هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 الرحمة الإلهية تسبق الغضب

 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ

 أول بيت وضع للناس

 الدمعة الصادقة

 ما هي فلسفة بقاء الإمام المهدي عليه السلام هذا العمر الطويل؟

 اشكالية الحوار بين المثقف وعالم الدين‏

 في مجاري كلام العرب وسننها

  دور رجال الدين الريادي في مختلف الميادين {1}

 الشيخ حسن المامقاني ونكران الذات

 حب عليّ في القرآن والسنّة

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020626

  • التاريخ : 19/03/2024 - 06:00

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : الالحاد .... مفهومه واقسامه وتصنيفاته .

                    • رقم العدد : العد الرابع والثلاثون .

الالحاد .... مفهومه واقسامه وتصنيفاته

 

الالحاد .... مفهومه واقسامه وتصنيفاته

إعداد الشيخ سمير رحال

الإلحاد: ظاهرة غربية، استقطبت قطاعاً من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، وشرائح من الجماهير، منذ الجاهلية اليونانية وحتى العصر الذي نعيش فيه..

الإلحادِ هو عدمُ الإيمانِ بالله أو بأيِّ سلطةٍ غيبيةٍ، والمبررُ الفلسفيُّ الذي يرتكزُ عليه الإلحادُ هو عدمُ امتلاكِ الإنسانِ القدرةَ العلمية التي تمكّنُهُ من إثباتِ وجودِ الله، وعليه فالتياراتُ الإلحاديةُ هي تياراتٌ ماديةٌ لا تؤمنُ بشيءٍ خارجَ حدود المادة.

ويعود دارسو الفلسفة القديمة بظاهرة الإلحاد إلى الفيلسوف اليوناني (ديموقرايطس الأبديري) (460ـ 370ق.م) الذي أرجع تولد العوالم وموتها إلى الضرورة دون أن يخلقها إله.

وعبر تطور الحضارة الغربية أصبح الإلحاد مذهباً فلسفياً، وبلغ ذروته في الماركسية ـ بماديتها الجدلية والتاريخية. ورغم سقوط الماركسية، فلقد ظلت ظاهرة الإلحاد ملحوظة، بل ومتزايدة في المجتمعات الغربية، بسبب سيادة الفلسفة الوضعية المادية، وبسبب العلمانية التي نزعت القداسة عن المقدسات..

وعلى العكس من ذلك لم يكن الإلحاد ظاهرة في تاريخ الحضارة الإسلامية، بل لا نلمح له وجوداً حقيقياً.. نعم قد نجد شخصيات قلقة إزاء الإيمان الديني.

العلم بين الإله والإلحاد:

يعتبر زعيم الملاحدة المعاصرين ريتشارد دوكنز أن الإيمان بالإله هو أكبر الشرور في العالم

ويردد الملاحدة أن كل اكتشاف علمي يفسر ظاهرة ما من ظواهر الطبيعة يسحب من رصيد الألوهية، لذلك على البشرية أن تقبل أن العلم قد قضى على أي مبرر للاعتقاد بوجود سبب أول، ونفى كذلك وجود غائية من الوجودات.

ويختلف نمط الإلحاد تبعاً لروح الحضارة التي انبثق فيها

 فإذا كان نيتشه قد عَبَّر عن الإلحاد الغربي بقوله: "لقد مات الإله"

 وعبر الإلحاد اليوناني بقوله: "إن الآلهة المقيمين في المكان المقدس قد ماتت"

ففي العالم الإسلامي اتجه الكثيرون من الملاحدة في الحضارة الإسلامية إلى فكرة النبوة وإلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتعرضوا للألوهية إلا قليلاً.

وفي الواقع، لا فرق في النهاية بين منكري الألوهية ومنكري الديانات (الربوبيين) فبإنكار الإله عند اليوناني القديم وعند الغربي المعاصر ينتفي الدين، وبإنكار النبوة والأنبياء عند العربي ينقطع كل سبيل إلى الألوهية ذاتها، وفي النهاية سيتلاشى في الحالين القول بالبعث وما يتبعه من ثواب وعقاب وما يتطلبه ذلك من الالتزام بطاعات والانتهاء عن معاص، وهذا هو جوهر ما يهتم به الملاحدة بكل أصنافهم.

يقوم الإلحاد على المفاهيم التالية

1 نشأ الكون تلقائياً نتيجة لأحداث عشوائية دون الحاجة إلى صانع.

2 ظهرت الحياة ذاتياً من المادة، عن طريق قوانين الطبيعة.

3 الفرق بين الحياة والموت فرق فيزيائي بحت، سيتوصل إليه العلم يوماً ما.

4 الإنسان ليس سوى جسد مادي، يفنى تماماً بالموت.

5 ليس هناك وجود لمفهوم الروح.

6 ليس هناك حياة أخرى بعد الموت.

7  ليس هناك حاجة إلى القول بوجود إله.

مصطلحات لا بدّ من بيانها وتحديد معانيها:

1_ الملحد "Atheist": هو المنكر للدين ولوجود الإله أو أي شيء خارج قوانين الطبيعة.

2_ اللاديني "Nontheism": هو تيار فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان فهو لا يؤمن بدين وهو المنكر للأديان عامة، لكن ليس بالضروري أن يكون منكراً للألوهية، يعبر عنها البعض بأنها إلحاد ضعيف.

