هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



  بصيرة فى قلب

  أهل البيت عليهم السلام أمان لأهل الأرض

 التسلسل الزمني لواقعة الطف

 العهد والميثاق مع إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 علماء قدوة.

 العدد الثامن والعشرون

  في رحاب آيات الحج من سورة البقرة

 الدين وحده الذي يروض النفس

 طفولة خير الأنام

 أسرار الحج

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020885

  • التاريخ : 19/03/2024 - 08:12

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : عالم الذر ونقطة البداية .

                    • رقم العدد : العدد الثامن والعشرون .

عالم الذر ونقطة البداية

  

عالم الذر ونقطة البداية

بقلم: الشيخ إبراهيم نايف السباعي

 

إن كل الخلائق تتمايز عن بعضها البعض بأنحاء شتى، فبعضهم يمشي على رجلين، والبعض الآخر يمشي على أربع وبعضهم يزحف على بطنه... قال تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}([1])، أراد الله تعالى بذلك كل حيوان من نطفة فمنهم من نشاهده بالعين المجردة ويمشي على بطنه كالحيات والهوام، ومنهم من يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم والأنعام، ومنهم من يعجز بصرنا عن رؤيته كالحيوانات المنوية عند الرجل وغيرها.

وعليه، تكون قد خرجت الملائكة والجن من مضمون الآية؛ لأنهم لا يمشون ولا يسيرون كما نحن حيث يختلفون عنا شكلاً ومضموناً، فنحن لدينا عيون وأبصار وآذان {..فجعلناه سميعاً بصيراً}([2])، وأما الملائكة والجن فلا يملكون مما نملك شيئاً من الحواس إلا اللهم أنفسهم المتضمنة للبصيرة([3])، والمادة التي أوجدنا الله تعالى منها تختلف عن مادتهم شكلاً ومضموناً، فمادتنا مكونة من العناصر الأساسية الماء والتراب والهواء والنار، فهي محدودة الأطراف والحركة والقوة فهي ضعيفة إلى حدٍ ما، وقوية بقوة النفس التي تحمل، فنحن عاجزون عن رؤية الملائكة أو الجن أو مشاهدتهم بالبصر، كما يعجز أحدنا عن الطيران إلا بسلطان وهو الطائرة، بالطبع يستثنى من عدم إمكانية الرؤية الأنبياء والمرسلون والمعصومين عليهم السلام أجمعين.

ورد أن نبي الله سليمان قد سخر الله له ذلك، لهدف وتدعيماً لنبوته {قال رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}([4])، وإلا فالإنسان وقدراته الذاتية عاجزان عن ذلك، قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}([5]).

نعم، سخّر له كل ما يزيده قوة وسيطرة وما ينبغي من ملك؛ ذلك لنبوته ورسالته وللوظيفة التي كانت قد أُسندت إليه من تنظيف الأرض من الفساد والانحراف، وذلك كي يسهل عليه عملية التبليغ.

أما الملائكة والشياطين(قسم من الجن) فقد جعل لهم القدرة على كثير من الأمور التي يعجز عنها البشر، يقول تعالى واصفاً شأناً من شؤون إبليس(زعيم الشياطين) وقبيله: {..إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}([6]).

 

عالمان مختلفان

نحن كبشر (أولاد آدم) نختلف عن الملائكة؛ فأرواحنا خلقت من نور رباني والملائكة  من نور آخر يختلف الأصل فيه، وكذا الجن يختلف فقد خلق من مارج من نار، وباقي أرواح المخلوقات فإنها تختلف أرواحها ومادة صنعها، سواء أكانت هذه حيوانات وحشية أو أليفة، وحتى الحشرات كالبراغيث والقمل وغيرهما؛ لأن الروح عندنا جوهر وهو لا يتحلل إلى أشياء أصغر أو أبسط منه، وليس كالمركبات التي يمكن أن تحللها الأماكن أو الأزمان فتحصل على العناصر المكونة لها، فالروح غير مركب وبالتالي لا يمكن أن يتحلل، أما الجسد فمركب ولذلك نراه بعد الموت يتحلل ويعود تراباً وكأن شيئاً لم يكن، وعليه فالروح سرمدية غير فانية، وباقي المخلوقات من الحيوانات فأرواحهم تستعمل لمرة واحدة.  

