القضاء والقدر... بين الرد والابرام
القضاء والقدر... بين الرد والابرام
الشيخ ناصر علي الحركة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين.
رد القضاء والقدر هو موضوع بحثنا, وقبل البدء بذلك لا بد من تبيان أمور :
معنى القدر: القدر في اللغة هو الحد و المقدار , عبارة عن الخصوصيات الوجودية للشيء التي تبين مكانة وجوده سواء كان من قبيل الجماد او النبات او الحيوان او غير ذلك من الانس والجن والملائكة وسواء كان من الوجودات الزمانية او المكانية او غير ذلك, وعندما سئل الامام الرضا عليه السلام عن القضاء والقدر قال عليه السلام : (القدر هي الهندسة و وضع الحدود في البقاء والفناء والقضاء هو الابرام واقامة العين) فالقدر او التقدير هو جعل الاشياء على مقدار مخصوص من الطول والعرض والثقل والخفة وغير ذلك حسب ما اقتضته الحكمة الالهية
وفي الرواية : قلت: ما معنى قدر ؟ قال الامام الرضا عليه السلام: (تقدير الشيء من طوله وعرضه) ,قلت فما معنى قضى؟ : قال عليه السلام: (اذا قضاه أمضاه فذلك الذي لا مرد له)
وقد ذكر القدر في القرآن كما في قوله تعالى: ( وكان أمر الله قدرا مقدورا – الاحزاب38 ) ومنه قوله تعالى: ( إنا كل شيء خلقناه بقدر – القمر49 ) وقوله تعالى: ( وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم – الحجر21 ) وقد عبر امير المؤمنين عن القدر فقال: (طريق مظلم فلا تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تلجوه ) وليس القدر من القدرة.
ان لكل موجود في الدنيا حدا معينا ومقدارا, وهما خاضعان للارادة الالهية فالتقدير الفعلي من الله اي تقدير الاشياء فعليا و واقعا, وكذلك التقدير العلمي من الله اي تقدير الاشياء في علم الله تعالى, فقدر الله عز وجل في الاشياء الاحجام والاطوال, والعذوبة والملوحة, والصلابة والمرونة, والخشونة والنعومة, والثقل و الخفة ,والحياة والممات, العز والذل , والامن والخوف ,والشقاء والسعادة , وغير ذلك مما هو مختلف و متفاوت في الموجودات الكونية كما قدر ارتباط الاشياء ببعضها وعلاقاتها وتأثيراتها ببعضها البعض, كما لو التقى او اصطدم الصلب بالمرن فلا شك ان المرن سيتأثر بالصلب وهكذا في سائر الامور والاشياء.
وليس لازما كون الشيء مقدرا بتقدير الهي ان يكون الانسان مجبورا عليه في سلوكه, ولا تنافي بين حرية الانسان والتقدير المسبق, وقد اشكل البعض أن ما قدره الله يجب ان يتحقق بلا اختيار من الانسان والا فإن علم الله سبحانه وتعالى يتحول الى جهل, لهذا فان الاعتقاد بالقدر يستلزم الجبرية لو لم نعط للانسان اي دور في صنع سلوكه ومصيره ,فالقضاء والقدر هما البناء على نظام السببية العام المبتني على العلم والارادة الالهية, بل ان مصير اي موجود مرتبط بالعلل السابقة كما قدر ورتب بالعلم والارادة الالهية.
وفي الرواية ان احد اصحاب الامام علي يسأله : هل الانسان يملك الاستطاعة والقدرة على اعماله؟ فقال عليه السلام: انك سألت عن الاستطاعه فهل تملكها من دون الله او مع الله؟ فسكت الرجل ولم يحر جوابا, فقال عليه السلام: ان قلت انك تملكها مع الله قتلتك , وان قلت انك تملكها من دون الله قتلتك ,فقال الرجل: ماذا اقول يا امير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: تقول انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك, فان يملكها اياك كان ذلك من عطائه وان يسلبكها كان ذلك من بلائه, هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك .
