفل.

ففي السنين الأولى من عمر الطفل تختلف وظائف الأم عن واجبات الأب تجاه الطفل فوظيفة الأم هي تربية جسمه وروحه وعقله وأما واجب الأب غالباً ما ينحصر بالجانب المعيشي ولذلك فإن جهل الأم أو تجاهلها بكيفية التعامل مع طفلها لا شك له عواقب وخيمة على الطفل أكثر من جهل الأب وما أكثر الأمهات اللآتي بسبب جهلهن بقواعد التربية الصحيحة والسليمة يُنشئن أطفالاً تعساء وفاشلين في مجتمعهم.

1-    التعليم بالعمل والقدوة:

أكثر ما يتعلمه الطفل على مدى سني الطفولة والتي يقضي معظمها في البيت من آداب وعادات بواسطة النظر واللمس ومسك الأشياء والاستفادة منها والجلوس والقيام والمشي والكلام، بمعنى أن الأم لا تعلم الطفل بلسانها فقط، وإنما يقتبس الطفل تجسم الحياة بما يشاهده من حركاتها وسلوكها.

 لذا فالأم التي تعيش الكآبة أو الضجر أو التي تلعن طالعها وتشتكي حظها أمام الطفل سوف تترك آثاراً سلبية على نفسيته وروحه والعكس صحيح.

وعندما نأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار ممكن أن نعتبر أن الأم الموظفة والمشغولة خارج المنزل لا يمكن أن تكون أماً مثالية، لأن الأم التي تعود من عملها مرهقة النفس ومتعبة الأعصاب كيف تستطيع أن تكون مثالاً فكرياً هادياً للطفل، لأنها تكون بحاجة إلى من يزيل عنها غبار التعب والإرهاق ويهدئ أعصابها.

2-    الجوانب التي يجب أن يتعلمها الطفل.

يجب أن يتعلم الطفل في البيت أصول الحياة الفردية والاجتماعية والتي لا يمكن له بالطبع أن يتعلمها من خارجه: مثل أصول المعاشرة مع الناس بمعنى أصول احترام الآخرين وحسن الخلق أصول التخاطب والكلام وعدم المشاكسة، والنظافة الشخصية وآداب النوم والجلوس مع الناس، والهمة العالية وعدم الإتكالية.

كما يجب التدرج في تعليم أصول الحياة للطفل وفقاً لعمره وحاجته إليها، فليس من المنطقي أن يُحشى عقله بمفاهيم وأصول ليس محتاجاً إليها ويمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية.

ولا يمكن أن نلقن الطفل الآداب وأصول الحياة والقواعد بالقوة ثم نطالبه أن يطبقها عن طيب خاطر ورغبة، بل عن طريق الحب والحنان يمكن تعليمه أصول الحياة وإجباره على رعايتها في تصرفاته، بحيث نلقيها في عقله بصورة غير مباشرة ثم انتزاعها من فمه والقيام بشيء يجعل الطفل يصلح نفسه طبقاً للقواعد والأصول. كما علينا أن لا نقيس الطفل بأنفسنا لأن التعامل معه كالكبار ومنعه من حركاته الطفولية يشكل ضغطاً نفسياً وروحياً عليه فيجب ملاحظة عمره ومرحلته وظروفه، كما أن ضرب الأمثال وقص القصص المناسبة للطفل يساعد على تلقيه المعلومات بشرط أن تكون قابلة للفهم والإدراك.

ـ الدور الروحي والمعنوي للأم:

بالنسبة للجانب المادي للطفل تستطيع أي أم أن تقوم بالوظائف التي ترتبط به، أما الجانب الروحي والمعنوي لا يمكن القيام به إلا من قبل الأمهات المثقفات والواعيات، لذا لا يكون تربية إلا إذا زكت الأم نفسها أولاً وليس بالكلام فقط بل بالتقوى والوعي والنضوج والعبادة والتي لها أثر كبير في أسلوب التربية والبناء.

