هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 ليلة القدر في الأحاديث الشريفة

 البعثة النبويّة.. في كلمات أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) من نهج البلاغة

 رمضان شهر مراجعة وتقويم الذات

  دعوة الله للضيافة*

 هيئة علماء بيروت تنعى السيد الحكيم

 علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء الشيخ المظفر

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

  القرآنُ الكريم عِند أهل البيت (عليهم السّلام)

 الحسين (ع) ميراث الأنبياء

  الحج وولاية أهل البيت عليهم السلام:

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7042979

  • التاريخ : 28/03/2024 - 20:05

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .

        • القسم الفرعي : الامام علي عليه .

              • الموضوع : عليّ شخصية ذات قوتين جاذبة ودافعة .

عليّ شخصية ذات قوتين جاذبة ودافعة

 

 
عليّ شخصية ذات قوتين جاذبة ودافعة


اختلاف الناس في الجذب والدفع
إن الأفراد ليسوا متساوين من حيث قواهم الجاذبة والدافعة بالنسبة للآخرين، ويمكن تصنيفهم إلى عدة أصناف:
1 ـ صنف لا جذب فيهم ولا دفع. لا يحبهم أحد ولا يبغضهم أحد، فلا هم يستثيرون حب أحد وميله اليهم ولا عداوته أو حسده وحقده ونفوره. يمشون بين الناس لا يبالون بشيء، فهم أشبه بقطعة حجر تتحرك بين الناس.
وهذا كائن مهمل ولا أثر له. إن امرءاً ليس فيه أي تأثير إيجابي (ليس المقصود بالايجابي الفضيلة وحدها، بل الرذيلة مقصودة أيضاً) ليس سوى حيوان يأكل وينام ويتحرك بين الناس. إنّه كالشاة الّتي لا تحب أحداً ولا تعادي أحداً، فإذا ما عني بها من حيث تقديم العلف والماء كان ذلك لكي يستفاد من لحمها. إنّه لا يثير موجة تأييد ولا موجة معارضة... هذا وأمثاله صنف يمثل كائنات لا قيمة لها، قشوراً فارغة، فالإنسان يريد أن يحب ويريد أن يكون محبوباً... بل قد يريد أن يعادي وأن يعادى أيضاً.
2 ـ وهناك من يملك قوة الجذب ولكنه يفتقر إلى قوة الدفع. إنّه يأتلف مع الجميع ويحتضنهم جميعاً ويحمل الناس من مختلف الطبقات على التعلق به. إنّه محبوب الجميع في المجتمع ولا يستنكره أحد. وإن مات غسله المسلمون بماء زمزم إن كان مسلماً، وأحرق جسده الهندوس إن كان هندوسياً. يقول الشاعر الفارسي ما ترجمته: (كن حسن الخلق ـ يا عرفي ـ مع الصالح والطالح، فعند موتك يغسلك المسلمون بماء زمزم ويحرق الهندوس جسدك)(4).
فهذا الشاعر يرى أنك إن عشت في مجتمع نصفه من المسلمين الّذين يغسلون موتاهم، وإن احترموهم فيغسلوهم بماء زمزم، ونصفه الآخر من الهندوس الّذين يحرقون موتاهم ويذرون رماد أجسادهم في الريح،
فعليك أن تتخلق بأخلاق يراك فيها المسلمون واحداً منهم فيهرعون لغسلك بماء زمزم عند موتك، ويراك فيها الهندوس واحداً منهم فيسعون لحرق جسدك بعد موتك احتراماً لك.
