من هو الحسين عليه السلام
من
الحسين عليه السلام :
هو قال السيّد محسن الأمين في الجزء الرابع من « أعيان الشيعة » :
« هو أشرف الناس أباً وأمّاً ، وجدّاً وجدّة ، وعمّاً وعمّة وخالاً وخالة ، جدّه رسول الله سيّد النبيين ، وأبوه علي أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، وأمّه فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، وأخوه الحسن المجتبى ، وعمّه جعفر الطيّار مع ملائكة السماء ، وعمّ أبيه حمزة سيّد الشهداء ، وجدّته خديجة بنت خويلد أوّل نساء الأمّة إسلاماً ، وعمّته أمّ هاني ، وخاله إبراهيم ابن رسول الله ، وخالته زينب بنت رسول الله.
وقد جاهد لأسمى المقاصد ، وأنبل الغايات ، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ، ولا بعده ، فبذل نفسه وماله وآله ، لإحياء الدين ، وفضح المنافقين ، واختار المنية على الدنية ، وميتة العزّ على حياة الذلّ ، ومصارع الكرام على طاعة اللئام ، وأظهر من إباء الضيم وعزّة النفس ، والشجاعة والبسالة ، والصبر والثبات ما بهر العقول ، وحير الألباب.
وحقيق بمن كذلك أن تقام له الذكرى في كلّ عام ، وتبكي له العيون دماً بدل الدموع. وأيّ رجل في الكون قام بما قام به الحسين (عليه السلام) . يقول النصارى : إن السيّد المسيح قدم نفسه للصلب ، ليخلص الشعب من الخطيئة ، وأين ما فعله ممّا فعله الحسين (عليه السلام) ؟ عيسى قدم نفسه فقط على قول النصارى. أمّا الحسين(عليه السلام) فقدم نفسه ، وأبناءه ، حتّى ولده الرضيع ، وقدم إخوته وأبناء أخيه وأبناء عمّه ، قدمهم جميعاً للقتل ، وقدم أمواله للنهب ، وعياله للأسر ، ليفدي دين جدّه.
إن الحسين (عليه السلام) معظم ، حتّى عند الخوارج أعداء أبيه ، فإنّهم يقيمون له مراسم الذكرى والحزن يوم عاشوراء في كل عام . ولو أنصف المسلمون ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى لسيّد الشهداء. فهل كان الحسين (عليه السلام) دون جان دارك التي يقيم لها الفرنسيّون الذكرى في كلّ عام ؟ وهل عملت جان دارك لفرنسا ما عمله الحسين لأمّة جده ؟ فلقد سن لهم نهج الحريّة والاستقلال ، ومقاومة الظلم ، ومعاندة الجور ، وطلب العزّ ، ونبذ الجور ، وعدم المبالاة بالموت في سبيل الغايات السامية.
هذا ، إلى ما يرجوه المسلم من الثواب يوم الحساب على الحزن والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) ، فلقد نعاه جدّه لأصحابه ، وبكى لقتله قبل وقوعه ، وبكى معه أصحابه ، وفيهم أبو بكر وعمر ، فيما رواه الماوردي الشافعي في « اعلام النبوة ». وقد حث أئمّة أهل البيت الطاهر شيعتهم وأتباعهم على البكاء وإقامة الذكرى والعزاء لهذه الفاجعة الأليمة في كل عام ، وهم نعم القدوة ، وخير من اتّبع ، وأفضل من اقتفي أثره ، وأخذت منه سنّة رسول الله ، لأنّهم أحد الثقلين ، وباب حطّة الذي من دخله كان آمناً ، ومفتاح باب مدينة العلم الذي لا يؤتى إلّا منه.