 

 

أرواح الحيوانات والطيور

وأما أرواح البهائم والطير، فقد ورد في ذلك حديث: (آجال البهائم كلها من القمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال كلها والبقر وغير ذلك، آجالها في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها، وليس إلى ملك الموت من ذلك شيء).([7]) وإذا ما ماتت فإنها لا تعود فهي تفنى وتندثر لأجلها الذي كتب، إلا اللهم أن يعيدهم سبحانه وتعالى من أجل هدف وغاية وهو الإشهاد ـ كونهم شهود على قضية تخص الإنسان عند الحساب ـ كما في قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت..}([8])، بالطبع ليس لحساب الوحوش لأنها غير مكلفة أو عاقلة بل هي أعجمية، وعليه فلا مساءلة ولامحاسبة، وأما قول البعض أن لها حساب وحياة وموت وبرزخ إلخ...

فهذا لا دليل يساعد عليه، وأما الاستدلال بقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}([9]) فمردود.

نعم، هم أمم أمثالنا لديهم ذكور وإناث وتكاثر وتناكح وأولاد وأزواج وتحابب وتعاطف وتراحم بالغريزة، ومجتمعات خاصة بهم وأسر عوائل  ومساكن وبيوت وتخزين للطعام وغيرها، وهذا هو معنى الآية كما لا يخفى.

 

النور للأرواح كالماء للأجساد

 كما أن الله تعالى قد خلق من الماء كل شيء حي في نشأة الدنيا، كما في قوله تعالى: {وخلقنا من الماء كل شيء حي}([10])، فكذلك بالنسبة للأرواح التي في الإنسان أو الملائكة أو الجن وغيرهم من المخلوقات، إلا أن الأنوار تتمايز من واحد لآخر.

والمخلوقات بشكل عام قوتها وقدرتها بحسب الأجساد التي وضعت الأنفس فيها؛ فمنهم من يسير على قدميه ومنهم من يطير بجناحيه، ومنهم من يطير لكن بقدرته المستمدة من الله تعالى كالجن، ومنهم من خلق من طين كالإنسان{خلق الإنسان من صلصال كالفخار}([11]) و {ولقد خلقنا الإنسان من حمأ مسنون}([12])، والحيوان أيضاً. ومنهم من خلقت أجسادهم من نار السموم كالجن والعفاريت:{ والجان خلقناه من قبل} و {من نار السموم}([13]).

ومنهم من خلقت أجسادهم من مادة نورانية خاصة كالملائكة بجميع أنواعها وأقسامها:  {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده}([14])، وأما الخلق قبل آدم فلا علاقة لنا بها، كما أورد بعض أصحاب السير من أن الأرض كانت مسكونة قبل الجن بقوم يسمون "البن" لهم أشكال معينة وطريقة عيش خاصة، وإذا قرأت عنها فلن تجد مثلها حتى في أفلام هوليود.

 

خيال وخيال وخيال

مخلوقات (البِنُّ والحِنُّ) الذين يسكنون تحت سطح الأرض بعالم جوف الأرض الداخلي (قال عبد الله بن عمر وابن عباس، وكثير من علماء التفسير: خُلقت الجن قبل آدم عليه السلام بألفي عام، وكان قبلهم تعيش في الأرض (البِنُّ والحِنُّ) فسلّط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها، وأبادوهم منها، وسكنوها بعدهم، بسبب ما أحدثوا، فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور)([15])

  قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره للقرآن الكريم ما نصه: (إذا صح أن الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمون (الحِنُّ والبِنُّ) بحاء مهملة مكسورة ونون في الأول، وبموحدة مكسورة ونون في الثاني، وقيل: اسمهم (الطَّمُّ والرَّمُّ) بفتح أولهما، وأحسبه من المزاعم، وأن وضع هذين الاسمين من باب قول الناس (هيّان بن بيّان) إشارة إلى غير موجود أو غير معروف، ولعل هذا انجَرَّ لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان، فإن الفرس زعموا أنه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطم والرم، وكان اليونان يعتقدون أن الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى (التيتان) وأن (زفس) وهو (المشتري) كبير الأرباب في اعتقادهم جلاهم من الأرض لفسادهم.([16])

على كل حال جميع المخلوقات تتشكل، وتتنوع وتختلف من واحد لآخر وكله بحسب الحكمة التي أرادها الله تعالى، والوظيفة التي أراد الله تعالى إسنادها إليها، ونحن بدورنا لا نقول إلا: "تبارك الله أحسن الخالقين".