 

اللا أدرية "Agonisticism":

وهي عبارة عن توجُّه فلسفي شكّي يعتبر بأن القيمة الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة وربما لا يمكن لأحد تحديدها أو تأطيرها لأنها من نوع المعنويات والغيبيات غير المنظورة وغير الخاضعة للمقياس العلمي الحسي المعروف. فقضايا مثل "وجود الله" أو "الذات الإلهية" بالنسبة لهم موضوع غامض كلية، ولا يمكن تحديده في الحياة الطبيعية للإنسان.. أي أنّ"اللا أدري" لا ينفي ولا يؤكد وجود الله.

واللاأدري هو الذي يؤمن بأن قضايا الألوهية والغيب لا يمكن إثباتها وإقامة الحجة عليها، كما لا يمكن نفيها، باعتبارها فوق قدرة العقل على الإدراك.

 

يقسم بعضهم اللا أدرية إلى سلبية وإيجابية

أما السلبية فهي التي لا ترى في وجود الله قضية مهمة ولا يترتب على البحث فيها ثمرة لذلك هو يأخذ موقف اللاأدري من حيث عدم اهتمامه ونظرته السلبية لقضية الخالق سبحانه.

أما الإيجابية فهي التي ترى بوجود الرب لكنها لا ترى في الأديان ما يستدعي الإلتزام بأحدها لعبادة الله، إنما يكتفون بالإيمان بوجوده وغالباً هذا الإيمان لا يترتب عليه تكليف أو اعتقاد غير الاعتقاد بوجوده فقط.

قد لا يكون للاأدرية موقف واضح من نكران الإله ونفي وجوده، إلا أنه يعتبر اثبات وجوده قضية مهملة أو غير مستحقة، أو غير قادرة على الاثبات البرهاني، ناهيك عن ضرورة الالتزام بشريعة وأحكام.

يدعي بعضهم أن مفتاح اللا أدرية قد ابتدأ مع إيمانويل كانط ـ الفيلسوف الألماني ـ فقد ادعى أن قضية اثبات وجود الله سبحانه لا يمكن اثباتها بالدليل العقلي كما لا يمكن نفيها به كذلك، إلا أن وجوده تفرضه الضرورة الأخلاقية وجدانياً.

وهكذا بدأ الموقف اللاأدري يبرز شيئاً فشيئاً وينتقل من كونه موقفا فرديا إلى فلسفة قائمة.

يندرج الموقف اللا أدري تحت الإلحاد كونه يعطي (لا إجابة) عن قضية الخالق والخلق، والسبب هو عدم شعوره بالحاجة إلى الخالق أو عدم رغبته بالإلتزام بالتكاليف وما يستدعي ذلك الإيمان من نفي النسبية ووجود معيار واضح يصنف الأشياء إلى جائز وغير جائز.

والموقف اللا أدري قد يكون ناشئاً من أي من حالات الإلحاد السابقة لكنه قد يمتاز عنها بالتوقف عند عدم الاثبات بدلاً من النفي الجازم، والإهمال في السعي نحو الاجابة.

 

3 المتشكك "Skeptical": هو الذي يرى أن براهين الألوهية لا تكفي لإقناعه وفي نفس الوقت لا يمكنه تجاهلها.

4 _ الربوبية: مذهب فكري لا ديني وفلسفة تؤمن بوجود خالق عظيم خلق الكون وبأن هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم وحده دون الحاجة إلى أي دين، معظم الربوبيون يميلون إلى رفض فكرة التدخل الإلهي في الشؤون الإنسانية كالمعجزات والوحي.

ويؤكدون على أن الله أو "الإله" أو "المهندس العظيم الذي بنى الكون" لا يتدخل بأي شكل من الأشكال في عمل الطبيعة، ويسمح لها بالعمل وفق قوانين الطبيعة التي كونها عندما خلق كل شيء، وأن الكون يسير بناء على قوانين علمية دقيقة دون تدخل إلهي.

5 العلماني وترجمتها الصحيحة اللادينية أو الدنيوية، والعلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على العلم المادي والعقل، وعدم تدخل الدين في أمور الحياة العامة.

 

تعريف الإلحاد

عرّف الإلحاد بأنه هو الإيمان بعدم وجود إله أو آلهة.

هذا التعريف يمكن أن نقع عليه في أي معجم، وهذا تعريف معجمي ليس تعريفا لفظيا

دليل كامبريدج للإلحاد يقول: من الصعب أن نضع تعريفاً للإلحاد لأن هذا المفهوم تطور عبر العصور مواكبة لتطور مفهوم الإله.

فأنت قد تنفي هذا الإله فتعد ملحداً عند أبناء هذه الثقافة، لكن قد تبقى مؤمناً عند ثقافة أخرى لم تنف آلهتها أو إلهها.

وإذا اختلفت مع ديانة المدينة السائدة فأنت ملحد، مهما تكون الآراء والمعتقدات.

وما هو تأكيد للألوهية عند البعض يمكن أن يكون إلحادا عن البعض الآخر لعدم الوضوح والثبات التاريخي لمدلول هذا المصطلح وقد تم اتهام كثيرين عبر العصور بالإلحاد مع أنهم يؤمنون بوجود الله وما من تهمة كانت أكثر تداولاً من تهمة الإلحاد.