يرى الناس ـ في الأعم الأغلب ـ أن حسن الخلق وطيب المعاشرة، أو بحسب التعبير المعاصر «أن يكون المرء اجتماعياً» هو أن يفوز المرء بحب الجميع.
إلاّ أن هذا غير ممكن للشخص الّذي يعمل من أجل هدف معين ويسير في المجتمع بحسب سلوك معين، ووفق فكرة خاصة، ويتطلع إلى مثال بعينه، وليس همه السعي وراء منفعته الذاتية. إن انساناً هذا شأنه لابدّ أن يكون ذا وجه واحد حاسماً وصريحاً، شاء ذلك أم أبى، ما لم يكن منافقاً مزدوج الشخصية.
وذلك لأن الناس لا يفكرون بطريقة واحدة، ولا يتشابهون في مشاعرهم، ولا في رغباتهم وأهوائهم.. إن فيهم العادل، وفيهم الظالم. فيهم الصالح، وفيهم الطالح، كما أن في المجتمع المنصف، والمعتدي، والعادل، والفاسق. فليس من الممكن أن يجتمع هؤلاء على حب شخص بعينه، وهو يسعى للوصول إلى هدف لا يستهوي الجميع فيصطدم ـ حتماً ـ مع مصالح بعض دون بعض.
إن الشخص الوحيد القادر على جذب حب الناس جميعاً ـ على اختلاف طبقاتهم ومثلهم واتجاهاتهم ـ هو المرائي الكذّاب الّذي يظهر لكلّ شخص ما يحب أن يسمع ويرى.
أمّا إذا كان المرء ذا وجه واحد وسلوك واحد، فلا شك في أن جمعاً من الناس سيكونون من أصدقائه، بينما سوف يعاديه جمع آخر. فالذين يتجهون وجهته سينجذبون إليه، والّذين يختلفون معه في وجهة نظره سوف يطردونه ويحاربونه.
بعض المسيحيين الّذين يقولون عن أنفسهم وعن دينهم: إنّهم يبشرون بالمحبة، يزعمون أن الإنسان الكامل لا يملك سوى المحبة، ولا شيء غيرها.أي إن فيهم قوة الجذب فقط.ولعل بعض الهندوس يدعي الشيء نفسه.
إن ما يلفت النظر كثيراً في الفلسفات المسيحية والهندية هو المحبة. إنهم يقولون: إن على المرء أن يميل إلى كلّ شيء وأن يظهر حبه له. فإذا نحن أحببنا الجميع لا يكون هناك ما يمنع من أن يحبنا الجميع، بما فيهم الأشرار الّذين لم يروا منا غير الحب.
إلاّ أنّ على هؤلاء أن يدركوا أن مجرد كون المرء من أهل المحبة لا يكفي، إذ عليه أن يكون ذا مسلك أيضاً. وقول غاندي «هذا هو مذهبي» يعني أن المحبة يجب أن تصاحب الحقيقة، فإذا صاحبت الحقيقة، لابدّ أن تكون وفق سلوك معين، وكونك ذا سلوك معين سوف يخلق لك الأعداء شئت أم أبيت، وهذا في الواقع هو قوة الدفع الّتي تحمل عدداً من الناس على الاعتراض والمعارضة وتطرد عدداً آخر.
الإسلام ـ أيضاً ـ قانون المحبة، وهذا القرآن يقدم النبيّ الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)على أ نّه رحمة للعالمين:
(وَمَا أرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(5).
أي إنّك رحمة حتّى على أعدى أعدائك(6).
بيد أن الحب الّذي يقول به القرآن لا يعني أن نعامل كلّ شخص على وفق هواه ورغبته، فلا نفعل إلاّ ما يجوز رضاه ويجذبه حتماً نحونا. ليست المحبة أن نترك كلّ امرىء حراً فيما يشاء ويهوى ونؤيده في ذلك. ليس هذا من المحبة في شيء، بل هو النفاق والازدواجية.