معنى القضاء: هو عبارة عن مرحلة في وصول الشيء الى حد يكون وجوده ضروريا وعدمه ممتنعا , فاذا وصل الى هذه المرحلة أمضاه الله سبحانه وتعالى ,وقد اشار الامام علي عليه السلام في رواية طويلة الى عشرة معاني للقضاء وردت في القرآن الكريم وهي :
_من معاني القضاء الفراغ من الشيء كما في قوله تعالى: ( واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم – الاحقاف 29) اي فلما فرغ ولوا الى قومهم, وكقوله تعالى: ( فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم أو أشد ذكرا – البقرة 200 ) اي اذا فرغتم من مناسككم فاذكروا الله
_ومن معاني القضاء العهد كما في قوله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا – الاسراء 23 ) اي عهد ربك الا تعبدوا الا اياه, وفي قوله تعالى: ( وما كنت بجانب الطور اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين ) اي عهدنا الى موسى الامر
_ومن معاني القضاء الاعلام كما في قوله تعالى: (وقضينا اليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين – الحجر 66 ) اي اعلمناهم , وكذلك قوله تعالى: ( وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين – الاسراء 4) اي أعلمناهم في التوراة ما هم عاملون
_ومن معاني القضاء الايجاب للعذاب كما في قوله تعالى: ( وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فأخلفتكم – ابراهيم 22) اي لما وجب العذاب , وكقوله تعالى: ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا و أما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان – يوسف41 ) اي وجب الامر او لزم
_ومن معاني القضاء الاتمام كما في قوله تعالى: ( فلما قضى موسى الأجل – القصص29 ) اي أتم المدة التي اتفقا عليها, وكقوله تعالى: (أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي – القصص28 ) أي أتممت
_ومن معاني القضاء الحكم كما في قوله تعالى: (قضي بينهم بالحق وقيل الحمدلله رب العالمين – الزمر75 ) اي حكم وفصل بينهم, وقوله تعالى: (والله يقضي بينهم بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ان الله هو السميع العليم – غافر20)اي يحكم ويفصل, وكقوله تعالى: (والله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين –الانعام 57) وكقوله تعالى: (وقضى بينهم بالقسط – يونس54) اي حكم
_ومن معاني القضاء الخلق كما في قوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين – فصلت12)
_ومن معاني القضاء انزال الموت كما في قوله تعالى: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون – الزخرف 77) اي لينزل بنا الموت, وكقوله تعالى : فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تأكل منسأته – سبأ14)
_ومن معاني القضاء الفعل كما في قوله تعالى: ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا – طه72) اي افعل ما انت فاعل انما تنهي هذه الحياة بالموت , وكقوله تعالى: ( واذ يريكموهم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا والى الله ترجع الأمور – الانفال 44) اي يفعل الله ما كان في علمه السابق.
_ومن معاني القضاء الكتاب والحتم كما في قوله تعالى: ( قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس وكان أمرا مقضيا – مريم 21) اي معلوما وحتما
وكل المعاني الواردة في القضاء سهلة المؤونة الا ما يتعلق بالقضاء بمعنى الفعل والقضاء بمعنى الحتم او الجزم او الكتاب او الاحكام وسيأتي بيانه .
القضاء والقدر مبرمان ومعلقان: ورد عن الامام الصادق عليه السلام: ان الله اذا اراد شيئا قدره فاذا قدره قضاه فاذا قضاه أمضاه. فالقضاء منه محتوم او مبرم اي ثابت لا يتغير ونافذ في الموجودات ولا يرده شيء من المؤثرات الخارجية ,لا دعوة داع ولا صدقة متصدق ولا صلة رحم ولا غير ذلك.
ومنه قضاء معلق غير ثابت وقابل للتغيير, معلق على بعض الشروط في صحف الملائكة التي نقلوها من اللوح المحفوظ وليس معلقا في علم الله تعالى فالله عالم الغيب والشهادة وعلمه ازلي ابدي لا يتغير عالم بما كان وسيكون.
والقدر ايضا منه محتوم او مبرم غير قابل للتغيير ومنه معلق كما في القضاء.
وقضاء الله وقدره قد يكونان تكوينيين مما لا يمكن ان يكون لارادة الانسان دخل فيهما وقد يكونا تشريعيين حيث يمكن لإرادة الانسان ان تتخلف عن قضاء الله وقدره التشريعيين.
والقضاء والقدر يعني الارتباط الحتمي بين العلل والمعلولات والتي ترجع كلها الى العلة الاولى, وهي الله سبحانه وتعالى الذي بإمكانه أن يفكك بين العلة والمعلول ساعة يشاء وحسبما تقتضي حكمته ونفوذ مشيئته كما في سلب الاحراق من النار في قصة النبي ابراهيم الخليل عليه السلام وغير ذلك من الكرامات او المعاجز الالهية.