 

الهدف والوظيفة هي الأساس:

التمايز بين المخلوقات بحسب الأهداف التي خلقت من أجلها، فالحيوان مثلاً خُلق ليكون في خدمة الإنسان {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}([17])، والملائكة خلقت لهدف معين علمه عند ربي، وأما اليوم فزيادة على وظيفتها الأصلية فقد ُأسند إليها وظيفة جديدة، هي أن تكون في خدمة الإنسان، نعم فهي الموكلة بنا في حياتنا وحتى بعد مماتنا؛ حيث تمدنا بالطعام والشراب وتزودنا بالهواء عن طريق التنفس وتعطينا الطاقة والقوة المستمدة من الله تعالى، وهذا كله بأمر منه سبحانه قال تعالى: {فالمدبرات أمراً} وهي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض بإذن الله أي بأمر ربها عزَّ وجلَّ.

 

الملائكة الأربعة الموكلة بنا

من الملائكة من يكتب وينسخ ويسجل علينا: {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}([18] فتكتب علينا أعمالنا وتستنسخ أفعالنا، وكل ما يصدر عنا صغيراً كان أم كبيراً، ليحفظ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهم الكرام الكاتبون قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}([19]وكل ما يحيط بالإنسان من وظائف تتكفل به الملائكة بجميع أقسامها وأنواعها، فلا يظهر ما كُتب علينا إلا يوم الحساب.

 

الجن والعفاريت:

وأما الجن فإنه يختلف اختلافاً كلياً، فإنه قد خلق لعالم غير عالمنا البشري الدنيوي؛ فلا علاقة له بنا ولا علاقة لنا به، لا من قريب ولا من بعيد، سوى ما أمتحن الله تعالى به عزازييل(فتنة الجن التي بدأت بانحرافه)، وعندما سقط  في ذاك الابتلاء، وتمرد على أمر ربه وتكبر على الله عزَّ وجلَّ، فصار بذلك إبليساً، وإبليس علماً للجن ومعناه المتمرد أو المتمردون. فعندما لم يسجد إبليس للإنسان(آدم) وسقط في الفتنة والامتحان، أبعده الله تعالى عن رحمته فصار رجيماً ملعوناً.

أما الشيطان: فهو الروح الشريرة (التي تضل الإنسان وتحسده على علو منزلته عند ربه من بين الخلائق)، وهي صفة لبعض من الجن، وأما العفريت فيقال ولد شيطان: عفريت مولع بالإزعاج والأذى الطفيف، والعفريت: أقوى الجن، قال تعالى: {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين}([20]).

وأما باقي الجن فهم أقوام لهم حياتهم ومعايشهم ومشاربهم وتكاليفهم التي كُلفوا بها، والتي سوف يحاسبون كما نحاسب عليها، فهم لا يتدخلون في  عالمنا كما أننا لا نتدخل في عالمهم، وقد يترشح من عالمنا شيء إلى عالمهم، أما ما ورد في قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا، وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً، وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا}([21])، فهو استثناء وهناك استثناء آخر وهو الوسوسة الطارئة التي ذكرها الله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}([22])، لأن الشيطنة صفة أفعال للجن ويمكن أن يتصف بها الأنس كما في الوسوسة فهي صفة للجن في تأثيره على الأنس وقد يقوم بها الأنس لبعضهم البعض.

ويؤيد عدم إمكان رؤيتنا له ما جاء في قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم...}([23]).

 

فروق وتمايز:

يختلف الإنسان عن باقي المخلوقات من حيثيات مختلفة، فأولاً بالعقل وثانياً بالتكليف وثالثاً جعله الله تعالى خليفته في الأرض حيث لم يجعل أحداً مثله لا من قبل ولا من بعد، وأهم ما يمكن أن أميز الإنسان عن باقي جميع المخلوقات في المراحل التي رسمها الله تعالى لهذا المخلوق المميز والعجيب، أنك تراه ضعيفاً إلى درجة كبيرة وتراه أخرى قوياً إلى درجة عالية، ويدل عليه الحديث القدسي: "عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون"([24]).

فجميع المخلوقات تمر بمرحلة أو مرحلتين في دائرة وجودها باستثناء ابن آدم فإنه يمر بمراحل عديدة، فلا يقف مساره عند عالم الدنيا بل يتعداه، ليصل إلى خمسة عشر عالماً أو مرحلة.