المحبة تصاحب الحقّ وتوصل الخير، بل قد يكون إيصال الخير بطريقة لا تستجلب رضا الطرف الآخر ومحبته. ما أكثر الّذين يوصل الإنسان لهم الخير عن هذا الطريق، إلاّ أ نّهم إذ يرونه يخالف رغباتهم يعادونه بدل أن يحبوه.
ثم إنّ المحبة المنطقية والعقلائية هي الّتي يكون فيها خير المجتمع وصلاحه، لا خير فرد واحد، أو طبقة بعينها. فكثير من المحبة الّتي تولى للأفراد والخير الّذي يوصل إليهم يكون سبباً في ايصال الشر والضر إلى المجتمع.
في التاريخ مصلحون عظام سعوا إلى اصلاح شؤون المجتمع وتحملوا في سبيل ذلك أنواع العذاب، ولكنهم لقاء ذلك لم يجدوا من الناس سوى الإيذاء والحقد.
وعليه فالمحبة لا تعني الجذب دائماً، فقد تظهر المحبة أحياناً بصورة قوة دافعة عظيمة تثير الجماعات ضد الإنسان.
كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي من أعدى أعداء عليّ(عليه السلام) وكان عليّ على علم تام بما يحمله له هذا الإنسان من عداء وخطر، وكان بعض أصحاب عليّ(عليه السلام) يقولون له أيضاً: إنه إنسان خطر، فتخلص منه. إلاّ أن عليّاً كان يقول: أقصاص قبل الجناية؟ إذا كان هذا قاتلي، فإنّي لا أستطيع أن أقتله. إنّه هو قاتلي ولست أنا قاتله. ولقد قال عنه يوماً: «أريد حياته ويريد قتلي»(7) فأنا أتمنى أن يبقى حياً، وأحب أن يكون سعيداً، ولكنه يريد قتلي... إنّني أكن له المحبة والود، وهو يكن لي العداوة والحقد.
ثم إنّ المحبة وحدها لا تكون دواء لعلاج البشر، ففي بعض الألسنة والأمزجة لابدّ من شيء من الخشونة والمحاربة والدفع والطرد. الإسلام دين جذب ومحبة، كما هو دين دفع ونقمة(8)؟
3 ـ وهناك من يملك القوّة الدافعة دون القوّة الجاذبة إنّه يصنع الأعداء ولا يصنع الأصدقاء. هؤلاء أُناس ناقصون أيضاً. وهذا دليل على أ نّه يفتقر إلى الخصال الإنسانية الإيجابية. إذ لو كان متمتعاً بجميع الخصال الإنسانية، لوجدنا له ولو عدداً ضئيلا من المحبين والأصدقاء، فالمجتمع لا يخلو من الناس الطيبين، وإن قل عددهم. ولو كان جميع الناس فاسدين ظالمين لكانت هذه العداوات دليل الحقّ والعدالة. ولكن الناس ليسوا كلهم رديئين دائماً وليسوا كلهم طيبين دائماً. لذلك لا شك في أن الشخص الّذي يجد الناس أعداءً له، إنّما يكون هو السبب في ذلك، إذ كيف يمكن أن توجد في إنسان خصال طيبة، ثمّ لا نجد له صديقاً ولا محباً واحداً؟ إنّ أمثال هؤلاء تخلو شخصياتهم من الخصال الإيجابية، فهم حتّى في خصالهم السيئة لا يستسيغهم أحد. إنّهم كالمرارة في الأفواه، لا يخالطها شيء من الحلاوة أبداً.
يقول الإمام عليّ(عليه السلام):
«أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم»(9).
4 ـ وهناك الّذين وهبوا القوتين الجاذبة والدافعة. أناس لهم مسيرة خاصة، وهم نشطون في إتباع عقيدتهم ومسلكهم، فيجذبون جماعات نحوهم، ويدخلون القلوب محبوبين، كما يدفعون عنهم جماعات أُخرى ويطردونهم. إنّهم يصنعون الأصدقاء ويصنعون الأعداء. يربون المؤيدين ويربون المعاندين.
