علماء قدوة
علماء قدوة
إعداد : هيئة التحرير
في حياة علمائنا الكثير من المواقف الرسالية والاخلاقية التي تنمّ عن عمق الايمان والثقة بالله والاحساس بالمسؤولية , وهذه المواقف من هؤلاء العظماء في علمهم وعملهم لا بد من الوقوف عندها لأخذ العبر والاقتداء لانها تشكل لنا حافزاً نحن الطلبة لإخلاص النية والجهاد في سبيل تحصيل العلم وتبليغه خدمة لدين الله وحباً لعباده فاذا ما اصاب احدنا وهن او ملل او فاقة او غير ذلك فلنتذكر هؤلاء في مواقفهم وجهادهم ولنتأس فإن في ذلك عوناً على الاستمرار في تحمّل المسؤولية الشرعية وبالله التوفيق . وفي ما يلي عيّنات من تلك المواقف:
المولى محمد صالح بن أحمد المازندراني(توفي سنة 1081هـ)
كان أبوه فقيراً معدماً وكان هو في عيال أبيه، وفي ذات يوم عجز الأب عما يقيم الأود له ولأولاده قال له: أذهب، واطلب العيش لنفسك، فلا بد لك من السعي بعد أن بلغت الحال بنا إلى ما ترى
فترك بيت أبيه، وهو لا يدري ماذا يصنع؟ ولا إلى أين يتجه؟ وبالتالي، لم يجد ملجأ إلا مدارس طلب العلم (حيث يعطى غرفة للسكن وبعض حاجاته الضرورية) فهاجر إلى اصبهان، ودخل مدرسة تعطي لطلابها رواتب حسب درجاتهم ومراتبهم في العلم والتحصيل، وكان راتب صاحبنا أدنى الرواتب كلها لا يكاد يفي بالضرورة لمأكله، لأنه كان لا يزال مبتدئاً.. وكان لا بد له كغيره من الطلاب أن يراجع دروسه في الليل، كي يتهيأ لتفهمها من الأستاذ في اليوم التالي، ولكن أنّى له بالمصباح وثمن الزيت.. وأخيراً وجد الحل، فقد كان للمدرسة بيوت خلاء تضاء في الليل، فكان يذهب إليها، ويقرأ في الكتاب على ضوئها، وهو واقف على قدميه الساعات الطوال.. وبقي على ذلك أمداً طويلاً، حتى تقدم في العلم، وزاد راتبه بحيث استطاع أن يقتطع منه ثمن الضياء.
الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب جواهر الكلام
رحم الله صاحب الجواهر، فقد كانت له مناقب لا يبلغها الحصر:
- منها معرفته بأبناء العلم الكبار والصغار، وخبرته بنشاطهم وأعمالهم، وتفقده لأحوالهم، وترتيبه لدرجاتهم، ووضع كل واحد في المرتبة التي يستحقها.
- ومنها عقله العمراني وحبه للخير، وأهتمامه بالمشاريع العامة، وإقدامه عليها مهما تكن النتائج، والتضحية من أجلها بالغالي والنفيس، ولا شيء أدل على ذلك من إقدامه على حفر القناة من الفرات إلى النجف.. وقيل له حين صمم وعزم: إنها تحتاج إلى نفقات تنوء بحملها خزائن الملوك.. قال: أجل، وإني على علم من ذلك، وقد قدرت لهذا المشروع وزن ما أخرجه من الرمل ذهباً.. وبالفعل تم ما أراد، وشربت النجف الماء في عهده بعد ما عانت من العطش القرون الطوال. ولا تفسير لهذا الإقدام إلا الإيمان بالله، وإلا بالثقة بما عند الله، وإلا الطاعة لله التي يقول صاحبها للشيء كن فيكون.. وإذا عجز الملوك عن حفر القناة فإن ملك الملوك لا يعجزه شيء.
- ومنها عهده إلى الشيخ مرتضى الأنصاري، واختياره للرئاسة والمرجعية وإيثاره على ولده، وفيهم من هو كفء لها وأهل .. وأي عجب في هذا؟ لقد سمع شيخ الجواهر نداء الله فلباه، واستجاب لقوله سبحانه، {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}([1]) ثم أليس من عقيدتنا ـ نحن الشيعة ـ وجوب تقديم الأفضل على الفاضل في الإمامة؟ .. والشيخ الأنصاري أفضل وأصلح، وما كان شيخ الجواهر ليدع الأصلح إلى غيره حباً بقريب، أو كرهاً لبعيد..
- المصدر : علماء من النجف الاشرف للشيخ محمد جواد مغنية (ره) بتصرف
[1] سورة الانعام، آية رقم:152