خلاصته هي أن الخلق والوجود قد تمّ، والتكليف عرض على الخلائق فعجزت عن حمله إلا الإنسان فوكل به وحمله: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}([25])، فالمراحل التي سبقت وجود الإنسان في عالم الذر عديدة والخوض فيها يطيل المقام، ونحن نحاول الاختصار.

ومن الروايات الواردة ما عن بكير بن أعين قال كان أبو جعفر عليه السلام: "يقول إن الله اخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم اخذ الميثاق على الذر والإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة وعرض الله على محمد أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم في لحن القول"([26]).

وما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجسام بألفي عامٍ فإذا قام قائمنا أهل البيت ورّث الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورّث الأخ من الولادة"([27]).

 

 

 

 

 

 

عوالم الإنسان

للإنسان عوالم عديدة نذكرها تباعاً وبحسب التدرج المرحلي:

     نشأة الذر، عالم رحم(بطن) الأم، عالم الدنيا(عالم الاختبار)، عالم الموت، عالم البرزخ، عالم البعث، عالم النشر، عالم الحشر، عالم الموقف، عالم الحساب، عالم الميزان، عالم الصراط، عالم القناطر، عالم الجنة، عالم النار.

 

العالم الأول (الذر)

ليس قبل عالم الذر من عوالم وإن تعددت الأسماء والتسميات تارة بعالم الأرواح وأخرى بعالم الأشباح، وما نحن في صدده هو إثبات وجود مثل هذا العالم من خلال الآيات والروايات.

فعند مطالعتنا للقرآن الكريم تقابلنا آيات كريمة تحدثنا عن بداية الخلق: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق}([28])، لكننا سنترك كل الوجود ونقتصر في البحث عن الوجود الإنساني لأهميته لنا، وسنبحث عن الإنسان من نقطة البداية(إلى ما لا نهاية) وإلى ما سيؤول إليه، مروراً بأحداث الدنيا وحركة الأنبياء مع أممهم وصولاً ليوم المعاد فالجنة أو النار.

 

 

ماذا قالوا عن عالم الذر:

ذكرت بعض الآيات في القرآن الكريم حاكية عن عالم الذر وعالم الأرواح، إلا أنها تتفاوت بين التصريح وبين التلميح، فأما الروايات فقد صرحت بذاك العالم المسمى بعالم الذر، والنشأة التي سبقت الدنيا بعدة عوالم وفصلت فيه، وأسهبت في الحديث عنه، إلا أن الروايات منها ما يطمئن إليها وبعضها لا يمكن المساعدة عليها، وأنا سأستعرض الآيات والروايات وما قالوا فيها مع إضافة ما يناسب المقام.

 

أول مكان وطأته مخلوقات الذر:

في مكان ما في الملكوت عاشت مخلوقات مميزة تسمى الذر، عاشت فترة طويلة كما في بعض الروايات آلاف السنين(ولا يعلم أمن سني الدنيا أم سني الآخرة)، قال الإمام الصادق(ع): إنّ رجلاً قال لأمير المؤمنين (ع): والله إني لأحبّك (ثلاث مرات)، فقال علي (ع): والله ما تحبني ، فغضب الرجل فقال: كأنك والله تخبرني ما في نفسي!.. قال له علي (ع): لا، ولكن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، فلم أر روحك فيها([29]).

كان لها طعامها الخاص وشرابها، لا تتكاثر ولا تتناسل إنما تحمد الله وتشكره وتسبحه تسبيح المخلوقات الأخرى، كانت الحياة فيما بينها عادية يتقابلون يتزاورون ويتصادقون يتآلفون ويتنافرون لفترة طويلة من الزمن حتى جاءت اللحظة التي أرادها الله تعالى أن يظهر رحمته بين عباده وأحب أن يعرف من بين خلقه، فأراد أن يجعل في الأرض خليفة فأختار هذا الذر المميز لها، لأن الله تعالى عرض هذه الأمانة على أهل السموات والأرض والجبال وغيرهم لم يجد إلا هذا المخلوق فأسندها إليه قال تعالى:{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}([30])، وأما ماذا لدينا عن تلك الحقبة الزمنية من نشأة الذر؟ لا ندري سوى ما بقي في خبايا أرواحنا ونفوسنا من ذكريات هنا وهناك، مما قد تظهر بين الفينة والأخرى على سلوكنا وذكرياتنا كما ورد عن الصادق (عليه السلام): (إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام, فلو قد قام قائمنا أهل البيت لوّرث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ من الولادة)([31])، وهذا يؤيد أن تلك الأرواح كانت تفهم وتعقل وتعيش حياة خاصة ولديها أحكام حتى أن الله تعالى آخى بينها.