الروايات التي يمكن ان تفيدنا في بحثنا : ومفادها الرضا بالقضاء والقدر مهما كانت عاقبتهما لأن القضاء هو قضاء الله والقدر هو قدره
قال صلى الله عليه وآله: (عجبا للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء الا كان خيرا له, سره أو ساءه, ان ابتلاه كان كفارة لذنبه وإن اعطاه واكرمه كان قد حباه)
وعنه ايضا: (من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس الها غيري)
وروي ان النبي موسى عليه السلام قال لربه: (سألوني أن أسألك أن تمطر السماء اذا أرادوا, وتحبسها اذا ارادوا فأجبتهم ثم صيرتها عليهم ضررا فقال تعالى يا موسى: انا كنت المقدر لبني اسرائيل فلم يرضوا بتقديري فأجبتهم الى ارادتهم فكان ما رأيت)
وعن الامام علي عليه السلام: (احمد الله على ما قضى من أمر وقدر من فعل وعلى ابتلائي بكم) وهذا منتهى الرضا بالقضاء والقدر والصبر عليهما
وعنه عليه السلام: (قد جعل لكل شيء قدرا ولكل قدر أجلا ولكل أجل كتابا)
وعنه عليه السلام: (كلما ازداد عقل الرجل قوي ايمانه بالقدر واستخف بالغير)
الفعل الالهي: ثلاث مراحل يمر بها الفعل الالهي وهي التقدير ثم القضاء ثم الامضاء ولا يعني ذلك وجود تباين او فاصل زمني بين كل مرحلة ومرحلة, فالتقدم والتأخر فيهما رتبي وليس فعلي او زماني .
وعن الامام الصادق عليه السلام: (ان الله اذا اراد شيئا قدره فاذا قدره قضاه فاذا قضاه أمضاه)
القدر كما ذكرنا في تعريفه عبارة عن الخصوصيات الوجودية للشيء التي تبين مكانة وجوده سواء كان من قبيل الجماد او النبات او الحيوان او غير ذلك من الانس والجن والملائكة او انه من الوجودات الزمانية او المكانية او غير ذلك
والقضاء عبارة عن مرحلة وصول الشيء الى حد يكون وجوده ضروريا وعدمه ممتنعا فاذا وصل الى هذه المرحلة أمضاه الله سبحانه وتعالى.
والسؤال الذي ينبغي الاجابة عنه ان رد القضاء هل يتم في مرحلة القضاء قبل الامضاء من الله سبحانه وتعالى او ممكن ان يرد ولو بعد امضاءه.
الروايات في رد القضاء والقدر: نوردها كما يلي :
قيل يا رسول الله: (رقى يستشفى بها هل ترد من قدر الله فقال صلى الله عليه وآله: انها من قدر الله) ومفاد هذه الرواية ان النبي صلى الله عليه وآله لم ينف رد القدر بل أكد ان القدر يرد ولكن بقدر مثله.
وعن الامام علي عليه السلام: (المقادير لا تدفع بالقوة والمغالبة) وهذه الرواية مفادها ان المقادير من الله ولا يمكن ان نغالب الله تعالى برد القدر او ان نستعمل القوة في ذلك مع الله, بل يمكن ردها باللجوء اليه سبحانه وتعالى دعاء وتضرعا وغير ذلك.
وعنه عليه السلام: (لن يبطيء عنك ما قد قدر لك) وهذه مفادها حتمية وصول القدر اليك اذا لم تدفعها عنك بالدعاء والتضرع والاحتراس وغير ذلك.
وعن الامام الهادي عليه السلام : المقادير تريك ما لم يخطر ببالك.
و في الرواية أن امير المؤمنين عدل عند حائط مائل الى آخر فقيل له: يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله ؟ فقال عليه السلام: (أفر من قضاء الله الى قدر الله)
وقال أحدهم : يا أمير المؤمنين أخبرني عما كان بيننا وبين هؤلاء القوم من الحرب أكان بقضاء من الله وقدره؟ فقال عليه السلام: (ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الا ولله فيه قضاء وقدر)
عن امير المؤمنين عليه السلام: (اذا كان القدر لا يرد فالاحتراس باطل) وهذا الحديث مفاده أن الاحتراس والانتباه والحذر من الوقوع في ما يضرك أو يؤذيك مطلوب, فيكون الاحتراس دفعا للقدر الذي تسعى للنجاة منه, كما لو علمت بوقوع فيضان فقمت ببعض الاجراءات لمنع الضرر عليك فهذا دفع للقدر الذي يمكن ان يصيبك لولا الاحتراس.
