لعلكم تتقون
لعلكم تتقون
التقوى جوهرة الكمالات الانسانية ومفتاح السعادة وأساس مكارم الأخلاق وبها يفوز العبد بالقرب إلى اللّه تعالى والبعد عن النار وهي تحفظ ايمان المؤمن وتزيده قوة وثباتا.
والمستفاد من جملة من الآيات ان الغرض من التشريعات تحصيل التقوى
كقوله تعالى في آية الصوم { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة : 183
وقوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
وقوله تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ البقرة (187)
يعتبر الإنسان في الحقيقة مسافرا وعلى المسافر أن يحمل معه الزاد والمؤونة، وأفضل زاد يحمله السائرون في طريقهم إلى المعاد هي التقوى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ، وهي المشار إليها في آية الصيام : كتب عليكم الصيام... لعلكم تتقون
وقد تم تصوير الصيام كعامل لإيجاد مثل ذلك الزاد الضروري الذي لا غنى للسالك الصالح عنه أبدا
"لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" أي تتّقون المعاصي فإنّ الصوم يكسر الشهوة كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله « من لم يستطع الباه فليصم فإنّ الصوم له وجاء »
أو لعلّكم تنتظمون في زمرة المتّقين فانّ الصوم شعارهم
حيث إنّ الصوم تشبّه بالملائكة وحسم لمادّة الشيطان وكسر للقوّة الشهوية الحيوانيّة ونصر للقوّة العاقلة الملكيّة كتب علينا كما كتب على الّذين من قبلنا من الأنبياء والأمم الماضين.
فالهدف من التشريعات ومنها فريضة الصوم هو تربية الإنسان لتحصيل ملكة التقوى وهي حالة تحصل في قلب الإنسان تحرّكه نحو كل ما يرضي الله تعالى سواء كان واجباً أو مستحباً وتمنعه عن اقتحام كل ما يوجب سخط الله تعالى أو تقلل من مرتبة القرب إليه سبحانه سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً، ويكون الإنسان هو الرقيب على نفسه في كل تلك الحركات والسكنات حتى في خلواته حينما لا يطّلع عليه أحد فإنه يُرَوِّضُ نفسه بالتقوى
ولو رجعنا إلى القرآن المجيد لوجدناه يدعو إلى التقوى و يحث عليها و يأمر بها، ولقد ورد قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ»* عشرات المرات في كتابه العزيز
وقال في سورة البقرة «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ» 197
وقال في سورة الاعراف: «وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ».
وقال عن المؤمنين في سورة الفتح: «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها».
وقال في سورة الأنفال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».
ويحدثنا القرآن بأن دعوة الأنبياء كنوح و هود و صالح و لوط و شعيب و الياس لأقوامهم كانت قولهم «أَلا تَتَّقُونَ»؟*. و قد تكرر هذا التعبير القرآني ستّ مرات.
وربما تكررت في الآية الواحدة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ( الحشـر :18)
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عِبَادَ اللهِ، اللهَ اللهَ فِي أَعَزِّ الأَنْفُسِ عَلَيْكُم، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ! فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ. قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ...)
ومن خطبة له (عليه السلام): (أُوصِيكُمْ, عِبَادَ اللَّهِ, بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وبِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ ومَعَاذٌ مُنْجِحٌ,.... فَبَادِرُوا الْعَمَلَ, وخَافُوا بَغْتَةَ الأجَلِ, ..فـ{اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
والقرآن الكريم يلفت نظرنا إلى آثار مباركة عظيمة للتقوى في الدنيا والآخرة
منها) تكفير السيئات؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة:65) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} الطلاق:5
(ومنها) البركات المادية والمعنوية؛ قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}الأعراف :96
ومنها) إيجاد الفرج والمخرج والرزق بدون احتساب؛ومن أوسع الآيات وعدا للمتقين قوله تعالى: «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً». الطلاق:2-4
ومنها) إلهام العلم؛ قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة:282
ومنها) قذف البصيرة ونور الفرقان في القلب؛ قال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْعَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الأنفال:29
والاطمئنان فقال في سورة الأعراف: «فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ».
وحسن العاقبة قال في سورة هود: «فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ»
وقال في سورة الزمر: «وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ». وغيرها كثير
ما معنى التقوى
والتقوى معناها في الأصل: جعل النفس في وقاية مما تخاف، يقال: اتّقى فلان بكذا، إذا جعله وقاية لنفسه، ولذلك قيل: التقوى من الاتقاء، وهو طلب السلامة بما يحجز عن المخافة.
التقوى نوع من الاحتراز فإذا كان تقوى الله سبحانه كان تجنبا وتحرزا من عذابه كما قال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ»: البقرة- 24، وذلك إنما يتحقق بالجري على ما يريده ويرتضيه فهو امتثال أوامره تعالى، والانتهاء عن نواهيه، والشكر لنعمه، والصبر عند بلائه، وبالجملة تقوى الله سبحانه أن يطاع ولا يعصى و يخضع له فيما أعطى أو منع.
وسُئل الإمام الصادق (ع) عن معنى التقوى وتفسيرها،فاختصر الجواب بقوله: (لا يفقدك الله حيث امرك، ولا يراك حيث نهاك)
فللتقوى ركنان
الأول: ترك ما يكره الله تبارك وتعالى ويسخطه
الثاني: فعل ما يحبه الله تعالى, ويرضاه, وهو أعم من الواجبات
فمن أراد الكمال سار بهذين الطريقين معاً، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فمن قام ببعض الطاعات لكنه لم يجتنب المعاصي, والعياذ بالله، فإنه يهدم ما بناه بتلك الطاعات.