وبما أن دليلنا لعالم الذر هو الآيات والروايات فسوف نستعرضها وننقل كلام العلماء وتفاسيرهم لها، وأخيراً ماذا يمكن أن نقول في هذا المجال.

 

 

آيات عالم الذر:

آية العهد والميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}([32]).

هذه الآية من أوضح الآيات المتعرضة ليوم الذر في القرآن الكريم من دلالات على فترة الوجود اللاحق للعدم، وإن كان من خلافات فهو في بعض التفاصيل.

نعم، لو عمقنا النظر في مفردات هذه الآية لرأينا أن الله تعالى قد ذكر تلك الفترة بوضوح.

كانت لنا نشأة في مرحلة ما بعد الأرواح، كنا نعيش في عالم مثالي يسوده روح التسامح والتصادق والتحابب، نعم، الحياة فيه سرمدية لا موات فيها ولا مرض، ولا تملك ولا بيع ولا شراء إنما هي حياة مثالية حقيقية.

عاشت الأرواح هذه النشأة، قبل أن تدخل عالم الأجنة وتصور في الأرحام، هذه النشأة كانت تحكمها قوانين وسنن إلهية يجمعها؛ أنها بعيدة عن عالم الظلم والتعدي والقهر، وإن كانت الخصال مادية(في طبيعة الممكن من الموجودات) ما زالت عالقة فيها من تنافر أو تناكر لبعضها؛ فهذا بحكم التعددية من جيران وأشباه ونظائر تمت فيه حوادث جمة، بعدها أخبرتنا عنه الآيات والبعض الآخر ذكرته الروايات وما بقي شعرنا به وتذكره البعض منا وذلك عندما يشاهد أحد آخراً فينجذب إليه أو ينفر منه، وفي هذا يقول الإمام الصادق×:

"فيما رواه عنه زرارة عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه(باليقين) ولولا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ})([33] ).

عندما خلق الله تعالى تلك المخلوقات كلمهم مباشرة دون وسائط بينهم وبينه عز وجل وأشهدهم على أنفسهم وعلى أنه ربهم وأخذ منهم المواثيق والعهود والوعود على أن لا يشركوا به شيئاً، وأخبرهم أن لا يقولوا نسينا عندما سيعيدهم إليه في يوم المعاد يوم القيامة من الدنيا بالموت، وإلى الآخرة بالبعث والنشور ليوم الحساب والمساءلة، وزيادة في الحجة سيبعث إليهم الأنبياء والرسل والحجج، ليذكّروهم بالله كي لا يتحججوا إنا كنا عن هذا غافلين، فيظهر المعنى جلياً أن هناك نشأة كانت فيها الأرواح تعيش وليس فيها من موت لكن انتقلت من عالم إلى عالم.

ورد عن أُبي بن كعب أنه قال في تفسير (آية الميثاق): (جمعهم الله فجعلهم أرواحاً في صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا بلى: قال فأني أشهد عليكم السموات السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة أنا لم نعلم بهذا أعلموا أنه لا اله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئاً أني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا: بلى شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك (لا اله غيرك) فأقروا ورفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال يا رب لولا سويت بين عبادك قال: إني أحببت أن اشكر)([34] ).

 

 

تكليم الله تعالى للذر

نعم، أشهدنا وكلمنا الله جلَّ وعلا تكليماً كما ورد في حادثة ابن الكوا مع أمير المؤمنين علي÷ روى الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) قال: (أتاه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟ فقال علي (عليه السلام): قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب (فثقل ذلك على ابن الكواء) ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}؟ فقد أسمعهم كلامه، وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله ـ يا بن الكواء ـ  {قالوا بلى} فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا، وأنا الرحمن، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، فأقروا بذلك في الميثاق، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)([35]).

 

الآية الثانية:

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}([36])، تتحدث الآية عن مرحلة جديدة للأرواح؛ وهي مرحلة اللوح وما كتب فيه من علم الله الأزلي من البداية وحتى النهاية، بداية تسمية الأرواح.