ـ التقوى عند الأم وتأثيرها:

قال تعالى:{ولباس التقوى ذلك خير}[2]

أسس المجتمع الإسلامي تُبنى على الفضيلة والتقوى والشرف والعفة لذا لا يمكن أن تتم التربية إلا باضطلاع أمهات نقيات ومتقيات لمسؤولية التربية، لأن الأم هي أول شخص يبذر بذور التربية الصحيحة في روح الطفل ونفسه، فسلوكها وأسلوب تربيتها وطريقة تفكيرها وتقواها لها أثر كبير على صياغة شخصية الطفل وتنشئته النشأة السليمة.

أي جيل نريد؟ :

منطقياً من وقبل البدء بعملية التربية علينا أن نحدد نوع الجيل الذي نسعى لصياغته وأي نوع من الأفراد نريد بناءهم؟!

ولا شك ولا ريب أننا نريد أن نربي إنساناً يستطيع تحت ظل إيمانه بالله أن يقوّم أعماله وسلوكه، نريد أن نربي جيلاً طاهراً يتمتع بالأخلاق والحياء والإنسانية بعيداً عن الشيطان وعن الذنوب والجرائم جيلاً نشطاً وفعّالاً في الشدة والرخاء يؤدي وظائفه الفردية والاجتماعية على أحسن ما يرام[3]

أسس التقوى وأهميتها عند الأم:

التقوى هي صيانة النفس عن ارتكاب الذنوب والشبهات وضروري للأم أن تصون نفسها من جميع المعاصي والانحرافات وتقوية الحالة العصامية فيها كي تستطيع أن تقوم بدورها في تربية الطفل تربية صالحة وإلا فإنّ النصائح والتوجيهات التي تقدمها لطفلها سوف لا تترك أثراً عليه وخاصة عندما نُسلّم بما يقوله العلم من تأثير العامل الوراثي النفسي على الطفل.

 

الدور الوراثي للتقوى في بناء التربية الإسلامية:

 تعتبر التقوى هي الأساس بل من أفضل الأعمال التي يحبها الله سبحانه لذا يجدر بالأم أن تسير على هذا الطريق وتصبغ روحها وفكرها وشخصيتها بصبغة التقوى، ولقد أثبتت التجارب أن الخيانة والاعتداء والعداوات ...إلخ. وكذلك رعاية حقوق الناس والدقة في التعامل معهم والاجتناب عن المعاصي والخوف من الله تعالى له تأثيره السلبي والايجابي في الطفل، ففي الوقت الذي تؤثر التغذية على تكوين جسم الجنين في بطن أمه فكيف لا تؤثر الذنوب من غيبة ونميمة وحسد وخيانة وسائر الرذائل الأخلاقية في الجنين؟. وكذلك يؤثر نوع غذاء الأم كما نعلم في مراحل الحمل والرضاع في تكوين الطفل المادي والنفسي لذا فعلى الأم اجتناب الغذاء المشبوه والحرام كالخمور ولحم الميتة وخصوصاً في فترة الحمل.

وخلاصة القول: إن طهارة الأم وسلامة سيرتها وتقواها له التأثير الكبير في تربية الجيل الجديد، فكلما كانت صالحة وحسنة السيرة كلما منحت المجتمع أفراداً صالحين وبأقل جهد وسوف لا يذهب سعيها في التربية ونشر الفضيلة سدى[4].

 

كيف تكون التقوى؟؟

آثار التقوى تتجلى في أعمال الفرد وفي حياته الشخصية والاجتماعية وتنعكس على سلوكه لذا يجب أن تتحكم التقوى بما تقوله الأم وما تسمعه وما تنظر إليه وتكون خطواتها محسوبة ولا تستعمل جوارحها في أذية الناس وأن تضبط أعصابها وتكظم غيظها في مقابل تصرفات وأخطاء طفلها وتسعى بالتي هي أحسن إلى إصلاحه وتحافظ على نقاء روحها بالتقوى فلا تتجرأ على ربها بالمعاصي ولا تخلط الفرح والسرور بالحرام، وأن تحفظ جسمها من لوث الشهوات وتحفظ ضميرها حياً ولا تسيء الظن ولا تستسيغ اللقاءات والاجتماعات التي تكدر صفو العيش وأن تجتنب الأماكن المشبوهة والتي تسبب سوء ظن الآخرين بها، كما يجب أن تبتعد عن مجالس اللهو واللغو والسوء في المجتمع.

