أهل البيت عليهم السلام.. معدن الرحمة
- أهل البيت عليهم السلام.. معدن الرحمة
في رحاب الزيارة الجامعة
آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي حفظه الله
كلمة "معدن" مشتقة من المادة "عدن" على وزن "متن" بمعنى الاستقرار مع إلفة وبهجة وحبور، فلا أثر للنفور والإكراه والمقت لا في المستقِر ولا عند المستقَرّ فيه، وسميت الجنان بـ "جنات عدن" لأنها سكن أصحاب الجنة من جهة {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} التوبة/72، ولان الاستقرار بها عن رغبة فيها وشوق إليها من جهة أخرى.
وكلمة "رحمة" في اللغة بمعنى الرقة والرأفة واللطف، والرفق والعطف والحب والشفقة، والتحنن والمواساة، وأمثال ذلك، والحق أن هذه المعاني مقدمات تسبق الرحمة، لأن المرء حينما يشاهد مشهداً مؤلماً ومروّعاً يتأثر به، وعلى إثر هذا التأثر النفسي يبدي التعاطف والرأفة، ويبذل للمصاب المتألم المواساة والعون، هذه المواساة والعون تسمى "الرحمة".
وإذا ما أضيفت "الرحمة" إلى الله تعالى فهي بمعنى "البذل والتفضل والعطف"، ولا تضاف إليه تعالى الرقة وغيرها من المقدمات لأنها انفعالات نفسية.
والمعنى الجامع لـ "الرحمة" الذي يصح نسبته إلى الله وإلى مخلوقه معاً هو "الاعطاء والإفاضة لقضاء حاجة المحتاجين"، فكل نعمة من نعم الله غير المتناهية، كالرسالة والإمامة والشريعة والكتاب وأمثالها ـ مما له أثر في هداية الإنسان ـ مصداق للرحمة الإلهية.
ينابيع الرحمة
أئمة أهل البيت عليهم السلام مظاهر تامة لمن هو {ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} الانعام/147، وورثة من هو {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء/107، فينابيع الرحمة تفيض في بيوتهم ومنها تجري إلى سواهم، ومن مدرستهم يجب أن نتعلم دروس الرحمة والعطف والصفح والمحبة، لأن إحسان وكرم الناس لبعضهم البعض مقرون عادة بتوقع الرد بالمثل والشكر و...لكن رحمة أهل البيت وتفضلهم خالص لله تعالى، وغير مقرون بانتظار المثل والشكر والعرفان من أي أحد، فكما أن الله سبحانه برأ برحمته الواسعة الموجودات وأمدها بحاجياتها، ولا ينتظر من أحد جزاء ولا شكوراً، كذلك هم أهل البيت لأنهم مظاهر رحمة الله الواسعة، يقضون الحوائج المادية والمعنوية لمخلوقاته، ولا يبتغون من أحد جزاء شخصياً ولا شكوراً، فشعارهم في الرسالة هو: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} الانعام/90، وفي الإطعام والإحسان هو: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} الانسان/9
فهم كما يعبدون "حباً لله" فعالهم كلها أيضاً "حباً لله" لا غير.
أجر الرسالة
إن ما يُذكر من أمر المودة في القربى وأنها أجر الرسالة، يعود نفعه مباشرة إلى الناس أنفسهم، لأنهم عليهم السلام مصابيح الهداية وسفن نجاة الأمة، والمحب لهم هو فقط من يحظى بالإفادة من نورهم والركوب في سفينتهم، وأما من لا يودّهم ولا شأن له بهم فهو لا يستفيد من نورهم، بل ويسعى جاهداً في إطفاء تلك الأنوار الخالدة! فالمودة لقربى الرسول ليست أجراً شخصياً للرسالة، بل هي أرضية لتؤتي الرسالة ثمارها، كما أن أهل بيت النبي متأسّون به(ص)، فلا يطمعون في شيء مما عند الناس أجراً وعرفاناً لهم، وهذا حال الأنبياء كافة، بصريح القرآن الكريم.
هم يطلبون أجرهم وثوابهم من الله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}
أقسام الرحمة
الرحمة المفاضة من المعصومين قسمان:
الأول: رحمة عاطفية.