فالله تعالى قد سمى الأرواح بأسمائها وذلك قبل أن يخلق الأرواح فجعل لكل روح اسماً يختص به؛ وقد استفدنا ذلك من خلال الكلام مع الملائكة وآدم حيث كان في الجنة (غير جنة المأوى، لأن من دخلها لا يخرج منها، خالدين فيها أبداً) وليس في الأرض التي نحن عليها اليوم، ونحن نعلم بأن أول خلق إنساني في الأرض هو آدم؛ علماً بأن القرآن يصرح بأنه مسبوق بخلق ذكره في قوله تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}([37]).
فإن قلتم: أنها أسماء موجودات ليس لها أرواح.

قلنا: أن هذا التخصيص باطل وذلك لان اسم الإشارة (هؤلاء) يستخدم للعاقل مما يدل على أن هناك أناساً عقلاء كانوا قبل خلق الجسد، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}([38]).
يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث إن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والتصوير مقدم على السجود لآدم.

 

الآية الثالثة:
قوله تعالى: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}([39]) حيث ورد عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ ...}([40]) الآية (قلت معناه كان هذا ثم ثبت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه فمنهم من أقر بلسانه في عالم الذر ولم يؤمن في قلبه فقال الله تعالى: { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل})([41]).
ويؤكد الإمام الصادق (عليه السلام) بأن التكذيب يكون في عالم الذر بعد أن صار الذر مختاراً مريداً بإرادته واختياره.

الآية الرابعة:

قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}([42]) ما ورد عن علي بن أسباط بن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قال: (إن الله تبارك وتعالى لما ذر الخلق في الذر الأول فأقامهم صفوفاً وبعث الله محمداً فآمن به قوم و أنكره قوم فقال الله: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}، يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث دعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ في الذر الأول)([43]).
ومن الآيات الدالة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}([44]) حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير)([45]).

وهناك آيات وردت في القرآن الكريم تدل على تلك النشأة فمن أراد فليراجع ففيها أنس للروح وطمأنينة للنفس.

 

مما خلقت الأرواح قبل زرعها في الأجساد؟

الجواب: من قبل أن تكون أرواحاً لم تكن شيئاً كما ورد في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}([46])، وقال في موضع آخر: { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}([47])، تشير الآية إلى المرحلة التي مرت ولم يكن من حياة ولا وجود لشيء، لكن أراد الله تعالى أن يخلق الخلق فبدأ بخلق السموات والأرض وغيرهما وأما قبل ذلك لم يكن شيئاً مذكوراً، أراد الله فكانت بإرادته ومشيئته أن خلق أطهر الأشياء وأشرف الموجودات، فليس من شبيه للإنسان ولا نظير، وعليه استحق أن يكون خليفة الله تعالى كما ورد "إني جاعل في الأرض خليفة"([48]).

والتعبير بزراعة الأرواح في الأجساد أشار إليه سبحانه وتعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً }، وأما من ماذا خلقت وتفاصيل ذلك فعلمه عند الله تعالى، أما نحن لا نعلم عن الروح وما قبلها وما بعدها إلا ما أخبرنا عنه سبحانه وتعالى ونقله إلينا رسول الله ‘.

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}([49])، أي لا أحد يعرف ولا أحد سيعرف حتى ولو كانوا أنبياء، لأن الروح سر من الأسرار الإلهية وسيبقى كذلك إلى أن يشاء الله.

ففي فترة سبقت الوجود الإنساني لعالم الأجنة عندما كانت أرواحاً يتساءل الإنسان كيف كانت حياتنا؟ يأتينا الجواب من رسول الله‘ يقول:

"الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف"([50]).
والمعنى: أن الأرواح خلقت قبل آدم وولده (وقبل أن تخلق البشرية في الأجساد الفانية الدنيوية) وعاشت في السماء (في مكان نجهله) وتحابت وتباغضت، وبعدها زرعت في أجساد البشر لتبدأ الحياة على الأرض بنمطها الاعتيادي، فعندما تشاهد شخصاً لم تره من قبل وتشعر بأنك تعرفه أو تشعر بالراحة له وببعض الحب فمعناها أن أرواحكم تلاقت في السماء وتعارفت وتحابت أيضا، وعندما تجد شخصاً تشعر بأنك تبغضه دون أدنى سبب فذلك دلالة على أن أرواحكم حقاً تنافرت في السماء.