وفي بحار الانوار جزء 78 صفحة 378 عن الامام الكاظم عليه السلام: (اذا كان المقضي كائنا فالضراعة لماذا؟) وهذا الحديث مفاده ان الله أمرنا بالتضرع اليه وما ذلك الا لدفع المحذور وجلب المنفعة فاذا كان المحذور واقعا فعلا وحتما والمنفعة مسلوبة جزما فلماذا اتضرع وانا اعلم ان التضرع لن ينفعني.
وفي رواية عن الامام الرضا عليه السلام: لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى
قال الرجل: فما معنى شاء؟ قال عليه السلام: ابتداء الفعل
قال الرجل: فما معنى اراد ؟ قال عليه السلام: الثبوت عليه
قال الرجل: فما معنى قدر ؟ قال عليه السلام: تقدير الشيء من طوله وعرضه
قال الرجل: فما معنى قضى؟ قال عليه السلام اذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له
وفي رواية: المشيئة همه بالشيء والارادة اتمامه على المشيئة ,والقدر هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء, فاذا قدره قضاه , واذا قضاه أمضاه .
وهذه مفادها ان مرحلتي القضاء والامضاء مرحلة واحدة وهذه تختلف مع رواية الامام الكاظم في الدعاء الواردة في الفقرة التالية حيث مفادها ان المقدر والمقضي طالما لم يمض من الله عز وجل فيمكن رده.
بناء عليه فإن رد القضاء و القدر أمر واقع ولكنه لا يعني منع الارادة الالهية بل يعني ان الله عز وجل أوقف ارادته لوقوع شيء ما او عدم وقوعه على شيء آخر مثل الدعاء والاخذ بالاسباب والصدقة وصلة الارحام وبر الوالدين والاستغفار والذكر الكثير والحوقلة وغير ذلك.
الدعاء ورد القضاء : الدعاء من أهم الاساليب لرد القضاء فكما قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا يرد القضاء الا الدعاء ) و ( الدعاء يرد القضاء وقد ابرم ابراما – وضم اصابعه) وورد في الدعاء: (اللهم قني شر ما قضيت) وفي الرواية: ( لا ينفع الحذر من القدر ولكن يمحو الله بالدعاء ما شاء من القدر )
وعن الامام ابي الحسن عليه السلام: (ان الدعاء يرد ما قد قدر وما لم يقدر, قلت: وما قدر قد عرفته فما لم يقدر ؟؟ قال عليه السلام: حتى لا يكون)
وعن الامام علي بن الحسين عليه السلام: (الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل)
وعن الامام الصادق عليه السلام: (ان الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وأبرم ابراما)
وعن الامام الكاظم عليه السلام: (عليكم بالدعاء فإن الدعاء لله والطلب الى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق الا امضاؤه فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة) وهذه الرواية مفادها ان المقدر والمقضي طالما لم يمض من الله عز وجل فيمكن رده.
وهنا رواية تختلف عن سائر الروايات ومفادها الحتم والجزم وعدم امكانية رد القضاء فعن النبي صلى الله عليه وآله: قال لرجل سأله ان يدعو الله له ان يرزقه زوجة صالحة: ( لو دعا لك اسرافيل وجبرائيل وميكائيل وحملة العرش وانا فيهم ما تزوجت الا المرأة التي كتبت لك )
العمل والاخذ بالاسباب ورد القضاء والقدر : العمل من الاساليب التي ينبغي الانتباه لها في رد القضاء فالعمل والاخذ بالاسباب يدفع المحذور والبلاء والقضاء ,كما جرى مع عامر الشعبي فيما يتعلق بالابل الجرباء فقال له ألا تداوي ابلك ؟؟ فقال له: ان لنا عجوزا نتكل على دعائها فقال: اجعل مع دعائها شيئا من القطران.
وفي رواية ثانية ان احدهم سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الرقى هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال صلى الله عليه وآله: (هي من قدر الله)
فالعبد لديه اسباب كثيرة, لديه عمل وارادة ومشيئة ولا يخرج عن قدرة الله في جميعها وينبغي له ان يعمل بما استطاع من طاعة الله ورسوله وان يستقيم على ما أمره الله به وان يحذر ما نهى الله عنه وان يسأل ربه التوفيق والفضل.
والعمل والاخذ بالاسباب لا يتعارض مع القضاء والقدر بل هو مطلوب شرعا ولا ينبغي تركه اعتمادا على ان الاشياء مقدرة او مكتوبة.