والخلاصة: يكمن سر نجاح الرجال العظام في تربيتهم في أحضان أمهات طاهرات كما أنّ الإسلام لا يستبعد صحة المثل القائل وراء كل عظيم امرأة عظيمة فكم من امرأة طاهرة نقية استطاعت بنقاء روحها أن تنشئ رجلاً صالحاً وقائداً شجاعاً ومجاهداً أبياً ومعلماً أنقذ مجتمعه من الجهل والضلال[5]

 

أثر العبادة في نمو الروح المعنوية:

لا شك أن الأمومة من أخطر المهمات ولها مشاكلها الخاصة وتحتاج الأم إلى الشجاعة والصبر لتقاوم المشاكل التي تواجهها في مراحل تربية الطفل المتعددة فلا يمكن لها على هذا الأساس وبدون الارتباط الدائم بالله تعالى القادر الحكيم أن تقوم بواجبها على أحسن وجه ولا تستطيع أن تنهي هذه المهمة الصعبة بنجاح وسلام.

ويكمن سر العبادة في منح القدرة للعابد لإحساسه بالاتصال الوثيق وتعلقه بقدرة أزلية لا متناهية وخالق لكل القدرات.

والأهم في العبادة هو الجانب العملي في العبادة وإعطاؤها بعداً حياتياً في جميع شؤونها.

فالعبادة الحقيقية هي أن تعيش أجواء القرآن وتطبيق أحكام الله وتعاليمه عملياً وفكرياً وسلوكياً فالعمل والسلوك مهمان في العبادة فلا تؤثر في الطفل مئة كلمة حول العبادة بمقدار ذرة من عمل لا يستغرق سوى لحظات. فيجب غرس الروح الدينية في الطفل عن طريق العمل لا القول.

 

تأثير العبادة في التربية:

لا شك أن كل ما يراه الطفل من أمه يقوم بمحاكاته فيجب الاستفادة من هذه الغريزة لتقوية الروح الدينية لديه فعندما تُسقي الأم طفلها اللبن الممزوج بذكر الله سبحانه وهي لا تغفل أبداً عن ذكره حتى مدة حملها ويكون الذكر ورد لسانها في حياتها اليومية وتلقنه طفلها. وتبقى آثار النشاطات العبادية للأم في ذهن الطفل أبداً وحتى بعد موتها يقول الأمام الحسين(ع) في حق أمه الزهراء(ع) بعد أن أمضى ليلة مراقباً أمه وهي تدعو لجيرانها ولا تدعو لنفسها فبادرها بالسؤال لماذا لا تدعين لنفسك يا أماه كما دعيت لغيرك؟ فأجابت(ع) يا بني الجار ثم الدار[6]

والخلاصة: أن ترنم الأم الديني يؤدي إلى نشأة الطفل متديناً كما أن سائر الترنمات تؤدي إلى نشأته نشأة أخرى، وما أجمل أن تندرج العبادة مع كل مراحل تربية الطفل منذ انعقاد نطفته وحتى آخر مراحلها في البيت في طور النطفة والعلقة وفي أيام الرضاع وبقية مراحل تربيته تكون كلها بذكر الله ولذلك لا يمكن تصنّع العبادة بصورة مؤقتة بل يجب على الأم أن تكون عابدة في كل شؤون حياتها ولا تقتصر على لحظات خلوتها مع الله سبحانه في وقت الصلاة أو الصوم بل تمزجها بحياتها اليومية بشكل لا تغفل فيه عن ذكر الله ولو للحظة واحدة، لذا يجب على الأم أن تكون طاهرة ونقية في جميع الأوقات تراقب سلوكها وأقوالها وتسعى لتهذيب نفسها من الرذائل الأخلاقية وتقاوم إغراءات القيم المزيفة وتبحث عن القيم الأصيلة وتصبغ فكرها وعملها بالفضيلة وبالتالي يجب أن تختلف طريقة حياتها ومفاهيمها عن الغاوين والمنحرفين والمبهورين بصرعات الحضارة المادية.