عن بكير بن أعين قال كان أبو جعفر عليه السلام يقول إن الله اخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم اخذ الميثاق على الذر والإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة وعرض الله على محمد أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم في لحن القول.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجسام بألفي عامٍ فإذا قام قائمنا أهل البيت ورّث الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورّث الأخ من الولادة"([51]).
في عالم الأظلة والطينة وهو من أوائل العوالم الجسمانية اللطيفة الشفافة العليا للإنسان وفي الروايات أنه أعلى من السماء السابعة   والأخوة ههناك من توأمية الطينة والتوأمية  من نفس عين الطينة اقرب التصاقاً وتماثلاً من التوأمية في الوعاء الحاضن وهو الرحم للام الحاضنة.
وحينئذ فالوراثة للرحم الطيني أوغل في الأخوة على نفس سنة التشريع إلا أن المصداق الأصدق صدقا ينطبق عليه قانون وتشريع الوراثة بطريق الأولوية إلا انه لا يكتشفه إلا المعصوم عليه السلام([52]).

 

 

لا تكاثر ولا تناسل في عالم الذر

من المسلم أن لنشأة الذر عالماً يختلف عما نشاهده في عالم الدنيا، حيث أن عالم الدنيا خلقنا فيه تعالى من أجل التكاثر، وكان أساساً لحياتنا ومن ضمن سنن الله تعالى في الأرض التزاوج والتناسل والتكاثر، لذا لا تجد شيئاً في الأرض إلا وله ذكر وأنثى قال تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين}([53])، ولكي يعود كل زوج إلى زوجه لزم في الأشياء التزاوج الغريزي وعند الإنسان جعل المودة والرحمة { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }([54]) الروم/ 21، لأنها تعالج مشاكل الحياة الزوجية.

فالدنيا للتزاوج والتكاثر، ورد عن رسول الله ‘: "تزاوجوا تناكحوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط"([55]).

وأما في عالم الذر فلم نحتج لكل هذا؛ وعملية التزاوج والتكاثر والتناسل إنما هي من مختصات عالم الدنيا وعليه فلن نجد في كل العوالم الخمسة عشر التي ذكرتها سابقاً باستثناء عالم الدنيا تكاثراً وتناسلاً لعدم الحاجةً.

 

سؤال في صدري

ماذا كنا نأكل ونشرب في فترة الذر؟ بكل صراحة نحن نجهل تماماً عن ماهية طعامنا وشرابنا في تلك الفترة، ولكن نحتمل ونقول:

أولاً: المخلوقات الممكنة الوجود ناقصة وهو محتاج، والطعام والشراب تعتبر نوع كمال لهذا الناقص، حيث تسد بعض حاجاته.

ثانياً: إن الطعام والشراب لا بد وأن تكون مثالياً، كما كانت حياة آدم وحواء في جنة حيث طعامهم وشرابهم لا قذارات ولا فضلات فيها.

 

ماذا زرع الله تعالى فينا في عالم الذر؟

عندما أوجد الله تعالى الذر في مرحلة "كن" كان فيها كل ما في النفوس من حب وبغض وأنانية وحرص وبخل وحب الذات وغيرها من الأمور الذاتية للذر قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}([56])، كيف سوَّاها؟ لقد فطرها على حب الخير وحب الكمال، وحب العدالة.

لماذا يحس الإنسان بوخز الضمير؟ ولماذا يحس بالضيق إذا انحرف وإذا اعتدى واستعلى وأقام غناه على فقر الآخرين؟ فما تفسير هذا الضيق؟ إن الفطرة السليمة التي فطر عليها الإنسان هذه الفطرة التي تتجه نحو الكمال، فإن وجدته استراحت وإن قصرت عنه تعذبت وتألمت، وهذا قانون عام ينطبق على النفس التي خلقها الله عز وجل.

فكان الإمتحان للخصال والإمكانيات المودعة في النفس والمزروعة فيها، وأما كيف ذلك ففي قوله تعالى: {إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ، نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً}([57])، أما لماذا لأجل أن يتهيأ للكون خليفة فيحكم العالم كما ورد في الحديث القدسي: "عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون"([58])، فقال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة...}([59])

 

 

 

 

فتنة الدنيا المال والبنون

قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}([60])

فكان المال والبنون من أوضح ما زرعه الله تعالى في الإنسان في النشأة الدنيا، وليس لنشأة الذر ولا للآخرة نصيب من هذه الزينة، فلا مال ولا بنون وإنما كانت في الدنيا بسبب ولعلة الإمتحان، فما نراه اليوم من حبنا للمال وللبنين من الشهوات لن نراه غداً؛ في عالم البرزخ أو البعث أو النشر أو الحساب أو الميزان أو الصراط أو الجنة أو النار.