ترى كيف هم هؤلاء؟ إن قوتي الجذب والدفع قد تكونان شديدتين، وقد تكونان ضعيفتين، وقد تكونان متباينتين.
إنّ الّذين لهم شخصيات قوية هم الّذين قويت فيهم قوتا الجذب والدفع، وهذا يعتمد على مدى قوة الأُسس الموجبة والسالبة في أرواحهم. لا شك في أن للقوة درجات ومراتب بحيث أ نّها قد تصل أحياناً بالمحبين المجذوبين إلى أن يضحوا بأنفسهم في سبيل من اجتذبهم إليه، كما قد يصل الأمر بالأعداء المبغضين إلى حيث يضحون بدمائهم على مذبح عدائهم. وقد تشتد تلك القوّة بحيث أ نّها تمتد حتّى إلى ما بعد موت صاحبها، فيبقى أثر جذبه ودفعه قروناً عديدة فاعلا في النفوس ويشمل ساحة واسعة جداً. إن هذا الجذب والدفع ذا الأبعاد الثلاثة يختص به الأولياء، مثلما أن الرسالات ذوات الأبعاد الثلاثة يختص بها الأنبياء(10).
ثم ينبغي علينا أن نتعرف على الّذين يجذبونهم وعلى الّذين يدفعونهم، فمثلا، قد نراهم أحياناً يجذبون ذوي العقول ويطردون الجهلاء، وقد يكون الأمر معكوساً. وقد يجذبون العناصر الشريفة النجيبة ويدفعون العناصر الدنيئة الخبيثة، وقد يكون العكس. ولذلك فإنّ محبي كلّ امرىء ومبغضيه يعتبرون دليلا قاطعاً على ماهية ذلك الشخص.
إنّ مجرد امتلاك المرء لقوتي الجذب والدفع، حتّى وإن كانتا شديدتين، لا يكفي لاعتباره جديراً بالمدح والثناء، وإنّما تتحقق الجدارة بأصل شخصيته. وشخصية المرء لا تكون دليلا على طيب طينته. إنّ جميع قادة الدنيا وزعمائها، حتّى المجرمين المحترفين منهم، مثل جنكيزخان والحجاج ومعاوية، كانوا أشخاصاً من ذوي القوى الجاذبة والدافعة. فلولا وجود نقاط ايجابية في نفس شخص ما لا يمكنه أن يجعل الآلاف من الجنود طوع أمره وإرادته. ولولا وجود روح قيادية في المرء لما كان بإمكانه أن يجمع جموع الناس من حوله.
كان نادر شاه من هؤلاء.. ما أكثر الرؤوس الّتي أطاح بها والعيون الّتي سحلها! إلاّ أن شخصيته كانت قوية جداً. فقد أخرج ايران المندحرة في أواخر العهد الصفوي من حالتها المتدهورة باجتذابه الجيوش الجرارة حول قيادته ـ كما يجذب المغناطيس برادة الحديد ـ وتكوين جيش لجب لم يحرر البلاد من نير الدخلاء فحسب، بل طاردهم حتّى أقصى نقاط الهند، مضيفاً أراضي جديدة إلى الأرض الايرانية.
وعليه فإن كلّ شخصية تجتذب إليها مثيلاتها، وتطرد عنها من لا يماثلها. فالشخصية العادلة المحبة للخير، تجتذب شخصيات عادلة محبة للخير مثلها، وتطرد عباد الهوى والمال والمنافقين. والشخصية المجرمة تجذب المجرمين حولها وتبعد الصلحاء عنها.
والاختلاف الآخر ـ كما قلنا ـ هو التباين في درجة قوة الجذب، فمثلما هم يقولون عن قانون جاذبية نيوتن: إنّها تتناسب طردياً مع كتلة الجسم وقصر المسافة مع الأرض، كذلك.. الأمر مختلف في الأشخاص من حيث قوة جذبهم للآخرين.
 