ورد في الرواية : (جدّوا واجتهدوا، وإن لم تعملوا فلا تعصوا، فإن من يبني ولا يهدم يرتفع بناؤه وإن كان يسيراً، وإن من يبني ويهدم يوشِك أن لا يرتفع بناؤه)
ونفس المعنى يجري في الأمراض البدنية، فإن من اُبتلي بمرض مُعيّن فإن الطبيب يأمره بأخذ بعض العلاجات, وينهاه عن ارتكاب بعض الأفعال, أو تناول أطعمة تضره, بكميتها, أو نوعها، فإذا أراد الحفاظ على صحته فلا بد أن يأخذ بهما معا
ولو دار الامر بين أحد الركنين فإن الجواب يكون لصالح الاجتناب للأحاديث الشريفة الواردة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات)
ومنها ما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) عن أفضل الأعمال في شهر رمضان قال (الورع عن محارم الله عز وجل)
ملامح عن صفات أهل التقوى
والقرآن الكريم يعطينا ملامح عن صفات أهل التقوى فيذكر لنا ان سماتهم التذكر الذي تتبعه التوبة والعودة إلى سواء السبيل
فيقول في سورة الأعراف: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ».
ويذكر في سورة آل عمران مجموعة من علامات التقوى، فيورد ستّ علامات أو صفات وهي الانفاق في حالتي الغنى والضيق، وكظم الغيظ وهو أشد حالات الغضب، أي إمساك ما في النفس بالصبر. والعفو عن الناس، وترك مؤاخذتهم على هفواتهم والإحسان، والمسارعة إلى الاستغفار من الذنب، وعدم الإصرار على المعصية ولو صغرت، يقول اللّه تعالى في ذلك:
«وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ».
ومنها قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
وفي بداية سورة البقرة يقول تعالى : الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
وغير ذلك من الآيات وكذلك الامر في الروايات الشريفة وحسبك في ذلك خطبة المتقين لامير المؤمنين عليه السلام .
اما انعدام التقوى من الإنسان فيؤدّي إلى فساده في ذاته، وإلى إفساده لغيره
فالمحروم من التقوى يستبيح لنفسه الادعاء والكذب و النفاق، ويستبيح لنفسه التوسع في الإفساد وعمل الشر، وإذا نصحه مذكّر بأن يتقي اللّه تعالى تكبر وتجبر.
يقول تعالى في سورة البقرة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ، وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ.. »
وهناك صلة بين التقوى والبر الذي هو جماع الفضائل ومجموعة أعمال الخير، ولذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى».
وكذلك أشار القرآن إلى الصلة الوثيقة بين التقوى والإيمان، وهناك آيات كثيرة تشير إلى ارتباط الإيمان بالتقوى فاللّه تعالى يقول في سورة البقرة: «وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ».
ويقول في سورة المائدة: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ».
ويقول في سورة آل عمران: «وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ».
ويقول في سورة الأعراف: «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ».
ويقول في سورة يونس: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
ويقول في سورة يوسف: «وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ».
ويقول في سورة النمل: «وَ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ».
ويصل القرآن بين التقوى والأمانة فيقول في سورة البقرة: «فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ»
ويصل بينها وبين الوفاء فيقول في سورة آل عمران: «بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ».
ويصل بينها وبين الصبر، فيقول في سورة يوسف: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ».
و يقول في سورة آل عمران: «بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْفَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ»
ويقول فيها أيضا: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ».
وإذا كان معنى قول اللّه تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ»* هو اتقوا عذابه وعقابه، وإنما تضاف التقوى إلى اللّه تعظيما لأمر عذابه وعقابه فان «إن العقاب الإلهي الذي يجب على الناس اتقاؤه يتّقى باتقاء أسبابه
فأما عقاب الآخرة فيتّقى بالإيمان الصحيح والتوحيد الخالص والعمل الصالح، واجتناب ما ينافي ذلك من الشرك والكفر والمعاصي والرذائل، وذلك مبيّن في كتاب اللّه وسنة رسوله صلّى اللّه عليه وسلم
حَقَّ تُقاتِهِ».
ويقول تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ».
إذا أخذ التقوى حق التقوى الذي لا يشوبه باطل فاسد من سنخه كان محض العبودية التي لا تشوبها إنية وغفلة وهي الطاعة من غير معصية، والشكر من غير كفر، والذكر من غير نسيان، وهو الإسلام الحق أعني الدرجة العليا من درجاته.
وهذا المعنى غير ما يستفاد من قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»: التغابن- 16 فإن هذه الآية في معنى أن لا تذروا التقوى في شيء مما تستطيعونه غير أن الاستطاعة تختلف باختلاف قوى الأشخاص وأفهامهم و هممهم، و لا ريب أن حق التقوى بالمعنى الذي ذكرناه ليس في وسع كثير من الناس، فإن في هذا المسير الباطني مواقف ومعاهد ومخاطر لا يعقلها إلا العالمون، ودقائق ولطائف لا يتنبه لها إلا المخلصون.
فالآية الأولى أعني قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ الآية تدعو إلى المقصد والثانية فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ الآية تبين كيفية السلوك.
فالتقوى على نحوين تقوى ظاهرية خالية عن الخلوص والإخلاص وباطنية حقيقة مشتملة عليهما وهي التي لا يشوبها باطل ولا فساد و هي ذكر المنعم بلا نسيان وطاعته بلا عصيان و بالجملة فهي العبودية المحضة التي لا كمال بعدها و هذا النحو من التقوى هو حق في نفسه وحق للّه تعالى و هي التي تليق بساحته تبارك و تعالى دون غيرها.
عن معاني الأخبار باسناده إلى أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه( عليه السلام) عن الآية قال:« يطاع و لا يعصى و يذكر فلا ينسى و يشكر فلا يكفر».