فسقراط تمت محاكمته بتهم كثيرة ومن ضمنها الإلحاد مع أنه كان مؤمناً بالاله  

ودعا إلى توحيد الآلهة، فكونك تنكر تعدد آلهة المدينة إلحاد.

 وكذلك المسيحيون الأوائل كانوا يحرقون لأنهم ملاحدة لانهم أنكروا آلهة الامبراطورية الرومانية الوثنية خصوصاً عبادة الامبراطور.

 وبعدها لما أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للأمبراطورية الرومانية سنة 380م صار الملحد هو من لا يؤمن بعقائد المسيحيين وصار يعامل كملحد.

في السياق الإسلامي هناك توسع كثيراً في استخدام مصطلح الإلحاد أطلق على من عطل شيئاً من صفات الله وعلى من شبّه وعلى من أنكر أصلاً من أصول الدين.

لذلك أبو حامد الغزالي كفّر ابن سينا والفارابي بمسائل معينة، كقولهم بقدم العالم      وانكارهم لعلم الله بالجزيئيات وللمعاد الجسماني، بالمقابل هم اقروا بالالوهية وانهم  مؤمنون، بل اقاموا اقوى البراهين على وجود الله، كبرهان ابن سينا المعروف بـ برهان الصديقين في القرن الحادي عشر الهجري، لكن عُدّ هؤلاء ملاحدة، لأنهم خالفوا التصور السائد لدى المسلمين وهكذا.

ولذلك أذا عرّفنا الإلحاد بأنه انكار وجود الذات الإلهية انكار فليس في الحضارة الإسلامية ملحد واحد لا أبو العلاء المعري ولا محمد بن زكريا الرازي ولا ابن الراوندي وهؤلاء كبار الملاحدة المشهورين في تاريخنا  حيث لم ينكر احد منهم وجود الله تبارك وتعالى، ولكن أنكروا أشياء دون ذلك.

فمحمد ابن زكريا الرازي ينكر النبوة ويسخر منها، لكن يؤمن بالله ويقول: الله موجود لكن الله ليس بحاجة إلى أن يتصل بهذا العالم عبر بشر يسمون رسلاً فالعقل اغنى عنهم.

وابن الراوندي وقف ضد كل الديانات وكل الأنبياء، وشكك في الألوهية، ووضع في ذلك كتابيه "الفرند" و"الزمردة" ويمكن تلخيص أفكار ابن الراوندي في عدة نقاط:

_ القرآن الكريم ليس نصاً فريداً، ويمكن كتابة ما هو أفضل منه.

_ ليس لله حاجة لإرسال الرسل، فالعقل قادر على أن يصل بطبعه إلى رشده وإلى صلاح الإنسان.وغير ذلك.

 

تقسيمات وتصنيفات الالحاد

ذكر أفلاطون ثلاثة أشكال للإلحاد:

الشكل الأول: يتمثل في انكار الألوهية أو الربوبية

وهذا نجده عند الفلاسفة الطبيعيين السابقين على سقراط والذين يؤمنون بأن الطبيعة هي المبدأ الوحيد كديموكريتوس صاحب النظرية الذرية.

فالفلاسفة قبل سقراط مؤسسو المدرسة المادية يعرفون بالفلاسفة الذريين يعتبرهم أفلاطون بأنهم ملاحدة.. والفلاسفة الطبيعيون والفلاسفة قبل سقراط هم الذي أرسوا الدعائم الأولى للعلم الطبيعي.

الشكل الثاني: يتمثل في اثبات الألوهية مع انكار العناية الربانية للخلق

اي أن الله تعالى لا يهتم بشؤون الخليقة والكون ومصير الإنسان، وينكرون لوازم ومقتضيات العناية الإلهية كإرسال الرسل والرسالات والنبوة والوحي وإنزال الكتب.

الشكل الثالث من الإلحاد في تصنيف أفلاطون هو: الاعتقاد بأن الآلهة يمكن أن تستجلب رضاها ويستدفع سخطها بتقريب القرابين وتضحية الأضاحي.

طائفة من المصطلحات التي تتعلق بالإلحاد

الإلحاد المطلق هو إنكار وجود الله أو الآلهة بغير قيد أو شرط.

جون ديوي كان يقول: الطبيعة كافية تفسر نفسها لا تحتاج إلى أي مبدأ آخر مفارق لها على الاطلاق .

الإلحاد النسبي: هو ليس انكارا الألوهية أو الربوبية من حيث أتت وإنما إنكار لتصورات معينة للألوهية أو للربوبية. فيقال هذا ملحد نسبي نسبة إلى ثقافته وإلا عند ثقافة أخرى يعتبر مؤمناً. وذلك كمن ينكر المفاهيم التشبيهية للآلهة في الحضارة الأغريقية ما قبل الميلاد التي كانت تشبيهية فهو لم يكن ملحداً بمعنى الإلحاد المطلق اذ لم ينكر وجود الآلهة وإنما أنكر هذه النزعة التشبيهية للآلهة فهو ملحد نسبي نسبة إلى ثقافته.