 عليّ ـ شخصية ذات قوتين
عليّ(عليه السلام) من الرجال الّذين يمتلكون القوتين الجاذبة والدافعة، وكلتا القوتين أشد ما تكونان فيه. ولعلنا لا نعثر على مدى القرون والعصور من بلغت فيه هاتان القوتان شدتهما في عليّ(عليه السلام). فأتباعه من أعجب الأتباع: تاريخيون، مضحون، صابرون، يلتهبون حباً به كبيدر مشتعل، ويشعون ضياء، يرون التضحية بأرواحهم في سبيله أمنية وفخراً، ينسون كلّ شيء في غمرة حبهم له. لقد مضت على موت عليّ(عليه السلام) قرون، وما زالت جاذبيته تشع وتتلألأ، فتنجذب إليها العيون حيرى والهة.
في حياته تمحورت حوله عناصر شريفة، ونجيبة، تعبد الله، مضحية، لا يداخلها الطمع، أُناس صابرون، رحماء، عادلون، يخدمون الناس، لكلّ واحد منهم تاريخ وعبرة.
وبعد موته، في خلافة معاوية والأمويين، عذبت جماعات كثيرة بتهمة الولاء له أشد تعذيب، ولكنها لم تنكص بسبب ذلك خطوة واحدة على أعقابها عن حبه، بل صمدت حتّى الموت.
سائر شخصيات العالم يموت كلّ شيء عنهم بموتهم ويختفي مع أجسادهم تحت التراب. غير أن رجال الحقيقة يموتون وتبقى مدارس أفكارهم ويظل الحب الّذي أشعلوا فتيلة سراجه على مر الدهور يزداد تلألؤاً وإشراقاً.
إننا نقرأ في التاريخ أ نّه بعد مضي قرون على وفاة عليّ(عليه السلام) ما يزال هناك أشخاص يستقبلون سهام أعدائه بصدورهم.
نقرأ، فيما نقرأ عن عشاق عليّ والمنجذبين اليه، عن ميثم التمار، الّذي راح يتحدث عن فضائله وسجاياه الإنسانية، وهو على أعواد المشنقة. ففي ذلك العهد الّذي غرقت فيه البلاد الإسلامية من أقصاها إلى أدناها في بحر من الكبت والتضييق، حيث أُهدرت الحريات وخنقت الأنفاس في الصدور، وران صمت كصمت القبور على الملامح والوجوه، أخذ هو (ميثم) من أعلى المشنقة ينادي بأعلى صوته: تعالوا أُحدّثكم عن عليّ. فهجم الناس من جميع الأطراف يريدون أن يسمعوا حديث ميثم. وإذ ترى الحكومة الأموية أن مصالحها في خطر، تأمر بإلجام فمه، وبعد أيام تقتله.
إن تواريخ أمثال هؤلاء العشاق يدور كثيراً حول عليّ.
هذا الجذب لا يختص بعصر دون عصر، ففي جميع العصور تجد تجليات من هذا الجذب الطاغي الّذي فعل فعله العميق.
هنالك شخص باسم (ابن السكّيت) من كبار علماء العرب وأُدبائهم، وما يزال اسمه يتردد كلما تردد اسم سيبويه وأضرابه. عاش هذا الرجل في عصر الخليفة المتوكل العباسي. وكان متهماً بالتشيع لعليّ بعد موت عليّ بمائتي سنة، ولكن لفضله وسعة علمه اتخذه المتوكل معلماً لولديه.. في أحد الأيام دخل على المتوكل ولداه بحضور ابن السكّيت، فأبدى المتوكل رضاه عنهما لتفوقهما في أداء الامتحان، وخطر له ـ استناداً إلى ما كان يشاع عن ابن السكّيت من تشيع لعليّ ـ أن يسأله:
أتراك تحب ولدي هذين أكثر من الحسنين ولدي عليّ؟
فاستفزت هذه المقارنة ابن السكّيت فغضب لها أشد الغضب، وقال في نفسه: أبلغت الجرأة بهذا المغرور أن يقارن ولديه بالحسنين؟! إنّني أنا المقصر لكوني قبلت تعليمهما. ثمّ قال للمتوكل:
«والله ان قنبر مولى عليّ لأحب إليَّ مرات من هذين وأبيهما».
فغضب المتوكل، وأمر به فقطعوا لسانه من أصله.
إن التاريخ يعرف الكثيرين ممن لا شهرة لهم ضحوا بأرواحهم في سبيل حب عليّ(عليه السلام).. فأين تجد هذه الجاذبية في العالم؟ لا أحسب أن لها شبيهاً.