 

دور الأم في تقويم سلوك الطفل:

لا يخفى أن أول مدرسة وقاعدة للتربية هي حضن الأم حيث يتعلم الطفل من هذه المدرسة الأخلاق والدين والسلوك ومن خصوصياتها أن ما يتعلمه الطفل فيها سيبقى معه إلى الأبد فالأثر الذي تتركه الأم في طفلها يكون إلى درجة تجعلنا نقرر بأن الآداب والأخلاق التي ستتحلى بها في المستقبل هي الامتداد الطبيعي لما تعلمه منها في صغره فقد يتعلم الطفل أشياء كثيرة أثناء مراحل رشده عن طريق السمع والبصر ولكن مشاهداته من الجوانب السلوكية والأخلاقية تنفذ إليه أسرع وتؤثر فيه أكثر.

ولذلك يمكننا القول أن أفضل وسيلة لتربية الطفل هي تقديم القدوة العملية له وتعتبر الأم أهم قدوة متجسدة أمام عينيه وما تقوم به الأم من أخلاقيات وسلوك ينطبع فيه فلا يمكن له عندما يرى أمه تكذب وتقلب الحقائق لأبيه وتتوسل بالحيلة والمراوغة أن ينشأ على عكس ذلك.

أما إذا رأى أمه صادقة أمينة مخلصة وذات قلب رحيم فسينشأ مثلها على الأرجح.

 

كيف نجعل الطفل يثق بأمه؟

بشكل عام يتربى الطفل على ما يشاهده من الوضع الظاهري لأمه وأبيه وسيكون من الصعب إعطاؤه الثقة عندما يكون أسلوبهما وطريقتهما وخصوصاً الأم غير سليم بحيث لا ينفذ ما يشاهده منهما إلى قلبه لذا على الأم حتى تكسب ثقة طفلها (لأن ما يستحسنه من أمه ينبثق من هذه الثقة) أن تبتعد عن السطحية والغوغائية والسلوك المنحرف لأننا قد نرى الأم تضيع وقتها عندما تنشغل بإسداء النصائح مراراً وتغرق في بحر من الجهل والتناقضات مما تجعل الطفل لا يشمئز منها أحياناً بل من كل ما اسمه نصيحة، فلتنتبه الأم خصوصاً على أن لا تكدر حياة طفلها وتخلق عنده أحساساً بالريبة والخوف وتسلب منه الثقة بسبب جهلها أو حقدها أو تسرعها لذا تستطيع الأم العاقلة وذات التدبير أن تنقذ طفلها وأسرتها من الحيرة والضلال الناشئ عن الجهل وتمنع طفلها من القلق والانحراف فالكسل والاضطراب والكآبة وإتباع الهوى بشكل ما يؤثر في الطفل. وعند الدوام عليه وتكراره يصبح عادة وسلوكاً لديه[7].

 

متى نعلّم الأصول الأساسية لسلوك الطفل؟

منذ الشهر الأول يكون الطفل تحت سيطرة ونفوذ حركات وسكنات الأم فهو موجود منفعل وتحت تأثير ولي أمره ولكن سلوكه لا يثبت ولا تستقر أخلاقه على حال حتى نهاية السنين الثلاث الأولى من عمره ليبدأ بعد ذلك برسم معالم شخصيته وتحديد أبعادها شيئاً فشيئاً، وفي السنة الثالثة من عمره تتكوَّن عند الطفل حالة من التمرد والعصيان نتيجة لسعيه نحو الاستقلالية، هنا يجب السيطرة على هذه الحالة من التمرد بحنكة والتحكم فيها من أجل تقويمها، لأن السنين الثلاث الأولى من العمر لها أهمية قصوى في هذا الجانب وفي السنين القادمة يجب شرح أسباب كثيرة من الأوامر والنواهي والقواعد التربوية في السلوك والتعليم حيث تكمن في هذه الأوامر والنواهي المصلحة للطفل.