ونفهم ذلك من خلال قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}([61])، فلن يستفيدوا من المال ولا الذهب وليس له منفعة يستفاد منها يوم القيامة، بل تكون من وسائل التعذيب لبعضهم كما في قوله تعالى: { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}([62])

والبنون كانوا محلاً لابتلاءات الأنبياء والمرسلين والمعصومين، وبمثل هذا البلاء يكون لهؤلاء من أعلى الدرجات كسليمان ويعقوب وإبراهيم وشعيب فإن الله ابتلاهم بالولد، فسليمان لم يرزق إلا بولد ومشلول لذا بنا له قصراً خبئه فيه فقال تعالى: {يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}([63]) ويعقوب وقصته مع يوسف مشهورة، وإبراهيم وإسماعيل طلب منه ذبحه، وأيوب فقد أولاده الخمسين في يوم واحد، وأخيراً نبينا خاتم الأنبياء محمد ‘ كلما جاءه ولد عندما يصبح في عمر السنوات الأولى وهي سنوات الفتنة والبلاء كانوا يموتون، وقد بكى حتى كانت لحيته تبتل بالدموع حيث قال له بعض صحابته الأجلاف أنت يا رسول الله وتبكي؟ فرد عليه ‘: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولكن لا نقول ما يغضب الرب.

 



[1] سورة النور/45

[2] سورة الدهر/2

[3] البصيرة: قوة الإدراك والفطنة التي لا تدخل في عالم الحواس

[4] سورة ص/35ـ 38

[5] سورة سبأ/12ـ 14

[6] سورة الأعراف/27

[7] كتاب السلسلة الضعيفة(4/188) للألباني.

[8] سورة التكوير/5

[9] سورة الأنعام/38

[10] سورة الأعراف/27

[11] سورة الرحمن/14

[12] سورة الحجر/26

[13] سورة الحجر/27

[14] سورة فاطر/1

[15]كتاب البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي

[16] كتاب التحرير والتنوير الجزء الأول

[17] سورة الذاريات/13

18سورة ق/17

[19] سورة الإنفطار/11ـ 12

[20] سورة النمل/39

[21] سورة الجن/1ـ 7

[22] سورة الناس

[23] مرَّ تخريجها

[24] كتاب سلوني قبل أن تفقدوني ج2 ص 256

[25] سورة الأحزاب/72ـ 73

[26] كتاب بحار الأنوار ج26 ص 121

[27] كتاب بحار الأنوار ج 26 ص 121

[28] العنكبوت/20

[29] بصائر الدرجات ص 88  ص132

[30] سورة ص، آية رقم:72

[31] مرّ تخريجه

[32] سورة الأعراف/172

[33] كتاب بحار الأنوار ج 26ص122

[34] تفسير فتح القدير الجزء الأول في تفسير الآية

[35] كتاب مجمع البيان 1/497

[36] سورة البقرة/31

[37] سورة البقرة/31

[38] سورة الأعراف/11

[39] سورة يونس/74

[40]  مرّ تخريجها

[41] سورة الأعراف/101

[42] سورة النجم/56

[43] كتاب بحار الأنوار ج 5 ص 234

[44] سورة التغابن/2

[45] كتاب تفسير الصافي الجزء الخامس في تفسير الآية

[46] مريم/9

[47] الإنسان/1

[48] الإسراء/85

[49] سورة الإسراء/85

[50] كتاب التاريخ والسيرة الحديث في تاريخ مسلم رقم:6376

[51] شذرات الشيخ سند شذر1

[52] نفس المصدر شذر2

[53] سورة الذاريات/48

[54] سورة الروم/21

[55]  رواه الترمذي

[56] سورة الشمس

[57] سورة الدهر/2

[58] مضى تخريجه

[59] مضى تخريجها

[60] سورة الأنفال/28

[61] سورة آل عمران/90ـ 91

[62] سورة التوبة/35

[63] سورة النساء/78

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/30   ||   القرّاء : 12128


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net