وإن لعليّ(عليه السلام) كذلك من الأعداء من ينقلب حاله عند سماع اسمه. لقد مضى عليّ كفرد، وبقي كمدرسة تجتذب إليها جماعات وتطرد عنها جماعات.
نعم، عليّ هو الشخصية ذات القوتين!
) التوبة: 71.
(2) التوبة: الآية 67.
(3) أمّا اليوم فيعتبرون بنية الجسم كالماكنة، ويرون عملية الدفع كعمل المضخة.
(4) عرفي شاعر ايراني عاش في القرن العاشر كان يختلف إلى بلاط الامبراطور أكبر في الهند.
(5) الأنبياء: 107.
(6) بل لقد شمل حبه كلّ شيء، حتّى الحيوانات والجمادات، لذلك نرى في سيرته أن لكلّ ممتلكاته أسماء خاصة بها: خيوله وسيوفه وعمائمه... الخ. وإن دل هذا على شيء فإنّما يدل على وجود علاقة بينه وبين الكائنات الاُخرى وهي كلها موضع حبه، وكأ نّه كان يرى لكلّ شيء شخصية قائمة بذاتها. إن التاريخ لا يذكر عن وجود مثل هذا السلوك في شخص آخر. والحقيقة أن هذا السلوك يحكي عن كونه كان رمز الحب والمحبة الإنسانية. مرّ يوماً بجبل أُحد فنظر إليه بعينيه المشعتين المليئتين بالمحبة وقال: «جبل يحبنا ونحبه». هذا إنسان يفيض حبه على الحجر والجبل.
(7) بحار الأنوار: 42/192 و194 ط حديثة.
(8) يمكن القول بأن النقمة ـ أيضاً ـ مظهر من مظاهر المحبة. فنحن نقرأ في الدعاء: «يامن سبقت رحمته غضبه» أي إنّك إذ شئت الرحمة غضبت، فلولا رحمتك ومحبتك ما غضبت. كالأب الّذي يغضب على ابنه لأ نّه يحبه ويتطلع إلى مستقبله. فهو يغضب إذا رآه ارتكب جرماً، وقد يعاقبه، ولكنه قد لا يهتم كثيراً إذا رأى أبناء الآخرين يرتكبون الجرم نفسه. لقد غضب على ابنه لأ نّه يحبه، ولم يغضب على الآخرين لأ نّه لا يحبهم.
ولكن قد تكون بعض العواطف كاذبة، أي إنّها مجرد أحاسيس لا يتحكم فيها العقل. وقد جاء في القرآن الكريم: (وَلا تَأخُذْكُمْ بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ)النور / 2. وذلك لأن الإسلام يعنى بالأفراد كما يعنى بالمجتمع. ولقد قال الإمام عليّ(عليه السلام):
«أشد الذنوب ما استهان به صاحبه» نهج البلاغة: ح 340. إن شيوع الذنوب هو الّذي يسقط أهميتها من الأعين ويظهرها تافهة في نظر المرء.
لذلك يقول الإسلام إنّه إذا ارتكب ذنب ولم يكن ذلك في خفاء كامل بحيث أن بعضهم اطلع عليه، فينبغي أن ينال المذنب عقابه من حد أو تعزير، فقد جاء في الفقه الإسلامي عموماً أن ترك أي واجب واقتراف أي محرم ـ إذا لم يكن له حد معين ـ يستوجب التعزير (والتعزير عقاب أدنى من الحد يقرره القاضي). فعند ارتكاب أحدهم ذنباً وإشاعته يقترب المجتمع خطوة نحو الإثم، وهذا من أخطر الاُمور على المجتمع. لذلك يجب أن يعاقب المذنب عقاباً يتناسب وجرمه، لكي يعود المجتمع إلى طريقه السوي، ولا تسقط أهمية الذنوب من عينه.
وعليه فإن النقمة والعقاب ضرب من المحبة نحو المجتمع.
(9) نهج البلاغة: الحكمة 11.
(10) أُنظر مقدمة الجزء الأوّل من كتابنا «خاتم الأنبياء ص 11 و12».

المصدر : علي في قوتيه الجاذبة والدافعة للشهيد مطهري (ره)

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/16   ||   القرّاء : 6871


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net