من خصائص رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
من خصائص رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
اختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكثير من الخصائص والأحكام دون أمّته تكريما له وتبجيلا، وقد شاركه في بعضها الأنبياء عليهم السّلام.
وقد رتّب العلماء الكلام في هذه الخصائص على أربعة أنواع:
الأول: ما حرم عليه دون غيره. وذلك تكرمة له صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وحمل له على مكارم الأخلاق.
الثّاني: ما أبيح له دون غيره.
الثّالث: ما وجب عليه دون غيره. والحكمة في اختصاصه بها زيادة الزّلفى ورفع الدّرجات.
الرّابع: ما اختصّ به من الفضائل والكرامات دون غيره.
النّوع الأوّل ما حرم عليه دون غيره
- الصّدقة : عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الّذي جعل الله عزّوجلّ للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني عبدالمطلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم، ولكنّي قد وُعدتُ الشفاعة... أتروني مُؤثراً عليكم غيركم»
_ عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإنّ الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه، وإنّ الصدقة لا تحل لبني عبدالمطلب»
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة»
والذي لا يحل لبني هاشم هو خصوص الزكاة، زكاة المال أو زكاة الفطرة، وأما الصدقة سواء كانت واجبة أو مندوبة، ومثال الصدقة الواجبة: الكفارات، لو أفطر إنسان في نهار شهر رمضان متعمدًا فعليه كفارة، إما يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينًا، أراد أن يطعم ستين مسكينًا، هو عامي، والمساكين هاشميون، فيمكنه إعطاؤهم من الكفارة. وكذلك إذا نذر، لو نذر أن يتصدق فيمكنه التصدق على بني الهاشم.
جاء في تفسير هذه الآية: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُن غافر 19
أنّ النبي (ص) حينما فتح اللّه له مكة المشرّفة أهدر دم بعض المشركين، و كان بينهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، فجاء إليه عثمان يستأمنه منه فسكت النبيّ طويلا ليقتله بعض المؤمنين، ثم أمنه بعد تردّد المسألة من عثمان، و قال: أما كان منكم رجل رشيد يقوم الى هذا يقتله؟! فقال عباد بن بشر: يا رسول اللّه إنّ عيني ما زالت في عينك انتظارا أن تومئ فأقتله، فقال (ص): «إنّ الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين» فلم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يوميء بطرفه خلاف ما يظهر كلامه.
قيل: الخائنة مصدر كالخيانة نظيرة الكاذبة واللاغية بمعنى الكذب واللغو، ليس المراد بخائنة الأعين كل معصية من معاصيها بل المعاصي التي لا تظهر للغير كسارقة النظر بدليل ذكرها مع ما تخفي الصدور.
وقيل: «خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، و لازمه كون العلم بمعنى المعرفة والمعنى يعرف الأعين الخائنة.
وفي المعاني قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز و جل: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» فقال: أ لم تر إلى الرجل ينظر إلى الشيء وكأنه لا ينظر- فذلك خائنة الأعين.
إنّ من يؤمن بالحساب الدقيق في الآخرة، عليه أن يراعي حدود التقوي في خائنة الأعين و خطرات الفكر، و واضح أنّ استحضار عناصر الرقابة هذه لها مؤدّاها التربوي الكبير في سلوك الإنسان و حياته.
قال اللّه تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ يس: آية (69).
لئلّا تدخل الشّبهة على من أرسل إليهم فيظنّوا أنّه قوي على القرآن بما في طبعه من القوّة في الشّعر.
والرسول الذي حمل مشعل الهداية، و تحدّى قوى الكفر و الضلال، و أعلن منذ البدء أنّه النذير المبين، و الذي جانب ومنذ صباه اللهو و العبث، واتسمت حياته الرسالية بأقصى درجات الصراع ضد الباطل، و الاجتهاد في إبلاغ الدعوة، و الجهاد و القتال في سبيل إعلاء كلمة اللّه، إنّه لا تتناسب حياته و الشعر (تلك الثقافة الجاهلية) فكلّ شيء في حياته مناقض للشعر، لذلك قال ربنا عنه: «وَ ما يَنْبَغِي لَهُ».
لماذا لا يليق بالرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يكون شاعرا
فلأنّ طبيعة الشعر تختلف تماما عن الوحي الإلهي، للأسباب التالية:
1- إنّ أساس الشعر- عادة- هو الخيال و الوهم، و الحال أنّ الوحي يستمدّ وجوده من مبدأ الوجود و يدور حول محور الحقيقة.
2- الشعر يفيض من العواطف الإنسانية المتغيّرة، و هي في حال تغيّر و تبدّل مستمرين، أمّا الوحي الإلهي فمرآة الحقائق الكونية الثابتة.