ثمّ قال السيّد الأمين قدّس الله سرّه : ألّف السيّد علي جلال المصري كتاباً في الحسين (عليه السلام) اقتطفنا منه ما يلي :
السيّد الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله ، وريحانته ، وابن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ونشأة بيت النبوّة ، له أشرف نسب ، وأكمل نفس ، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال من علوّ الهمّة ، ومنتهى الشجاعة ، وأقصى غاية الجود ، وأسرار العلم ، وفصاحة اللسان ، ونصرة الحقّ ، والنهي عن المنكر ، وجهاد الظلم ، والتواضع عن عزّ ، والعدل والصبر والحلم والعفاف والمروءة والورع وغيره ، واختص بسلامة الفطرة ، وجمال الخلقة ، ورجاحة العقل ، وقوّة الجسم ، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة ، وأفعال الخير ، كالصلاة والصوم والحج والجهاد والإحسان.
وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه ، مهذباً بكريم أخلاقه ، مؤدباً ببليغ بيانه ، سخياً بماله ، متواضعاً للفقراء ، معظماً عند الخلفاء ، مواصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين ، منتصفاً للمظلومين ، مشتغلاً بعبادته ، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجاً خمساً وعشرين مرّة. لقد كان الحسين في وقتٍ علم المهتدين ، ونور الأرض ، فاخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه ، المقتفين آثار فضله ، ولا شكّ أن الأمّة تنفعها ذكرى ما أصابها من الشدائد في زمن بؤسها ، كما يفيدها تذكر ما كسبته من المآثر أيّام عزّها ، ومقتل الحسين من الحوادث العظيمة ، وذكراه نافعة ، وإن كان حديثه يحزن كلّ مسلم ، ويسخط كلّ عاقل.
إن مصرع الحسين عظة المعتبرين ، وقدوة المستبسلين ألم تر كيف اضطره نكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة ، وهو أعظم رجل في وقته لا نظير له في شرق الأرض وغربها. ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصوّر بين فئته القليلة ، وجيش ابن زياد الكبير في العدّة والعدد والمدد ، فقد كان ثباته ورباطة جأشه ، وشجاعته تحير الألباب ، لا عهد للبشر بمثلها ، كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها.
وما سمع منذ خلق العالم ، ولن يسمع ، حتّى يفنى ، أفظع من ضرب ابن مرجانة بقضيبه ثغر ابن بنت رسول الله ، ورأسه بين يديه ، بعد أن كان سيّد الخلق يلثمه.
ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد اللّه بن زياد يوم عاشوراء ، كما قتل الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ، كما بعث برأس الحسين (عليه السلام) إلى ابن زياد. وهل أمهل يزيد بعد الحسين(عليه السلام) إلى ثلاث سنين ، أو أقل ؟! وأية موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين اقتصّ الله منه ، فقتل أو نكب ؟!.
وأيّة عبرة لأولى الأبصار أعظم من أن يكون قبر الحسين(عليه السلام) حرماً معظماً ، وقبر يزيد بن معاوية مزبلة ؟ وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم يقتل أبناء الحسين (ع) ، ولا يترك منهم إلّا صبي مريض أشرف على الهلاك ، فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم ، ويعظم شأنهم. أمّا الذين قتلوا مع الحسين فما لهم على وجه الأرض شبيه.
ولو قدرت ولاية الحسين(ع) لكانت خيراً للأمّة في حكومتها وأخلاقها وجهادها. وشتان ما بين السبط الزكي ، والظالم السكير يزيد القرود والطنابير ، وهل يستوي الفاسق الفاجر ، والإمام العادل ؟ وأين الذهب من الرغام ؟ ولكن اقتضت الحكمة الإلهيّة سير الحوادث بخلاف ذلك ، وإذا أراد الله أمراً فلا مرد له ، واقتضت أيضاً أن يبقى أثر جهاد الحسين على ممرّ الدهور كلّما أرهق الناس الظلم تذكرة لمن ندب نفسه لخدمة الأمّة ، فلم يحجم عن بذل حياته ، متى كانت فيه مصلحة لها.
مقتبس من كتاب : [ الشيعة في الميزان ] / الصفحة : ۲۲۰ ـ ۲۲۳