فالطفل يُصر على أن يمتلك حرية مطلقة للحصول على أشياءه ورغباته وبلا قيود، وهذا ليس في مصلحته لأنه في حال الاستجابة لها تجعل الطفل مغروراً ولجوجاً يفعل ما يشاء بلا وازع وحينئذٍ يفقد الوالدان السيطرة عليه.

نعم، يحتاج الطفل من أجل ديمومة حياته وإصلاح سلوكه إلى تحكم قوي ويجب توجيه الطفل وتعديل ميوله لأن لديه حباً شديداً للسيطرة فإذا أطلق له العنان فسوف يصبح سلوكه استبدادياً ويسلب الآخرين راحتهم وأمنهم.

وهنا طبعاً التحكم والسيطرة في سلوكه ليس إلى حدّ التدخل في كل شاردة وواردة، أي في شؤونه الخاصة بحيث يفقد الطفل شخصيته واستقلاله.

 

الصبر ودوره في التربية:

قال تعالى:{واصبروا إن الله مع الصابرين}[8] وقال(ص): علامة الصابر في ثلاث: أولها أن لا يكسل والثانية أن لا يضجر والثالثة أن لا يشكو من ربه عزّ وجلَّ لأنه إذا كسل فقد ضيّع الحق وإذا ضجر لم يؤد الشكر وإذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه[9]

طرحنا هذا الحديث لكي تعلم الأم أن التربية تتطلب اجتهاداً وعدم الضجر وعدم الشكاية لأن زرع الأخلاق والدين في نفس الطفل لا يتم بسرعة أو باستخدام القوة أو القسوة بل بالسلوك الهادئ والتدريجي للأم وهو أفضل ضمان لتوازن الطفل الأخلاقي والعاطفي والكشف التدريجي لأصول الأخلاق ويلزمها في ذلك الصبر والأناة والمثابرة الجدية والحذر من السلوك العدائي الخشن والصراخ والتذمر وتهيئته الأجواء المناسبة بسلوكها المناسب لتعاطف الطفل معها ولا تجرح شعوره وتؤذيه لأنها تعتبر من عوامل سوء التربية كما أنها تؤثر سلباً على مستقبله.[10]

 

أثر التربية الدينية على الطفل:

الدين من أهم منابع التربية في العائلة لذا تقوم كل النشاطات وسلوكيات العائلة على تعاليمه،  وعلى هذا الأساس تبرز أهمية التربية الدينية كأمر ضروري وحياتي للطفل، فالعقيدة والإيمان هم الركن الشديد الذي يمكن الاستفادة إليهما فالتربية الدينية تهدف إلى إيجاد علاقة وثيقة بين الطفل وربه لكي يستطيع الإنسان بواسطتها أن يكبل كافة نزعاته الشيطانية.

ونحن نريد من التربية الدينية أن تربط كل خيوط حياة الإنسان بالله ليقوم بجميع أعماله على أسم الله ولأجله حيث يرى الله سبحانه في أعماله وكافة شؤونه فيتعلم الحلال والحرام ويوجه حياته المادية والروحية طبقاً للأحكام الإلهية.

وخلاصة القول: إن الهدف من التربية الدينية هو تربية الإنسان الصالح النافع لمجتمعه المطيع لربه ولا يخطو خطوة في معصية الله.

 

دور الأم في التربية الدينية:

من أولى واجبات الأم تربية الطفل أخلاقياً ودينياً فعليها أن تضع لبنات هذه التربية في السنين الأولى لحياة الطفل فعندما يبدأ بالكلام تنطقه بكلمة التوحيد وتعوّد سمعه على الكلمات الدينية كي تبقى في نفسه خالدة إلى الأبد وقبل أن يشوش الآخرون ذهن الطفل، وعلى الأم أن تعلمه مفاهيم الخير والشر وتغرس في قلبه بذور العقيدة وتوجه أخلاقه وسلوكه وفق السنن الإلهية التي لا مفر منها.