والإلحاد النظري هو موقف فكري، فلسفي أو غير فلسفي وقد يكون علمياً ينكر وجود الإله أو الآلهة، ويحاول أن يقيم البراهين على انكارها، ويدحض البراهين المخالفة.

الإلحاد العملي: لا ينخرط صاحبه في المحاجات والسجالات النظرية، وإنما يعيش كأن الآلهة غير موجودة أو كأن الله غير موجود يعيش كملحد.

الإلحاد الإيجابي والإلحاد السلبي

الإلحاد الإيجابي والإلحاد السلبي وهما مصطلحان قديمان نسبياً معروفان في السياق الأوروبي في القرن الثامن عشر.

الإلحاد السلبي هو الخلو من الفكرة المعتقدية. فهو الإلحاد الذي لا يؤمن صاحبه بوجود الخالق، لكنه أيضاً لا يؤمن بعدم وجوده.

فهو يقول: ليس عندي دليل يدل على وجوده وبالتالي لست مؤمناً بوجوده، ولا دليل عندي يدل على عدمه وبالتالي لست مؤمناً بعدمه.

الإلحاد الإيجابي ومعناه هو: الذي يتبنى موقف النفي ولديه أدلة وبراهين ويجادل بها.

الإلحاد الصريح هو الإلحاد الذي يصرح بالنفي ويحتج عليه ويستدل له.

الإلحاد القوي والإلحاد الضعيف.

الإلحاد القوي:مثل الالحاد الصريح وكالالحاد الموجب يجزم بالنفي ويقيم الادلة

والإلحاد الضعيف مثل الالحاد السالب.

 

تصنيفات الالحاد

الحالة الأولى: الإلحاد العلمي

لفظ العلم هنا مرادف لكلمة (science) الإنجليزية، والمعنى بها العلم التطبيقي أو التجريبي. وأصحاب هذا الاتجاه يبررون إلحادهم بالكشوفات العلمية والنظريات العلمية كنظرية التطور الحديثة([1])، وقوانين الفيزياء الكمية، وغيرها في إثبات

 إما عدم الحاجة للإله كما ذهب لذلك هوكينغ في فرضيته بالاكتفاء بوجود القانون .

أو نفي الالهة كما يذهب لذلك بعض العلماء المعاصرون مثل دوكنز

وفي كلا الحالتين يستمد هذا الاتجاه من العلم ونتائجه ما يبرر ويؤيد به إلحاده.

الإلحاد العلمي يعطي الذريعة للملحد، لكنه أبداً لا يقدم المبررات للإيمان بالإلحاد، وهذا ما لا يلفت له بالعادة، فإن اكتشاف طريقة عمل الشيء أو حدوثه تزودك بالذريعة لنفي الإله لكن الاندفاع نحو الايمان هو موقف فلسفي ونفسي وليس موقفاً علمياً، فالعلم صامت .

ستيفن هوكينغ مثالا:

حاول ستيفن هوكينغ تفسير الكون باعتماد الفيزياء بعيدا عن كل مصادر المعرفة، مما جعل نزعة العلموية تغلب على تصوراته، حيث يرى أن الفيزياء يمكن أن تشرح لنا كل شيء، وأنه يمكننا  أن نعرف أكثر من ”الله” ، وهاجم جمود الفلاسفة وعدم مواكبتهم للعلم التجريبي واعتبر الفلسفة مجرد علم ميت ومضيعة للوقت ...

 واختصر عقيدته العلمية: (طالما أنه يوجد قانون الجاذبية , فالكون يستطيع وسيقوم بخلق نفسه من لاشيء .. الخلق التلقائي هوسبب وجود شيء بدلا من لاشيء .. ليس لازما أن نقحم إلها ليبدأ عمل الكون .

الحالة الثانية: الإلحاد الأنثروبولوجي

هذا الاتجاه الإلحادي يذهب إلى الاستدلال بالنظريات الأنثروبولوجية والتشابه فيما بين الحضارات البشرية إلى نفي الديانات وزيفها، ومن ثم بناء على ذلك نفي الإله.

ويستغل هؤلاء علم الأنثروبولوجيا في تدعيم آرائهم، فيستدلون مثلاً على زيف القرآن الكريم بكونه حوى قصة الطوفان والتي يزعمون أنها مسروقة من التراث البابلي، أو قصة أهل الكهف المأخوذة من السريان وهي عندهم باسم أهل مغارة أفسس، وأن مكة مأخوذة "إلمقة" وهو معبد الوثنيين من قوم بلقيس وغيرها.

وغالباً ما يوظف هؤلاء الكشوفات الأثرية في تدعيم آرائهم بزيف الأديان وأنها مجرد صنائع بشرية تعيد توليد تراث الحضارات بصياغات جديدة لنفي الدين وضمناً نفي العبادة وصولاً للإلحاد.

وتظل هنا إشكالية مضمنة في كلامهم، وهي أنهم يضعون مقدمة كبرى مضمرة تدعي القطيعة ما بين الحضارات والدعوات النبوئية السابقة، وعليه فإن أي تشابه بين حضارتين أو نبوءتين يعزى إلى سرقة إحداهما من الأخرى!

وهذا افتراض لا يدعمه دليل. ولنا شواهدنا بأن المصدر واحد لذا يعزى هذا التشابه أو التماثل إلى وحدة المصدر للأصل، وإن تعددت الصور الناقلة له، وبهذا ينتفي الإشكال من أصله.