الثاني: رحمة عقلية.
والناس وإن كان لهم نصيب في الجملة من الرحمة العاطفية، وببركتها يسير المجتمع ـ حال تعاضد أفراده ـ قدماً، إلا أن الأئمة دوماً ـ شأنهم في هذا شأنهم في كل شيء ـ يتصدرون الأمور ويقفون في رأس قمة الرحمة، وهم أسياد قافلة المجتمع الإنساني فيها، جاء في الرواية:
بعث أبو عبد الله عليه السلام غلاماً له في حاجة، فأبطأ فخرج أبو عبد الله عليه السلام على أثره لما أبطأ فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه، فلما انتبه قال له أبو عبد الله عليه السلام: "يا فلان! والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار؟ لك الليل، ولنا منك النهار".
إنه كلام حسن وحق، قاله الإمام أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وبعد أن ألطف بالغلام حين نومه، فهو رحمة أخرى من الإمام لذلك الغلام ليعرف وظيفته.
ومثل هذه الرحمة العاطفية موجودة في صميم سيرة المعصومين وأخلاقهم، ونجدها أيضاً في سيرة خرّيجي مدرستهم البارزين، فنقل أنّه دخل على سلمان رجل وهو يعجن، فقال: يا أبا عبد الله! ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في حاجة فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
ولكن ما يمتاز به أهل هذا البيت عليهم السلام عن غيرهم هو القسم الثاني من الرحمة، وهو أرقى وأكمل من الأول، لأن الحياة الإنسانية للبشرية رهن هذه الرحمة، وهي رحمة ليست ميسرة لكل أحد، وليست في متناول أي أحد، وتلك هي الوحي، الذي يترشح ويتنزل رحمة من بيوت تلك الذوات المقدسة نحو الخلق.
وهذه هي الرحمة التي بسببها تحملوا ثقل الرسالة وعبء الهداية، وما انفكوا عن إرشاد الناس وهدايتهم، مع ما ينالهم من حجارة يقذفون بها تدمى بها الجباه وتنكسر الأسنان، ولا يزالون دائبين في العمل ما رجوا هدايتهم، ويسألون الله دوماً الهداية لهم، ولسان حالهم قول رسول الله(ص): "رب اهدِ أمتي فإنهم لا يعلمون".
وحتى إذا ما لعنوا أحداً فإن تلك اللعنة هي مظهر من مظاهر رحمانيتهم للملعونين ولغيرهم، لأن أولئك الملعونين هم حجر عثرة ومزلق طريق الآخرين، فلا هم يؤمنون بدين الله ولا يدعون الطريق سالكة لاهتداء غيرهم، وهؤلاء هم من عبّر عنهم القرآن بالناهي والنائي: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} الانعام:26، لهذا تقتضي الرحمة بالمظلومين إماطة تلك الحجارة عن طريق الله المستقيم لتبقى الطريق سالكة لاهتدائهم، وهذه الموانع تارة تزال بالجهاد والسيف، وتارة باللعن ونحوه، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لا خير في إمهال الكافر، بل كلما تأخر موته يوماً تسافلت دركات ناره أكثر، وكلما عجل موته كان ذلك له أرحم وبه أشفق: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} آل عمران:178، لذا فصب اللعنة عليه خير له في الحقيقة، وإن كان الأمر غير ذلك بحسب الظاهر، كما أن جهنم أيضاً رحمة في ضمن مجموعة "النظام الأحسن"، وإن كانت لأهلها عذاباً وألماً، قال تعالى في سورة الرحمن ـ التي تبدأ بالاسم المبارك (الرحمن) ـ وهو بصدد تعداد الرحمات الإلهية: {يرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الرحمن:35 ـ 36، فذكرت جهنم وعذابها في عداد النعم الربانية.
- طرق نيل الرحمة الخاصة
رحمة أهل البيت عليهم السلام وإن كانت رحمة عامة، تتدفق كالسيل الجاري، يروي عطاشى الوادي، وكالشمس تنشر أشعتها في كل مكان، لتهدي بنورها ناشدي النور، إلا الإنتفاع منها خاص بمن يكون في وادي السيل وفي معرض شعاع نور الشمس، وأما من ينأى بنفسه عن المسيل أو يحتمي بالظل فهو كصندوق محكم الاغلاق، يبقى سنين طويلة في البحر المحيط الفيّاض دون أن ينفذ إليه ندى من مائه. وقد قال النبي(ص): "أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود! كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها، كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها".