الصدقة ورد القضاء والقدر : الصدقة من الاساليب المعتمدة والفاعلة وهي من اعمال البر, تدفع البلاء وترد القضاء وتطفىء غضب الرب, قال صلى الله عليه وآله: (الصدقة تدفع البلاء وهي انجح دواء وتدفع القضاء وقد أبرم ابراما, ولا يذهب بالأدواء الا الدعاء والصدقة)
روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات)
وفي وصية النبي لعلي عليه السلام: (يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم ابراما)
صلة الارحام ورد القضاء والقدر : ومن الاساليب ايضا صلة الارحام وبر الوالدين فعن النبي صلى الله عليه وآله: (من سره ان يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)
وعنه ايضا: (رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد)
وعن الامام الرضا عليه السلام: (ما نعلم شيئا يزيد في العمر الا صلة الرحم , حتى ان الرجل يكون اجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين, ويكون اجله ثلاثا وثلاثين سنة فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل اجله الى ثلاث سنين)
الاستغفار ورد القضاء والقدر : ومن الاساليب الاستغفار: (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) نوح : 10 _ 12
عن النبي صلى الله عليه وآله: (ادفعوا ابواب البلايا بالاستغفار)
وعن امير المؤمنين عليه السلام: (لا شفيع انجح من الاستغفار)
وعنه عليه السلام: (الاستغفار يزيد في الرزق)
الذكر الكثير والحوقلة ورد القضاء والقدر: من الاساليب الفاعلة لرد القضاء والقدر الذكر الكثير كالصلاة على محمد وال محمد فهي من اعظم القرب وتفرج الكروب وتستر العيوب وتزيد في الاعمار والارزاق وتغفر الذنوب وتحقق الآمال والاماني
واما الحوقلة: ان يردد الانسان (لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم) كما في الدعاء: (أعددت لكل هول لا اله الا الله ...ولكل طاعة ومعصية لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)
ختاما : لا بد من لفت نظر القارىء العزيز الى ان الرضا بالقضاء والقدر هو من اعمال القلوب لا من اعمال الجوارح وهو من اهم علامات الانسان المؤمن لأن الله سبحانه خلق فأبدع وصور فأتقن وهو عدل لايحيف ولا يجور وحري بالانسان الذي لو تم عرض الاقدار عليه ان يختار القدر الذي كتبه الله له.
وليس صحيحا ان يتصرف الانسان في حياته عند النجاح فيقول فعلت وفعلت وعند الفشل يقول انه القدر ويسكت.
وليس صحيحا ان الانسان ينتقل من فشل الى فشل ومن مصيبة الى اخرى ثم يحيل الفشل الى القضاء والقدر لا الى نفسه.
وليس صحيحا ان يرمي الانسان نفسه في التهلكة ثم يقول هذا قضائي وقدري او هذا مصيري.
ان الذي يرضى بقضاء الله وقدره يملأ الله قلبه سعادة وسرورا ورضا , كما قال علي عليه السلام :(رضا بقضاء الله وقدره: فزت ورب الكعبة).
ورضي الحسين عليه السلام بما جرى عليه وعلى اهل بيته وقال: يا رب خذ حتى ترضى.
اما الذي يتسخط ويعترض وينظر الى غيره فإنه يعيش في شقاء لا يعلمه الا الله ,وهذا خطأ كبير يرتكبه المعترض اذ عليه ان يأخذ بالاسباب النافعة الطيبة ويبتعد عن الضارة الخبيثة فكل ما يجري علينا هو بقضاء وقدر: قال تعالى: (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون – التوبة 51)
وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير– الحديد 22 )
ان مجرد الحزن النفسي او الداخلي على ابتلاء معين لا ينبغي ان يكون, واذا وجد فهو لا يتنافى مع الصبر ولا يتنافى مع الرضا بالقضاء والقدر, ولكنه أهون ممن يعترض على الله ويتجرأ عليه لما أصابه (ليش يا الله؟؟) (لماذا فعلت بنا كذا؟؟) فهذه الجرأة على الله محرمة وعليك بالتوبة والندم والاقلاع عن الذنب والاستغفار ومحاسبة النفس و مجاهدتها.
فالدعاء يرد القضاء ولو ابرم ابراما, وان من يعيش بالاحسان اكثر ممن يعيش بالاعمار , ومن يتوكل على الله فهو حسبه, والحمدلله رب العالمين