 

الحالة الثالثة: الإلحاد الاجتماعي

يأتي هذا الإلحاد من خلفية اجتماعية، بالمعنى الواسع للمجتمع، فهو بمثابة إعلان غضب على الرب والعياذ بالله. وهؤلاء ينظرون إلى بؤس مجتمعاتهم وانحطاط ما هم فيه على أنه نتاج التمسك بالدين، وتراهم في مقارنة دائمة بين مجتمعاتهم وبين المجتمعات الغربية المنعتقة من الدين ويعزون تطورها لذلك، ومن الطريف أنهم لا يشيرون أبداً بكلمة الغرب إلى دول أوروبا الشرقية أو الوسطى التي لا تختلف عنهم في بؤسها بل دائماً يشيرون إلى دول الغرب الغنية التي بنت تراثها ومجدها على دماء الشعوب الفقيرة والتحكم بها!.

ودافع هؤلاء للإلحاد دافع اجتماعي، وهو أنه لو كانت هذه الديانات إلهية لما صح لها أن تكون بمثل هذا السقوط، وبهذه الدرجة من تفشي النفاق، بالتالي فإن هذه الأديان مجرد "أفيون للشعوب" لا بد من الانعتاق منها كونها السبب في التخلف والبؤس.

وهؤلاء يخلطون ما بين طبيعة النفس الإنسانية الميالة لاستخدام الغير والأمّارة بالسوء وما بين الدين، وما بين العادات والتقاليد المبنية على ظروف اجتماعية مختلفة وما بين الشريعة الدينية، فيحملون الله وزر هذا التخلف ليبرروا كفرهم به، لكون ما هم فيه ـ بتصورهم ـ نقيض العدل!

و"دوكنز" كثيراً ما يستدل بسلوكيات اجتماعية على زيف الأديان وكذبها، وهذا من عجيب القياس ومخالفة المنهج العلمي الذي يفترض به أن يحاكم الأسس لا أن يحكم على الظواهر، ولا ينطلق من السلوكيات في نفي العقائد قبل بحثها منهجياً.

وهذا الاتجاه أصحابه مصابون بعقد نفسية من المتدينين مما يجعلهم ينفرون من الدين ككل، أو أنهم يرون في الدين حِجراً عليهم.

وقد نشرت البي بي سي تقريراً عن ايرلندا شارك فيه بعض ممن ناله التحرش من أحد القساوسة وانتهى المطاف حين كبروا بترك الدين .

فإن التصور المادي لله خصوصاً عند الغربيين ومن ماثلهم من مشبهة ومجسّمة، وعدم انفكاك صورته عن رجال الدين في تصوراتهم جعلهم يمارسون نوعاً من الإسقاط هو في حدّ ذاته مخالف للمناهج العلمية التي يدعون الإلتزام بها ليبرروا إلحادهم!

وهذا يفسر ويُظهر كيف ان إلحاد الكثيرين أنه نابع من عقد نفسية إما من رجال الدين أو من السلطة الأبوية التي يسقطونها على الدين وعلمائه فيتهمونهم بالوصاية والتسلط والاستبداد، أو نتيجة تصورات ساذجة في فهم التوحيد والدين، فيلحدون تخلصاً منها أو نقمة عليها، أو يلحدون للتخلص من عقدة الذنب التي ترافقهم نتيجة رغبتهم بعدم التقيد بالقيم الدينية.

الحالة الخامسة: الإلحاد الفلسفي

هذا النوع من الإلحاد مادته الأساسية مصطلحات الفلسفة والمنطق ، وساحته هي المباحث الفلسفية والمنطقية المتعلقة بالعلل والمعلولات والسبب والسببية والخير والشر، وهي مباحث نظرية في المجمل. وفي جذوره هو ملفق من حالات نفسية واجتماعية تجعل صاحبها يلحد ويبرر إلحاده بالمغالطات الفلسفية والمنطقية.

والتركيز عادة يكون عن أثر الإله على هذا الوجود، ومنه ينطلقون في نفيه مستدلين باستدلالات غير منهجية في العادة، وبثوب يدعي العقلانية ويمارس غموضاً في العبارات والمصطلحات.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

"نيتشه" في (الإنسان السوبر) و"شوبنهاور" في (الإرادة) ولا يبتعد عنهم راسل وهيوم.

تقوم فلسفة شوبنهاور التشاؤمية على اعتبار الحياة شرا مطلقا، وأن الدين هو أسطورة لا واقعية ابتكرها الإنسان لمجابهة مخاوفه.

ام ديفيد هيوم (ت 1771م) الفيلسوف البريطاني فتبنى أهم آرائه على ثلاث محاور:

الأول اعتبار الحس الطريق الوحيد للمعرفة

والثاني أن فهم الواقعيات غير متحصل بل إن الإنسان يفهم كل شيء بواسطة ذاتيته ـ أي أن كل ما يتوهم الإنسان معرفته عن العالم الخارجي هو اسقاط لما في نفسه من مدركات ذهنية مختزنة ومعارف سابقة ومعتقدات مكتسبة يفسر لها العالم ـ فمذهبه يتبنى الذاتية في مقابل الموضوعية.