ولذا فإن رؤية ظاهر المعصوم وإن كانت فخراً وشرفاً، لكن ليست بتلك الأهمية، إذ إن كثيراً من الناس رأوه بالعين الظاهرية بل وصلّوا خلفه، لكنهم شهروا الخنجر في وجهه بعد الصلاة! كبعض جند جيش الحر الذين صلوا بصلاة الإمام الحسين عليه السلام، ومن بعد قاتلوه، أو بعض من رأى النبي(ص) وصلّوا خلفه، وقاتلوا مدة معه، بيد أنهم ارتدّوا بعده وشهروا سيف الحرب في وجه خليفته، في حروب الجمل وصفين والنهروان.
الأمر المهم أن نتمكن من رؤية الشخصية المعنوية للمعصومين كي ينظروا إلينا.
والمهم أن نضع أنفسنا في وادي سيل رحمتهم، لتشملنا فواضل جودهم وعواطفهم المتلألئة، وإلا فمن الممكن ألا يحظى البعض حتى بالنظر التشريفي من تلك الذوات المقدسة، وهم الشهود على أعمال الأمة كلها، مثلما أن الله سبحانه لا ينظر كذلك إلى البعض ولا يكلمهم: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} آل عمران:77، مع أن العالم بأسره في محضره، ولا شيء يغيب عن بصره النافذ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} الحج: 17
إن أعظم شيء يضع المرء في نطاق النظر التشريفي للمعصومين هو أن يسترّوا بما يروه في صحيفة أعمالنا حينما تعرض عليهم وتصل إليهم، بأن تكون حافلة بالأعمال الصالحة وخالية من الطالحة، فحالئذ سيدعون للصالح وينظرون إليه بعين الرحمة والعطف.
- القيامة مظهر الرحمة الخاصة
القيامة مظهر آخر لرحمة أهل البيت، تتجلى رحمتهم في ذلك المحشر الهائل في الشفاعة للقاصرين وبعض المقصرين، وكما أن رحمة الله تعالى عامة في الدنيا وخاصة بالمؤمنين في الآخرة، كذلك شفاعتهم آنذاك ستكون خاصة بمن مات مؤمناً، لأنهم مظاهر الرحمة الإلهية عينها، وإن كانت رحمتهم ورأفتهم في الدنيا تعمّ الجميع. قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} الضحى:5، "رضا جدي ألا يبقى في النار موحد". وقيل للإمام الباقر عليه السلام: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق، أحق هي؟ قال: "إي والله، حدثني عمي محمد بن الحنفية، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أشفع لأمتي حتى يناديني ربي: أرضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت". ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق: إن أرجى آية في كتاب الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الزمر:53، قلت: إنا لنقول ذلك. قال عليه السلام: فكلنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} هي والله الشفاعة.
ملاحظة: توجد آيات أخرى ورد فيها أنها "أرجى آية" كآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} هود:114، وجمعاً بين هذه النصوص الدالة على تعدد مصاديق "أرجى آية" على فرض صحة السند فيها وصدورها جميعاً من المعصوم، يقال:
أولاً: إن كل آية هي أرجى خطاب قرآني فيما هي بصدده، فآية: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} هي أرجى آية لمن يتوق لأن يشفع ويعمل ما يؤهله لذلك، وآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} هي أرجى آية لذوي الأعمال الصالحة وهكذا، فكل آية هي "أرجى" من زاوية ما، فيكون الحصر المستفاد من كل رواية من الروايات تلك حصراً حيثياً إ ضافياً.
وبعبارة أخرى: توجد آيات عديدة في مسألة الشفاعة تؤمّل المؤمن وترجّيه خيراً، لكن أرجى آية فيها هي آية: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ}، وهناك العديد من الأدلة والآيات الدالة على تأثير الأعمال الخيّرة في محو الآثام، لكن أرجاها آية: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
ثانياً: إن هذه الآيات كلها في رتبة واحدة، وكل منها أرجى آية قياساً ببقية الآيات، ولكن بدلاً من ذكرها في رواية واحدة ذكرت متفرقة في روايات عدة.