كما تستطيع الأم بطريقتها الخاصة وبلغة سهلة أن تعلم الطفل بأن الله سبحانه يراه ويراقب أعماله الصالحة والطالحة وأنه لا يخفى عليه شيء وبيده ثواب وعقاب العالمين.

والمهم هو إيجاد علاقة بين الطفل وخالقه بشكل يتقبل الحلال ويتجنب الحرام في حياته

 

الطريق إلى معرفة الله:

قال تعالى:{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}[11] السؤال الذي يطرح كيف نعرّف الله تعالى للطفل؟

ممكن للأم أن تعرّف الله على أنه منبع الخير والقوة والرحمة والحب والحنان للطفل، وتهيئ ذهنه لقبول لطفه وكرمه ورحمته. أو تعرّفه بأنه قويٌّ وشديد العقاب ويحرق الكافرين ويعذبهم بنار جهنم. هنا يجب عدم تخويف الطفل من الله سبحانه ويجب الإشارة دائماً إلى رحمته ورأفته وحبه للناس ولمخلوقاته وعطائه وجماله، لأن الرب الرحيم الرؤوف أفضل  للطفل من رب منتقم جبّار فالرب الذي يصوره المربون بجلهم للطفل عنوان الخوف والرعب يبقى أثره في ذهن الطفل إلى الأبد رباً شديداً منتقماً جباراً لا يغفر الذنوب وسيعاقب آجلاً أو عاجلاً هنا سيخاف وينفر ويشمئز الطفل من هكذا إله.

لذا على الأم أن تبذر بذور الرحمة وتحيي الأمل في قلب طفلها وتعلمه أن اليأس من رحمة الله وعفوه هو من الكبائر[12].

 

بعض الملاحظات في التربية الدينية:

حتى حدود السابعة من عمر الطفل علينا التحدث معه حول رحمة الله تعالى ولطفه والجوانب الإيجابية في ذلك مثل خلق السماوات والأرض ..الشمس .. القمر.. النجوم .. الفواكه.. الأشجار.. الجمال.. الأم والأب الرحيمين.. إلخ.

وبعد السابعة نقوم بتحسيس الطفل الخوف من الحرام وعدم الجرأة على الله ونلقي ذلك في قلبه وأن هناك عقوبة على الذنوب، ونفهمه بأن الله سبحانه رؤوف رحيم مع الطيبين المؤمنين وشديد العقاب للكافرين والمذنبين، ثم نبدأ بتعليم الطفل الفرائض والأحكام الدينية مثل الصلاة هذا يكون حتى العاشرة وممكن أن يشكل ذلك بالنسبة إلى الطفل نوعاً من اللعب واللهو، ولكن مع الاستمرار والدوام عليه يؤدّي إلى تعّود الطفل بحيث لا يشعر بالملل منه ولكن  بعد العاشرة من العمر إن امتنع الطفل من أداء الفرائض يجب أن يؤدي عليها ولا نقصد بالأدب الضرب بل هناك عدة وسائل منها حرمانه من القيام ببعض الأعمال التي يحبها أو عدم شراء بعض الألعاب له وغير ذلك.

والحمد الله رب العالمين.                   وللبحث تتمة

 

 



[1] شرح نهج البلاغة ص 66وبحار الأنوار ج77 ص 201

 

[2] سورة الأعراف، آية رقم:26

[3] كتاب الأسرة ونظامها في الإسلام ص 34(حسين انصاريان)

[4] كتاب الأسرة ونظامها في الإسلام ص 372

[5] كتاب الايديولوجية الإسلامية ص 117

[6] كتاب بحار الأنوار ج 10 ص 25

[7] كتاب تربية الطفل في الإسلام (لأستاذ مظاهري)

[8] سورة الأنفال، آية رقم: 46

[9] كتاب ميزان الحكمة، ج 5 ص 269

[10] كتاب تربية الطفل في الإسلام.

[11] سورة الروم، آية رقم:30

[12] كتاب دور الأم في التربية (د. علي القائمي)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/17   ||   القرّاء : 12501


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net