والثالث اعتباره أن مواقف الإنسان ليست ناشئة من إرادة حرة بل هي آلية، فالإنسان يتصرف وفق دوافعه المنبعثة من مشاعره وأحاسيسه فما يتلذ به خير وما يتألم منه شر، ثم ينتقل للمشاعر الداخلية وهي الكره والحب.

يقدم هذا الإلحاد الفلسفي نوعاً من الخطاب الشبيه بالخطاب العقلي، ويمكن تمريره على كل غير متخصص بحيث ينخدع به وبمغالطاته، ويستهدف هذا الإلحاد بشكل أساسي ضرب أدوات المعرفة العقلية وتخطئة أحكام العقل القطعي، والبديهيات الإدراكية.

كما أن كثيراً من الفلسفات الإلحادية إنما هي مجرد خطابات شعاراتية ترفع من قيمة الإنسان في قبال أي شيء آخر حتى تجعله المحور ثم ترفع من قيمة تلبية احتياجاته المادية حتى يصير الإنسان في خدمتها، لا هي بخدمته.

الحالة السادسة: الإلحاد الأدبي

يتبنى هذا الاتجاه الإلحاد كوسيلة تخلصه من الالتزام بقيم أخلاقية أو معيارية، بحيث يصبح الكاتب الأدبي متحرراً في كتاباته الأدبية فيخاطب الغرائز دون وجود قيد يمنعه أو ذنب يحمله.

إن ابتلاءات الحياة الحالية وصعوبة العيش فيها، والضغط العصبي جعل من الأدب وسيلة لتفريغ مكبوتات الإنسان المعاصر الذي لم يعد يرى في الكتب المقدسة والأديان ملاذاً بعد أن تمت برمجته لقبول النسبية وتنشئته على الإلحاد وفصل الدين عن وجوده وشؤونه، فصار كائناً لا يرى سلوته في الحزن والفرح إلا بأبيات شعر أو قصص روائية ملفقة يستمد منها قيمه ومبادئه بعد أن فقد اتصاله بالخالق والرب، وهي روايات تقدم محفزات عاطفية ووجدانية وخيالية وبعضها شهوانية بعيداً عن أي تكاليف أو إلزامات أو حتى ضوابط معرفية وأخلاقية لتساهم في خلق "عالم وحدة الديانات"، حيث لا حق ولا باطل ولا فرق بين مؤمن وملحد!

تاريخ الالحاد

ثمة رأيان متعارضان في ميلاد الإلحاد:

رأي يقول إن الإلحاد لم يولد إلا في أوروبا في العصور الحديثة ولكن الأغريق القديمة عرفت الإلحاد بوجهات نظر فردية لكن ليس كخط فكري عام، وبقيت هذه النزعات مفرقة وضعيفة ضد الخط العام.

الإلحاد عند الإغريق

لم يَكُن الإلحاد -عقيدة إنكار وجود الله- في بلاد الإغريق متفشيا بشكل كبير، بل كان محصُورا في نُخبةٍ مِن المُفكِّرين والفلاسِفة الطَّبِيعِيِّين والسُّفسطائِيِّين، وهُناك مَن رُمُوا بتهمة الإلحادِ لا لأنَّهُم أنكروا وُجود الله وإنَّما لأنَّهُم خالفوا ما عليه المُجتمعُ من عاداتٍ وتقاليد.

يقول الفيلسوف لالاند في موسوعته الفلسفية : (ما مِن تُهمة كانت أكثر تداولا من تُهمة الإلحاد، ففي الماضي، كان يكفي المرء، حتى يُتَّهم بهذه التُّهمة، أن لا يُشاطر الآراء السائدة والمعتقدات الرسمية في عصر ما. ومعلوم أن سُقراط أُعدم بسبب تُهمة الإلحاد، مع أنه لم ينكر وجود الله وإنما دعا إلى توحيد الآلهة في مجتمع إغريقي يُؤمن بتعددها

وأشهر مَن اتُّهم بالإلحادِ في هذه الحضارة: الفيلسوف أبيقور، مَعَ أنَّهُ حقيقةً لم يَكن ملحدا أيضا بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، فهو لم يُنكِر وجود الآلهة وإنَّما أنْكر عنايتها وتدخُّلها في الكون.

الفيلسوف دييغو راس مثلاً لقب بالملحد الأول: لأنه كان يتكلم في قضية الألوهية ويشكك فيها ويقيم بعض الأدلة .

كريتياس ـ وهؤلاء كلهم كانوا قبل سقراط ـ كان يزعم أن الآلهة هي من صنع الخيال البشري كأفكار يخوف بها المجتمع ويخوف بها الناس .

وقال هوميروس بأن: الآلهة ما هي إلا حكام تم تأليههم.

ابيكيور قال: كيف أؤمن بالله العلي العظيم الحكيم القدير المحب للخير، وأنا أرى في العالم كل هذه المعاناة، تزعمون أن الإله موجود وأنه كلي العلم وكلي القدرة وأنه خير

إما هذا الرب يريد أن يغير هذه الأشياء ولا يقدر على ذلك فهو عاجز وليس برب

وإما أنه يريد أن يغير وقادر على أنه يغير ولكنه لا يفعل، فهذا عبثي أو شرير حقود!