والحاصل: إن الحصر المستفاد من كل رواية رواية هنا حصر نسبي إضافي، لا مطلق ولا نفسي، مثل أن يكون عدد معدود من العلماء هم الأعلم بالنسبة لغيرهم، لكنهم أنفسهم في رتبة علمية واحدة.
ثالثاً: من المحتمل أن يكون فرق بين نطاق الرجاء فيما يخص البشرية ككل، بما فيها من موحد وملحد، وبين نطاق الرجاء فيما يخص الأمة الإسلامية، فتكون بعض النصوص ناظرة إلى الرجاء الإنساني العام، وبعضها الآخر ناظر إلى الرجاء الخاص بالأمة الإسلامية.
وببيان أوضح: بعض الآيات تتحدث عن الرحمة الرحمانية، وتؤمّل البشر كلهم، المؤمن منهم وغيره، وبعضها تتحدث عن الرحمة الرحيمية، الخاصة بالمؤمنين.
وما يمكن أن يرجوه غير المؤمن هو الثواب الدنيوي وتخفيف العذاب الأخروي.
- أسباب الاختصاص بالرحمة
من الممكن أن يصبح أحد ما منشأ للرحمة، وأن تترشح منه الرحمة حيناً ما، ولكن لا يمكن بحال إطلاق "معدن الرحمة" عليه، لأنّ معنى "المعدن" مشترط بالثبات والدوام.
ومن أسرار انحصار عنوان "معدن الرحمة" في الأئمة هو هذا الاستقرار، استقرار الرحمة في وجود ذواتهم المقدسة.
ومن أسرار ذلك الترابط الوثيق بين تكوّن "المعدن" وبين قابلية المادة الأولية وقابلية المحل، فليس كل تراب يمكن أن يصير ذهباً، وليس كل مكان يصلح لصيرورته فيه، بل لا بدّ من تراب ومكان خاصّين، ليصير التراب ـ مع توفر بقية الشروط ـ ذهباً أو معدناً ثميناً.
والرحمة الإلهية أيضاً يجب أن تجري من قناة خاصة، وهي قناة الأئمة الأطهار، ليتسنّى الانتفاع بها، وإلا فلن تكون قابلة للاستفادة منها، علماً بأنّ الجريان في غير المجرى المعيّن أصلاً محال عادة.
- توافق القرآن والعترة
وصف الله سبحانه كتابه بأنّه: {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} يونس:57، ووصف نبيه(ص) بأنّه: {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107
وفي هذه الزيارة الشريفة وصُف الأئمة الأطهار بـ "معدن الرحمة" و "الرحمة الموصولة". وهذه الصفات المشتركة دليل آخر على واحديّة الرسول الأكرم(ص) والأئمة الأطهار والقرآن الكريم في عالم النشآت الأرقى من عالم المادّة، وسوف يتجلّون يوم القيامة في حقيقة واحدة، والتكثّر المادي الظاهري إنما هو في نشأة الدنيا فقط، والقرآن والعترة ثقل واحد في تلك النشآت، وما ورد في الحديث من كون القرآن والعترة ثقلين، ناظر إلى هذه الدنيا.
- سبب استقلاليّة الرحمة وتبعيّتها
الله سبحانه وتعالى معدن الرحمة، والأئمة الأطهار عليهم السلام هم أيضاً معدن الرحمة، لكن الفرق بينهما هو الفرق بين الواجب والممكن، وهذا الفرق يجب أن يكون محفوظاً في المراحل كافة.
وثمة فرق آخر، وهو أنّ "معدن الرحمة" بالنسبة إلى الله تعالى بنحو الفاعلية بالذات، وبالنسبة إلى الأئمة بنحو القابلية، لكنهم واسطة فاعليّة للرحمة بالنسبة لعباده.
المصدر : كتاب ادب فناء المقربين _ شرح الزيارة الجامعة الكبيرة (بتصرف يسير)