3- لطافة الشعر تنبع في الغالب من الإغراق في التمثيل و التشبيه والمبالغة، إلى درجة أن قيل «أحسن الشعر أكذبه»، أمّا الوحي فليس إلّا الصدق.
فإنّ طبيعة أغلب الشعراء كما ورد أعلاه.
لذا فإنّ القرآن الكريم يقول في آخر سورة الشعراء: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ.الشعراء، 224- 226.
يستثنى من ذلك الشعراء المؤمنون الذين يسخّرون فنّهم في سبيل أهدافهم السامية، و هم مستثنون من ذلك التعميم و لهم حساب آخر.
ولكن على أيّة حال فإنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يمكن أن يكون شاعرا، و عند ما يقول تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ فمفهومه أنّه مجانب للشعر لأنّ جميع التعاليم النازلة إليه هي من اللّه تعالى.
و المحصل أن عدم تعليمنا إياه الشعر ليس يوجب نقصا فيه و لا أنه تعجيز له بل لرفع درجته وتنزيه ساحته عما يتعاوره العارف بصناعة الشعر فيقع في معرض تزيين المعاني بالتخيلات الشعرية الكاذبة التي كلما أمعن فيها كان الكلام أوقع في النفس، و تنظيم الكلام بأوزان موسيقية ليكون أوقع في السمع، فلا ينبغي له (ص) أن يقول الشعر وهو رسول من الله وآية رسالته ومتن دعوته القرآن المعجز في بيانه الذي هو ذكر و قرآن مبين.
وقوله: «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ»
النّوع الثّاني ما أبيح له دون غيره
قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء: (107).
وقال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التوبة: (128).
فجاءت شريعته مبنيّة على التّيسير والسّهولة والتّخفيف والرّحمة ورفع الحرج والآصار والأغلال ما يلائم اختلاف الأجيال وحاجات العصور وشتّى البقاع.
فمن ذلك نهيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمّته عن مواصلة صوم يومين فصاعدا من غير أكل أو شرب بينهما لما في ذلك من المشقّة وحصول المفسدة المترتّبة على الوصال وهي الملل من العبادة والتّعرّض للتّقصير في بعض وظائف الدّين.
بينما كان ذلك مباحا له صلّى اللّه عليه وسلّم خصوصيّة له دون أمّته.
2- الجمع بين أكثر من أربع نسوة:
شرع اللّه تبارك وتعالى لعباده النّكاح لما فيه من الفوائد العظيمة والحكم الجسيمة، فمن ذلك: الإبقاء على النّوع الإنسانيّ، والتّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج، وترويح النّفس وإيناسها بما أباحه اللّه لتقوى وتنشط على العبادة، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والاجتهاد في كسب الحلال، والعناية بتربية الأولاد إلى غير ذلك من الفوائد والحكم والأسرار.
وقد جاءت الأدلّة الشّرعيّة مبيحة الجمع بين أربع نسوة ومحرّمة الزّيادة على ذلك لآحاد المؤمنين.
قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ».
لا يجوز لأحد غير رسول اللّه أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة.
فهذا الحكم من خصائصه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الّتي انفرد بها دون غيره من الأمّة، ولا خلاف بين العلماء أنّه توفّي صلّى اللّه عليه وسلّم عن تسع نسوة؛ سودة بنت زمعة القرشيّة،وعائشة بنت أبي بكر القرشيّة، وأمّ سلمة هند بنت أبي أميّة القرشيّة، وحفصة بنت عمر القرشيّة، وزينب بنت جحش الأسديّة، وجويرية بنت الحارث المصطلقيّة، وأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشيّة، وصفيّة بنت حييّ النّضيريّة، وميمونة بنت الحارث الهلاليّة.
النّوع الثّالث ما وجب عليه دون غيره
والحكمة في اختصاصه بها زيادة الزّلفى ورفع الدّرجات. ومن ذلك وجوب قيام اللّيل والسّواك
النّوع الرّابع ما اختصّ به عن أمّته من الفضائل والكرامات
كان صلّى اللّه عليه وآله وسلّم معصوما في أقواله وأفعاله لا يجوز عليه الخطأ.
قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى سورة النجم: الآيات (1- 4).
وهذا ممّا يشترك فيه هو والأنبياء عليهم السّلام.
شرّف اللّه- تبارك وتعالى- أزواج نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وخصّهنّ بخصائص ليست لغيرهنّ من النّساء إكراما وإجلالا لعبده ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
قال تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً الأحزاب (53).
وعلى هذا انعقد إجماع العلماء قاطبة أنّ من توفّي عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من أزواجه أنّه يحرم على غيره تزوّجها وذلك من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي انفرد بها عن أمّته.
اختصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّ من رآه في المنام كان كمن رآه في اليقظة.
وهذه الرّؤيا مشروطة بأن يراه الرّائي على صورته الّتي كان عليها في الحياة الدّنيا والّتي جاءت مفصّلة في الأحاديث.