وإما أنه يريد ويقدر ولكنه لم يقع هذا الشيء ولم يغير، معناه أنه غير موجود.

وهذه اسمها حجة الشر وهي من أقوى الأدلة عبر العصور وإلى اليوم.

إبكيور لم يكن ملحداً بالمعنى الأول الذي حدده أفلاطون بالإلحاد بمعنى أنه لم ينكر وجود الآلهة، بل اعترف بأنها موجودة وتحدث عن تركيبها، وقال: الآلهة تتكوّن من ذرات مادية صغيرة جداً جداً ومتموضعة هذه الآلهة في عوالم وسيطة ليست تعنى لا بمسار الإنسان ولا بمصيره، يعنى أنكر العناية الإلهية.

في العصر الوسيط الإسلامي

 لم يعرف الإلحاد بمعنى نفي الربوبية ، وإنما عرفوه بمعان أخرى، كالطعن في النبوات، والطعن في تصور معين لله الذي أتى عبر الوحي والرسالة، فلديهم تصور أقرب إلى إله الفلاسفة منه إلى إله المتدينين.

فمحمد ابن زكريا الرازي قد طعن في النبوات قائلاً: هذا النبي إذا بعثه الله سيبعثه بأوامر ونواهي وتشريعات هل العقل يستطيع أن يعرف وأن يبرر ما أتى النبي منها أو لا يستطيع؟ فإن قلنا العقل يستطيع، فلا حاجة لنا بها، وإذا كان العقل لا يستطيع فهي غير معقولة، كيف يكلف بها العاقل فسأردها.

لكن ليس لدينا في السياق الإسلامي ملحد بالمعنى الأول Atheist

 

الإلحاد في أوروبا

في أوروبا وفي بداية العصور الوسطى لم يكن الحاد, السلطة المطلقة كانت للميتافيزيقا وبعد ذلك ظهرت بعض الحركات الهرطوقية والهرطقة تعني البدعة الإعتقادية، والهرطقة كانت تعامل تقريباً كالإلحاد.

كان الإلحادُ متفشِّيًا بالمعنى الاصطلاحي للكلمة “عقيدةُ إنكارِ وجودِ الله”، وذلك مع نَشَاطِ الاكتشافات العِلمية التِي جَعَلت الصِّراعَ ينشُبُ بين العِلمِ والدِّين

 يقول د. عمرو شريف في كتابه “خُرافَة الإلحاد”: (لقد وقعت الطَّامَّة الكُبرى -من وجهة نظرِ الكنيسة- عندما أعلن كوبرنيكوس بحساباته الرياضيَّة ثُم أثبت جاليليو بتِلِسْكُوبه أنَّ الأرضَ ليست مركز الكون، بل هي مُجرَّدُ كوكبٍ تابعٍ يدورُ حول الشَّمس، لقد دفعا ثمنًا غاليًا لعلمهما وشجاعتهما، إذ تبنَّتِ الكنيسةُ حملةً شَعْوَاءَ لاضطهادِ، وتعذيبِ، وقتلِ العلماءِ باعتبارهم من السَّحَرة والمُشعوذين.)

 ثُمَّ يقول: (وكذلك كان اكتشاف الميكروسكوب عام 1595م صدمةً كبيرة، إذ مَكَّنَ العُلماءَ لأول مرَّةٍ من رؤيةِ الجراثِيم، التي ثَبَتَ فيما بعد أنَّها المسؤولة عن كثيرٍ مِنَ الأمراض، كيف ذلك؟ .. أليس الله أو الشَّيطان هو الذي يُنزِّلُ الطَّاعون والأوبئَة بالبشر؟ كيف تستطيع إذًا صَلَوَات رجالِ الدِّينِ -مَدْفُوعَةُ الأجر- أن تشفي الأمراض؟

فبدأ الإنكار بسيطًا، إلى أن انتهى بالإعلان بشكلٍ واضحٍ وجَرِيءٍ عن موتِ الإله في القرن التاسع عشر في مَقُولة نيتشه الشًّهيرة: (لقد مات الله)

 

من تاريخ الإلحاد في الإسلام

يقول الفيلسوف عبد الرحمن بَدَوي في مقدمةِ كتابه “من تاريخ الإلحاد في الإسلام”: (وإذا كان الإلحادُ الغربي بنزعته الدِّيناميكية هو ذلك الذي عبَّر عنه نيتشه حين قال: لقد مات الله

وإذا كان الإلحاد اليوناني هو الذي يقول: إنَّ الآلهة المُقيمين في المكان المُقدَّس قد ماتت ..

فإن الإلحاد العربي هو الذي يقول: لقد ماتت فكرة النُّبوة والأنبياء

فالإلحادُ في التاريخ الإسلامي لم يكُن معروفا بالمعنى الاصطلاحي، وإنَّما كان محصُورا في بعض الانحرافات العَقَدية، مِن ضِمنها إنكارُ النُّبُوة، إلا أنّه كان قليلا جدا، وأصحابه معدُودُون على رأسِ الأصابع.

 مِن بينِهم الراوندي الذي طَعَنَ في النُّبوة والقرآن معا، ومحمد بن زكريا الرازي الذي كان يقسِّم ما جاء به الأنبياء إلى قِسْمَين، قِسمٌ مَعقول المعنى وافق العقل فنحن لسنا بحاجةٍ لإرسالِ الرُّسل مِن أجله، وقِسم غير مَعقولٍ، يَدُلُّ على بُطلان النُّبوة

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإلحاد بالمعنى الإصطلاحي، كان منعدما أو شبه منعدم في تاريخ الإسلام.

الإلحاد الجديد: التطورات والسمات والخصائص:

السمة الأولى: الحماسة والحرص الشديد على الدعوة للإلحاد:

مع حادثة 11 سبتمبر ترسخ في وعي كثير من الملاحدة أن قضية الإيمان والدين باتت مهدداً حقيقياً للبشرية، وأن التزام الهدوء والحيادية من الدين لم يعد خياراً مقبولاً.

يقول ريتشارد دوكنز  في مقالة كتبها بعد أربعة أيام من حادثة 11 سبتمبر: «إن ملء عالم بالدين، أو بالأديان الإبراهيمية، هو تماماً كملء الشوارع بالمسدسات المحشوة بالرصاص، لا تتعجب إذا ما تم استعمالها».

السمة الثانية: عدائية الخطاب الإلحادي الجديد:

«الملاحدة الجدد ينطلقون في تعاملهم مع الدين من رؤية ترى فيه منبعاً للشرور والكوارث والقوارع البشرية، وأنه من الواجب السعي بجدية في محاربته وفق الأدوات المتاحة والممكنة. من هنا سُميت سلسلة الأفلام الإلحادية الشهيرة لريتشارد دوكنز بـ(جذر الشرور كلها)، ويقصد بهذا الجذر الدين والإيمان

السمة الثالثة: استعمال أداة الإرهاب في حرب الأديان:

«في مقابل سعي الملاحدة إلى التأكيد على أن الدين منبع للشرور فإنهم يسعون إل تبرئة الإلحاد من جميع صور الشرور

السمة الرابعة: الهجوم اللاذع على دين الإسلام:

فالإلحاد في سياقه الغربي كان سجاله مع النصرانية. لكن تغيرت الظروف وانتقل الأمر إلى الإسلام بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر..

فهذا هارس احد الملاحدة يقول: فكرة الحرب على الإرهاب لا معنى لها، بل حان الوقت للاعتراف بأننا لسنا في حرب مع الإرهاب وإنما في حرب مع الإسلام. 

السمة الخامسة: جاذبية الإلحاد الجديد:

الظاهرة الإلحادية الجديدة، أضحت لها جاذبيتها الخاصة من خلال رموزها الذين يتمتعون بكاريزما خاصة، وأسلوب لافت، والخطاب المؤثر. (ريتشارد دوكنز، وسام هارس، وكريتوفر هيتشنر، ودانيل دينيت.

السمة السادسة: المغالاة الشديدة في العلوم الطبيعية التجريبية:

فرؤيتهم للكون والحياة تقوم على فلسفة مادية مجردة لا تؤمن إلا بها، وما يمكن إثباته تجريبياً وفق المنهج العلمي. ويؤمنون بأن العلم والمعرفة لا سبيل إلى تحصيلهما إلا عبر هذا السبيل، وبالتالي فليس للإنسان أحد اختيارين: إما الإيمان بالعلوم الطبيعية التجريبية وما تفضي إليه من الحقائق أو الوقوع في شرك الخرافة والجهل. 

 

 

[1] لم تعد نظرية دارون بثوبها القديم القائم على الاستقراء التاريخي والاستنباط من خلال تفسير التطور بعامل الانتخاب الطبيعي رائجة اليوم، بل تطورت النظرية وازدادت تركيباً وتعقيداً من ناحية المادة وإن كانت لا تزال تحافظ على هيئتها الداروينية، لذلك تعدل مسماها إلى الداروينية  الجديدة وهي تقوم على عدة مبادئ مستقاة من فروع علمية أحيائية مختلفة كقوانين التطور لندل، والطفرات لديفريس، وغيرهم. وهذا التعقيد الأحيائي والتفرع للنظرية الداروينية جعل من مجابهة نظرية دارون بمادتها الخام الأصلية نوعاً من العبث نظراً للتباين الكبير بين أصل نظرية دارون وما تم التوصل إليه حالياً في مجال العلوم الأحيائية، مع هذا يظل النقاش في الجانب العلمي لا يخرج عن دائرة الإجابة عن سؤال (كيف؟) وهو استكشاف آلية التطور وأصل الأنواع ولا يتعداه إبداً إلى سؤال (لماذا؟) وهو سؤال الغاية، فليس من شأن نظرية التطور أن تجيب على سؤال فلسفي يتعلق بأصل الوجود والغاية منه متجاوزة بذلك المادة وميكانيكيتها إلى عالم المجردات والمعاني، فمجرد افتراض نفي الحاجة إلى الخالق بناء على الاكتفاء بقوانين التطور وسيرها يخرج البحث من مجال العلم التجريبي إلى المجال النظري حيث لا مختبر ولا معمل قادر على الملاحظة والتجريب، هذا ناهيك عن عدم تصادم نظرية التطور بالمجمل مع وجود الخالق سبحانه، بل هذا من التوهم.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/09/26   ||   القرّاء : 4259


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net